البصرة في الحرب العالمية الاولى

البصرة في الحرب العالمية الاولى

د. حميد حمدان
الانسحاب العثماني من البصرة
خاض البريطانيون ثلاث معارك مع العثمانيين في طريقهم إلى البصرة ، وهي معركة السنية ومعركة سليمان ومعركة سهل ( كوت الزين ) . نتيجة لهذه الهزائم ولموقف القوات العثمانية الضعيف بدأ العثمانيون الانسحاب من البصرة في ليلة 19 ـ 20 / 11 / 1914 ، بطريقي القرنة والناصرية ، وقد بدأت مغادرة القوات العثمانية ،

مع المأمورين في الليلة نفسها وصباح اليوم التالي ، وقد تركت البصرة بدون أي سلطة إدارية رسمية ، الأمر الذي عرضها للكثير من الاضطرابات الأمنية ، وقد دعا ذلك رئيس البلدية صالح بك آل عبد الواحد وعدد من كبار الملاك إلى تأليف قوة محلية مؤقتة للحفاظ على الأمن في المدينة .
وقد علم البريطانيون بالانسحاب العثماني من خلال الشيخ خزعل ليلة 20 / 11 / 1914 ، وفي صباح اليوم التالي توجه جماعة بينهم رئيس البلدية واحد كبار الجار ويدعى محمد آغا جعفر كازروني مع السيد توملسن وكيل محل حوك الأميركي والسيد ويلسن وكيل محل بريتش انديا البريطاني ، في سفينة صغيرة إلى منطقة العائق النهري حيث أكدوا للبريطانيين بالانسحاب العثماني وعرضوا لهم حالة الاضطراب التي تسود البصرة وعلى الأثر تحركت السفن البريطانية ( اسبيكل وأدون ) نحو البصرة ، وقد وصلتا في الساعة الخامسة والنصف مساءً .
وأعلن رئيس البلدية ، حينذاك عن مجيء البريطانيين إلى البصرة وعلى الرغم من إن عدداً من الجنود البريطانيين نزلوا إلى المدينة في حينه ، إلا أنهم عادوا إلى سفنهم في الليلة نفسها وكان نزولهم بشكل كبير في ليلة ( 22تشرين الثاني ) الذي وصلت فيه القوات البريطانية الزاحفة براً ، وجرى احتلال المراكز الرسمية فيها ورفع العلم البريطاني عليها . وأسر القنصل الألماني وكاتبه وأربعة من الألمان وسفروا إلى الهند .
دخل الفريق باريت البصرة رسمياً ، صباح اليوم الثالث والعشرين من شهر تشرين الثاني سنة 1914 ، واستعرضت القوات البريطانية في شوارع البصرة وانتهت إلى مكان عند جسر العشار ، حيث دعي كبار الشخصيات البصرية المتنفذة اقتصادياً واجتماعياً ، وقد رفع العلم البريطاني ، وألقى نعوم عبو ، مترجم القنصلية البريطانية السابق ( بعد إخراجه من السجن العثماني ) خطاباً سبق وان أعده سير برسي كوكس ، وهو يؤكد المضامين السابقة ذاتها للبيانات البريطانية ، وطلب تعاون الجمهور ووعد بحرية الحياة والعبادة وندد بالسلطة العثمانية وحملها كل الأوزار الخراب ، وفي مساء اليوم نفسه أرسل الفريق باريت إلى شيخ الزبير إبراهيم آل عبد الله الابراهيم بضرورة اعترافه وخضوعه للسلطة البريطانية ، وقد فعل الأخير ذلك ، ومع هذا أرسل البريطانيون إلى الزبير ثلة من جندهم للتأكد من وجودهم .


