صوت المنسيين

صوت المنسيين

سمير جريس ــ برلين
ليست سفيتلانا ألكسيفيتش مجهولة في ألمانيا علي الإطلاق، فلها خمسة أعمال مترجمة إلى الألمانية في دار نشر مشهورة هي"دار هانزر"، كما حازت ألكسيفيتش علي جوائز عدة في ألمانيا.
استطاعت ألكسيفيتش عبر مزج الحوارات الصحفية التي أجرتها مع الضحايا ومَن لا صوت له، أن تجد صوتها الأدبي المميز. ويمكن القول إنها تكتب"كولاجا روائيا"أو الرواية التوثيقية المكونة من أصوات متداخله

. استخدمت الكاتبة هذه الطريقة لأول مرة في عام 1983 في كتابها"ليس للحرب وجه أنثوي"، حيث وثقت عبر حوارات صحفية مصير الجنديات من الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية. وعندما كتبت"أطفال الزنك ذ أفغانستان والعواقب"(1989) تحدثت مع أكثر من خمسمائة من قدامي المحاربين خلال الدخول السوفييتي لأفغانستان، كما تحدثت مع أمهات الجنود الذين لاقوا مصرعهم. ومن أعمالها الأخري التي ترجمت إلي الألمانية:"تشيرنوبيل. تاريخ المستقبل"(1997)، وكتاب"آخر الشهود. الأطفال في الحرب العالمية الثانية". ويعتبر كتابها"زمن السكاند هاند ذ الحياة علي أنقاض الاشتراكية"(2013) من أهم أعمالها.
رغم ذلك هناك من يتساءل:
هل يُعد ما تكتبه ألكسيفيتش أدبا من الأساس؟
وبهذا السؤال أيضا بدأ أندرياس بلاتهاوس من صحيفة"فرانكفورتر ألجماينه"مقالته. ويجيب إجابة قاطعة قائلا: بالطبع نعم. ويشير بلاتهاوس إلي عملها"زمن السكاند هاند ذ الحياة علي أنقاض الاشتراكية"الذي صدر بالألمانية عام 2013، وفيه يحكي"كورال من الأصوات"عن"الإحباطات والخيبات"التي عاشها الناس بعد"تلاشي الوهم الاجتماعي الكبير". ويضيف بلاتهاوس أن إنجاز الكاتبة يكمن في تأليف هذا الحفل الموسيقي متعدد الأصوات. ويبرز بلاتهاوس إنجاز الكاتبة قائلا إنها تمنح شهود العيان الذين تتحدث معهم صوتا مميزا، دون إقحام صوتها هي.
وتكتب ألكسيفيتش باللغة الروسية، وليس بلغة روسيا البيضاء، وهو ما يعرضها إلي انتقادات كثيرة في وطنها. وكان يوزف برودسكي (1987) وألكسندر زولشينتسن (1970) آخر من حصل علي جائزة نوبل من كتاب اللغة الروسية. ولذلك فإن اللجنة السويدية ترسل بفوز ألكسيفيتش رسالة سياسية واضحة عندما تمنح الجائزة لكاتبة من الاتحاد السوفييتي سابقا، وعندما تقول في حيثيات منح الجائزة إن الكاتبة"بأعمالها متعددة الأصوات قد شيدت نصبا تذكاريا للمعاناة والشجاعة في عصرنا". لكن اللجنة، يضيف بلاتهاوس، لم تشأ أن تنتقد روسيا أو روسيا البيضاء صراحة، ولذلك لم تذكر بصراحة المكان الذي عاني فيه أولئك الذين تحلوا بالشجاعة. ويشير كاتب المقال إلي رواد سبقوا ألكسيفيتش في أسلوبها الأدبي، ومنهم الكاتب الألماني فالتر كمبوفسكي.
وكانت ألكسيفيتش قد حصلت علي ثلاث جوائز كبيرة في ألمانيا، وإن كانت الجوائز التي فازت بها لها طابع سياسي في المقام الأول. الجائزة الأولي حصلت عليها في عام 1998، وهي جائزة التفاهم الأوروبي التي يمنحها معرض لايبتسج للكتاب. آنذاك قالت ألكسيفيتش عن أسلوبها في الكتابة:"من آلاف الأصوات والحكايات التي أعايشها خلال الحياة اليومية ووجودنا البشري، من الكلمات ومما تخفيه بين السطور، أقوم بتركيب الواقع ذ كلا، ليس الواقع (لأن الواقع لا يمكن التعرف عليه)، بل أقوم بتركيب خيال أو صورة".
وفي عام 2001 حصلت الكاتبة علي جائزة أخري هي جائزة إريش ماريا ريمارك للسلام التي تمنحها مدينة أوسنابروك (وهي الجائزة التي تُمنح هذا العام للشاعر أدونيس).
وقبل عامين فازت ألكسيفيتش بجائزة السلام المرموقة التي تمنحها رابطة تجار الكتب في ألمانيا خلال فعاليات معرض فرانكفورت للكتاب 2013، والتي تعتبر أهم جائزة ثقافية في ألمانيا، وتبلغ قيمتها المادية 25 ألف يورو. آنذاك قالت الرابطة إنها جسدت بتقاريرها عن تشرنوبيل وعن الغزو السوفييتي لأفغانستان التطلعات المحبطة لشعبها نحو الحرية بعد انيهار الاتحاد السوفييتي.
أعمال ألكسيفيتش تُرجمت إلي أكثر من ثلاثين لغة. وهي بالطبع مجهولة تماما في المنطقة العربية.

عن الحياة اللندنية