زينب عفيفي
من بين مؤلفات الكاتبة الكبيرة سهير القلماوي اخترت كتاب "العالم بين دفتي كتاب" دليلا فاعلا لأهمية القراءة في حياة الشعوب، تأكيدا علي فكرة أنه لن يحدث تغيير في حياة الفرد دون المعرفة، التي لن تأتي بدورها دون إرساء مبدأ القراءة في حياتنا، يضم الكتاب مجموعة من المقالات توضح فيها الكاتبة أن الكلمة المكتوبة من أهم مصادر المعرفة منذ التاريخ القديم ومازالت ممتدة إلي الآن،
إلا انها اتخذت أشكالاً مختلفة علي مر العصور، وتظل القراءة هي وسيلة المعرفة كما انها متعة للنفس وغذاء الروح وهي وسيلة العقل إلي السياحة بين اثار الفكر البشري، فهي تتخطي وتختزل كل الفواصل والفوارق الاجتماعية والحدود الجغرافية
الكتاب يأخذنا في سياحة عقلية ليطوف بنا من أشكال الكتابة والإبداع والتأليف وماذا نقرأ وكيفية اختيار الكتب.
في البداية طرحت الكاتبة سؤال يبدو بسيطا ولكنه ليس كذلك حين قالت: كيف تقرأ؟
تختلف الإجابة علي هذا السؤال باختلاف السبب الذي من أجله نقرأ وباختلاف الكتاب الذي تقرأه وباختلافنا نحن من حيث استعدادنا للقراءة.
إن القراءة لا يمكن أن تصبح عادة لمجرد أن نصمم علي ذلك، إن عادة القراءة لا يمكن أن تنمو بالأمر أو بالعزم وإنما هي استجابة طبيعية لحاجات النفس ولذا فمن المهم جدا أن نبدأ بقراءة ما يمتع حقا حتي تغرينا اللذة بالمزيد.
إن الطفل الذي يولد في بيت لا يقرأ فيه الوالدان لا يمكن أن يحب القراءة إلا بمجهود جبار من أساتذته وربما من نفسه عندما يكبر، إن الطفل يجب أن يري من يقص عليه القصص وهنا يبدأ شغفه الأول بالقراءة، وملكية الكتاب في سن مبكرة مهمة جدا كملكية اللعب تقول الكاتبة الكبيرة سهير القلماوي في سطور كتاب « العالم بين دفتي كتاب يميل الصبية إلي قراءة الفكاهات وهم يتذوقون نوادر جحا وأبي نواس بمثل الحماسة التي يقرأون بها قصص السندباد ومغامراته كذلك القصص القصيرة بشتي أنواعها ممكن أن تكون مادة مشجعة لبداية تعويد الصبي علي القراءة.
متى أقرأ؟
كثير منا يشكو من عدم توافر الوقت للقراءة ولكن الدكتورة سهير تقول في سطور كتابها: إن شكوي ضيق الوقت شكوي زائفة لأنك إذا أردت أن تقرأ لوجدت الوقت الكافي، إن القارئ العادي يقرأ نحو ثلاثمائة كلمة في الدقيقة وفقا لإحصائية غربية ومعني ذلك انك تستطيع أن تقرأ ثلاثة آلاف كلمة في عشر دقائق، فلو انك قرأت في اليوم الواحد عشر دقائق لا غير لاستطعت في الأسبوع أن تقرأ واحدا وعشرين ألفا من الكلمات ومعني ذلك أن تقرأ كتابا صغيرا في اقل من أسبوع وكتابا متوسطا في أسبوعين وكتابا طويلا في شهر وهكذا تستطيع أن تقرأ حوالي عشرين كتابا في العام من مختلف الأحجام حتي لو كنت تحب أن تقرأ علي مهل أو أن تتأمل ما تقرأ أو تستعيد ما قرأت إن كان شعرا تعجب به. انك تستطيع علي اقل تقدير أن تقرأ خمسة عشر كتابا في العام. لابد لنا بأي شكل من الأشكال من أن نوجد لأنفسنا هذه الدقائق كل يوم بانتظام. إن المسألة مسألة اقتناع أولا ثم رغبة ستدفعنا بعد الاعتياد الأول إلي الإكثار من القراءة.
ماذا تقرأ؟
تشير الدكتورة القلماوي إلي نوعية الكتب المحببة التي تجذب القلب قبل العقل التي يقبل عليها الكثير من الناس في هذه الأيام وهي الكتب الدينية وتقول: أن قراءة الكتب الدينية تحتاج إلي مرانة ليجد القارئ فيها المتعة الحقيقية وهي تحتاج إلي أن ترتبط بحياتنا وأن تفسر في ضوء شامل بحيث يشمل حياتنا وينسجم معها. أن نصوص هذه الكتب السماوية نصوص مقدسة قصد بها إلي هداية البشر في أي زمان وأي مكان فلنقبل علي قراءة كتبنا السماوية وفيها وحي يجعلنا نفهم الحياة ومن فيها وكل ما فيها.
