الملوك ونظرية المؤامرة في مسرحيات شكسبير

الملوك ونظرية المؤامرة في مسرحيات شكسبير

عصمان فارس
في أية دراسة متأنية لمسرحيات وليم شكسبير نجد ان مسرحياته التاريخية تستمد عناوينها من اسماء الملوك مثل يوليوس قيصر، الملك جون، الملك لير، ريتشارد الثاني، هنري الرابع، هنري الخامس، هنري السادس، وهنري الثامن، كأن تاريخيات شكسبير تدور حول الصراع على التاج الانكليزي الذي استمر من القرن الرابع عشر وحتى نهاية القرن الخامس عشر.

وكل هذه المسرحيات مبنية على المآسي التاريخية الكبيرة بصراع علي العرش او على توطيده وكل واحدة تنتهي بموت الملك وتتويج ملك جديد، وفي كل هذه المسرحيات المليئة بسلسلة طويلة من المؤامرات والجرائم بدءا بقتل أقرب الناس اليه وقتل اعدائه وقتل جميع الحلفاء السابقين من أجل العرش والسلطة محاولا اعدام الجميع، والملك عندما يلبس التاج يكون قد اصبح مكروها ويقتل الجميع باسم العدالة، وعلى المسرح ان يعي حاجات ومتطلبات العصر لنأخذ مثلا مسرحية هاملت المبنية على نظرية المؤامرة والجريمة والمجزرة البربرية من خلال حلقة دموية حيث يقتل الأب ومحاولة هاملت قتل العم أي روح الانتقام.

وفي مسرحية ماكبث من أجل السلطة والتاج يقتل الملك الشرعي ويقتل جميع شهود الجريمة وعليه يقتل ابناء واصدقاء الذين قتلهم وقتل كل من يقف ضده وفي النهاية سيقتل هو بالذات، انه الصراع من أجل السلطة والتاج والصراع بين أناس يتمتعون بالاسم واللقب والقوة.
ان السلطة في رؤية شكسبير لها عينان وفم ويدان والصراع بدون رحمة بين اناس يجلسون معاً الي المائدة. فأن شكسبير عبر حياته اليومية والعملية هو رجل يعيش في عالمه، وحريص على ان يدرك مؤامرات البلاط ودسائسه ومشكلة وراثة العرش والصراعات السياسية. وفي مسرحية الملك جون والتي تضم صورة حساسة ومثيرة للتعاطف والشفقة للأمير ارثر الذي ذهب ضحية لعمه وهي صورة لطفل يهز المشاعر في معرض شخصيات شكسبير. اما في مسرحية تاجر البندقية نجد شخصية شايلوك الحاقد وميله الدموي الي الانتقام، واما في مسرحيات يوليوس قيصر، كريولانس وانطونيو وكليوباترا واستخدام مادة التاريخ الروماني. ومسرحية يوليوس قيصر والتي تمثل الدراما المألوفة عن قتل الطاغية والحرب الأهلية وانها من اكثر المسرحيات السياسية حيوية، والمسرحية تعرض محاكمة الغوغاء وشنقهم للشاعر سيتا الشخص البريء وغير المنحاز سياسيا. وفي فترة حكم اليزابيث اصبحت في النهاية اكثر ميلا الي الطغيان والاستبداد وكان بلاط الملكة مليئا بالدسائس وتجسد ذلك في شخصية فرانسيس بيكون والذي سلم صديقه أسكس لفأس الجلاد. ان هذا الجو المشحون قد أثرَّ بشدة في كتابات شكسبير لنقل صورة عصره، وربما كان شكسبير احد اصدقاء (اسكس) لذلك كتب الكثير من المسرحيات والتي تعكس الحالة السياسية والاجتماعية لعصره وخاصة في مسرحية ترويلوس وكريسلا وكيف ان الملكة حكمت على حبيبها بالموت.
وفي مسرحية عطيل وخلق شخصية ياجو الشريرة وكل مسرحياته الكوميدية فيها ظلال معتمة وبأعتبارها فضحا للنفاق والفساد. ان شكسبير في كل مسرحياته التراجيدية يتعامل مع العالم مثلما فعل كتاب التراجيديا اليونانية القديمة. فالامم تتهاوى ويطفح روح الغدر والخيانة والجشع ونكران الجميل، الدماء تجري ويتضاءل الضمير والاشمئزاز من الذات. ان مصير الشخصيات في مسرحيات وليم شكسبير تأتي نتيجة لحب البطل للكرسي والتاج والسطوة.
وكل هذا الطموح غير المشروع للسلطة تبني الاستعداد للنفس البشرية للوقوع في الخطأ والذي يؤدي بشخصية البطل للوقوع في الخطأ، ولا يجد البطل امامه سوى سبيل واحد هو المصير المأساوي. نجد ان فكرة الطموح متأصلة في نفس ماكبث وهو يطمح ان يصبح ملكا حتى ولو كان على رؤوس الجماجم. وفي مسرحية الملك لير وفي نشوة الجنون يكون اكثر ادراكا للشر الذي يسيطر على العالم وظلم البشر وزيفهم.
ان الشر وفق ما يستخدم اليوم على نطاق واسع ولا يمكن فهم الثأر والطموح والغيرة والعصيان والتمرد. ولا يمكن ان نقول ان المأساة هي استنتاج للشر، ان معظم المأساة العظيمة في العالم تنتهي لا بالشر المطلق وانما بالشر الذي يتسم باختياره.
ان شخصيات الملوك الحقيقيين والزائفين وصورة السلطات القانونية وممثلها الظالم اشكال مسرحية ومسرحية كريوليتوس والتي توصف بأنها مسرحية من مسرحيات شكسبير السياسية وموضوعها الديمقراطية وكذلك مسرحية يوليوس قيصر والملك لير، هاملت، وماكبث وتعتبر مسرحية كريوليتسوس تحليلا مهما للسياسة البريطانية في عهد الملكة اليزابيث وما بعدها. اما مسرحية يوليوس قيصر موضوعها يعالج الطبائع البشرية وتقلب الدهماء وتلونهم وثورة الحكماء على السلطة المستبدة، والدعوة الي الحرية وشحذ على المقاومة لروح الشر والطغيان التي تتمثل في شخصية قيصر.