من احاديث محمود صبحي الدفتري ..اخبار ولاة بغداد ونوادرهم

من احاديث محمود صبحي الدفتري ..اخبار ولاة بغداد ونوادرهم

مير بصري
ان معرفة الدفتري بولاة بغداد واخبارهم لا يدانيه فيه مدان ، وقد عرف فريقاً من متأخريهم معرفة شخصية.ومن الولاة الذين سمع بهم وعلم احوالهم تقي الدين باشا آل المدرس الحلبي الذي وِلِي امور بغداد مرتين ، وقد نشأ – على ما اخبرنا استاذنا الدفتري – نشأة دينية واصبح مفتي حلب . كان لبقاً فطناً جريئاً الى حد لا يتفق وحرمة الافتاء ، فعزله الوالي . وقرر الشيخ تقي الدين ان يشخص الى الاستانة ليشكو والي حلب الى الصدر الاعظم، لكنه رأى الذهاب اولاً الى المدينة المنورة ليتبرك بزيارة قبر الرسول الاعظم ثم يعرج من ثم على دار الخلافة .


ولما وصل اليها بعد مضي وقت طويل ، سأل عن الصدر الاعظم فقيل له انه نفس الوالي الذي تركه في حلب وقد استدعي خلال ذلك الى العاصمة وقلد منصب الوزارة . ولم يفت ذلك في عضد الشيخ فطلب مواجهة الصدر الاعظم وقال له : يا سيدي ، لقد عزلتني بغير حق . وقد جئت الى الاستانة لأشكو امري الى الصدر الاعظم بعد ان زرت قبر النبي ، فالان اشكو اليك والي حلب سائلاً اياك النِصفة والعدل .
فابتسم رئيس الوزارة وقال : ايها الشيخ ، انك اصلح للادارة منك للقضاء ، فهل ترضى ان تخلع العمامة والقفطان فتكون متصرفاً ؟. قال : نعم . وعين تقي الدين بك متصرفاً واظهر في منصبه الجديد مقدرة وكفاءة ، ولم يمض طويل وقت حتى عين والياً في بغداد ، وعمره نحو 35 سنة .
وبلغ من ذكاء تقي الدين باشا انه كان يزور الاستانة ذات مرة فدعي الى مقابلة السلطان عبد الحميد . فلما مثل بين يديه وانحنى ليلثم اذياله سقط الوسام المعلق على صدره ، فما كان من الوالي الا ان قال : " ان الوسام يقبل اقدام مولانا صاحب الجلالة ويسأله الترفيع " . فأمر السلطان بمنحه وساماً اعلى درجة .
ومن الولاة الذين اعجب بهم الدفتري مصطفى عاصم باشا الذي كان له شأن في ولاية بغداد والشام . ابدى حزماً وصولة وقرر مرة ان يهين النقيب السيد سلمان لخبر بلغه عنه ، غير عابئ بمكانة النقيب لدى السلطان عبد الحميد . بيد ان بعض اشراف بغداد قد تمكنوا من تدارك الامر واعلام النقيب بتجنب حضور اجتماع مجلس الولاية حتى انجلى الامر .
ويروي الدفتري ان عبد الوهاب باشا الالباني الذي تسنم منصب ولاية بغداد بعد ذلك ، وكان منسوباً الى مصطفى عاصم باشا ، كان يلعب الشطرنج مع اسماعيل الدفتري جد محمود صبحي ، فتوقف عن اللعب وسأله : هل عرفت الوالي مصطفى عاصم ؟ . قال اجل ، وقد كنت رئيس البلدية في عهده . فقام الوالي عبدالوهاب وعانقه وقبله قائلاً : لقد كان رجلاً عظيماً حقاً . كنت متصرفاً في بعض الالوية التابعة لولاية الشام وعزلتني الدولة لأمرٍ بدر مني ، لكنه أبرق الى استانبول متحملاً التبعة هو نفسه وطالباً ابقائي في منصبي ، فبقيت …
وعرف محمود صبحي رئيس اللجنة الاصلاحية ووكيل الوالي ناظم باشا – وهو غير فريق حسين ناظم باشا الشهير الذي صار والي بغداد بعد ذلك . فقد عين كاتباً بدائرة الولاية في زمانه وعهدت اليه مباشرة الامور السرية. وكان ناظم باشا هذا من رجالات الدولة القديرين ، أصبح بعد ذلك وزيراً للعدل في استانبول.
