حركة أنصار السلام .. حقائق ووقائع *

حركة أنصار السلام .. حقائق ووقائع *

د. حمدي التكمجي
الرجعية المحلية من جهة، والاستعمار العالمي و خاصة أمريكا وانكلترا من جهة اخرى حولتا بغداد في أواسط الخمسينات مدينة مشهورة عالمياً في نشاطها السياسي و العسكري (السلبي) المعادي لاستقلال العراق و حريته و كرامته، فأمست بغداد مركزاً استخبارياً تآمريا ضد شعوب المنطقة و خاصة ضد المعسكر الاشتراكي.


و بحجة مكافحة الشيوعية في المنطقة (التي تشمل مكافحة جميع الأفكار التقدمية و الديمقراطية و الوطنية و القومية) أنجزت تلك الأطراف ما يلي:
- عقد معاهدة عسكرية مع باكستان
- عقد معاهدة عسكرية مع تركيا
و من ثم تأسيس (حلف بغداد) العسكري و السياسي و الثقافي و بتخطيط و إشراف من أمريكا و انكلترا.
- وأغلقوا جميع الأحزاب كالحزب الوطني الديمقراطي و حزب الشعب و حزب الاتحاد و حزب الاستقلال و حزب الأحرار علاوة على عدم أجازة الحزب الشيوعي طوال العهد الملكي و ملاحقة قادة هذه الأحزاب و محاكمة قسم منهم و إيداع قسم آخر منهم في السجون وإعدام بعض قادتها.
- و أغلقوا جميع المجلات و الجرائد الوطنية.
- ولم يسمحوا بتأسيس الجمعيات والنقابات.
- و لم يسمحوا بالتظاهر و أنزلوا أشد العقوبات بالمتظاهرين
- و لم تجر في العراق في العهد الملكي أية انتخابات حرة، و تم إلغاء انتخابات سنة 1954 بسبب فوز 12 نائباً من الجبهة الوطنية (رغم التزوير و التدخل الحكومي).
- وأزداد الظلم و القمع و الاضطهاد و الإرهاب و الفقر و التفاوت الطبقي
- و أصدروا قوانين تعسفية ضد نشاطات أنصار السلام و غيرهم من الوطنيين بحجة مكافحة الشيوعية، و أقحمت كلمات في القوانين و تعابير مثل (الخ) ( على شاكلة ذلك) لتطبيقها كما يشاؤون.
- وبتطبيق هذه القوانين التعسفية زج في السجون مئات الوطنيين و الديمقراطيين و الشيوعيين، و قتل بعضهم في السجون.
- وعاش العراق و خاصة بغداد، في جو من الظلم و فقدان أبسط مفاهيم الحرية و العدالة و المساواة و الإنسانية
- و لكن الشعب العراقي والحركة الوطنية لم تسكتا على الضيم و
استمر الوطنيون في عقد الاجتماعات و إصدار البيانات و تقديم الاحتجاجات و القيام بالتظاهرات و الانتفاضات التي ساهم فيها الشعب العراقي بكل شجاعة و شعور بالوطنية، كوثبة كانون 1948 و انتفاضة تشرين 1952 و انتفاضة 1956 اثناء الاعتداء الثلاثي على مصر.
- لقد كان الحزب الشيوعي في المقدمة و بمساعدة و تأييد و مؤازرة مختلف فئات الشعب العراقي تم:
*تأسيس اتحاد الطلبة (السري)
*وتأسيس رابطة المرأة (السري)
*و تأسيس الجمعيات الفلاحية (السري)
* و تشكيل نقابات عمالية لمختلف المهن (بشكل سري)
* و تشكيل لجان مهنية و وطنية بين المهندسين و الأطباء و المحامين و المعلمين ...الخ
- وكان العمل المهم المميز تأسيس حركة أنصار السلام في العراق كفرع أو جزء من حركة السلم العالمية المشهورة التي تم تأسيسها من قبل شخصيات عالمية بداية كالعالم الفرنسي جوليو كوري و الرسام بابلو بيكاسو و الشاعر ناظم حكمت، و ساهم العراق و حضر ممثلوه (أمثال الدكتور يوسف إسماعيل و الشاعر كاظم السماوي و الشاعر الكبير الجواهري) بداية اجتماعات تأسيس الحركة العالمية . و اختير الجواهري عضواً في مجلس السلم العالمي منذ بداية تشكيله
- وانضمت للحركة شخصيات دينية و ديمقراطية و وطنية ومن مختلف الاتجاهات، كأمثال العالم الديني عبد الكريم الماشطة و العالم الديني محمد الشبيبي و الأستاذ عزيز شريف ...الخ من الشخصيات الوطنية
و نالت تأييد رئيس الحزب الوطني الديمقراطي كامل الجادرجي و جميع شخصياته القيادية، و عدد كبير من المثقفين الوطنيين، أمثال زكي عبد الوهاب و الدكتور طلعت الشيباني، وفيصل السامر، و صلاح خالص،و بدر شاكر السياب،و البياتي، و صفاء الحافظ، ويوسف العاني و المهندس رضا جليل... الخ
- وتشكلت مئات اللجان في محافظات العراق و مدنه و قراه و معامله و مدارسه وجمعياته ألفلاحية و نقاباته (السرية).
