ذكريات أدبية.. تلخص وجدان وهموم شيخ النقاد محمد مندور

ذكريات أدبية.. تلخص وجدان وهموم شيخ النقاد محمد مندور

رويترز
كتاب (ذكريات أدبية) الذي أعده طارق مندور -من بين مسودات ومخطوطات أو مقالات منشورة لأبيه في صحف ولم يضمها كتاب- يلخص كثيرا من الجوانب المتعلقة بحياة مندور وفكره وإبداعاته القصصية والشعرية والمسرحية المبكرة التي حال انشغاله بالنقد الأدبي والعمل السياسي دون إتمامها.


ومندور (1907-1965) الذي مات دون أن يبلغ الستين ترك أعمالا نشر بعضها في حياته وتصيب القارئ بالدهشة والتساؤل.. كيف أنجز هذا التراكم الغزير في النقد الأدبي والفكر السياسي والترجمة ومنها رواية (مدام بوفاري) لجوستاف فلوبير و(دفاع عن الأدب) لجورج ديهاميل و(التاريخ الفكري والسياسي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان) لألبير باييه و(منهج البحث في الأدب واللغة) لكل من ماييه وجوستاف لانسون.
تخرج مندور في كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1929 ثم في كلية الحقوق من الجامعة نفسها عام 1930 وأرسلته الجامعة إلى جامعة السوربون لنيل الدكتوراه في الأدب العربي. وظل مندور منشغلا بالنهل من معارف أوروبا وفنونها خارج الإطار الأكاديمي حيث عني بدراسة الفلسفة وعلم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ والعمارة والموسيقى والفن التشكيلي وأجاد اليونانية لدراسة آدابها القديمة ثم عاد إلى مصر عام 1939 بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية دون الحصول على الدكتوراه.
حصل مندور على الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 1943 ولكنه استقال من الجامعة في العام التالي وتفرغ للكتابة حيث تولى رئاسة تحرير صحيفة (البعث) ثم أصبح نائبا في البرلمان في انتخابات يناير كانون الثاني 1950 وتولى رئاسة لجنة التعليم بمجلس النواب حين كان طه حسين وزيرا للمعارف.
ويقول طارق مندور لرويترز إن أباه رفض عام 1946 عرضا بالسفر إلى سويسرا سفيرا لمصر حين كان رئيس الوزراء إسماعيل صدقي يسعى للتفاوض مع بريطانيا في ما عرف بمعاهدة (صدقي-بيفن) وإنه فضل البقاء بمصر ثم قبض عليه في يوليو تموز 1946 ضمن حملة أطلق عليها "قضية الشيوعية الكبرى" وأغلقت صحيفة (البعث). وتتوالي في السنوات القليلة الماضية صدور أعمال غير منشورة لمندور وبعضها اكتشف -في مصادفة غير سارة- حين قرر مالك البيت هدمه عام 2006 فرأت الأسرة أن تهدي مكتبته إلى أكاديمية الفنون بالقاهرة وعثرت على خطابات ومسودات مقالات وكتب لم تنشر ومنها (المدينة الإغريقية) لجوستاف جلوتز والذي بدأ مندور ترجمته بباريس في الثلاثينيات ثم واصل ترجمته حتى أجريت له عام 1950 جراحة في المخ تركت آثارا على بصره فأملى بعض فصول الكتاب على زوجته الشاعرة ملك عبد العزيز (1921-1999). ثم صدر كتاب (المدينة الإغريقية) عام 2011 في 466 صفحة كبيرة القطع. وكتاب (ذكريات أدبية) الذي يقع في 363 صفحة كبيرة القطع أصدره المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة قبيل احتفالية عنوانها (محمد مندور بين الفكر الأدبي والفكر السياسي) نظمها المجلس بمناسبة مرور نصف قرن على رحيله وعقدت جلساتها يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين بحضور نخبة من الباحثين والنقاد العرب.
وقال مندور الابن في كلمة الأسرة بالاحتفالية إن أباه كان مدافعا دائما عن الديمقراطية بل إنه كتب عنها كتابا "مهما" في ديسمبر كانون الأول 1952 عنوانه (الديمقراطية السياسية) التي كان يراها مدخلا مهما لحصول المواطن على كافة حقوقه في العيش الكريم والسكن اللائق والعلاج والتعليم والمشاركة السياسية الفاعلة التي كانت "حلم مندور السياسي الأكبر كاشتراكي". ويحمل أحد فصول كتاب (ذكريات أدبية) عنوان (أعياد باريس) وسبق نشره في جريدة البلاغ في 22 يوليو تموز 1949 ويبدأه الكاتب بتسجيل أنه نشر أول مقال بعد عودته من أوروبا عام 1939 بعنوان (المرح عبادة) وأن اختيار ذلك العنوان لم يكن "محض مصادفة... لقد هالني بمجرد عودتي ضعف روح المرح عند المصريين وبخاصة الطبقة الوسطى... المرح القلبي لا يمكن أن يفيض إلا عن نفس راضية مطمئنة والرضا والاطمئنان إنما يسكنان إلى النفوس المؤمنة التي تعمرها الثقة بالله" ولهذا فإنه يعتبر المرح نوعا من العبادة. ويضيف أن المرح القلبي عبادة "لأنه دليل إيمان وإمارة ثقة بالله منبع للثقة بالنفس. والنفس المطمئنة إلى مصيرها لا يمكن أن يصيبها اليأس وتلك صفات تتوفر للشعوب القوية" ومنها الشعب الفرنسي الذي يحتفل بأعياد دينية "لها وقارها الخاص" كما يحتفل بعيد الباستيل يوم 14 يوليو تموز وهو "عيد سياسي" بالرقص المختلط في الشوارع ولكل مقاطعة حركاتها في الرقص.
ويضم الكتاب ملحقا به صور فوتوغرافية لمندور عام 1950 في (ستوديو مصر) أثناء تصوير فيلم (عصيان وغفران) الذي أخرجه بهاء الدين شرف وشارك في بطولته كل من ماري كويني وسليمان نجيب ويحيى شاهين ومحمد عبد القدوس أبو الكاتب إحسان عبد القدوس. ولكن الفيلم الذي عرض في السينما عام 1950 تغير عنوانه إلى (إلهام) وكتب في الملصق الخاص به "إلهام.. قصة النائب المحترم الدكتور محمد مندور. إنتاج أفلام النداء وماري كويني".
ويقول طارق مندور إن أباه كتب هذه القصة القصيرة ونشرها عام 1941 بعنوان (الخطيئة) وحين سئل عن التوقف عن كتابة القصص بعد "هذه القصة اليتيمة" قال إن النقد شغله ولم يجد لديه "الاستعداد للخلق الفني".
ويضيف أن أباه كتب الشعر أيضا أثناء دراسته الجامعية. أما فن المسرح الذي "أصبح أكبر نقاده" فكانت له تجربتان إحداهما بعنوان (آه مأساة نفسي) عام 1937 ولم ينشرها أو يعطها لأحد مخرجي المسرح والثانية بعنوان (المفرد والجمع) ولكنه لم يكمل كتابتها.