في عصور الضوء الخافت.. عن حياة عائلة في شرق المانيا

في عصور الضوء الخافت.. عن حياة عائلة في شرق المانيا

ترجمة: عباس المفرجي
رواية يوجين روجه حول برلين الشرقية، الحاصلة على جائزة وفي قائمة الكتب الأكثر مبيعا في المانيا، ليس من المحتمل أن يكون لها نفس الأثر على القرّاء مع استثمارها القليل في مشروعها التصحيحي أو ضعفها لـ ’’ الاوستالجيا ‘‘ [ تعبير ألماني يشير الى الحنين الى أوجه الحياة في ألمانيا الغربية وهو مركّب من ’ اوست ‘ (شرق) و’ نوستالجيا ‘ ].

لكنها يمكن أن تثير نوستالجيا من نوع مختلف، تكون مدخلا واقعيا في الاسلوب، بورتريه ميكروكوزمي [ عالمي مصغّر ] عن عصر، ازدهر فيه سابقا الروائيون الانكليز.
فعلت الرواية حسنا بعنوانها الفرعي –"قصة عائلة"– عارضة مشهدا عن الحياة في الجانب الخطأ من ’’ الستارة ‘‘ (وفيما بعد ’’ الجدار ‘‘)، وهي في قوة تعبيرها أقرب الى يوميات سيمون غارفيلد"حيواتنا الخفية"منها الى فيلم الاوسكار"حيوات الآخرين"["داس ليبن دير أندرن"، فيلم الماني، 2006، إخراج فلوريان هنكل فون دونرسمارك ]. هذه هي الدي دي آر [ جمهورية ألمانيا الديمقراطية ] مشاهَدة في مطبخ منزل ضواحيّ اكثر مما هي في أروقة السلطة، مع تحضير كرات عجين ثيرنجية [ نسبة الى ولاية ثيرينجيا في وسط المانيا ] (((أنت تحتاج الى بطاطا نيئة ومقلية، على النصف، او بالضبط بطاطا نيئة أكثر قليلا من المقلية))) مستقبَلة بمستوى من التفحص يتفق سابقا مع التنصّت على الهاتف.
لكن روجه ينجح أيضا، الى جانب الكشف عن قصة آل أومنيتزر، بالكشف عن قصة دولة، مستخدما نفاذية العام والخاص، الدبلوماسي والملبسي. خارجا مع فتاة في 1973، يفكّر الكسندر أومنيتزر مليا بأن طقم لباسها البرّاق كان ممكنا فقط بسبب ’’ المعاهدة الأساسية ‘‘، التي تعترف بموجبها الجمهوريتان الفيدرالية والديمقراطية ببعض – متيحة للأخوات بإرسال المعاطف الجلدية والتنانير القصيرة ((على نحو لافت للنظر)) عبْر الحدود الداخلية الالمانية. وبفضل المستوردات الأخرى – الأساليب البورجوازية الغريبة – تصرّ صديقة أخرى من صديقات الكسندر، الزائرة لمنزل آل أومنيتزر في يوم الكريسماس 1976، على خلع حذائها عند دخولها، تقليد تعتبره والدة الكسندر ((تافه وريفي)).
ليس فقط في السيناريوهات الاجتماعية يجعل التاريخ من نفسه محسوسا. إذ يُفتَتح الكتاب، في 2001، يكون الكسندر مصابا بورم لمفاوي. يُترَك القارئ في شك قليل من أن المرض هو نفسي المنشأ، نتاج صراع أبدي طوال الحياة – من التوق الى الحريات الذي تظُهر له أسرته احتقارا.
بناء الكتاب معقد وغير مرتب في خط مستقيم، الشخصيات المولودة في أزمان متباعدة، بين 1889 و1977، تكون موصوفة في سرد متوازٍ. بتحويله دراميا فصولا متعاقبة من أحداث نقع في عقود منفصلة، ينجز روجه ملحمة معالَجة كرونولوجياً، لكنه يحجم عن استغلال فوائد السرد الاحتمالية، كإجازة لإرجاء التفاصيل. ارتداد الكسندر عن الغرب في نهاية الثمانينات مكشوف تقريبا من غير قصد، في فصل مبكر. وبينما يكون هناك عنصر بوليسي في رحلته الى المكسيك، يكون روجه منشغلا جدا بزيارات غير متوقعة لفترات أخرى بحيث تختفي هذه الرحلة عن أنظاره.
الترجمة تتطلب براعة فائقة أقل من مهمات سابقة لأنثيا بيل [ المترجمة ]، مع أفكار الكسندر على الصفحة الافتتاحية، ((كانت السماء زرقاء، وماذا بعد؟))، موفرة مؤشر مبكر للاهتمام بالوصف الطبيعي. لكن إن يكن روجه يقتّر على القارئ ببعض المتعة، فذلك لأنه مخلص لمجموعة شخصيات منهمكة بالقيام بدور طيور لتحليقات غنائية.
هو الكسندر، الشخصية الأقرب في العمر والتجربة لروجه، الذي يوفر صورة أكثر وضوحا لقواه – الاستخدام البليغ للتفاصيل سريعة الزوال، القدرة على القبض على التاريخ عبْر انتقالات ذهنية. ثمة لحظات في مشهد الكريسماس، عندما لا يستطيع الكسندر، وهو يشهد عِناد صديقته واستهجان أمه، أن يقرر ما إذا كان عليه خلع حذائه. في النهاية يختار أن يخلع حذاءه، لكن حياة محددة بالتمرد هي أخيرا ليست حرّة أكثر من حياة امتثال. حتى بعد عقد من الخلل، ما تزال أفكاره مستهلكة بصدمات الماضي، ما تزال معبَّرا عنها بتعابير: ((هو يشتري قبعة كي يتبرّأ من والده. هو يشتريها ليتبرّأ من كل حياته حتى هذه اللحظة، الحياة التي لم يكن يرتدي فيها قبعة.))
عن الغارديان