وجوه شكسبير

وجوه شكسبير

بقلم/ ألان رايدنغ
ترجمة/ عادل صادق

كانت اللوحة الأولى الممنوحة عام 1856 لصالة الصور الوطنية الجديدة في لندن لوليام شكسبير قد ادخرت آنذاك باعتبارها تعود لرمز أدبي من رموز بريطانيا، وعرضت في آذار الماضي لمناسبة الذكرى 150 للمتحف. لكن هل هذه الصورة (التشاندوز) chandos المزعومة تمثل شكسبير حقاً؟ وفي الواقع، هل أي من عشرات اللوحات والرسوم المنقوشة أو المحفورة لـ(شكسبير)

توفر شبهاً حقيقياً بالرجل الذي ولد في بلدة ستراتفورد- أبون- أفون عام 1564 وتوفي هناك عام 1616؟ هذان هما السؤالان المركزيان اللذان وجههما المتحف المذكور في معرضه الفاتن،"بحثاً عن شكسبير".

ولهذا الغرض، قام غاليري الصور الوطني للمرة الأولى بالجمع بين اللوحات الزيتية الست التي قيل تكراراً انها تصور شكسبير كما قدمت، من اجل المزيد من المقارنة، منقوشة له من عام 1623 في (الكتاب الأول) من مسرحياته المجموعة، اضافة الى قالب جصي للتمثال النصفي الذي وضع فوق قبره في كنيسة الثالوث الاقدس في ستراتفورد في وقت ما بين عامي 1620 و 1623.
حَسناً، والجواب؟ يمكننا القول انه مع كل الضوء الذي سلطه شكسبير على الطبيعة البشرية، فان حياته هي تبقى محاطة بالظلال:
تعليمه،"السنوات الضائعة"بين 1585 و1592، علاقاته بزوجته واطفاله، بل ومظهره، اجل جميعها امور خاضعة للحدس والتخمين.
مع هذا، فمن بين كل اللوحات المتنافسة، برزت صورة التشاندوز باعتبارها المنافس الاقوى هنا، وقد صرحت تارينا كوبر، امينة لوحات القرن السادس عشر في الغاليري، التي نظمت العرض، قائلة:"انها ليست بالامر الذي لا لبس فيه كلياً، لكن الدليل قد ازداد، فهي الصورة التي من المحتمل ان تمثل شكسبير، ولكن هل سيكون لدينا حقاً دليل لا لبس فيه؟"
وكان الغاليري، كجزء من بحثه، قد جمع ادلة وثائقية في ما يتعلق بحياة شكسبير، بما في ذلك تصديق الكنيسة المكتوب على زواجه من (آن هاثاوي) في عام 1582، وتسجيل الابرشية لتعميد طفلته الأولى سوزانا، في عام 1583، وتعميد توأمها هامنيت وجوديث، في عام 1585، ودفن هامنيت بعد 11 سنة ووصية شكسبير، التي ترك فيها"فراشه الافضل الثاني"لارملته.
كما عرض المعرض ازياء المسرح تلك الفترة وطبعات من مسرحياته"قياس قطع الربع"- وحملت اسمه بعد عام 1598 فقط- وصوراً قيل انها لكاتبين زميلين له، بن جونسون وجون دون، اضافة لراعي شكسبير الأول، هنري ريوتيلسي، ايرل ساوثامبتون.
غير ان بؤرة التركيز كانت شكسبير نفسه، وقد توصل الغاليري بعد أكثر من ثلاث سنوات من الدراسة والاختبارات الجدلية الى بعض الاستنتاجات فيما يتعلق بالكيفية التي كان يبدو بها.
وقد اعطي وزنا للمنقوشة الواردة في (الكتاب الأول) اضافة للتمثال النصفي في كنيسة الثالوث الاقدس، والسبب في ذلك انه في كلتا الحالتين، من المفترض ان الناس الذين عرفوا شكسبير- اسرته، واعضاء فرقته المسرحية- قد تقبلوها كأمرين يجمع بينهما التشابه.
وبينما يظهره التمثال النصفي مدور الوجنتين ومزدهراً، تصوره المنقوشة مهزولاً واصغر سناً.
وعلى كل حال، فان الخاسر الكبير هنا هي ما يدعى بصورة الفلور Flower، وهي صورة مستنسخة في الغالب وتشبه منقوشة (الكتاب الأول) لمارتن دورشارت الاضغر، ومع ان اللوحة الزيتية تعود بتاريخها الى عام 1609، فان فحصاً تقنياً اثبت انها صورة من القرن التاسع عشر رسمت فوق لوحة ايطالية من القرن السادس عشر لمريم العذراء والطفل."وقد خدعت الدارسين كل هذه المدة الطويلة"كما علقت كوبر.
كما صرف النظر عن الصورة المدعوة بصورة جانسين Janssen، التي تعود لمكتبة شكسبير في واشنطن، وهي مكتوب عليها عمر الجالس، 46 في عام 1619، ويتزامن هذا مع عمر شكسبير.