وخلف في ولاية بغداد نجم الدين الملا ، وكان معمماً في نحو الاربعين من عمره ( 1908 ) .
ولم يطل امد ولايته اكثر من اربعة اشهر ، اذ استدعـي الى العاصمة التركية وقلد وزارة العدل . واستمر الدفتري يعمل كاتباً سرياً له في الولاية .
قال الاستاذ الدفتري : استدعاني نجم الدين بك ذات يوم الى غرفته ودفع اليّ برقية رمزية واردة من استانبول واخرج مفتاح الرمز من الصندوق الحديد وكلفني ان احل رموزها على مكتب في زاوية الغرفة . ولم آكد أجلس واشرع بالعمل حتى دخل سكرتير وقال للوالي : ان قنصل روسية القيصرية العام يريد مواجهته ، فاذن له بالدخول . وقمت انئذ اخرج بصمت ، لكن نجم الدين بك اشار اليّ بالجلوس ومواصلة العمل .
دخل القنصل ، وكان معروفاً بالشدة والشراسة، فكلم الوالي بشأن من الشؤون واذا به يضرب على المنضدة بجمع كفه ويصرخ قائلاً : انني ممثل صاحب الجلالة القيصر ولا ارضى إلا بإجابة مطلبي !.. لكن تلك الوسيلة لم تخف الوالي ، فضرب وهو ايضاً بشدة على المنضدة ورفع صوته يقول : وانا ممثل السلطان الاعظم في هذا البلد ولا اسمح لاحد ان يتكلم على هذا المنوال بحضوري . وكان هذا الجواب كافياً لردع القنصل الذي قال بصوت هادئ الان نستطيع ان نتفاهم …
وكانت صلة الدفتري بسليمان نظيف الوالي الاديب وثيقة ، بدأت في بغداد وتطورت في الاستانة حتى اصبحت صداقة
ومودة . جاء هذا الوالي الى بغداد في اثناء الحرب العامة ، ولما استقبل الموظفين والمدرسين للتعرف عليهم ، استرعى نظره مدرس الادب التركي الشاب فاستبقاه لديه واخذ يباحثه في الشؤون الادبية . وكان الوالي يجلس للناس في صباح الجمعة فيحضر لديه اشراف بغداد وعلماؤها وادباؤها ، وفي مقدمتهم جميل صدقي الزهاوي، وقناصل الدول وغيرهم. وفي احد ايام الجمعة، والمجلس غاص بالزائرين ، دخل السكرتير واسر في اذن الوالي ان الرجل قد احضر . فقام سليمان نظيف بك الى الغرفة المجاورة وامر بضرب الرجل ضرباً مبرحاً ولما عاد الى مجلسه اتجهت اليه الانظار متسألة فقال : ان السلطة العسكرية قد امرت بالاخبار عن الحبوب والبقول التي لدى الاهلين لتموين الجيش ، وهذا الرجل على ما علمت دأبه ترصد الفقراء والارامل وذوي الحاجة ورفع الأخبار عما قد يكون في حوزتهم من قمح وأرز قليل لمعيشتهم ، فلم ار بداً من تاديبه على الوجه الذي رأيتم…

الوالي عبد الرحمن باشا
من ولاة بغداد الذين سمع بهم محمود صبحي الدفتري وحدثنا عنهم : عبد الرحمن باشا ابن الحاج علي باشا الذي تقلد الولاية مرتين سنة 1875- 1877 و 1879 – 1881 ، وكان صدراً اعظم على عهد السلطان عبد الحميد الثاني . كان عبد الرحمن باشا معروفاً بالحرص على التقاليد الرسمية (البروتوكول)، حتى انه كان يدعو ابنه حين يتحدث عنه : عارف حكمت باشا حضرتلري ، ولا يقول : ولدي عارف ! . وكان ابنه هذا قد تقلد وزارة العدلية العثمانية واقترن بالاميرة نائلة ابنة السلطان عبد الحميد سنة 1905 .
