من اصدارات المدى .. فصل من كتاب تشومسكي السنة 501 ــ ويستمر الإخضاع

من اصدارات المدى .. فصل من كتاب تشومسكي السنة 501 ــ ويستمر الإخضاع

ترجمة / عادل العامل
نُفِّذت فكرة جديدة في كولومبيا، حيث كان حرّاس أمن مدرسة طبية يغتالون أشخاصاً فقراء ويبيعون جثثهم للمدرسة لاستخدامها في بحوث الطلبة؛ وتشير تقارير إلى أنه قبل أن يُقتل هؤلاء، تتم إزالة الأعضاء التي يمكن أن تُباع في السوق السوداء، كما جاء في هذا الاقتباس من كتاب الفيلسوف وأستاذ اللغويات الأميركي نعوم تشومسكي Noam Chomsky، الصادر مؤخراً بعنوان (السنة 501 ــ ويستمر الإخضاع).

وعلى كل حال، فإن هذه الممارسات نادراً ما تُحدث أثراً في سجلات حقوق الإنسان في القارة الأميركية اللاتينية، التي تجمعها قوات الأمن، المستفيدة طويلاً من تدريب وتجهيز الولايات المتحدة لها والتي أصبحت الآن واحدة من أكثر المتلقين للتمويل العسكري الأميركي في نصف الكرة الأرضية. وكما هي الحال في أماكن أخرى، فإن الأهداف الرئيسة للتشويه، والتعذيب، والاغتيال هنا هم القسس، والناشطون النقابيون، والقادة السياسيون، وكل من يحاول الدفاع عن الفقراء، ويشكل تعاونيات، وإلا فإنهم يُصنفون"مخربين"بالتداخل مع النموذج الاقتصادي النيوليبرالي المنفَّذ تحت تعليمات من الولايات المتحدة والبنك العالمي.