الإدارة البريطانية في البصرة
إن الإدارة البريطانية في البصرة كانت إدارة عسكرية رغم كل ما لبست به من اطر مدينة ، ذلك لأن قوانين الحرب وحدها هي التي بررت قيامها واستمرارها ، والحقيقة التي لابد من ذكرها هي إن الإدارة العثمانية كانت في حكم المنتهية حين احتل البريطانيون البصرة ، ذلك لان معظم الموظفين العثمانيين ولاسيما الذين هم من أصل تركي غادروا البصرة عند الانسحاب العسكري العثماني منها ليلة 19 ـ 20 / 11 / 1914 مصطحبين معهم غالبية السجلات الرسمية وأحيانا متلفين لبعضها ، كما اختفى عدد أخر من الموظفين .
لقد بدأت أولى الإجراءات الإدارية البريطانية ليلة 21 ـ 22 / 11 / 1914 ، حين اسند الفريق باريت قائد القوات البريطانية إلى الرائد دارسي براوند Brownlow . c . A ، d وكيل المدعى العام العسكري للحملة البريطانية منصب الحاكم العسكري للبصرة ، فضلاً عن وضيفته وقد وصل الأخير إلى البصرة في 22 / 11 / 1914 وسارع إلى اتخاذ الإجراءات العسكرية الفورية لتحقيق الأمن والنظام ليعطى الصورة العامة في المدينة واقعاً منتهياً.
تولى بناء الجهاز الإداري الجديد سير برسي كوكس ، وكانت أولى خطواته إجراءات أمنية تمثلت في مؤسستي الحاكم العسكري والشرطة . وكان نشاطهما كالأتي :

دائرة الحاكم العسكري
كانت مهمة هذه الدائرة الرئيسة هي تحقيق الأمن العام وإعادة الحياة الطبيعية للمدينة وقد أذاع الحاكم العسكري بياناً دعا فيه السكان إلى مواصلة إعمالهم وتسليم ما بحوزتهم من أسلحة ، ثم سير دوريات حراسة من الجيش ومنع التجول بعد الساعة التاسعة مساءً ثم استعان بالمختارين لتوفير رجال لمجاميع الحراسة مقابل راتب شهري لكل واحد منهم قدره عشر روبيات واستقر مكان الدائرة بعد يومين من الاحتلال في القنصلية الألمانية السابقة .
اتخذ الحاكم العسكري مستشارين بريطانيين من الذين سبق لهم العمل في البلاد ولهم دراية بها هما بولارد Bullard الذي سبق له إن شغل منصب وكيل القنصل البريطاني في البصرة وتوم ديكستر Dexter الذي عمل في السفينة الحربية كوميت التي كانت ملحقة بدائرة المقيم السياسي البريطاني ببغداد ، وقد قسمت البصرة إلى منطقتين إداريتين هما البصرة والعشار وعهد بإدارة كل منهما منطقته إلى عدة محلات ونسق عمله بتعاون وثيق مع المختارين الذين أصبحوا عيوناً للسلطة المحتلة وخصص لكل منهم راتباً شهرياً قدره (20 ) روبية وفضلاً عن ذلك اختار كل وكيل للحاكم العسكري مستشارً له من وجهاء السكان .
في هذا المجال مارس الحاكم العسكري معظم صلاحيات البلدية وشملت الحفاظ على الصحة العامة ومنع تفشي الأمراض ، ولذا فقد ضم ملاك الدائرة منذ نهاية شهر كانون الأول سنة 1914 طبيباً جراحاً مدنياً ، ثم ضابطين مسئولين عن شؤون الصحة في العشار والبصرة . ولقد اهتم البريطانيون بالشؤون البلدية تبعاً لأهميتها فيما يخص مصالحهم فبدأو بالحراسة الليلة وزادوا رواتب موقدي الأضواء في الشوارع ودرسوا أساليب التخلص من الأوساخ في الدور والشوارع وزادو رواتب الكناسين واتخذوا إجراءات لتحسين تجهيزات المياه ، وكان الهدف الأساس هو تأمين الوقاية الصحية لمنتسبي القوات المحتلة . وكان ضابط الصحة الملحق بالدائرة مسئولا عن ذلك فضلاً عن انه كان أيضا مديراً للسجن المدني ومستشفى الحمايات .
وقد خفت مهامه البلدية في إطار الصيانة الصحية التنفيذية في مطلع سنة 1917 حين عين سكرتيراً هندياً للبلدية . فضلاً عما تقدم إن الحاكم العسكري عني ـ وبغية ترسيخ إقدام السلطة المحتلة اجتماعياً ـ بدراسة طلبات التعويض عن الأضرار التي أصابت الممتلكات الخاصة بتأثير الحرب وقطع الأشجار لإنشاء المعسكرات وتدمير الجدران ومراقبة الملاهي ومحلات بيع المشروبات الروحية لمنعها من بيع المسكرات إلى العسكريين البريطانيين كما جرى الاهتمام بالطرق والجسور لأهميتها للمصالح البريطانية العسكرية والاقتصادية ، وكذلك وسائل النقل إذ جلبت عربات من بومباي في الهند لتشجيع استعمالها بدلاً من العربات المحلية وبغية مراقبة السيارات القليلة العاملة بين البصرة والعشار وقد فرض على أصحابها الحصول على إجازات سير مسبقاً وكان يستخدم في بعض الأحيان شرطي لإيقاف العربات وإنزال بعض المواطنين وهم في منتصف طريقهم وإعطاء أماكنهم لأي ضابط بريطاني .