غير ان اختبارات أجريت في عام 1988 اظهرت ان اللوحة الاصلية قد تم التلاعب بها لاظهار رجل يزحف على رأسه الصلع ويمكن ان يحسب انه شكسبير، وقد استعيد خط شعر الجالس فيما بعد.
وهناك اللوحة المعروفة بصورة السويست soest التي ابرزت ايضاً باعتبارها تمثل شبهاً حقيقياً الا انها توصف الآن بانها صورة تذكارية. أي انها رسمت بعد موت شكسبير بنصف قرن.
وهي لوحة حسية، تمثل الجالس مرتدياً ثياباً كثيرة كما هي الحال مع صورة التشاندوز. كما انها تشير الى ان شكسبير آخذ، عند منتصف القرن السابع عشر، بالعودة الى الرواج.
كما تضمن العرض صورتين قدمتا على انهما لشكسبير الشاب، فقد تم تدوين عمر الجالس في الزيتية المعروفة بصورة غرافتون،24، وتاريخ اللوحة 1588، وهو ما ينطبق على شكسبير. لكن ما من شيء آخر يربطها بالكاتب المسرحي، اضافة الى ان الجالس مصور بالثياب القرمزية اللون، وهو لون كانوا يفردونه في ذلك الوقت للنبالة.
والاكتشاف الاكثر حداثة هو ما يدعى بصورة ساندرز sandars. وهناك رقعة على ظهر اللوح تتضمن التاريخين الدقيقين لولادة شكسبير ووفاته، لكن في القرن الثامن عشر فقط بدأ الاحتفال بميلاد شكسبير يوم 23 نيسان (كان تعميده يوم 26 نيسان 1564، واكثر من هذا ان اللوحة مؤرخة بعام 1603، حين كان شكسبير يبلغ من العمر 39 عاماً، غير ان الجالس يبدون اصغر من ذلك بكثير.
واخيراً، علاوة على ذلك، هناك صورة التشاندوز، التي ارخت بين عامي 1600و 1610. وهي تصور رجلاً يمكن ان يكون بحق الرجل نفسه الذي في منقوشة 1623 وتمثال الكنيسة، بخط الشعر المتراجع، والجبهة العالية، والشعر الطويل واللحية.
وهو يضع، في الصورة قرطاً باذنه ايضاً، وكان ذلك شائعاً بين الممثلين في وقت شكسبير. وفي وقت مبكر كعام 1719، ذكر النقاش والاثري جورج فيرتو انها كانت صورة لشكسبير رسمها جون تايلر وان هذا ورثها بوصية للسير وليام ريفينانت، ابن شكسبير بالمعمودية وهو نفسه كاتب مسرحي ذو شهرة من منتصف القرن السابع عشر.
وهكذا فهل كان شكسبير هذا في قرابة الأربعين من العمر؟
في القرن التاسع عشر، لم يكن بعض الانكليز يميلون الى الفكرة، وقد كتب الناقد ج.هين فريسويل قائلاً"لا يمكن للواحد ان يتصور عن طيب خاطر ان يكون شكسبيرنا الانكليزي بصورة اساسية رجلاً ثقيلاً، قاتم اللون، ذا تعبير اجنبي، وملامح يهودية، وشعر معد خفيف، وفم فاسق بطريقة ما، وعينين حمراوي الحافة، وشفاه شهوانية، ذوات تعبير فظ، واذناه مزينتان بالاقراط".
لكن السيدة كوبر، التي تعتقد بان صورة التشاندوز هي صورة"محتملة نوعاً ما"لشكسبير قالت ان فريسول يمكن ان يكون قد خدعه طلاء اللوحة الاصفر الغامق،"والصور ليست، ولا يمكنها ان تكون ابداً، دليلاً شرعياً على الشبه، والمقارنة المستندة الى التناسبات الوجهية للصورة لا تعزز هذا لفهمنا صور شكسبير المتنوعة المزعومة".
وقد قدمت مؤرخة الفن الألمانية هيلديغراد هومل، على كل حال، وجهة نظر أكثر تحديداً، قائمة على اختبارات شرعية وتصوير كومبيوتري اجري في المانيا.
وباستخدامها تمثال نصفي لشكسبير في نادي غاريك وقناع موت مفترض للكاتب المسرحي، قدمت صورة كومبيوترية لشكسبير"الحقيقي"تتزامن مع صورتي التشاوندوز والفلور.
لكن في الوقت الذي فازت فيه هومل بعناوين الصحف في بريطانيا تتعلق بادعائها هذا، سرعان ما انصرف عنها دارسون من معهد شكسبير في ستراتفورد ومسؤولون في غاليري الصور الوطني، موضحين ان تمثال نادي غاريك هو منحوته من القرن الثامن عشر، وان مصداقية قناع الموت لم يتم اثباتها، وان صورة الفلور مزيفة.
ومن الواضح ان البحث عن شكسبير يبرهن على انه أكثر خصباً من العثور عليه!.

عن/ الانترنشنال هيرولد تربيون