رحلة الى أرضروم..  موقف بوشكين إزاء أحداث عصره

رحلة الى أرضروم.. موقف بوشكين إزاء أحداث عصره

بغداد/ أوراق
نصوص قصصية تعكس عبقرية أديب يلقب بأمير شعراء روسيا، مع مقال لصديقه نيقولاي غوغول يعطي صورة صادقة عن شخصيته، انه الكسندر سيرغيفيتش بوشكين في كتاب بعنوان (رحلة الى ارضروم) والصادر عن دار (المدى) للثقافة والنشر بترجمة عبدالله حبه، مبيناً انه أبدع في مجال السرد والشعر.

وقد اختار من بين أعماله النثرية تلك التي لم تترجم بدقة سابقاً حيث سمح المترجمون لأنفسهم باطلاق العنان لأقلامهم في التصرف بأعمال بوشكين الذي تعكس قصصه المنشورة في هذه المجموعة احداث عصره وموقفه من علاقة الروس بالشعوب الاخرى واحترامهم لتقاليدها وعاداتها وحتى لحكامها وقادتها الذين قاتلوهم. ويذكر الكاتب موقف الدراويش الاتراك منه كشاعر وترحيبهم به كأنه واحد منهم. ويصف أحوال الحاكم التركي كما يصف طبيعة مناطق القوقاز الجبلية الوعرة وانهارها الجامحة وفرسانها الأباة فكونت لديه تأثيرات انعكست صورها في اشعاره. يروي بوشكين في قصة"العربي ربيب بطرس الأكبر"حكاية جده الأكبر ابراهيم الذي ارسله القيصر الى فرنسا لدراسة العلوم العسكرية وعودته الى روسيا بعد سلسلة من المغامرات في اسبانيا حيث حارب الى جانب الفرنسيين وعلاقته الغرامية في باريس مع كونتيسة فرنسية من النبلاء، والتي انجبت له صبياً تم اخفاؤه عن زوج الكونتيسة وبعيداً عن باريس. ثم يتحدث بوشكين عن قرار بطرس الأكبر حول تزويج ابراهيم من ابنه احد النبلاء الروس بغية ان يوطد مركزه في مصاهرة أحدهم. والقصة كلها من بنات خياله، إذ ان جده الاكبر لم يتزوج ابنة نبيل روسي بل ابنة تاجر يوناني.. وفي قصة"كيرجالي"يصف جسارة قاطع طريق ينضم الى الحركة الثورية اليونانية، ثم يهرب الى الأراضي الروسية، فيلقى عليه القبض ويرحل الى تركيا، فيحكم عليه بالاعدام. لكنه يفلح في خداع حرس السجن، ويهرب لممارسة مهنته مجدداً. وتبدو قصة"ليالي مصرية"مستوحاة من اسطورة كليوباترا وعشاقها مرتبطة بالموضة الشائعة في زمان الشاعر حول تناول الموضوعات الرومانسية في الابداع الادبي. اما قصة"الملكة البستوني"تظهر جانباً هاماً من حياة الطبقة الأرستقراطية وطيشها وولعها بالقمار، بما يولده من مصائب وخراب أسرة كاملة. ويصف بوشكين باسلوب ساخر حياة المقامرين وجشعهم واستعدادهم لارتكاب أفظع الافعال لتحقيق اهدافهم، والمصير الذي ينتهي ببطل القصة الى مستشفى المجانين. وفي قصة"روسلافليوف"يتناول الكاتب فترة غزو نابليون لروسيا عام 1812 وأصداء تلك الاحداث في مجتمع الطبقة الارستقراطية الروسية. وتعكس القصة الى حد كبير الروح الوطنية التي كان يتمتع بها الشاعر. ثم يتناول بوشكين في قصة"تاريخ قرية غوريوخينو"معاناة الفلاحون الموجيك الروس وآلامهم بسبب نظام القنانة. وبوشكين مثل غيره من المثقفين الروس في زمانه أدان القنانة معتبراً نظام العبودية هذا يمثل عاراً على المجتمع حتى لقي مصرعة عام 1837 في مبارزة مع المبعوث الهولندي دانتيس الضابط في سلاح الفرسان، بعد ان ابدى الأخير وقاحة في مغازلة زوجته ناتاليا مما اضطر بوشكين الى دعوته للمبارزة. ويقال ان الحادث كله كان مؤامرة مدبرة يقف وراءها بلاط القيصر للتخلص من بوشكين ذي الافكار اللبرالية التنويرية التي كان يبشر بها في ابداعه الشعري والنثري. وفي وقتها كتبت احدى الصحف قائلة:"غابت شمس شعرنا"مما اثار سخط السلطات، وعلى اثرها دعي رئيس تحريرها الى احد المسؤولين في الرقابة فوبخه قائلاً: ما هذا الكلام، أي شمس للشعر، وما مكانته في ملاكات الدولة. وهل كان قائداً عسكرياً او وزيراً او رجل دولة؟. لكن بوشكين بعد رحيله ذاع صيته في روسيا والعالم بصفته امير شعراء روسيا، وترجمت اعماله الى مختلف لغات العالم بينما نسي القادة ورجال الدولة. وتم اطلاق اسمه على الميادين والشوارع في روسيا وبلدان أخرى منها العاصمة الاثيوبية حيث يوجد ميدان ونصب له باعتبار اثيوبيا وطن جده الاكبر ابراهيم هانيبال، وقد كان بوشكين سليل اسرة من النبلاء وتلقى تعليمه في مدرسة اريد لها ان تعد كبار الموظفين في ادارة الدولة القيصرية. وقد تعلم اللغة الفرنسية منذ نعومة اظفاره اذ انها كانت تعد لغة النبلاء الروس. ونظم اولى قصائده بالفرنسية وهو بعمر ثلاث عشرة سنة بعد ان تأثر بكبار ادباء عصره من الروس، اضافة الى الحكايات الشعبية.