خبير لـ(المدى الاقتصادي): التكامل مع القطاع الصناعي كفيل بتطوير القطاع الزراعي

خبير لـ(المدى الاقتصادي): التكامل مع القطاع الصناعي كفيل بتطوير القطاع الزراعي

حوار/ ليث محمد رضا
يعد القطاع الزراعي احد اهم القطاعات الإنتاجية المعول عليها في احداث تنمية اقتصادية تعمل على تخليص الاقتصاد الوطني من الاعتماد المفرط على النفط كمصدر تمويل وحيد.(المدى الاقتصادي) حاورت الخبير الزراعي

الدكتور جاسم محمد حافظ الذي عاد للتو من من بريطانيا حيث تحدث عن تحديات الاقتصاد الزراعي الوطني والسبل الكفيلة بالنهوض بواقعها.


*يشكّل القطاع الزراعي ما نسبته 3% من المنتج المحلي الإجمالي في حين كان يمثل 13% قبل أكثر من 10 أعوام فما سبب هذا البون الشاسع؟
-أن القطاع الزراعي الذي يشكل أحد الفروع الرئيسة في البنية الهيكلية للاقتصاد الوطني يعاني من إهمال وتخلف كبيرين بسبب السياسات الارتجالية للنظام المباد وغياب الرؤية الاقتصادية الاجتماعية والأهداف الستراتيجية لدولة ما بعد عام 2003 رغم محاولات وزارة الزراعة وبعض كوادرها الفنية تصحيح تلك الأمور، مما قاد الى عدم التطور المتوازن قطاعياً وجغرافياً، فالحروب وعسكرة البلاد أهدرت الثروت البشرية ولم تتح للمجتمع الريفي فرص تنمية رأس المال وتراكم الخبرة الإدارية، الى جانب انتهاج سياسة التوسع الأفقي في الإنتاج الزراعي تجنباً لاستصلاح الأراضي الزراعية وادامتها مما أدى الى اخراج مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة من العملية الإنتاجية، والى هبوط الكفاءة الإنتاجية لجميع عناصر الإنتاج الزراعي.
وأن عدم انتهاج سياسة التوسع العمودي في الإنتاج الزراعي القائمة على التخصص والتركيز والتوسع في استخدام أساليب الزراعة الحديثة والتكنولوجية المتطورة، كان هو الآخر سبباً في التخلف الذي يشهده القطاع الزراعي كما أن تفتيت الأراضي الزراعية الى حيازات صغيرة لا يستقيم مع برامج تطوير الزراعة وتنمية الريف وتحسين حياة سكانه.

*يمثل القطاع الزراعي احد أهم القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد العراقي فما السبل الكفيلة لجعل القطاع الزراعي رافداً للقطاع الصناعي بمقومات النهوض؟
-هذا السؤال يكتسي أهمية كبرى لما ينطوي عليه من دعوة هامة الى تسليط الضوء على أكثر المسائل التي تستأثر باهتمام الاقتصاديين المنشغلين في تطوير العلاقات المتبادلة وتغيير أشكال الإدارة الاقتصادية المعبرة عن التطابق العضوي بين القطاعين الزراعي والصناعي، واكتشاف الجوهر التقدمي لهذه العملية، التي يطلق عليها بالتكامل الزراعي – الصناعي والتي تسهم بشكل فاعل في دفع عجلة التطور الاقتصادي – الاجتماعي وفي خلق الظروف المناسبة لنمو وتأثر الإنتاج في الريف وإرساء القاعدة المادية للتحولات الاجتماعية والثقافية، وتجنيب البلاد من مشاكل التطور غير المتوازن للمناطق الجغرافية، حيث أن اقامة مشاريع التكامل الزراعي – الصناعي يدفع المجتمع الى توجيه الموارد المادية والبشرية والطبيعية الموجودة تحت تصرفه نحو تلك المناطق المتخلفة لانتشالها من الواقع المعيشي المتردي، ولنا ان نؤكد على أن عملية التكامل الزراعي – الصناعي تتطور باتجاهين أولهما اعادة تنظيم الإنتاج النباتي والحيواني على أساس استخدام المكائن المتطورة وإدخال المهارات الفنية الحديثة، وثانيهما التطابق العضوي بين الإنتاج الزراعي والصناعي تحت قيادة جهاز اداري لأي شكل من أشكال التكامل، فأن ما يعانيه القطاع الزراعي في بلادنا من صعوبات كبيرة، يمكن تجاوزها اذا ما أستغل المناخ السياسي الديمقراطي في صياغة قانون اصلاح زراعي يستمد من معطيات المرحلة الحالية جوهره لضمان أحداث تنمية وتطوير للقوى المنتجة في الريف، خاصة اذا ما جرى تنشيط القطاع التعاوني الزراعي واستعادة اراضي مزارع الدولة المنهوبة، حيث أن هذين الشكلين من ادارة الإنتاج الزراعي كفيلان بتمهيد شروط التكامل الأفقي الذي يخلق بدوره الاساس الموضوعي للتكامل العمودي، ولا بد من الإشارة الى أن التكامل الزراعي – الصناعي يلعب دوراً مهماً في إزالة الفوارق اقتصادياً وثقافياً واجتماعيا بين المدينة والريف، وإن التجربة الإنسانية في مناطق مختلفة من العالم أفرزت ثلاثة أشكال للتكامل الصناعي- الزراعي استناداً الى عدد وحجم المزارع والمصانع المشتركة في هذه العملية، ومن ثم حجم الهيكل التنظيمي والإداري لها. وهي المشروع الصناعي – الزراعي، المجمع الصناعي – الزراعي، والإتحاد الصناعي الزراعي، إضافة الى أشكال أخرى سيطول شرحها، ربط الزراعة بالصناعة كفيل بإحداث تطور هائل في كل مناحي الحياة الريفية، ووضع القطاع الزراعي على طريق الازدهار، وتحقيق الأمن الغذائي فيما اذا أنجز على أسس علمية صحيحة.