وتتّسم برامج التنمية هذه بسمات أخرى، من بينها وباء التسميم بمبيدات الحشرات التي وصلت إلى الزوايا القليلة من منطقتنا الصغيرة هنا، التي أفلتت، مرةً، من التأثير المهلك للمبادئ النيوليبرالية. ففي كوستا ريكا، مثلاً، تتسبب"المبيدات الحشرية القانونية"ــ والكثير منها يُستورد من الولايات المتحدة ــ في إصابة الناس بالأمراض، والإصابات البدنية، بل والقتل أيضاً. ويكتب كريستوفر سكانلان تقريراً في صحيفة مياميهيرالد من بيتاهايا، حيث كان عامل زراعي عمره 15 عاماً قد توفي حديثاً من التسمم بمنتَج ساياناميد أميركي سام. ويستمر قائلاً إن مقبرة القرية،"تُعد رمزاً صارخاً لضريبة الموت العالمي من المبيدات الحشرية تقدرها منظمة الصحة العالمية بـ 220,000 في السنة"إلى جنب 25 مليون حادث مرضي سنوياً، بما في ذلك أضرار الجهاز العصبي؛ أما هنود الغويمي الذين يموتون من التسمم بالمبيدات وهم ينظفون قنوات التصريف في المستنبتات المملوكة للولايات المتحدة في كوستا ريكا وبنما، فليس من المرجح أن يكوّنوا مقبرة قرية. وهناك أكثر من 99 بالمئة من الوفيات بسبب التسمم الحاد بالمبيدات تقع في بلدان العالم الثالث، التي تستخدم 20 بالمئة من المواد الكيميائية الزراعية.
ومع"أسواق مغلقة في الوطن"عن طريق تنظيمات لحماية السكان والبيئة،"فإن الشركات الكيميائية بدلت مبيعات هذه المواد الكيميائية المحظورة إلى العالم الثالث حيث التنظيمات الحكومية ضعيفة". كما أن الشركات ابتكرت مبيدات حشرية"غير مقاومة"جديدة"أكثر سمّية بكثير عموماً"بالنسبة لعمال المزارع وعوائلهم. ويدعو الاختصاصيون في كوستا ريكا إلى إزالة المبيدات القاتلة من أسواق العالم الثالث، غير أن إدارة بوش كانت تقف إلى جانب الصناعة، كما يقول سكانلان في تقريره. وموقفه هو أن الحل لا يكمن في التدخل في السوق ــ ولترجمة ذلك إلى الانكليزية:"إن الأرباح هي للأغنياء ــ وإنما في تعريف الناس بالمخاطر"، كما يوضح وليام جوردان من وكالة حماية البيئة. وكما يقر،"فإن للتقدم مشاكله، لكنك لا يمكن أن تتجاهله ببساطة". ويقول مدير تنفيذي من شركة ساياميد أميريكان،"إنني أنام ليلي مرتاحاً جداً". وهذا ما يفعله قادة وإيديولوجيون بوجهٍ عام، إلا حين تزعج راحتهم أخطاءُ الخصوم الرسميين ومعتقداتهم التراجعية.
ولم تكن الولايات المتحدة سعيدة جداً أبداً مع كوستا ريكا، بالرغم من خضوعها الكلي تقريباً لرغبات الشركات الأميركية ولواشنطن. فكانت الديمقراطية الاجتماعية الكوستا ريكية ونجاحاتها في التنمية الموجهة من الدولة، الفريدة في نوعها بأميركا الوسطى، أمراً مثيراً باستمرار. وقد خفّت المخاوف في الثمانينات، حين منح الدين الضخم والمشاكل الأخرى حكومة الولايات المتحدة نفوذا لتقريب كوستا ريكا من"نمط أميركا الوسطى"الذي تثني عليه الصحافة، لكن التيكو Ticos (كما يطلق الكوستاريكيون على أنفسهم) ما يزالون لا يعرفون مكانهم. وقد برزت إحدى المشاكل في تشرين الثاني 1991، حين جددت كوستا ريكا طلبها إلى الولايات المتحدة لتسليم المُزارع الأميركي جون هَل، المتهم بالقتل في تفجير لا بينكا الذي قُتل فيه ستة أشخاص، إضافةً لإدارة المخدرات وجرائم أخرى. وكان هذا الطلب المجدد مثيراً بوجه خاص بسبب التوقيت ــ حيث كانت الولايات المتحدة تنسق الحملة الصاخبة ضد ليبيا لإصرارها على الالتزام بالقانون الدولي والترتيب لمحاكمة ليبيين متهمين بإرهاب جوي إما في محاكمها هي أو بواسطة دولة أو وكالة محايدة، بدلاً من تسليمهما إلى الولايات المتحدة. ولم يعطل هذا التصادف السيئ الحظ حملة واشنطن الإعلامية ضد ليبيا، بفضل الكبت المفعم بالشكوك للطلب الكوستا ريكي.
أما"جريمة"كوستا ريكا الأخرى، فكانت مصادرة ملكية مواطنين أميركيين، التي عوقبت عليها في حينه بتجميد المساعدة الاقتصادية الموعودة بها. وكانت القضية الأخطر مصادرة ملكية رجل أعمال أميركي من قِبل الرئيس الكوستا ريكي أوسكار أرياس، الذي دمجها في متنزه قومي. وقد قدمت كوستا ريكا تعويضاً، صممت واشنطن على أنه غير كافٍ. وكانت الأرض قد صودرت عندما وُجد أنها قد استُخدمت من قِبل الـ CIA من أجل مهبط طائرات غير قانوني لتجهيز القوات الأميركية الإرهابية في نيكاراغوا. ومصادرة أرياس هذه من دون تعويض كافٍ تُعدها الولايات المتحدة جريمة تستدعي بطبيعة الحال عقوبة من واشنطن ــ وصمتاً من وسائل الإعلام، خاصةً وهي تشجب آنذاك الإرهاب الليبي!
ووقاحة القوي غالباً ما تترك المرء واجماً بالفعل.
عن / Alternet