بغداد/ علي الكاتب
قال الخبير الاقتصادي الدكتور مهدي الحافظ: ان تراجع مستويات التنمية البشرية أصبحت من ملامح الحياة الاقتصادية في العراق، حيث لا تزال قيمة تجديد التنمية البشرية في العراق والتي تقع في النصف الأول من مسار البلدان المتوسطة التنمية وبقيمة 6%
وهي حالة غير جيدة اذ لا تمثل بلدا مثل العراق الذي يمتلك ثروة نفطية هائلة، وكذلك وجود معادن كثيرة والتي تضمن تطلعه لمجتمع متقدم بدلا من ان يكون بهذه الحالة التي تثير مخاوف الكثير من المهتمين بتطوير التنمية في العراق.
وأضاف الحافظ: ان نسبة المواطنين الذين يعيشون يومهم بأقل من دولار أميركي في اليوم الواحد تراجعت من 27% في سنة 1993 الى 1.3% في سنة 2007 وهو مؤشر اخر لتدني معدلات التنمية في العراق، وتبقى مؤشرات الالتحاق بالمراحل الدراسية المختلفة غير مرضية أيضاً، كما ان معدلات النمو فيها لم تصل الى مستوياتها قبل سنة 1991، فيما يبقى الطريق نحو تحقيق الأهداف الإنمائية طويلاً.
وتابع: ان هناك عدداً من المؤشرات التي توضح ان العراق يقف متأخراً مقارنة بما تحقق من انجازات في هذا المجال والوصول الى إمكانية تحقيق الأهداف المحددة عالمياً في سنة 2015 لوجود عدد من المحددات ومنها ما يتعلق بمؤشرات الفقر وسوء تغذية الأطفال، أما المؤشرات السلبية الأخرى كالبطالة فهي أسوأ من مما كانت عليه في سنة 1990، الأمر الذي يجعل منها مجالات للتدخلات العابرة من قبل السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار الى ان هناك ما يصطلح عليها بـ(التنمية غير المنصفة) لتوارد تقارير من المحافظات على نحو يثير الكثير من التساؤلات، خاصة مع التطورات الأخيرة في تلك المحافظات وجميعها تعود الى حالة التسرع في إعطاء الصلاحيات لها، بينما لا يزال العراق بحاجة الى نوع من الإرادة المركزية التي يجب ان تكون ديموقراطية تبنى على أسس محددة.
وبين ان فقدان الأمن في تحقيق التنمية البشرية هي من المعطيات والمؤشرات التي سبق الحديث عنها، حيث حصدت الحروب واعمال العنف أرواح المدنيين وانتشار حالات من الفساد في كل مكان، وهناك عنصر جديد هو ضياع بيان اكتساب المعرفة، خاصة مع التطورات الحديثة في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لان المجتمع المتأخر في اكتساب المعرفة ليس له وجود حقيقي بين المجتمعات الأخرى وليس له مستقبل في العالم، كما ان تدهور المستوى المعيشي للسكان بصورة واضحة وهي مسألة معروفة ومصادرة القدرة على اتخاذ القرارات معاً وهي مشكلة موجودة في العراق ودول الجوار، ما لم يتم تلبية عنصر المشاركة كأحد العوامل المهمة والضرورية للقيام بإصلاحات حقيقية في العراق وبقية الدول الأخرى.
ونوه الى ان تداعيات المرحلة الانتقالية الراهنة والتي لا يزال العراق فيها برغم التصريحات التي تصدر بين الحين والحين عن اتخاذ خطوات كبيرة في هذا المجال يعاني من وجود مشكلة ان الكثير من القرارات والخطوات المعلنة التي لم تجد طريقها الصحيح وهو الأمر الذي سيستمر لفترة معينة لطالما ان الحكومة العراقية غير قادرة على حكم جميع مناطق البلاد، حيث هناك تجزئة للسلطة وهي تؤدي الى نتائج سلبية من دون وجود صلاحيات شاملة للدولة تمكن من سير العراق قدما في تحقيق التنمية المنشودة، كما ان حدوث النتائج المدمرة للحروب والعقوبات الاقتصادية تعيق من إمكانية النمو الاقتصادي وتعرض القطاعات الصناعية والزراعية الى الإهمال الكبير وبقاء الاهتمام مقتصراً على قطاع النفط حائلاً دون استقلالية الاقتصاد الوطني، لاننا نعيش على النفط وان توقفه لأسباب طارئة او خارجية يعني بقاء الشعب العراقي دون مستوى التنمية المطلوب.