وقراءة القرآن الكريم لمجرد المتعة الفنية من أقوم القراءات وانفعها ذلك لأنه ينفرد بأسلوب معجز، كما أشارت إلي كتب التفاسير وأكدت علي أن كتب تفسير القرآن للجلالين جلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلي هما من أفضل التفاسير السهلة التي يمكن الاستعانة بهما، بالإضافة إلي أن هناك بحوثا كثيرة تدور حول ماهية الدين الإسلامي فنجد في كتاب عباس العقاد مثلا عن الديمقراطية في الإسلام أنه يكشف لنا الكثير عن هذا النوع الذي عرفه الإسلام قبل أن توجد الأمم التي تتمتع بمزاياها وتدافع عنها ولعل المسلمين من أحق شعوب الأرض بالدفاع عن الديمقراطية وهناك كتاب مولاي محمد علي عن الإسلام والنظام العالمي الجديد الذي ترجمه للعربية محمد جودة السحار يرينا بعض هذه الحقائق وكتاب محمد الغزالي في الإسلام والاستعمار وكتب الكاتب الكبير خالد محمد خالد مثل كتاب من هنا نبدأ أو كتابه « لكي لا تحرثوا في البحر» وتؤكد الدكتورة سهير علي أن قراءة القرآن أو التوراة أو الإنجيل تضيف إلي تأملاتنا آفاقا جديدة وإلي إحساسنا الديني جلالا وعمقا. إن هذه الكتب لا تعين علي تهذيب النفس وتربية النشء فحسب ولكنها تنمي الذوق الفني وتساعد علي انبثاق الملكات الفنية والأدبية. وكذلك الفنون والعلوم لها مؤلفات علمية في لغتنا عن الإسلام وأثره فيها وإلي جانب القرآن الكريم هناك كتب الأحاديث النبوية والسير والتاريخ الإسلامي التي تحيا بالقراءة.ثم تناول الكتاب العديد من نماذج الكتب التي تتحدث عن مصر الوطن والأرض وكتب التاريخ لمعرفة وفهم من نحن بين هذا العالم.
كيف اختار كتابي؟
عن جمع الكتب واختيارها تقول الدكتورة سهير القلماوي: كان اقتناء الكتب إلي وقت قريب هواية ارستقراطية لا يقدر عليها إلا الأغنياء لان الكتاب كان غالي الثمن نادر الوجود. وكانت الصورة الشائعة في أذهان الناس عن المكتبات أنها مجموعة قليلة من الكتب الضخمة المجلدة تجليدا فاخرا يزين بها الثري قاعة الجلوس وقد يقرأ فيها أحيانا، أما اليوم فاقتناء الكتب أصبح في متناول الجميع وأصبحت الفرصة متاحة للجميع لشراء مجموعة من الكتب تختلف قيمتها وعددها - هذا الكلام منذ عام 1955- وليس في عصرنا الحالي الذي أصبح الكتاب في متناول الجميع وحق للجميع من خلال حملات القراءة للجميع.
وتقول الكاتبة: انه يمكن أن تجد أي كتاب بسهولة في المكتبات العامة وفي محال الكتب ومع باعة الصحف فلا عذر لأحد من الحصول علي الكتاب، واختيار الكتاب يتوقف علي ميولك وماذا تريد أن تعرف وقد تساعدك صفحات الكتب في معرفة الجديد منها وهناك من يعرض لها فيمكن متابعته ومعرفة ما تتضمنه بصورة سهلة ومبسطة ثم إذا أردت اقتناءه فالأمر متروك لك.
وأشارت الكاتبة في صفحات الكتاب إلي قضايا الكتاب والناشر ثم تطرقت إلي بعض المكتبات العامة التي يمكن من خلال توفير جميع الكتب في شتي المجالات.
ومترجمة أيضا..
ترجمت سهير القلماوي العديد من الكتب والقصص منها: قصص صينية لبيرل بك، عزيزتي اللويتا، رسالة أبون لأفلاطون، وأيضاً عشر مسرحيات لشكسبير وأكثر من 20 كتاباً في مشروع الألف كتاب. ومن أبحاثها: المرأة عند الطهطاوي، أزمة الشعر.. كان لها السبق الأول في إنشاء مكتبة في صالة مسرح الأزبكية لبيع الكتب بنصف ثمنها، وأيضا كانت الأولي في تقديم دراسة عن الأدب المصري المعاصر إلي التعليم الجامعي. كما أعطت الفرصة لأكثر من 60 أديباً لتقديم مؤلفاتهم عندما قامت بإصدار سلاسل أدبية سُميت"مؤلفات جديدة”، ومن ناحية أخري وضعت أسساً للطرق الأكاديمية في تحليل الأدب والفن