- وخلال عملي كمسؤول عن نشاطات بعض مناطق بغداد (صبابيغ الآل المنطقة الرابعة، و عرصات الهندية الكرادة، و مجموع المهندسين) تعرفت على بعضهم و زادت علاقتي مع البعض الأخر أمثال عطشان الأزيرجاوي (ممثل الحزب الشيوعي في الحركه) و الدكتور فاروق برتو والمحامي كمال عمر نظمي و الشاعر عبد الله كوران و الدكتورة نزيهة الدليمي... الخ
- ومن دواعي اعتزازي أن أذكر هنا أن بعض اجتماعات الهيئة العليا لأنصار السلام كانت تعقد في داري الجديد في منطقة عرصات الهندية بداية و ذلك قبل انتهاء تشييد الدار سنة 1954 و قبل وصول الكهرباء للدار و كنا نستخدم الفوانيس النفطية و الشموع، و كان يحضر الاجتماع عطشان الأزيرجاوي (الذي لم يتخلف عن أي اجتماع) و الدكتورة نزيهة الدليمي و الدكتور فاروق برتو و المحامي كمال عمر نظمي و الدكتور طلعت الشيباني و المحامي مظهر العزاوي و المحامي عواد علي النجم و ممثل عن الطلاب مهدي عبد الكريم و ممثل عن العمال عبد القادر عياش مرة و كليبان محمد صالح مرة ثانيه و سلام عادل مرة أخرى و لكن باسم ثاني لم نعرف أنه كان سلام عادل في وقته، و عدد آخر من ممثلي الحركات الوطنية يتغير و يزداد و ينقص عددهم
- لقد ساهم مئات من خيرة مثقفي العراق من أدباء و شعراء و محامين و مهندسين و أطباء و معلمين و مثقفين و ألاف العمال و الفلاحين و الطلاب و الكسبة و نشطوا في عقد مئات الاجتماعات و توزيع ألاف البيانات في جميع أنحاء العراق و قادوا حركة جماهيرية واسعة لعبت دوراً كبيراً في تأريخ العراق السياسي و الوطني متحدية كل ظروف الظلم و القهر و ملاحقات ألأمن و القوانين التعسفية ضد الحركة.
- و أذكر بعض الأمثلة التالية لنشاط الحركة، حيث بُلغت مرة بتحضير أنصار السلام في (صبابيغ الآل) في موقع و وقت محدد، و جمعت حوالي 50 شخصاً و جاءت سيارات و لا يعرف أي واحد منا الى أين ذاهبون ماعدا سواق السيارات، و بعد فترة وصلنا بستاناً كبيراً في المسيب وسط جمع غفير قدم من مختلف المدن العراقية، و ألقيت كلمات و قدم بعض النشاطات الاجتماعية من أغان و دبكات و لطائف . و تكررت مثل هذه الاجتماعات الكبيرة في مناطق متعددة، و في أحداها ساهمنا في القيام بتظاهرة كبيرة وسط السبايات (مواكب العزاء) في النجف الأشرف التي أنظمت اليها أعداد كبيرة من أبناء النجف الأشرف، كانت شعلة نار وسط الظلام.
- وقد توجت نشاطات أنصار السلام بعقد المؤتمر الأول السري في حديقة الطبيب الدكتور أحمد الجلبي سنة 1954 في كرادة مريم، و حضر الاجتماع حوالي 103 شخصيات وطنية.
