مُشكلة الأقليات وإعادة بناء الذاكرة المُجتمعية وتوجيهها لـ   الأقليات في العراق

مُشكلة الأقليات وإعادة بناء الذاكرة المُجتمعية وتوجيهها لـ الأقليات في العراق

زينب المشاط
للهوية لُغةٌ وذاكرة دين ومذهب وانتماء ، فإما أن نحترم إنسانية حاملها أو أن نمحو ذكراه فقط لأن هويتهُ محكومة بفئةٍ ما ، وبين الذاكرة والهوية والتحدي ولِدَ كتاب "الأقليات في العراق" للكاتب سعد سلوم الطبعة الثالثة عام 2014 عن مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية .


ومن خلال هذا الكتاب الذي قد أعتَبِرهُ بحثاً أو اطروحةً دَرَست حالة الأقليات في العراق ، حيث أشار الكاتب إلى خارطة الأقليات في العراق والتي تُقسم على أساس " العرق ، والدين ، والهوية ، المذهب ، واللغة " في حين ان هُنالك ثلاث فئات كبرى " الشيعة ، السُنة ، الأكراد " هم من يتم التركيز عليهم ويتمتعون بتمثيل سياسي واضح ، وذكر سلوم في كتابه إن بعض الأقليات الدينية قد تتعرض إلى انقراض ذلك لأن هُنالك ما يستهدف حريتها وحقوقها رُغم تواجدها على هذه الارض لأكثر من عشرات القرون وتَجذُرها فيها إلى الحد الذي لا يُمكن تخيل العراق من دونها وهذا التصور لم يكُن محض خيال وتحذير من قِبل الكاتب بل ان الهجرة تؤدي إلى انحسار تداول لغات الأقليات وانقطاع ثقافاتها وضياع ذاكرتها وهذا يؤدي إلى فناء الأقليات التي توصف " بالجماعات" حتى لو استمر الأفراد المشتتون في ربوع المعمورة على قيد الحياة .
وبيّن الكاتب إن هذا الغياب قد يضع العراق في خطر لأنه يهدد وجوده وغناه ويعمل على إفقاره وتجريده من عناصر قوته لتتغير هويته إلى هوية صماء خاوية وهنا أشار الكتب إن الأغلبية هم أيضاً من وقعوا في فخ الخطر وليست الأقليات فقط وذلك بسبب تحول هوية البلاد وإفقارها من تنوعها ، ليُعلق الكاتب أسباب عدم تقبل التنوع إلى عدم وجود إرادة سياسية واعية لأهمية هذا التنوع الذي يُشكل مصدر ثراء مادي وثقافي للبلاد .
وذكر الكاتب ان ما دفع لانفجار سياسة الهوية هي صدمة الآخر التي بدأت منذ تأسيس الدولة العراقية على يد الآخر البريطاني وحتى يوم سقوطها على يد الآخر الأمريكي ، ذلك إن المشترك الديني والجوار الجغرافي يميل إلى تخفيف حدة التناقض مابين الآخر العثماني والعراقيين ، إلا ان برطانيا الكولنيالية مثلت الآخر بكل معنى التوصيف العرقي والديني والجغرافي وتمخضت تجربتها في بناء العراق الحديث عن طريق دولة قائمة على الهوية القومية .
كما أشار سلوم من خلال كتابه إلى إن القانون العراقي لم يتعامل مع الأقليات على أساس هذا المُسمى بل تعامل معهم على انهم مكونات متعددة على الجميع احترامها ، هذا وحَفِظَ القانون حقوق الأقليات من خلال المادة الثانية بالدستور العراقي التي تنص على " يضمن الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي ، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد من حيث حرية العقيدة والممارسة الدينية ، كالمسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين" ، كما تمت الإستعاضة عن كلمة "أقلية" بكلمة "مكونات" ، وهذا لم يحل شيئاً من إشكالية السياق السوسيوثقافي الذي يشحن كلمة أقلية بدلالات سلبية تنطوي على تمييز واستضعاف ، فتغيير الكلمات في النص لا يعني تغيير الواقع .
يعود الكاتب ليُشير دوماً إلى إن العالم متنوع وشعوبه كذلك ، فلا يوجد بلد متجانس وكل مجتمع أصبح على نحوٍ ما انموذجاً مصغراً للعالم يضمُ موزائيكا من القوميات والشعوب التي تتشابك أكثر فأكثر .
وفيما يخص التنوع والأقليات توجه الكاتب مُشيراً إلى التنوع الثقافي ذاكراً انه حالة مُقاومة للعولمة وحيدة الشكل وبروز مسألة الهويات وصعود المطالب الإثنية والدينية في العالم ونمو النزاعات الإقليمية و انبعاث النزاعات الذاتية والثقافات الشعبية والتقاليد المحلية التي تهز الهويات الكلاسيكية مُظهرة بذلك ان الهويات ليست أُحادية التكوين بل تطورية وكذلك المشاكل التي تخص الأقليات القومية والشعوب الأصلية .
يتسلل الكاتب في هذا الكتاب بالعودة إلى أصول التعددية ومصادرها الثقافية ذاكراً انها ليست بدعاً في تأريخ الإنسانية فهي دائمة الوجود وهي شيء متحرك غير ثابت ، وهذا ما سنلاحظهُ من خلال الميدان اللغوي حيث ان كل لغة تحمل في أحشائها علامات لغة أُخرى .
