اوراق
المغامرة هي التي تخلق رواية أو قصة أو حكاية استثنائية لمؤلفها، والروائي الذكي هو من يستطيع خلق مغامرة روائية، أو قصصية وحكاية استثنائية، وهذا ما قام به إيتالو كالفينو من خلال خلق مجموعة"قلعة المصائر المتقاطعة"وهي مجموعة قصصية صدرت عن دار المدى للإعلام والثقافة والفنون بطبعتها الأولى عام 2015 والتي ترجمها الكاتب ياسين طه حافظ.
وقد استخدم كالفينو أوراق التاروت والتي هي عبارة عن اوراق قديمة للعب والكشف عن الطالع وهي شائعة في فرنسا وايطاليا خاصة.
الرزمة منها تحوي ثمان وسبعين ورقة وقد تميزت برسم نقوش من"كؤوس، قطع نقود، هراوات، وسيوف، وغيرها"وهي توحي لكثير من كشوف الطالع فشكلت لهم تقليدا واسعا قائما على مختلف التفاسير الرمزية والتنجيمية، وقد اختار الكاتب صور التاروت لأنها تملك الاثار الاكبر للتكلم مع الاشياء في هذا الكتاب .
هذا الكتاب يتألف من جزءين:"قلعة المصائر المتقاطعة"و"نزل المصائر المتقاطعة"نشرت الصور الخاصة بجزء قلعة المصائر المتقاطعة في أوراق تاروت فيسكوني في برجامو ونيويورك ونشرها فرانكو ماريا ريسي من بارما عام 1969، هذه المجموعة القصصية تتضمن بعضا من أوراق رزمة بمبو والتي فقدت منها ورقتان مهمتان للقصصي هما"الشيطان والبرج".
وفي القلعة ترتب أوراق التاروت في مجموعتين أفقية وعمودية وتقطع بأربع مجموعات مزدوجة أفقية وعمودية لتكون قصصا أخرى كما يمكن قراءة ثلاث قصص افقية وثلاث أخرى عمودية ويمكن قراءة كل حكاية بشكل مقلوب وبهذا تكون لدينا مجموعة من اثنتي عشرة قصة، المحاور التي صيغ بها هذا الجزء متيسرة في الوقت الحاضر حيث أوحى بها أورلاندو فيوريوسو من لودوفيكو إلى حكاية أولاندو الذي جن حبا وحكاية أستولفو على القمر وقصيدة أورلاندو فيوريوسو التي كتبها خلال النصف الأول للقرن السادس عشر بعد نصف قرن تقريبا من رسوم بمبو لكنها ولدت من الحضارة نفسها أي حضارة القصور الإيطالية في عصر النهضة.
القسم الثاني من الكتاب والذي تضمن النزل"الخان"كتب بطريقة مماثلة مع مراجعة واسعة للتاروت المطبوع الشائع والمنتشر الذي لا يزال يباع في فرنسا اليوم، إنه التاروت القديم، هذه الأوراق امتلكت شهرة أدبية واضحة معتبره وبخاصة في الفترة السريالية وهي شبيهة بالمرسيليز والتي تستعمل في إيطاليا على انها اوراق لعبة شعبية في شمال وجنوب إيطاليا. وفي النزل تكوّن اوراق التاروت قصصا من خلال الثماني والسبعين ورقة حين تنشر على المائدة في تشكيل عام لتتداخل حكاياتها المختلفة، اما في القلعة فتكون الاوراق قصصا شخصية بصفوف افقية وعمودية واضحة بينما في الخان أو النزل تشكل وحدة خطوطها الظاهرة غير منتظمة ومركب بعضها فوق بعض وسط التشكيل العام وهناك تظهر الاوراق التي تتركز فيها الحكايات تقريبا.
يذكر المؤلف انه نشر هذا الكتاب رغبة منه بالتحرر منه، ذاكرا انه ألفه من خلال محاولات قام بها لتتبع اوراق التاروت ودونما انتقاء كي يرى انه كان يستطيع قراءتها وهنا برزت له عدة حكايات من خلال قراءة الورق ومنها حكاية المتذبذب والتي شرع بكتابتها ومن خلال بحثه عن وصلات ترابط اخرى لهذه الاوراق ادرك ان مجموعة التاروت هذه عباره عن ماكنة لتصنيع القصص ففكر حينها بنشر هذا الكتاب متصورا شكله واغوت الكاتب فكرة شيطانية لاستحضار كل القصص التي من الممكم أن تتضمنها رزمة ورق التاروت.
ويذكر الكاتب انه احيانا ضاع بين صور ومكعبات التاروت ولكي ينجو من هذا المأزق ترك صياغة الصيغ والتصاميم محاولا اعتماد كتابة الحكايات التي اتخذت عنده شكلا وهنا سيستطيع ايجاد شبكة صلات ولكن وضع القواعد جعلت اللعبة تحقق معنى فقط ولا تصنع حكايات جديدة كما ذكر الكاتب أن ليست كل الحكايات التي تشكل صورا هي حكايات قابلة للكتابة فبعضها يفتقر للحبكة القصصية.
وهنا قرر الكاتب الابتعاد عن هذه الصور التي لا تعطي سوى معان ولكن بعد سنوات عدة عاود الكتابة بصيغة اخرى، ذاكراً انه ما يزال يحاول فك روموز اكبر بهذه الاوراق وتأليف المزيد من الكتب القصصية التي تشكلها اوراق التاروت.
وقد عُدَّ كالفينو بين أفضل الروائيين الإيطاليين الذين ظهروا بعد الحرب والأكثر مغامرة وهدوء وهذا يتجسد في هذا الكتاب