*كيف تنظرون إلى جدلية الاستثمار في القطاع الزراعي وفي أي محور هي الأمثل؟
-لا نرى في الموازنات المتعاقبة للحكومة ما يدعو الى الاعتقاد بان هناك رغبة صادقة في تطوير القطاع الزراعي، نظراً للتخصيصات الهزيلة التي رصدت لهذا القطاع كغيره من القطاعات الإنتاجية الأخرى، وهذا يعكس بشكل جلي غياب الرؤية الاقتصادية الستراتيجية، ويخفي وراءه بعداً فلسفياً ينطوي على مصالح أنانية ضيقة تمهد الطريق لرفع اليد عن القطاع الزراعي بكامله وإفقار ملايين الفلاحين الذين قد يضطرون لبيع أراضيهم الزراعية والعودة بهم الى العمل في أطار أساليب انتاج متخلفة وعلاقات انتاج بالية، فالدولة قادرة على الاستثمار في الاراضي الزراعية المنهوبة والمشار اليها اعلاه وتحديد أشكال الهياكل التنظيمية والإنتاجية المناسبة كشركات مساهمة مثلاً، ودعوة المهندسين الزراعيين العاطلين عن العمل وغيرهم للمساهمة في رأس مال الشركة بعد منحهم قروضاً بفوائد بسيطة وبشروط تسديد مريح الى جانب تشييد قرى عصرية لهم تتوفر فيها مستلزمات الحياة الكريمة كافة والمرافق الخدمية والترفيهية والثقافية والصحية وسواها.

*هل إن للقطاع الخاص دوراً فاعلا في تنشيط وتفعيل القطاع الزراعي؟
-بالتأكيد القطاع الخاص الوطني يستطيع أن يلعب دوراً فاعلاً وعلى الرغم من احجامه عن الاتحاد الطوعي في التعاونيات الزراعية أو غيرها من النظم العاملة في محيطه الجغرافي، لكن الواقع الموضوعي يشير الى أن كثيراً من الفلاحين المالكين للحيازات الصغيرة قد هجروا مزارعهم وفضلوا العمل في المدن القريبة من قراهم لأسباب تتعلق بشحة المياه أو ارتفاع ملوحة التربة الزراعية أو صعوبة الحصول على قروض أو تردي الأحوال المعيشية وغير ذلك من الأسباب، وعليه فإنني أناشد القائمين على وزارة الزراعة بان يبذلوا جهداً مضاعفاً لإحياء الحركة التعاونية الزراعية، حيث إنها لا تخالف الشريعة الإسلامية (وتعاونوا على البر والتقوى)، وإنها أداة طيعة لنشر الثقافة الديمقراطية في الريف، إذا ما أعيد بناؤها على أسس صحيحة ووفق ضوابط تحكمها المبادئ، التي أقرتها المؤتمرات الدولية للحركة التعاونية، والتي أكدت على مراعاة قاعدة الاتحاد الطوعي للأعضاء، والاختيار الحر والديمقراطي لقياداتها، الى جانب المبادئ الأخرى، خاصة اذا ما علمنا بأن عدد الجمعيات التعاونية الزراعية قد بلغ 1992 جمعية في عام 1981 وأن نسبة العاملين فيها بلغت في عام 1985 حوالي 11% من مجموع القوى العاملة في القطاع الزراعي، وإنها مهدت لتركيز الإنتاج، وظهور مؤسسات التكامل الأفقي والعمودي البدائية في الزراعة، وأرست تقاليد العمل الجماعي، فضلاً عن أنها أدخلت المكننة الزراعية وأساليب الزراعة الحديثة، ولو في أضيق الحدود. وصدرت تشريعات تؤكد على الدور الهام للحركة التعاونية في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية العامة. غير أن إشراف الدولة وتدخلها المباشر في شؤون الحركة التعاونية، وتحويلها الى أجهزة تنفيذية مساعدة للنظام البوليسي، أفرغها من محتواها التعاوني، وعرقل تطورها الطبيعي، ودورها المنتظر، ومن ثم أضر بسمعتها وبرغبة الفلاحين في الانتساب إليها. ونظراً للوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي لسكان الريف، وانعدام المقدرة الاستثمارية لديهم، الى جانب انتشار الحيازات الصغيرة للفلاحين، انعدمت أمكانية توفر شروط الإنتاج الزراعي الكبير، لذا أصبح لزاماً على الدولة، أن توفر هذه الشروط، من خلال بعض الإجراءات العملية كإصدار تشريعات قانونية، تنظم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، للجمعيات التعاونية مع منظمات البيئة المحيطة بها، لضمان تجهيزها بالمكائن والآلات الزراعية وحصصها من الموارد المائية والطاقة، الى جانب حماية حقوق منتسبيها، وفق التشريعات الدولية في هذا المجال كما وينبغي تشجيع الفلاحين على الانضمام الى التعاونيات عن طريق :بناء القرى النموذجية، المجهزة بالماء الصالح للشرب والكهرباء وشبكات الصرف الصحي، إضافة الى توفير الخدمات التعليمية والصحية وخدمات البريد والهاتف وشبكة المواصلات ودور العبادة، وغيرها من مستلزمات الحياة الضرورية.(وقد سبق للجزائر إنجاز ذلك بنجاح، وشكل رمزاً لانحياز الثورة الجزائرية الفتية، لفقراء الريف الجزائري، وان الدعم الحكومي المالي للمنتجين الزراعيين التعاونيين، وتحسين مستوى دخولهم، الى جانب تطوير بعض المفاهيم وآليات العمل التقليدي للتنظيم التعاون، ويجب تسهيل منح القروض الزراعية الضرورية للجمعيات التعاونية الزراعية وبفوائد تشجيعية، كما وعلى الدولة فتح شبكة معاهد زراعية لتحسين المهارات الفردية لأعضاء الجمعيات، وبشروط تشجيعية، ولابد من إنشاء المصانع التحولية المناسبة لطبيعة المحاصيل المنتجة في مناطق التعاونيات، وتحديد الصيغ الإدارية والقانونية لطبيعة علاقاتها التكاملية مع الجمعيات التعاونية الزراعية المرتبطة بها.

