تأثير أزمة الغذاء العالمية على العراق والحلول الستراتيجية لمواجهتها

تأثير أزمة الغذاء العالمية على العراق والحلول الستراتيجية لمواجهتها

علي عبد الكريم الجابري
يسهم القطاع الزراعي في العراق بدور كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة، وذلك من خلال ما يوفره هذا القطاع الحيوي من محاصيل زراعية تدخل كمواد أولية ووسيطة في معظم القطاعات الاقتصادية الأخرى, فضلا عن دوره في توفير

المنتجات الغذائية الضرورية لتلبية حاجة الطلب المحلي من الغذاء, ناهيك عن مساهمته الفاعلة في الناتج المحلي الإجمالي والنمو الاقتصادي بشكل عام, إلا أن العراق لا يزال يعاني من مشكلة قصور الإنتاج الزراعي عن تلبية حاجة الطلب المحلي من الغذاء نتيجة للظروف الصعبة التي مر بها العراق طيلة العقود السابقة والتي عكست آثارها السلبية على القطاع الزراعي في العراق, فضلا عن بقية قطاعات الاقتصاد القومي, وتأتي أزمة الغذاء العالمية في الآونة الأخيرة كعامل سلبي آخر على القطاع الزراعي في العراق يعمل على إعاقة تنميته وتطويره, عن طريق دورها في رفع أسعار الغذاء, فضلا عن دورها في رفع أسعار المستلزمات الزراعية المتنوعة الضرورية للعملية الإنتاجية الزراعية.
مما انعكس بشكل سلبي على إمكانية العراق من تحقيق التنمية الزراعية الشاملة والتي يهدف من خلالها تحقيق أمنه الغذائي كخطوة أولى لتحقيق أمنه القومي.
إذ أصبح العراق منذ النصف الثاني من القرن العشرين مستوردا رئيسا بعد أن كان ينتج ما يكفيه برغم إمكانياته المحدودة، إذ اخذ يعاني فجوة غذائية تتسع باستمرار في ظل سياسة إغراق السوق العراقية بمختلف أنواع السلع والمواد الغذائية وما في ذلك من انعكاسات سلبية على السوق والمستهلك بوجه عام ذلك عن طريق ما يأتي:-
إن سياسة الإغراق التي تعتمدها الدول المنتجة والمصدرة للغذاء ولاسيما البلدان المتقدمة منها ومن شأنها الأضرار بالمنتج الزراعي المحلي وذلك لعدم القدرة على منافسة أسعار السلع المستوردة.
عدم قدرة القطاع الزراعي على مجابهة التحديات المالية والفنية والتكنولوجية والسعرية في ظل الانفتاح التجاري مالم يكن هناك دور فاعل للدولة في دعم القطاع الزراعي.
الأضرار التي سيتحملها المنتج الزراعي من جراء خسارته مما يعني ترك الأرض وترك العمل الزراعي، وهذا يعني زيادة عدد العاطلين عن العمل، ولاسيما أن هناك أكثر من 35% من القوى العاملة في الزراعة.
وفقا للفقرة الثالثة فانه سيحرم عدداً غير قليل من أبناء المجتمع العراقي من الفرص المدرة للدخل وما ينجم عنه من مشاكل اجتماعية واقتصادية، فضلا عن مستواهم العلمي والثقافي والمعاشي.
خسارة العراق لمبالغ مالية كبيرة جدا من العملات الصعبة نتيجة لاستيراد الغذاء، وهذه المبالغ ستكون متزايدة باستمرار بسبب زيادة الكمية المطلوبة من الغذاء بسبب النمو السكاني وارتفاع أسعارها في السوق العالمية، وبالتالي تأثر عملية الاستثمار المطلوبة في التنمية، مما يعني انخفاض حصة الفرد من التنمية.
بالرغم من أن المستهلك العراقي سوف يستفيد للوهلة الأولى من انخفاض أسعار السلع الزراعية بسبب سياسة الإغراق، إلا انه وبعد تحقق أهداف سياسة الإغراق من تدمير الزراعة المحلية، سوف يتحمل المستهلك الزراعي أضراراً كبيرة من خلال ارتفاع السلع الغذائية بسبب حالات الاحتكار وما يرافق ذلك من غش تجاري وصناعي خصوصا للأغذية.
سوف تدخل لأسواق العراق سلع غذائية رديئة النوعية وذات آثار سلبية على صحة المستهلك العراقي.
إن الأمن الغذائي الوطني والقومي سيكون رهينة السياسة الدولية والشركات الاحتكارية وما تمارسه من ضغوطات اقتصادية وسياسية.
إذ تشير التقارير العديدة إلى توقعات بارتفاع أسعار الغذاء والسلع الأساسية خلال السنوات المقبلة، ما يدعو إلى السرعة في تامين العراق للمحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية من خلال تملك العراق لأصول إنتاجية زراعية، إما بمشاركة الفلاح العراقي أو الدخول في مشاركات فعلية مع شركات الاستثمار الزراعية الأجنبية أي المساهمة المالية في مثل هذه القطاعات داخل العراق أو حتى خارج العراق، وتولي الشركات الأجنبية لعملية الإدارة والإنتاج، حيث توافر الأراضي الزراعية التي تحتاج فقط إلى عملية الإعداد والتخصيب ليس إلا، لان الجهة التي ستتحكم وتسيطر على الغذاء في المستقبل ستمتلك قوة ستراتيجية تمكنها من مواجهة الأزمات الغذائية العالمية، إضافة إلى أن العراق يمتلك النفط وهو العامل الذي سيمكنه من تامين الوقود للآلة الزراعية وتشغيل الصناعات الغذائية، ومن المهم ذكره هنا هو القرار الصائب الذي اتخذته وزارة التجارة العراقية في شراء أراضي زراعية لإنتاج الأرز في فيتنام والذي وفر جزءاً ليس يسيرا من مادة الأرز، وينبغي تكرار مثل هذا الاستثمار الغذائي.