وكان ممتاز الدفتري ( خال محمود صبحي ) قد اتم دراسته الاعدادية في استانبول وعين مدير ناحية في ولاية ادرنة ، وكان واليها انذاك عبد الرحمن باشا والي بغداد سابقاً وذهب مدير الناحية ليسلم على الوالي ، فسأله عن اسمه ، فقال : ممتاز البغدادي . ولما سمع الباشا بأسم بغداد ، هاجته الذكريات اليها ، فادنى الشاب منه وقال له :
ـ انت من بغداد ؟ ومن أي محلاتها ؟
ـ من محلة الحيدر خانة ، يا سيدي الباشا .
ـ وهل داركم قريبة من دار ابراهيم افندي (الدفتري ) رئيس البلدية ؟ .
ـ ان ابراهيم افندي جدي ، يا سيدي الباشا ، ولما علم الوالي بذلك ربت على كتف ممتاز افندي واجلسه الى جانبه ولاطفه ، وقال للحاضرين : ان هذا الشاب حفيد صديقي ابراهيم افندي رئيس بلدية بغداد . وانا لا اذكر بغداد الا ذكرت ابراهيم افندي ، ولا اسمع اسم ابراهيم ، اياً كان ، الا ذكرت بغداد! .

السيد سلمان نقيب والوالي مصطفى عاصم باشا
حدثني محمود صبحي الدفتري ان السيد سلمان الكيلاني نقيب الاشراف عاد من استانبول سنة 1887 بعد رحلة نال فيها رعاية السلطان عبد الحميد الثاني وألطافه وحصل على اوسمة رفيعة لنفسه وابناء اسرته . فأصبحت له مكانة مرموقة لدى الوالي والموظفين الاتراك فضلاً عن مقامه لدى الاهلين . وقدم بغداد انذاك والٍ جديد قوي الشكيمة ، معتد بنفسه هو المشير مصطفى عاصم باشا . وسرعان ما حدث خلاف بين الوالي والنقيب ، وتدخل الوالي في شؤون الاوقاف القادرية واراد الوقيعة بالسيد سلمان وتقليص نفوذه ، فقام هذا بالتشنيع عليه وشكايته الى الباب العالي في استانبول .
وحل شهر رمضان ، وكان مجلس ادارة الولاية يجتمع في اثنائه ليلاً في السراي المطل على نهر دجلة . وكان اعضاء المجلس يتواردون على السراي بعد الافطار ، منهم في عرباتهم التي تجرها الخيل ، ومنهم على اقدامهم يتقدمهم خادم يحمل مصباحاً لينير الازقة المظلمة . وكان ابناء الاشراف والموظفون يأتون الى السراي في ليالي اجتماع المجلس ، فيجلسون على نهر دجلة يتسامرون ويحتسون القهوة ويتسقطون الاخبار الرسمية وشؤون الولاية . والتأم المجلس ذات مساء ، وجاء مصطفى عاصم باشا يتميز غيظاً بعد ان سمع بشكاية النقيب عليه ، ودخل وعيناه تقدحان شرراً وقال : أين النقيب ، لاهيننه الليلة واعرفه منزلته واضعه في موضعه فلا يتطاول بعد هذا على مقام الولاية.
وكان السيد سلمان ، وهو من اعضاء المجلس . قد تأخر في المجيء . فخرج اسماعيل الدفتري ( جد محمود صبحي ) من قاعة الجلسة ونادى ابنه فؤاد ، وكان حاضراً في السراي ، وافهمه الموقف وقال له : اذا جاء السيد سلمان فكلمه متلطفاً وحل دون دخوله الى القاعة . وأوصاه ان لايخبره بما دار في المجلس لانه رجل جريء مقدام ولا يتورع عن مجابهة الوالي وتحديه علناً ، وتكون انذاك الطامة الكبرى .
وقف فؤاد الدفتري في باب السراي . ولم تمض دقائق
حتى قدمت عربة النقيب . فترجل بأبهة ووقار ، واسرع فؤاد فحياه بإحترام فائق وأخذ بيده وقال له : سيدي النقيب ، الا
تتفضل فتشرفنا هنيهة وتشرب القهوة معنا ؟ . قال النقيب : ولكن المجلس قد اجتمع . فلاطفه فؤاد وقال له : ان الجلسة تنتهي قريباً ولا يليق بك ان تحضر أواخرها . وما زال به حتى مضى الى مقاعد الاشراف والشبان على شاطئ النهر ، ولعله علم ان شيئاً ما قد حدث فالافضل ان لايحضر الاجتماع .
