ميخائيل بولغاكوف .. ترك مهنة الطب متفرغاً للأدب

ميخائيل بولغاكوف .. ترك مهنة الطب متفرغاً للأدب

بغداد/ أوراق
روائي ومسرحي روسي يعد من ابرز الكتّاب الذي ظهروا خلال القرن العشرين برغم أن أغلب أعماله لم تُنشر إلا بعد وفاته. انه ميخائيل بولغاكوف في كتاب بعنوان (الأعمال المختارة) يضم سيرته ونماذج من نصوصه الروائية والقصصية مثل: قلب كلب ـ بيوض الشؤم ـ مذكرات طبيب ريفي. والصادر عن دار (المدى) للثقافة والنشر بترجمة عبد الله حبه.

ولد عام 1891 بمدينة كييف وعمله الاساسي في مجال الطب، لكنه اشتهر من خلال روايته (المعلم ومارغريتا) التي عدها الكثيرون من اشهر روايات القرن العشرين، كتبها عام 1930 لكنه أحرق مخطوطتها ليأسه من إمكانية نشرها ووضعه ككاتب مغضوب عليه. ثم أعاد كتابتها من ذاكرته في عام 1931. بعدها أنهى المسودة الثانية في 1936، ثم المخطوطة الثالثة في 1937. ثم بدأ المخطوطة الرابعة وكرس لها آخر أيامه حتى1940. وبقيت الرواية مخطوطة حتى طُبعت أخيراً في 1967. ومنها اشتهرت عبارته التي جاءت على لسان فولند أحد أبطال الرواية: "المخطوطات لا تحترق أبداً." نشرت إيلينا سيرجييفنا، أرملة بولغاكوف، الرواية للمرة الأولى في مجلة موسكو الأدبية في حلقات عام 1966 وحتى 1967، وقد حُذف منها بسبب التحفظات السوفيتية على مضمون الرواية، او ما يتعلق بممارسات الشرطة السرية في القدس وموسكو.. تعد حياته العجيبة مترعة بتقلبات الاقدار فقد عانى من العوز والتشرد في شبابه بسبب قيام الثورة الاشتراكية وهروبه من مدينته كييف الى الاورال بعد ان اراد كل طرف من اطراف الحرب الأهلية تجنيده لخدمة اغراضه بحكم كونه طبيباً يحتاجه جميع المحاربين. منذ طفولته احب اجواء الأدب والفن والموسيقى والمسرح، وقد اعطته المطالعة ثمارها حين ترك مهنة الطب ومارس الابداع الادبي، لذا وجد سهولة بالغة في الكتابة باسلوب رشيق كما بدت روايته (مذكرات على كم القميص) وكأنها من ابداع كاتب قدير تجاوز مرحلة النضج، وظهر في الأدب كاتباً جاهزاً.. غير ان الواقع يبين ان الكاتب مر بمراحل اخفاق، كذلك راودته الشكوك في قدراته الأدبية قبل ان يصبح كاتباً شهيراً في الثلاثين من عمره. امتزج اسلوبه بالشاعرية المتفتحة والطليقة بالكلام اليومي الذي يتردد في الشارع ما جعله قراءة سهلة لدى القارئ المثقف والبسيط على حد سواء، وكان يشعر بانه المؤرخ الذي يدون احداث زمانه وحياته الشخصية. وبما ان الحوادث العابرة اليومية قد لا تبقى في الذاكرة فانه كان يدونها بصورة دقيقة، لذا نجد نثره يطلق العنان لخياله، وفي الوقت نفسه يصور لون ومذاق الزمن بصورة واقعية. وكان بولغاكوف حسب أقوال معارفه قليل الكلام كما لو انه لا يريد الافصاح عما يدور في فكره، واذا ما تحدث فان حديثه يكون مترعاً بالهزل الطريف بين زملائه الشباب من الصحفيين الجادين والمتحمسين للأحداث في فترة بناء الدولة السوفيتية الفتية خلال العشرينات من القرن الماضي. تحدث في روايته الساخرة (رواية مسرحية) عن مجيئه الى مسرح موسكو وعمله هناك، وكيف أبدى رجال المسرح حماساً كبيراً لدى اخراج المسرحية التي حققت نجاحاً على خشبة المسرح الموسكوفي، وقد تولى مهمة الاخراج ايليا سوداكوف تحت اشراف ستانيسلافسكي، وشارك بولغاكوف في جميع البرفات.. التزامه بالدقة في وصف الاحداث وتحديده للزمان والمكان باسلوب الريبورتاج كان سمته التي ميزته كصحفي وكاتب وطبيب ممارس يتوخى الدقة في كل شيء، وقد اعتاد كتابة يومياته التي ضمنها كل سمات الحياة اليومية حتى حالة الطقس والاسعار في المتاجر ووسائل الموصلات ووصف الناس الذين كان يلتقيهم. وصادف ان الشرطة صادرت دفاتره اثناء تحري بيته، ثم اعادتها له لكنه قام بحرقها ولم يعاود كتابة اليوميات التي من خلالها يطلق العنان لخياله فيصور لون ومذاق الزمن بصورة واقعية.. انتابه شعور بالعزلة الشديدة بعد ان كان بطبيعته يميل الى معاشرة الناس ويتوق الى التعارف مع الآخرين لكنه اضطر الى تجنب صخب الصالونات الأدبية واللقاءات في النوادي والاجتماعات لأنه وجد فيها الكثير من النفاق والزيف فوصفها بانها حفلات ساهرة في غرفة الخدم.. وقد تغير وضعه حين عرض عليه تقديم النص المسرحي لروايته "الحرس الابيض" والذي تقرر اخراجه بعنوان "ايام اسرة توربين" على خشبة مسرح موسكو الفني مطلع الثلاثينات، وكان معجباً جداً بهذا المسرح وباعمال ستانيسلافسكي ونيميروفتيش.