ونشهد إن تأثير موضوع الأقليات على الجانب الثقافي يتجسد من خلال تسلل الانقسام الذي شهدهُ العراق من ناحية الرواية التي أظهرت حالة الانقسام الطائفي وإنقاسام المجاميع الإثنية المتواجدة في العراق وكذلك مواقف مثقفي العرب ازاء الكرد والذي يُكرس للكرد ضمن سرديات تلك الروايات وهذا ما لفت له " بنديكت اندرسن " والذي يُعد واحداً من الباحثين الذين سلطوا الضوء عن أثر الرواية في خلق وتعميق الإحساس بالهوية القومية.
حين نذكر ان التنوع الثقافي هو حقيقة اجتماعية وأنثروبولوجية فمن المهم معرفة إن القانون الدولي كرّس هذه الحقيقة حيث تبنى المجتمع الدولي "الأمم المتحدة ، اليونسكو ، المجلس الأوربي ، الإتحاد الأوربي ، منظمة الأمن والتعاون في أوربا ، المنظمات الإقليمية" ضوابط لحماية وتنمية الأقليات ، مصحوبة أحياناً بأليات تطبيقية .
وبين الكاتب حماية الأقليات من خلال قانون الدفاع عن حقوق الإنسان " إيماناً بوحدة الوطن العربي الذي يناضل من أجل حريتهُ مُدافعاً عن حق الأُمم في تقرير مصيرها والمحافظة على ثروتها وتنميتها " وكان هذا مُنطلقاً من الثقة بتمتع الأنسان بالحرية والعدالة وتكافؤ الفرص وهذا هو معيار أصالة المجتمعات وكل هذا تضمنته ديباجة الدفاع عن حقوق الأنسان .
وأهم ما أشار الكاتب إليه وبشكل ذكي هو مدى تطور العرب في إمكانية تقبلهم للتعددية الثقافية والأقليات ، ومن خلال ملاحظة الواقع العربي خلال العقدين الأخيرين سنجد تجاوز وإن كان خجولاً " كما ذكر الكاتب" من قومية مطلقة لاتحمل ستثناءً إلى قومية أقل تصلباً ، وقد نشهد أحياناً إسرافاً في السياسة القومية تدعمه الأنظمة الإستبدادية ، ولابد من القول إن هذا الموضوع اتخذته السُلطات القائمة كأداة سياسية ولا تتردد في استعمالها ، وهُنا يُشير الكاتب إلى المكونات العراقية وكيفية الإعتراف بها حيث بين الكاتب إن التعددية في العراق شملت الجوانب الدينية والعرقية والفدرالية واللغوية والطائفية والفكرية ولكل جانب مادة خاصة بالدستور تضمن حق الأقليات فيه ، ليعود سلوم للتساؤل بـ"هل العراق بلد موحد مع وجود التعددية؟" وبين عدم دقة الدستور العراقي فيما يخص هذه النقطة وإن ذَكَرَ " القانون الأساسي هو الضمانة لوحدة العراق" وهذا يوضح النقص في الترابط ، وهنا يبدأ الكاتب بالتركيز حول خارطة الأقليات العراقية والتي تبدأ من يهود العراق والمسيحيين والايزيديين والمندائيين والبهائيين والكرد الفيليين والبهائيين والكاولية " الغجر" والشيخية والشبك والتركمان والكاكائيين وهُنا إختلفت التعددية بين دين وقومية ومذهبة وعرقية ، ويتوجه الكاتب في دراسته من خلال هذا الكتاب الذي عُدَّ أكثر من بحث أو دراسة إلى المعاناة والتحديات التي تواجهها نساء الأقليات وخصوصاً بعد 2003 وما واجهه العراق من قلق الإرهاب والتفكك على مستوى المواطنة حيث بدأت نساء الأقليات تخشى ممارسة العيش الطبيعي الذي من الممكن أن تنعم بهِ أي امرأة في مجتمعها فضلاً عن ما يُعانيه المجتمع العراقي من أمراض اجتماعية ضد المرأة بشكل عام .
وختم الكاتب هذا المُجلد باحثاً في محاولات الدولة العراقية لحل مشكلة الأقليات وإعادة بناء الذاكرة الجماعية وتوجيهها بما يدعم شرعيتها ومن خلال هذا نشأ إنفصام المجتمع بأقلياته وتعدديته وواحدية السلطة وتوجهها الآيدولوجي فكانت تلك محاولة لبناء أمة متخيلة بالاستعانة بوسائل العنف المُشرعن كافة ، فما هي الطريقة التي تبني فكرة التعددية في العراق مع وجود دولة قمعية سلبت المكونات الإجتماعية ذاكرتها الفرعية والدينية على وجه الخصوص ودُفع بعضها الى الإيغال في المطالبة باستقلاله التام أو الشعور بالإغتراب عن الوطن وبعد الإحتلال الأمريكي برزت الحاجة إلى إعادة توجيه الذاكرة التاريخية لبناء التجربة الجديدة على نحو مغاير لما سبق ، وتتسجل الأقليات في المشهد العالمي من الآن فصاعداً مُعترفاً بها بشكل نظري وفق قوانين دولية أمام المجتمع الدولي والمدني بالرغم من عدم كفاية الحماية ، فمن الأفضل الاهتمام بإحترام الأقليات والإعتراف بها مؤسساتياً والأخذ بنظر الإعتبار إعادة الإعتبار لها وإغناء فكرة حقوق الإنسان والتنوع الثقافي وتعميق فكرة الإنسانية والتقليل من أسباب التوترات الدولية والإسهام في التضامن العالمي ودعم السلام .