وأكد ان ارتفاع مستويات البطالة في العراق وفقدان المواطنين الى أمنهم الاجتماعي وازدياد مخاوفهم بشكل او بآخر، فيما يقدر البنك الدولي معدلات البطالة بنحو 39% من مجمل القوى العاملة وما يؤديه الى تعطيل عملية إصلاح البنى التحتية واستمرار ربط الإنفاق العام ومنه الإنفاق الاجتماعي بعوائد النفط حيث تشكل العوائد النفطية بالنسبة للميزانية المالية بما يقدر بـ(90%) وهو نمط ملازم للاقتصاد الوطني منذ نهاية التسعينيات، والتخوف من تراجع الإنفاق العام على التنمية البشرية بسبب زيادة المطالب على القطاعات العامة وتخطيها نسبة 19%، مما يجعلنا نخلص الى نتيجة مهمة وهي عدم إمكانية فصل التنمية البشرية عن التخطيط لكونهما ينبعان من منشأ واحد ويغذيان احدهم الآخر بصورة مباشرة، وهو ما نسعى الى تحقيقه في المرحلة الراهنة.
من جانبها قالت الخبيرة الاقتصادية الدكتورة آمال شلاش: ان تقرير التنمية البشرية الذي تم إعداده في سنة 2008 وصدر في سنة 2009 بما يتضمن معلومات وتحليلات تعد نافذة المفعول تلاقي تطبيقاتها على ارض الواقع، خاصة ما يخص المؤشرات المتعلقة بالتنمية البشرية كمفهوم من المفاهيم الاقتصادية الذي يجب ان ينعكس في تحسين معيشة الناس وتعظيم قوة رأس المال وشعور الناس بمدى تقدم التنمية البشرية، التي تتكون من عناصر نتلمس من خلالها تحقيق التنمية البشرية ومعرفة مقياس التقدم على مدى الأيام، وفي العراق وعند قياس ما تم تحقيقه من معدلات التنمية البشرية نجد ان مؤشرات دليل التنمية البشرية منذ سنة 1990 احتل العراق فيها المرتبة 96 بين الدول العالمية، والذي تراجع الى المرتبة 161 في سنة 1995 بسبب انخفاض مستويات الدخل للفرد العراقي ولترتفع الى الدرجة 130 في سنة 2000 ليتراجع الى الدرجة 128في 2006، وهو التسلسل الذي يحتله العراق حاليا بين دول العالم، ولو بقي العراق في ذات مستويات نموه في سنة 1990 لكن بقي في خط متصاعد حتى الآن.
وأضافت: ان دليل التنمية البشرية بالنسبة للمحافظات تضمن نوعا من التمايز الواضح بين محافظة وأخرى وهو مرتبط بمعدلات الدخل ومؤشرات الواقع الاقتصادي والاجتماعي وتدنيه بين محافظة عن غيرها، حيث اشر تفوق محافظات إقليم كردستان على بقية محافظات العراق الأخرى والذي أرجعه من اعد التقرير الى الاستقرار الأمني في محافظات الإقليم خلال الفترة الماضية مقارنة بما عانته بقية محافظات الوسط والجنوب من تدهور امني ملحوظ خلال الفترة الماضية.
وأكدت انه تم إدخال موضوع مهم في تقرير التنمية البشرية وهو موضوع الأمن والذي لم يتم ذكره في تقارير مشابهة له في دول العالم الأخرى، باعتبار تعرض العراقيين خلال السنوات 5/6/2007 الى تهديدات كبيرة وخطيرة لأمنهم، اذ يعد الأمن الإنساني من أهم عناصر القيم الأمنية للإنسان لكونه يحصد حياته بالكامل، كما ان متوسط دخل الفرد وهو احد معدلات قياس التنمية البشرية الثلاث له مؤشرات في تذبذب وحدوث متغيرات فيه، حيث ان متوسط دخل الفرد العراقي في سنة 1980 والبالغ 3800 دولار أمريكي انخفض بعد ذلك ليشهد تذبذبا في مستواه في سنوات الحرب العراقية – الإيرانية مروراً بالهبوط الحاد في مستوياته في سنة 1990، وهكذا وصولاً الى سنة 2007 وما تلتها والذي لم يصل مستواه الى سنة 1980.