دائرة الشرطة
بعد انسحاب واختفاء الجندرمة ( الضبطية ) العثمانية اضطرب حبل الأمن في البصرة ولذا طلب كوكس ، بعد الاحتلال ، من حكومة الهند إن تعيره خدمات المقدم كريكس Gregson . G . E ، واسند إليه منصب مفوض ( قوميسير ) الشرطة ، في 24 / 11 / 1914 ، فشرع هذا بفتح ثلاثة مخافر في البصرة والعشار ومنطقة الميناء وفي العام التالي تم فتح مخافر في أبي الخصيب والمعقل والهارثة والفاو . واعتمد على إفراد من الشرطة كان معظمهم من المسلمين الهنود كما جلب قليلا من
الشرطة من الصومال وعدن ، ثم عين كريكسن عدداً من المواطنين كمساعدين له في إدارة المخافر الثلاث الأولى ، هذا وقد الفت في خارج المدن قوة نظامية سميت بــ ( شبانه ) كان رجالها من إفراد القبائل وتعمل في حدود أماكنها وتخضع لسلطة الضابط السياسيين وقد مارست أعمال الحراسة والدورية وجمع الواردات ونقل الرسائل .
تعاون مفوض ( قوميسير ) الشرطة من الناحية الإدارية مع الحاكم العسكري إذ كان يقدم للأخير تقريراً أسبوعيا ، وخوّله الحاكم سلطة قضائية محدودة لا تتجاوز الحكم بالسجن مع الأشغال لمدة ثمانية وعشرون يومياً وفرض غرامة مالية لا تزيد على مائة روبية ، وقد تنامت قوة الشرطة في السنوات التالية بعد تركز قدم الاحتلال على الرغم من أنها بقيت لمدة طويلة غير مندمجة مع السكان وأسيء أحيانا استخدام السلطة الممنوحة لموظفيها ومراتبها .

القضاء
تعطل نشاط السلطة القضائية مباشرة بعد الاحتلال ، ولذا خول الحاكم العسكري صلاحيات قضائية منح هو منها صلاحيات محدودة إلى وكلائه ومفوض الشرطة لمعالجة القضايا الجرمية التي تقطع في المدينة ، ولم يكن من ضمن هذه الصلاحيات حق معالجة دعاوي التركات والأراضي ، وتولى الضابط السياسيون النظر في القضايا المشابهة في المناطق الريفية ، والفت هيئات عسكرية للنظر في القضايا الجرمية الخطيرة ، وهكذا عولجت قضايا السكر والسرقة الطفيفة والسلطة المسلح وقد تشددت السلطة المحتلة بالنسبة للقضايا الأخيرة لمنع أي عمل مهدد للأمن مما قد يؤثر على الموقف العسكري البريطاني .
لقد امتنعت السلطة المحتلة عن تطبيق النظام القضائي العثماني السابق محتجة برحيل معظم الموظفين القانونيين ولهذا عينت ضابطاً عدلياً أقدم هو المقدم سيتورات جورج نوكس knox في السابع من نيسان سنة 1915 ، وهو محام يتكلم اللغة العربية باللهجة البدوية ، وعين هو النقيب جارلس فريز مكنزي . F . C mackenzie وهو يحسن اللغة العربية أيضا وله خبرة قانونية ، كضابط عدلي اصغر ، وكان كلاهما من الدائرة السياسية الهندية ، وعين خان بهادر ورستم علي كمساعد ضابط عدلي ، وعهد بصلاحيات الكاتب العدل إلى شركة كري مكنزي وفرع المصرف العثماني بالبصرة .
إن مدة الاحتلال البريطاني للبصرة ، تميزت بزيادة في عدد السجناء بصورة تدريجية ، وربما يعود ذلك إلى تغيير الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية خاصة وان البصرة شهدت خلال هذه الفترة زيادة ملحوظة في عدد الوافدين إليها من أماكن مختلفة ، مما سبب في حالات كثيرة مشاكل أمنية في داخل المدينة وقد برز ذلك في تعدد جنسيات السجناء وازدحام السجن مما دفع السلطة المحتلة إلى إنشاء معسكر اعتقال صحراوي واستخدام السجناء في شتى الأعمال التي تخدم مصلحة السلطة المحتلة .