- كان التحضير للمؤتمر في منتهى التنظيم و الدقة و الحذر، حيث عمل عشرات من كادر أنصار السلام في جلب الوفود من مختلف المدن و أسكانهم في مختلف الفنادق و الدور في بغداد، و أخذهم بعشرات السيارات التي لا يعلم أحد إتجاهها سوى السائقين من حركة أنصار السلام.
- و قد كلفت بتحضير الطعام للوفود و أحضرت مختلف أنواع الأطعمة من مختلف المطاعم و جمعتها في داري و نقلتها بسيارات كادر أنصار السلام، و كانت دهشة الحاضرين لتوفير هذه الأنواع من الأطعمة و المشروبات الخفيفة في مثل هذه الظروف الارهابية
- و كان يترأس الجلسة كل من عبد الكريم الماشطة و عطشان ألأزيرجاوي و نزيهة الدليمي، و بجنبهم كل من الدكتور فاروق برتو و كمال عمر نظمي و الشاعر الكردي الكبير عبد الله كوران .... الخ
- وكان حوالي 20 أمرأة حاضرة أتذكر منهن نزيهة الدليمي و سافرة جميل حافظ و أم غصوب و أنعام العبايجي ....الخ
- ووزعت حمامات السلام الذهبية لكل من عبد الكريم الماشطة وعبد الله كوران و عطشان ألأزيرجاوي، تقديراً لجهودهم المميزة في الحركة
- وألقيت في المؤتمر كلمات عديدة، و جرت مناقشات من قبل الحاضرين و استمرت لجان المؤتمر في اليوم التالي من الاجتماع في بيت د. فاروق برتو و اجتماع ثان في دار كمال عمر نظمي.
- و أصدر المؤتمر بياناً رائعاً، وقع عليه 40 شخصية وطنية (و كان الاتفاق عدم توقيعه من قبل الموظفين خوفاً من فصلهم)
و صدر البيان بشكل علني في جريدة الأهالي، و وزع في جميع أنحاء العراق، و نشر في الكثير من الصحف العربية و العالمية حيث خلق هذا البيان الرائع ضجة عراقية و عربية و عالمية.
- و بالرغم من وجود قوانين تحرم نشاط أنصار السلام، ألا أن الحركة اخترقت هذه القوانين المجحفة، لأنها أصبحت حركة جماهيرية واسعة لا تستطيع السلطة معاقبة جميع منتسبيها في وقتها، و لكنها تدريجياً بدأت في حبس و تشريد و إسقاط الجنسية عن بعض منتسبيها.
- لقد كانت حركة أنصار السلام من أكبر الحركات الوطنية و الثقافية و السياسية في تأريخ العراق الحديث . حركت جماهير واسعة من الشعب العراقي التي كانت محرومة من أي نشاط وطني و سياسي تقدمي و ساهمت مساهمة فاعلة في خلق وعي وطني كبير الأثر ولعبت دوراً كبيراً في التغيرات السياسية اللاحقة.
- (كان عمل الحركة و نشاطها يتعدى نطاق الدعوة الى السلم العالمي و الأبتعاد عن الحروب و تفادي أخطار الأسلحة النووية و الهيدروجينية التي كانت تهدد العالم بالدمار الشامل و هي الأهداف الرئيسة لحركة السلم العالمية . بل كانت حركة السلم في العراق تعمل على ربط العمل من أجل السلم العالمي بالمطالب الوطنية الملحة و تشارك في قضايا سياسية داخلية مختلفة فتصدر بصددها بيانات و نداءات الى الشعب). (مقتطف من مقال الدكتور فاروق برتو المشار اليه في بداية المقال)
- أن الحركة الجماهيرية الواسعة لأنصار السلام في العراق قادها و ساهم فيها الحزب الشيوعي و بتأييد جماهير غفيرة لها (من كل الاتجاهات)، تصلح لأن تكون الآن تجربة للحزب الشيوعي و للتيار الديمقراطي (برغم أختلاف الظروف) لتوجيه و تثقيف و توعية جماهير الشعب للنضال من أجل تحقيق حكم ديمقراطي برلماني فيدرالي تعددي حقيقي ينعم شعبنا من خلالها بالحرية و العدالة و المساواة و بعيداً عن الطائفية و العشائرية و المناطقية و القومية المتطرفة.
- ولا يتم هذا إلا بالنزول الى الجماهير و الاختلاط معهم و مشاركتهم حياتهم و مشاكلهم و همومهم و تطلعاتهم، كما عمل أنصار السلام في العراق في خمسينيات القرن الماضي.