الاقتصاد الليبي وغياب التشريعات

الاقتصاد الليبي وغياب التشريعات

محمد صادق جراد
من الضروري ان ندرك بان هناك ترابطاً كبيراً بين الثورات التي تحدث اليوم في مدن عربية كثيرة وبين الاقتصاد المتردي لهذه الدول والذي شكل انتكاسات كبيرة في مستوى معيشة المواطن العربي على مدى عقود طويلة في ظل غياب خطط ستراتيجية تهدف لتنمية الاقتصاد

ومعالجة مشاكله المتنوعة والمزمنة والتي تم تجاهلها من قبل الأنظمة حتى أصبحت قنبلة موقوتة انفجرت على اعتى الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة.
ولقد تأثرت هذه الثورات بالوضع الاقتصادي ومن جهة أخرى أثرت عليه بعد انطلاقها لتساهم في أزمات اقتصادية في الدول التي شهدت هذه ثورات، إضافة الى الدول التي يربطها بها استثمارات ومشاريع اقتصادية حيث بدأت تتجلى انعكاسات هذه الأحداث على الاقتصاد العالمي، ما أدى الى إرباك كبير في الأسواق العالمية متأثرة بما يحدث في الشرق الأوسط وخاصة ما حصل في تونس ومصر إضافة الى ليبيا العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، حيث تصدر ليبيا ما يقارب 1,2 مليون برميل يوميا الى أوروبا إضافة إلى الاستثمارات الأوربية الكبيرة والتي تقدر بمليارات الدولارات في هذا البلد، ولا ننسى أحداث البحرين التي تعد من الدول الخليجية القريبة من السعودية اكبر مصدر للنفط في العالم.
كل هذا ساهم في ارتفاع أسعار النفط العالمية ونقصد هنا نفط خام برنت الأوروبي الى 110 دولارات في أعلى ارتفاع له منذ عامين ونصف، وتداعيات أخرى تتمثل بانعكاسات تضخمية أدت بالنتيجة لزيادة الضغوطات من الدول الغربية على الدول المصدرة للنفط بزيادة إنتاجها.
من خلال هذه المقدمة نجد ان ما يحدث في ليبيا هو الأكثر تأثيرا من الأحداث الأخرى في المنطقة على الاقتصاد العالمي وفي نظرة سريعة للاقتصاد الليبي نجد ان النفط يشكل 94% من عائدات ليبيا من النقد الأجنبي وان الاقتصاد في هذا البلد قد تعرض على مدة سنوات ماضية لعقوبات دولية وأمريكية رفعت في 3003 و2004.
والدينار هو الوحدة الأساسية لعملة ليبيا. ويتكون الدينار من 1000 درهم، وهو مغطى بالذهب وقابل للتحويل إلى العملات الأجنبية ولا توجد قيود على عمليات التحويل النقدي من وإلى الجماهيرية. ويعادل الدولار الأمريكي 1.26 دينار.
السوق الليبي سوق استهلاكي نشط نسبياً بعدد مستهلكيه الذين يزيدون عن (6) ملايين نسمة والقدرة الشرائية المرتفعة لمعظم هؤلاء المستهلكين مقارنة بالأسواق المجاورة، إضافة إلى ضعف مستوى منافسة المنتج المحلى وعدم وفائه بمتطلبات المستهلك سواء فنياً أو سعرياً
كما أن السوق الليبي قريب نسبياً من مصادر التوريد لعدد من الدول العربية والأوروبية والأفريقية مما يجعل المنافسة فيه مفتوحة أمام السلع والمنتجات المتشابهة.
ويتم سد احتياجات الصناعات والمؤسسات العامة بنظام المناقصات وما تشترطه من ضرورة قيام الموردين بالتسجيل في السجلات المعدة لذلك للتأهيل للمشاركة في هذه المناقصات فإن القطاع الخاص الليبي والذي يتزايد دوره في نشاط الاستيراد يعتمد على الاتصال المباشر مع المصدرين سواء بزيارات من قبل هؤلاء المصدرين لمقار تواجد القطاع الخاص أو بزيارات يقوم بها التجار والمستوردين الليبيين للشركات المصدرة.
وحسب ما جاء في البرقية التي وضعها دبلوماسي أمريكي ونشرها موقع ويكيليكس، بان أولاد القذافي التسعة وزوجته يسيطرون على أغلبية قطاعات الاقتصاد الليبي لتعيد الى الأذهان قضية استيلاء بن علي وعائلة زوجته على مفاصل الاقتصاد التونسي وسرقة أموال البلاد وثرواتها.
حيث يسيطر سيف الإسلام القذافي على قطاع النفط عبر هيمنته على الشركة الوطنية العامة التي تقوم بإدارة هذا القطاع المهم والحيوي الذي تم إسناده الى الابن الأوفر حظا بخلافة القذافي.كما يسيطر سيف الإسلام على قطاع ستراتيجي آخر وهو الهيئة العامة للصحافة الآمر والناهي في الحقل الإعلامي الليبي.
وتقول برقية"ويكيليكس"إن معمر القذافي الذي يعرف جيدا الدور الذي لعبه الهاتف النقال في انتفاضة بنغازي في العام 2006 وضع قطاع الاتصالات في قبضة نجله الآخر محمد القذافي. وبما أن القطاع العقاري له شأنه أيضا في الاقتصاد الليبي، فقد وضع القطاع في يد ساعدي معمر القذافي، لاعب كرة متواضع، الذي أطلق في العام 2006 مشروع بناء مدينة كاملة في منطقة تملك قيمة سياحية كبيرة.
وتضيف البرقية الأمريكية المسربة، أنه منذ رفع بعض العقوبات الدولية ضد ليبيا في عام 2003 انتعشت بعض القطاعات التجارية وفتحت متاجر جديدة لبيع السلع الاستهلاكية، خصوصا متاجر الملابس الجاهزة التي تسيطر على القسم الأكبر منها الزوجة الثانية لمعمر القذافي صفية وابنتها عائشة.
ربما تكون المعلومات التي نقلها"ويكيليكس"عن برقية دبلوماسية سرية قديمة بعض الشيء وتعود إلى سنة 2006 ولكن الخبراء لا يرون أن الوضع تغير منذ ذلك الوقت.
وبحسب منظمة الشفافية العالمية التي تعنى بمكافحة الفساد"لا يوجد تشريع في ليبيا يضع حدا لتراكم الثروات ولا يوجد قانون تنظيم لاستغلال النفوذ".
وبالرغم من أن سيطرة القذافي وعائلته على هذه القطاعات تدر عليهم مبالغ طائلة يظل من الصعب التحديد الدقيق لثروة أسرة العقيد الليبي في ظل غياب الشفافية في بلد مقفل أمام الحريات والرقابة من قبل المجتمع المدني الذي يسجل غيابا كبيرا في بلد مثل ليبيا.
في الختام نريد ان نقول ان الكثير من الدول بحاجة الى البدء بصفحة جديدة في معالجة مشاكلها الاقتصادية ووضع خطط ستراتيجية بعيدة المدى تهدف الى النهوض بالواقع الاقتصادي تحت رقابة قانونية ومؤسساتية نزيهة وخاصة في ظل دخول الشعوب على خط مراقبة ومحاسبة الأنظمة على هدرها للمال العام.