الدائرة السياسية والتنظيم الإداري .
خول كوكس ، منذ الأيام الأولى للاحتلال إن يعين ضابطاً بوظائف إدارية ، كضباط سياسيين أو معاونين لهم ، وقد اتصفت مهمة هؤلاء بطابع الوساطة بين القوات المحتلة والسكان في كل الميادين وخاصة تلبية حاجات الجهة الأولى من الموارد المحلية المختلفة والعمال ، وان يوضحوا للسكان من خلال المختارين وغيرهم طبيعة الأوامر التي تصدرها السلطة المحتلة وتثمين الأضرار التي أصابت مزارع النخيل بفعل الحركات العسكرية مع تقدير التعويضات وحسم النزاعات المدنية بين رجال العشائر ، كما إن عليهم متابعة واردات الأرض وتسجيل الأراضي ( الطابو ) والضرائب والواردات الخاصة وقضايا التبغ والمخدرات والأوقاف ـ في السنتين الأوليتين من الاحتلال ـ وصندوق إسعاف الفقراء المسلمين ، وفي الوقت الذي كان فيه الضباط السياسيون مسئولين أمام كوكس كان الأخير عضواً في هيئة أركان القوات المحتلة ومسئولا أمام القائد العام وكان ارنولد تالبوت ولسن WILSON . T . A مساعداً مباشراً له ثم أصبح وكيلاً يتولى عنه الأمور في البصرة حين يكون في الجبهة ، ولما تم احتلال بغداد انتقل ، كوكس إليها وأصبح بعد أربعة أشهر مفوضاً مدنياً CiViL COMMiSSiONER وعهد أمر ولاية البصرة إلى وكيله الذي بقي في البصرة إلى شهر أيلول سنة 1917 ثم غادرها الأخير إلى بغداد فحل محله ايفلن هويل EVeLY N HOWELL إلى إن تقرير لاسباب سياسية إلغاء التقسيمات الإدارية على أساس الولاية وتقسيم المناطق المحتلة إلى تسعة ألوية ترتبط ببغداد في شهر أيلول سنة 1918 . والغي منصب الحاكم العسكري بعد وقت من إعلان الهدنة ـ كما سبقت الإشارة ـ ولكن في البصرة بقي الضابط السياسي يحتفظ بلقب الحاكم العسكري أيضا ، بل وأطلقت عليه جريدة الأوقات البصرية المصادرة آنذاك لقب محافظ البصرة السياسي والعسكري .
لقد كان الضباط السياسيون يرفعون تقريراً سنوية إلى الدائرة السياسية في البصرة ، تتضمن تفاصيل لمختلف النشاطات الرسمية والمحلية ودراسة وافية للأحوال العامة ، وكانت توحد هذه التقارير وترسل إلى الحكومة الهند لأنها وثائق بالغة الأهمية بالنسبة للتخطيط السياسي والاقتصادي الاستعماري في المناطق المحتلة .

التقسيمات الإدارية
كان لواء البصرة يضم في تقسيماته الإدارية في العهد العثماني ،قضاء البصرة واقضية القرنة والفاو والكويت وقد كان القضاء الأخير مستقلاً من الناحية العملية ، ويتبع كل من الاقضية المشار إليها عدداً من النواحي ، فقضاء البصرة كان يلحقه نواحي أبي الخصيب وشط العرب والهارثة والزبير وقضاء القرنة يلحقه كل من المدينة وبني منصور والدير والشرش والنشوة وقضاء الفاو يلحق مركز الفاو والسيبة والمحلية ، وحين احتل البريطانيون البصرة قاموا بإعادة التقسيم الإداري في البصرة ، حيث قسموها إلى نواح هي الفاو وأبو الخصيب والهارثة وشط العرب ، وعهدوا بأمر الزبير إلى شيخها إبراهيم وتم فصل القرنة كمنطقة مستقلة ، كما قاموا بإغراء الشيوخ لتوالي شؤون الإدارة في مناطقهم لتقوية الروح العشائرية وإضعاف الوحدة الوطنية كما تقربوا إلى كبار الملاك والمتنفذين من خلال الأمر ذاته ، ولستراتيجية موقع الفاو جرى استثناءها ، إذ عين لإدارتها في معظم الأحيان الموظف البريطاني المسؤول عن محطة البرق .
وكان كل مدير ناحية يستمد صلاحياته من صلاحيات مساعد الضابط السياسي في المنطقة الذي كانت له صلاحيات واسعة ، ولقد بقي هذا التقسيم الإداري قائماً في البصرة حتى أواخر سنة 1918 ، حين حلت ولايتي بغداد والبصرة وأعيد النظر في تقسيمات الإدارة بالبصرة فدمجت القرنة بالبصرة في لواء واحد يضم عدداً من الاقضية والنواحي .