واستمر النزاع بين الوالي والنقيب حتى ابتليت بغداد بوباء الهيضة في ايلول 1889 وتوفي بها حبر اليهود الحاخام عبدالله ابراهيم سوميخ ، فدفن في مرقد يوشع الكاهن الاكبر بجانب الكرخ . وأمر الوالي باخراج جثته واعادة دفنها خارج السور ، فهاج اليهود وشكوا الامر الى السلطان .
وتفاقمت القضية ، فاستدعى الصدر الاعظم الوالي على الة البرق وكلمه بحضور السلطان يسأله عن الموضوع فتكلم مصطفى عاصم باشا بحدة . قال له الصدر الاعظم : ان مولانا امير المؤمنين حاضر يستمع الى افادتك ، فقال الوالي : انا خادم مولانا السلطان والثم قدميه . لكنه لم يخفف من غلوائه ، فأمر السلطان بنقله من ولاية بغداد فوراً الى ولاية أطنة ، وهي من ولايات الصنف الثالث.
غادر المشير مصطفى عاصم باشا بغداد بعد ايام قاصداً الأناضول عن طريق عنة وحديثة وحلب. ورق له قلب السلطان فأمر بنقله والياً للشام بدلاً من اطنة ، والشام مثل بغداد من ولايات الصنف الأول . ووردت البرقية الى بغداد بعد مغادرة مصطفى عاصم اياها ، فاستدعي احد الضباط وكلف باللحاق به وتبليغه الامر السلطاني في الطريق .
امتطى الضابط صهوة جواده وقطع المنازل بلا هوادة ولا راحة ، حتى ادرك الوالي المنقول في حديثة ، فتبلغ بالامر مسرورا وانعم على الضابط بهدايا ثمينة . ومضى الى دمشق مركز ولاية الجديدة .
وقد توفي مصطفى عاصم باشا بعد سنتين ( 1891).

رئيس الهيئة الاصلاحية
كان ناظم باشا رئيس الهيئة الاصلاحية من رجال الدولة التركية البارزين بالرغم من صغر سنه ، اذ لم يكن يتجاوز عمره - حين قدم العراق - 45 عاماً . وقد إقترح تأسيس مدرسة حقوق ومدارس اخرى ، وطلب عزل واليي الموصل والبصرة ونقل والي بغداد ، فنفذت مقترحاتها جميعاً .
وكان والي البصرة انذاك ينتمي الى اسرة مرموقة ترتبط بوشيجة المصاهرة مع الاسرة العثمانية المالكة ، وكان ابوه من الصدور العظام . لكن هذا الوالي الشاب كان مرتشياً لا يعبأ بالقانون ولا يخاف العقاب وكانت زوجته فرنسية . وقد استطاع خلال اشهر قليلة من مكوثه في البصرة ان يجمع 25 الف ليرة ذهب . واقترح رئيس الهيئة الاصلاحية عزله . فعزل بالرغم من نفوذ عائلته .
قال محمود صبحي الدفتري : ورد امر عزل الوالي من استانبول برقياً عشية عيد جلوس السلطان عبد الحميد ، فذهب مدير البرق اليه ليبلغه بالعزل . فقال له الوالي: ان غداً عيد الدولة ويجب علي ان احضر مراسيم الاحتفال باسم السلطان ، فارجوا ان تحتفظ بالبرقية الى ظهر الغد فتبلغني بها بعد انتهاء التشريفات . ووافق مدير البرق على ذلك .
واسرع الوالي المعزول فعمل الترتيبات اللازمة للسفر على باخرة انكليزية تقلع من الميناء ظهيرة الغد . وفي الصباح ارسل زوجته وامتعته والليرات الذهبية الكثيرة سراً الى الباخرة اما هو فلبس بزته الرسمية وتقلد اوسمته وترأس الاحتفالات عيد الجلوس. وتقبل تهاني الموظفين والاهلين في السراي، ثم مضى الى الميناء لتحية القوة التركية البحرية. ولما انتهى من ذلك استقل زورق الولاية البخاري مع مرافقيه وحاشيته ، وبدلاً من العودة الى البصرة امر الملاح بالتوجه الى الباخرة البريطانية وقال لاصحابه وهو يهم بالصعود اليها : انني قد عزلت من الولاية ، وفي وسعكم تسلم البرقية من مدير البرق . فاستودعكم الله ، فانني مسافر على هذه الباخرة عائداً الى بلادي .