*درجت وزارة الزراعة على منع استيراد الفواكه والخضراوات ومن ثم أطلقت العنان لها في فترات متقاربة فكيف تنظرون لهذا التخبط وما هو السبيل الأمثل للارتقاء بالإنتاج المحلي؟
-أن من بين المهام المناطة بوزارة الزراعية هو ضمان الأمن الغدائي للمجتمع والعمل على تلبية حاجات الناس المتنامية من المواد الغذائية ارتباطا بالتحسن النسبي للمستوى المعيشي وتغيير العادات الغذائية الى جانب مسؤوليتها عن تأمين الظروف الملائمة لتنمية وتطوير الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وحمايته من منافسة المنتجات الزراعية المستوردة، خاصة وأن تكاليف الإنتاج الزراعي المحلي مرتفعة بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي الذي يؤدي بدوره الى ارتفاع أسعار عناصر الإنتاج الزراعي كافة، لذا يبدو لي أن الوزارة تحاول التوازن بين هاتين المهمتين، فعندما يعجز القطاع الزراعي عن تلبية الطلب الكلي على المحاصيل الزراعية تفتح الوزارة باب الاستيراد ومن ثم تغلقه حال ما تشعر العكس، وأن هذه الإجراءات المربكة للسوق تشكل دليلاً آخر على تدني كفاءة الحكومة في ادارة شؤون البلاد، وانعدام التكامل والوحدة العضوية بين أطرافها، فما بالك والحكومة الجديدة قد يصل حجم اعضائها الى حوالي 45 وزيراً استجابة لاستحقاقات المحاصصة، فمعلوم أن الوزارات مجتمعةً باعتبارها نظماً تحتية تشكل الحكومة النظام العام، فأن تخلف احدها في تأدية مهامه كالكهرباء مثلاً سيؤثر حتماً على كل الأداء الاقتصادي الحكومي، والحل يكمن في زيادة التخصيصات المالية للاستثمار في القطاع الزراعي، وخاصة في مجالي إنتاج الفواكه والخضراوات. وإصلاح السياسات الزراعية.

*يعاني العراق شح المياه، إذا ما تجاوزنا البعد السياسي في تدفق المياه من الدول المتشاطئة فما هو السبيل الأمثل بتقديركم لتوفير المياه للزراعة؟
-مشكلة شحة المياه تعدو كونها مشكلة عراقية بقدر ما أنها أصبحت مشكلة معقدة تواجه معظم بلدان الشرق الأوسط، رغم أن ذالك لا ينبغي أن يضعف الجهود الدبلوماسية للحكومة العراقية في ضمان تدفق حصة العراق المائية من الدول المتشاطئة معنا على نهري دجلة والفرات والأنهر القادمة من إيران، ولمواجهة هذه الشحة يجب التوسع في استخدام أساليب الري الحديثة وحفر الآبار الارتوازية واستخدام الأصناف المقاومة للجفاف وتطوير الأبحاث والدراسات الزراعية لمواجهة التغيرات البيئية والمناخية الى جانب ذالك يجب اطلاق حملة توعية وطنية واسعة للحفاظ على الثروة المائية وترشيد استهلاك المياه.