البلدية
كان آخر رئيس لبلدية البصرة في العهد العثماني ، هو صالح بك آل عبد الواحد ، ولقد سبق القول بأنه بعد الاحتلال البريطاني أصبحت معظم مهام البلدية ضمن واجبات الحاكم العسكري في المناطق المدينة وضمن واجبات الضابط السياسي في المناطق الريفية تساعده في ذلك هيئة محلية تضم بضعة أشخاص من كبار الملاك والتجار والمتنفذين .

الخدمات العامة
علمت السلطة المحتلة من خلال الخدمات العامة على ضمان مصالحها أساسا لذلك فأن ما حصل عليه السكان من خدمات هو أمر فرضته طبيعة الأحوال والدوافع المصلحية للمحتلين كتشجيع المواطنين للتعاون معها ، كما إن تحسن الصحة العامة ، مثلاُُ يؤمن سلامة القوات المحتلة صحياً ويجعل المواطنين أكثر انتاجاًَ في العمل المصاحب للحركات العسكرية وفي المجالات الاقتصادية الأمر الذي يفيدهم كمستغلين للجهود وجامعين للضرائب المفروضة على النشاط الاقتصادي .
احتوت الخدمات المقدمة مجالات متعددة ، كالتعليم والصحافة والمكتبات والصحة ومشاريع تنظيم الطرق والجسور وغيرها ، ولعل ابرز ما قدم من خدمات من حيث ارتباطها بحياة السكان كان الخدمات الثقافية متمثلة بالتعليم والصحافة .
عند احتلال البصرة كان هناك مدرسة واحدة هي دار للمعلمين ومدرسة ثانوية في البصرة وثلاث مدارس ابتدائية موزعة في البصرة والعشار وأبي الخصيب ومدرسة ابتدائية صغيرة في الدعيجي تصرف عليها دائرة أراضي السنية ( التاج ) ، والى جانب ذلك كانت هناك الكتاتيب التي تعلم القرآن الكريم والكتابة العربية في المساجد والجوامع وتصرف عليها دائرتا الأوقاف والمعارف ، ومن ناحية أخرى هناك مدارس تبشيرية مثل مدرسة البعثة التبشيرية الأميركية وهي بقسمين ابتدائي وثانوي ومدارس الآباء الكرمليين والكنيسة الكلدانية ومدرسة الاليانس اليهودية .

الصحافة
تعطلت الصحف الوطنية اثر دخول القنوات البريطانية ولم يصدر منها سوى عدد واحد لجريدة الدستور البصرية ، التي كانت تصدر قبل الاحتلال وتدافع عن القضايا الوطنية وقد حمل الرقم 116 واورخ في الجمعة 13 / 12 / 1914 واحتوى على بيانات السلطة المحتلة وعرض الأوضاع العامة في البصرة عشية الانسحاب العثماني منها وتقدم محرر العدد بطلب إلى السلطة المحتلة راجياً زيادة عدد المترجمين في الدوائر الرسمية . ولم يصدر بعده أي عدد آخر . بل اصدر البريطانيون جريدة الأوقات البصرية وجملة نشرات أخرى بعد إن صادروا مطبعة الولاية الرسمية واشتروا المطبعتين الأخريين ، كما انشأوا مطبعة خاصة بهم ألحقت في البدء بجريدة البصرة في الحرب العالمية الأولى
الأوقات البصرية حتى شهر تشرين الأول سنة 1916 حين الفت لها هيئة خاصة لإدارتها وبنهاية مدة الاحتلال عهد بها إلى شركة ذات مسؤولية محدودة .
كان أول عدد لجريدة الأوقات في 29 / 11 / 1914 باللغة الانكليزية واستمرت على شكل نشرات يومية وصدرت الطبعة العربية في أوائل سنة 1915 وتعاقب على تحريرها عدد من المحررين البريطانيين من أشهرهم جون فيلبي . وقد تطورت إلى أربع صفحات وأصدرت في سنة 1916 نسخة باللغة الفارسية بصورة أسبوعية .
هدف المحتلون من إصدار الجريدة إلى تحقيق تأثير سياسي ومعنوي على السكان ودعم القوات البريطانية المحاربة ، ولهذا كانت ترسل نسخة مجانية منها إلى الجنود البريطانيين في الجبهة ، وقد عرضت الصحيفة بمقالاتها المختلفة بالعهد العثماني بينما كانت تمجد أعمال البريطانيين وتدعوا السكان إلى التعاون مع المحتلين هذا وقد نقلت ملكية الطبعة العربية من الجريدة على شكل امتياز إلى سليمان بك الزهير في أوائل شهر نيسان سنة 1920 واستمرت الجريدة بالصدور إلى سنة 1921 حين احتجبت .