ولكنه لم يرجع الى استانبول بل ذهب الى مصر عن طريق بمبي ، واقام فيها متمتعاً بثروته المحرمة .

بغداد في العهد العثماني الاخير
حدثني محمود صبحي الدفتري انه يذكر ، وهو غلام يافع ، ان خاله رفعت الجادرجي ، وكان رئيس بلدية بغداد انذاك ، قرر ان يتفقد البلدة ليلاً . فاستدعى مساعده وعدداً من موظفي البلدية والمراقبين والحراس فاجتمعوا في داره في الليلة المقررة ولما اقترب منتصف الليل خرج الموكب يتقدمه حملة المشاعل والفوانيس النفطية وسار في الطرق الملتوية والازقة الضيقة المملوءة بالحفر والاخاديد كانت بغداد في مطلع القرن العشرين تهجع في الظلام يكاد يكون دامساً ، لايشقه إلا ضوء ضئيل من الفوانيس التي ثبتت على جدران المنازل في مسافات متباعدة . وكان المستخدمون المعنيون لهذا الغرض يخرجون كل مساء حاملين السلالم ووعاء النفط فيمرون بالازقة ويضعون النفط في الفوانيس ويوقدونها .
وكان نورها من الخفوت بحيث يضرب البغداديون بها المثل قائلين : مثل فوانيس البلدية ما تضيئ إلا نفسها .
ولم يكن في بغداد أي شارع يستحق هذا الاسم ، اذ ان
اول شارع قد شق خلال الحرب العظمى بامر الوالي خليل باشا وافتتحه رئيس البلدية رؤوف الجادرجي ( ابن رفعت الجادرجي ) في 23 تموز 1916 ، وهو الذي سمي في بادئ الامر جادة خليل باشا وعرف بعد ذلك باسم شارع الرشيد . وكان اهل بغداد
يعودون الى دورهم قبل حلول الظلام ، فاذا اضطر احدهم الى الخروج ليلاً لشأن مهم ، حمل الفانوس بيده او حمله امامه بعض خدمه اذا كان من الموسرين .
وسار رفعت الجادرجي في الازقة تتبعه حاشيته،
فتقد الفوانيس النفطية التي لم تكن تضيئ سوى نفسها - كما
كان يقال- ولاحظ الحراس الذين كانوا يسهرون في
منعطفات الطرق،ودوريات "البوليس" القليلة التي كانت
تعقب السراق والمجرمين.ثم عاد الى داره في الهزيع الاخير من الليل.
وظلت جولة رئيس البلدية حديث العام والخاص اياماً طويلة وعدت حدثاً ذا شأن قليل النظير ! .
وقد وصف بغداد ذلك العهد الشاعر عبد الحسين الأزري فقال:
يريبك من بغــــداد ضيـق دروبهـا
كانـك تمشـي في دهـاليز مــن غار
وتزداد منها في دجى اللـيــل ريبـة
فلست ترى من مأمن خارج الدار
مصابيحــها ترنو اليك كانهــــا
عيون سنانير يفتشن عن فار
وقال معروف الرصافي :
أيا سائلا عنا ببــغداد اننــــا
بهائم في بغداد أعوزها النبت
علت أمة الغرب السمـاء وأشرفت
علينا فظلنا ننظر القوم من تحت
فنحن أنــاس لم نزل في بطالة
كانا يهود كل ايامنا سبت
وقال أيضاً يصف الشارع الكبير ببغداد:
نكـب الشاعر الكبير ببغداد
ولا تمش فيه الا اضطرارا
شـــارع ان ركبت متنيه يوماً
تلق فيه السهول والأوعارا
تترامى سنـابك الخيل فيـــه
ان تقحمن وعثه والخبارا
فهي تحثو التراب فيه على الأوجه (م)
حثـــواً وتقــذف الأحــجــارا…