وأشارت الى ان التعليم هو العنصر الأهم في تقرير التنمية البشرية بعد مستوى الدخل والذي يقاس بثلاثة مؤشرات وهي معدل التحاق من هم بسن التعليم الابتدائي ونسبة الطلاب الملتحقين مئوياً في سنة 1990 والتي تبلغ 92% على وفق تطبيق مجانية التعليم، لينخفض بعد ذلك الى 87-88% لنسبة الطلبة الملتحقين بالمدارس في سنة 2008، وهي تثير تساؤلات عن أسباب التراجع تلك والتي تتلخص في سعي بعض العائلات الى تشغيل أطفالها وزجهم في أنواع مختلفة من الاعمال وتوفير لقمة العيش لهم لكونهم فقراء ولا يتمكنون من إعالة أطفالهم وتوفير مستلزمات دوامهم في المدارس.
وأكدت وجود أسباب أخرى تتعلق بالمؤسسات الحكومية والعجز في أعداد المدارس وبناء المدارس للطلبة وتوفير فرص التعليم للجميع، إضافة الى ملاحظة ان أعداد الطلبة تتناقص في التحاقهم في الدراسة الثانوية والجامعية ومقارنة ذلك بأعداد المدارس ونسبة الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم مقارنة بالإنفاق على الدفاع والأمن والصحة ضمن ميزانية الدولة العراقية المالية من منتصف الثمانينات من القرن الماضي ولسنة 2007، ووجود مؤشرات لأكثر من 1000 مدرسة طينية في العراق في الوقت الحاضر تتخطى في وجودها محافظات الجنوب كما هو بديهي الى محافظات الوسط ومحافظة بغداد، مما يعكس الحاجة الى 5159 مدرسة و400، 41 معلم لغاية سنة 2010، مع مؤشرات في الحاجة الى بناء 5000 مدرسة في الوقت الحاضر لافتة الى ان ما تم بناؤه حتى الآن غير كاف، في حين ان مؤشرات التمايز بين المحافظات المذكورة في البيانات التي ذكرها التقرير المذكور ونتائجه على كل محافظة مع توضيح للمعالجات والأولويات المعتمدة للسياسات التي يعتمدها مجلس المحافظة والمراكز البلدية والحكومة المركزية، والتي تمثل خارطة عمل للفترة المقبلة.
الى ذلك أشار رئيس الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات الدكتور مهدي العلاق الى إشكالية المكاسب المتحققة من التنمية البشرية ضمن معطيات حسابية لمؤشرات الدخل القومي ومعدل القوة الشرائية وتوقع الحياة عند الولادة وهو المؤشر الصحي للبلاد ورقمين فرعيين لمستوى التعليم أحدهما لمعدلات الالتحاق بمراحل التعليم ونسبة تعلم الكبار، حيث تم الحرص في هذا التقرير على ان تكون الأرقام في غاية الموضوعية واستقصاء المعلومات ميدانياً وإجراء المسوحات الميدانية الى جانب المصادر الحكومية وغير الحكومية الرصينة مما انعكست ايجابيا على واقع التنمية البشرية في العراق.
وقال العلاق: ان تقريرنا هو الثالث من نوعه اذ تم إصدار التقرير الأول في سنة 1995 وتم التحفظ عليه من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برغم كونه نتاجا مشتركا بين الحكومة العراقية وبينهم، وفي سنة 2000 تبنت وزارة التخطيط تقريراً آخر تم التحفظ عليه أيضاً من قبل ذات الجهة، فيما يعد التقرير الوطني لحال التنمية البشرية في العراق لسنة 2008 هو الثالث على هذا الصعيد.