الخدمات الصحية
نظراً لازدحام المدينة بالقوات البريطانية ولضرورة حمايتها صحياً خاصة ، وهي تواجه ظروفا مناخية جديدة عليها ، فقد سارع المحتلون إلى تحديد أماكن معينة كمستشفيات لاستقبال المرضى والجرحى من العسكريين . كان أهمها قصر الشيخ خزعل في الرباط الذي أصبح مستشفى للقاعدة العسكرية وقصر الحاج محمود النعمة في منطقة يوسف المطل على شط العرب كمستشفى للضباط ومستشفى آخر داخل المعسكر البريطاني في شمال البصرة ، فضلاً عن العديد من السفن المهيأة كمستشفيات صغيرة . كما استفيد من خدمات المستشفى لانسنك التذكاري الخاص بالبعثة التبشيرية الأمريكية في البصرة ، وعين الرائد نورمن سكوت SCOTT ( الذي سبق له العمل كطبيب للمقيمية البريطانية في بغداد ) في 30 / كانون الأول سنة 1914 ، بصفة طبيب مدني يشرف على الشؤون الصحية بالبصرة ذلك إلى مستشفى ووسع بصورة تدريجية فصار يضم في نهاية كانون الأول سنة 1917 مائة وخمسين سريراً وجهزت صالة العمليات بالمعدات الأزمة وقد اشتريت من الهند بمبلغ عشرة ألاف روبية تبرع بها احد المواطنين . ثم الحق بالمستشفى عيادة خارجية كان يراجعها الكثير من المواطنين .
توسعت بناية المستشفى ، خاصة في النصف الثاني من سنة 1917 حين افتتحت بناية خاصة بالجراحة في 1 / 7 / 1917 تضم ستين سريراً وجناح خاص بالنساء في الأول من شهر أيلول من العام نفسه ، ضم ثلاثين سريراً ومع ذلك ظل المستشفى قاصراً ، فأخذت السلطة المحتلة تجمع التبرعات من المواطنين لإنشاء ، مستشفى جديد بالبصرة ولم تتم المباشرة الفعلية لانشاءه إلا في سنة 1922 هذا وقد فتحت ثلاث مستوصفات في البصرة والعشار والزبير .
16 / تموز / 1915 . وقد جلبت الحرب الكثير من الأمراض السارية إلى البصرة ، حتى إن بعضها لم يكن شائعاً بل وغير معروف قبل ذلك وقد جاءت إليها مع سفن التجهيزات والإمداد البريطانية ولم تكن البصرة مصدراً لأي مرض معد إلى أي مكان آخر . ومع ذلك كانت الخطوات الصحية المتخذة جيدة على وجه العموم .

الخدمات العامة الأخرى
إن ما قدمته السلطة المحتلة من خدمات في المجالات الأخرى لم يكن بالمستوى نفسه ، على الرغم أنها الفت لجنتين على التوالي ، في 18 / 6 / 1915 و 25 / 10 / 1917 ضمت مسؤولين بريطانيين وبعض المتنفذين اقتصادياً واجتماعياً من السكان المتعاونين مع السلطة المحتلة ، لدراسة أوضاع البصرة ومحاولة تطويرها . وقد أجريت بعض الإصلاحات كترميم وبناء مجاري المياه القذرة على طريق العشار ـ البصرة وتعميق مدخل نهر العشار وبعض الإصلاحات على عدد من المجاري وطمر احد الأنهر . وقد حلت اللجنة الأخيرة في أواخر 1918 . وهكذا ظلت الخدمات المقدمة للمواطنين تعاني من الجمود خاصة مشاريع تجهيز الماء النقي وظل الناس يأخذون ما يحتاجون من ماء من الأنهار بعكس بيوت إفراد السلطة المحتلة الذين كانوا يجهزون بمياه معقمة توزع بعربات ثم مد أنبوب لهذا الغرض .