الموت والأسرار في عقدة الأفاعي  لفرانسوا مورياك

الموت والأسرار في عقدة الأفاعي لفرانسوا مورياك

أوراق
الكثير من الأسرار التي نحملها طيلة حياتنا والتي نخشى عليها أن تُباح، يأتي الرحيل الأخير"الموت" ليُعلن ما حاولنا إخفاءه جاهدين اما برغبةٍ منا وآثارٍ نُعنى بتركها بعد رحيلنا أو الصدفة والقدر هما من يقرران كشف كل شيء بعد رحيلنا وقد تكون نتائج كشف تلك الأسرار وخيمة، فبين الندم والخذلان والألم نخلف بعدنا قلوباً منكسرة، بعضها ترجو منا العتاب وأخرى ترجو لو تنتقم وبعضها يروم لإلتماس سماحنا.

غالبا ما تكون وصية الميت أو رسالة يتركها لمن يحب قبل رحيله الأخير هي التي تكشف تلك الأسرار وهذا ما جسده فرانسوا مورياك في روايته"عقدة الأفاعي"الحائزة على جائزة نوبل في عام 1952، والتي صدرت بطبعتها الأولى الجديدة عن دار المدى للإعلام والثقافة والفنون لعام 2016 وترجمها نزيه الحكيم.
وتضمنت الرواية رسالة تركها البطل والذي رحل عن الحياة، لمن أحب وهي زوجته وتضمنت الكثير من الاعترافات التي ادعى انه لم يكن قادراً على البوح بها بسبب ان زوجته كانت منشغلة بالحياة وتربية الأولاد فالرجل الذي يحاول الروائي سرد سيرته هو عدوٌّ لعائلته في داخله قلب ينهشه الحقد والبخل. وعلى الرغم من هذا أراد الروائي أن يجعل القارئ يرثي بطله وأن يثيرعقلية القارئ ومنهجه في الحياة ويثير لديه الشفقة والحنان على هذا الرجل المسكين الذي قضى عمرا كاملا يحجب عن قلبه النور القريب والذي عندما يمس أحيانا شعاعا من النور فإنه يكاد أن يحرقه، هذا التركيب المتكون من أهواء معقدة والذي كان يعذب كل من حوله فينفرون منه.
ولم يكن المال هو الشيء الذي يأسر هذا البخيل، ولا الثأر هو ما يطلبه هذا المجنون، هذا الرجل كان يفقد الحب فكان يحاول جعل كل من حوله يشعرون بالحاجة إليه ظناً إنه بذلك سيُغذي حاجته وتعطشه للإحساس بأن من حوله يحبوه، وتناسى أن الحاجة إليه وحبه لن يأتيا بالحقد والبخل والجشع، هذا الرجل الذي عاش أشواطاً من حياته فاقداً الاعتراف بحاجته تلك وباذلاً الجهود الطائلة من أجل أن يُغذي حاجته دون طلبها خوفاً على كبريائه وحفاظاً عليه، يقف اليوم الوقفة الأخيرة أمام نفسه وحيث لا يملك ما يعترف به لنفسه سوى ورقة بيضاء كان عليه كتابة ما يدور في داخله من صراع طويل وأن يعترف أمام ذاته أولاً وثم للآخرين عن وجعه الكبير في ورقة تركها كما قال في وصيته في صندوق حزمة الإسناد لإمرأة كان واثقاً كل الثقة انها الوحيدة التي ستجدها في هذا المكان لأنها كانت تعرفه جيداً بل وتقرأه جيداً،"وهنا يجسد الروائي الدور الكبير والعظيم للمرأة التي تستطيع أن تتكيف وتتعايش مع رجُلها بكل وفاء وحب مهما كان وكيفما كان"، وذكر البطل إنه كان يفضل أن يترك هذه الرسالة في درج مكتبه الأول لكنه على دراية بأن هذا الدرج سيكون أول هدف سيخلعه أولاده بعد وفاته وقبل أن يبرد دمه في تربته، وإنه ندم لأنه لم يودع رسالته تلك لدى مسجل العقود ليردها إلى زوجته بعد موته، وهنا حاولت زوجة البطل إخفاء ما تركه البطل من رسالة بعد وفاته عن أحفادها خاشية أن تتشوه صورته أمامهم، حيث ان وصفه لهم جاء قاسيا ومدمرا إلا إن جانين"الحفيدة"ترفض الاستسلام لقرار جدتها وتحاول الضغط عليها من خلال خالها هوبير ذاكرة أنه مهما اشتدت قسوة جدها حيالها في هذه الوثيقة، فإنها واثقة إنه لم يرَ السوء في ما تراه هي في نفسها ذاكرة أن قسوته وفرت لها حياة بائسة عاشت خلالها خريفا كاملا الى جانبه وحتى موته ذاكرة إنها كانت الشاهد الوحيد إلى ما حالت إليه الحالة العاطفية لجدها في ايامه الاخيرة.
ورغم ما تركه البطل من كلمات وأوصاف جارحة فما كان لأبنائه هوبير وجنفييف سوى التسامح والصفح، وهذا ما أقروه من خلال رسائل تبادلوها فيما بينهم، إلا أن شخصية البطل المعقدة والتي تحمل صراعات عميقة هذا الرجل الغائب عن الحياة والحاضر بين سطور الرواية والذي دارت حوله جميع أحداث الرواية رغم غيابه إلا إنه شخصية صعبة ومعقدة