وأضاف العلاق: ان دليل التنمية البالغ 623، 0 يقل عن الرقم العالمي والبالغ 743، 0، كما يقل عن معدلات القياس للدول متوسطة التنمية البالغ دليلها 7 من 10 والدول النامية البالغ 679، 0 وهو يرتفع عن معدلات الدول العربية البالغ 69%، وهذا يعني ان العراق في ادنى معدلات التنمية البشرية المتوسطة، كما ان مقياس معدلات البطالة في العراق يرتبط بمقياس منظمة العمل الدولية للبطالة التي تعتبر كل شخص يعمل في سبعة أيام من تاريخ المسح الميداني للتشغيل والبطالة وان كان قد عمل لساعة واحدة فقط في الأيام السبعة يعد عاملاً، ولذلك من الطبيعي ان يشير الى معدلات البطالة غير المرتفعة، ولكن الإشكالية مرتبطة في العراق بما يسمى بـ(معدل العمالة الناقصة) أي ان إنسان يعمل ولكنه دون مستوى ساعات العمل القياسية البالغة 35 ساعة أسبوعياً، وهو معدل لا يزال مرتفعا بنحو 25-30%، الا ان جهودنا لم تتوقف عند حساب دليل التنمية البشرية فقط، بل وبدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حيث اعتمدنا مقياس لم يتم تطبيقه سوى في ثلاث دول عربية فقط وهو دليل الحرمان، حيث أصدرنا التقرير الأول في سنة 2006، وحالياً أنجزنا التقرير الثاني وهو على وشك الصدور، وضمن مفهوم الحرمان أشرنا الى ستة ميادين أساسية وهي الصحة والتعليم والدخل والحماية الاجتماعية والبيئة والسكن، وهي مبادئ تحتوي كل منها عناصر واضحة للحرمان في مستوى ما تم مشاهدته خلال دراساتنا الميدانية، التي قمنا فيها بترتيب معين بين المحافظات، حيث تم ملاحظة وجود نسب معينة من الحرمان متفاوتة بين المحافظات، كما هو الحال في تقرير التنمية البشرية.
وأكد العلاق على ان هناك محاولات مستمرة لقياس التنمية في مجالات أخرى ومنه الأمن الغذائي، حيث تم إصدار الكثير من التقارير في هذا الشأن، فضلاً عن الإشارة في تقرير التنمية البشرية الى التفاوت بين الرجل والمرأة بفصل كامل لقياس التنمية، حيث تم ملاحظة وجود تفاوت وفروق بين الجنسين وهي نسب تتفاوت بين المحافظات اذ تحتل محافظات الجنوب موقعا متدنيا في دليل الترتيب.
وأشار الى ان موضوع الفقر تم الاعتماد في قياسه على الاتجاه المادي في القياس، مع التوسع بما يشبه تقريرنا للتنمية البشرية، لان خط الفقر المحسوب في سنة 2009 والبالغ 77 الف دينار للفرد الواحد شهرياً تم بناؤه على أساس كلفة الحاجات الأساسية، حيث تم تقسيم هذه الحاجات الى غذائية وغير غذائية، شكلت الأولى ما مقداره اقل من 50% من مكون خط الفقر و34 الف دينار لتغطية موازنة السلع الغذائية التي تؤمن 2300 سعرة حرارية وهي غير كافية لحياة الإنسان وأدائه لفعالياته اليومية و43 الف دينار للحاجات والسلع والخدمات غير الغذائية، بمعنى اننا لم نقم خط فقر مرتبط بالحالة الغذائية للفرد، بل وتذهب للحاجات غير الغذائية أيضاً، ولذلك ظهرت مستويات الفقر واضحة بنسبة 23% وهي أكثر من المقياس التقليدي الذي كان سائداً مع بدء العمل بالأهداف الإنمائية والذي كان يقاس بحدود دولار واحد للفرد يومياً، لتكون مؤشرات البنك الدولي حالياً دولارين للدول متوسطة التنمية و(5, 2) للدول الأفضل حالاً، فإذا قمنا باحتساب الـ77 الف يبلغ 2، 2 من 10 للفرد الواحد، مبيناً ان هذا يعني بلوغنا مستوى 2-3% من الرقم الذي تم مغادرته ولكن ما وصلنا اليه وهو 23% هو رقم موضوعي وواقعي في الوقت الحاضر.
وتابع العلاق انه تم إصدار ثلاثة تقارير بالتعاون بين وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة الأول هو الأهداف الإنمائية للألفية والذي يشرح معاناة العراق وتحدياته أمام الوصول الى الأهداف الإنمائية الألفية في سنة 2015، وتقرير مواجهة الفقر في العراق، ونخطط حاليا في الوزارة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبيت الحكمة الى إصدار التقرير الوطني الجديد للتنمية البشرية الذي يتضمن محاور جديدة مثل التركيز على شريحة الشباب ومدى مشاركتهم في التنمية البشرية.