الحلول الستراتيجية لمواجهة الأزمة في العراق
ولغرض مواجهة أزمة الغذاء العالمية وتقليص التبعية في سد احتياجات الغذاء وبما أن الأمن الغذائي يعد من أهم مقومات الحياة ومرتبط بالأمن الوطني وأصبح احد الأسلحة التي تستخدم من الدول المنتجة للغذاء لتحقيق أهدافها السياسية، لابد من سياسة اقتصادية واضحة في تنمية قدرات العراق في الإنتاج الزراعي وتوفير السلع الغذائية الستراتيجية بالكميات والأسعار المناسبة وهذا يتطلب التالي:
الاستغلال الأمثل للأراضي الصالحة للزراعة والموارد المائية.
التركيز على استخدام الأساليب الحديثة في عمليات الإرواء والتقنين في استخدام المياه في ظل شحة المياه.
دعم وتشجيع الاستثمار في القطاع الزراعي والتركيز على المشاريع المتوسطة والصغيرة وتوفير الدعم المالي لها من خلال مصارف تنشأ لها الغرض.
دعم توجه الأيدي العاملة باتجاه القطاع الزراعي وتشريع قوانين تحد من الهجرة من الريف إلى المدينة.
استغلال التحسن الكبير في القدرة الشرائية للمواطن العراقي لتشجيع الفلاح على الاهتمام وزيادة الإنتاج الزراعي.
حجب بعض مفردات البطاقة التموينية وخصوصاَ التي تنتج في العراق عن الفلاحين والمزارعين لأنه من غير المعقول أن يعتمد الفلاح لسد حاجته من الطحين والرز على الدولة.
التثقيف باتجاه اعتماد سياسة نمو سكاني متوازن ودراسة امكانية وضع تشريعات وقوانين في هذا الاتجاه.
العمل باتجاه تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمورد وحيد للدولة.
دعم التصدير وتشجيع القطاع العراقي للاهتمام بالإنتاج السلعي.
أهمية اعتماد وزارة التجارة على توفير خزين ستراتيجي لمواد الغذاء الأساسية يقوم على الإنتاج المحلي والاستيراد لمواجهة الأزمات الطارئة التي قد تحدث في سوق الغذاء العالمي، وكذلك لاستخدامه في الحفاظ على توازن الأسعار ومنع المضاربة بالموارد الغذائية في السوق المحلية.
زيادة فاعلية الدولة في التدخل ووضع برنامج عملي لتامين متطلبات الأمن الغذائي في العراق وشروطه وذلك ما يتطلب اعتماد توجهات رئيسة لتشجيع التغير الهيكلي ونمو الإنتاجية وكما يأتي:-
مستويات عالية من الحماية الانتقائية للزراعة ولمدة محدودة للمحاصيل الزراعية الستراتيجية للتشجيع على زراعتها.
تركيز تدخل الدولة على تخطيط السياسات العامة بحيث يجب على صانعي السياسة أن يصمموا سياسة زراعية تركز على مجموعة منتقاة من الأنشطة الزراعية، وان تتمتع القطاعات الرئيسة بالدعم الحكومي من اجل حيازة التكنولوجيا والتدريب وإعادة الهيكلة والنفاذ إلى الأسواق ونشر المعلومات وتقديم القروض بأسعار منخفضة وذلك لتمكينها من المنافسة والنمو بشكل متوازن. ويمكن أن يتم التركيز على المحاصيل الزراعية التي يمتلك فيها العراق مزايا نسبية (الموارد الطبيعية) بغية التحول نحو المزايا التنافسية القائمة على التكنولوجيا والبحث العلمي بما يحقق الجودة والسعر المنخفض.