حقيقة انتحار مدير الشرطة العام في 1939 وصلته بمصرع الملك غازي

حقيقة انتحار مدير الشرطة العام في 1939 وصلته بمصرع الملك غازي

ناطق العلوي
من شخصيات الشرطة البارزة في تاريخ العراق الحديث، وفي تاريخ الشرطة العراقية هو (الفريق هاشم العلوي) مدير الشرطة العام من عام 1935 ولغاية 1936 ثم من بداية 1939 ولغاية وفاته مساء يوم 10 تموز 1939.
يقول عبد الرزاق الحسني المؤرخ العراقي الشهير في تاريخ الوزارات العراقي:

(انتحر مدير الشرطة العام السيد هاشم العلوي وهو في الرطبة بطريقه مع عائلته إلى لبنان للاصطياف، فأسف الجميع على نبله وكرم خلقه وظروف مقتله، ولاسيما بعدما أشيع عن إلمامه بأسرار مقتل الملك غازي والخوف من أن يبوح بسر من الأسرار). (جـ/5، ص1939). علماً أن نوري الســـــــــعيد كان قد ســــــــــافر صباح اليوم نفسه 10/7/1939 إلى لبنان لتهيئة وإعداد وسائل الراحة لاصطيــــاف الملك الطفل فيصل الثاني الذي سافر في اليوم التالي 11/7 إلى لبنان للاصطياف.

يقول الباحث المعروف أنور عبد الحميد الناصري بكتابه (سوق الجديد):

(لقد اختلفت الأقوال في مقتل العلوي، فالحكومة بثت بياناً بأن مدير الشرطة العام قد انتحر وهو في طريقه إلى الشام، ولكن موت مدير الشرطة العام بحادث غامض ليس أمراً يعقد عليه التصديق بسهولة، فقد ظل الهمس همساً ثم بدأ يعلو، إلا أن علوه وصل إلى أدنى مرتبات النطق والجهر).
لقد قيل أن الرجل قد أمسك ببعض خيوط مقتل الملك غازي فأراد كل من الوصي عبدالآله ونوري السعيد التخلص منه، خاصة وإن السيد العلوي من خلصاء الملك غازي، وكان الملك يناديه (يا خالي) لكونه (سيداً علوياً).
وكانت الأسئلة التي تدور:
- لماذا اختار العلوي منطقة الرطبة لينتحر فيها بعيداً عن داره وكان بإمكانه أن ينتحر في داره أو دائرته؟ وهل من المعقول أن يتكلف المنتحر وضع يده ليوجه الرصاصة نحو منتصف جبينه؟
يقول (الناصري):
(طافت الإشاعات والأقوال في كل مكان، حتى قيل أنه أجبر على الإجازة) وهذه الرواية تتفق مع ما ذهب إليه المرحوم محي الدين عبد الرحمن في مذكراته التي اشرنا اليها، ويضيف: (وقد حدثني م. ج أنه كان يعمل محاسباً في شركة بيت هميم وذهب إلى الرطبة لتفقد أعمال الشركة، وهناك أشاروا له إلى رجل يميل لونه إلى السواد قالوا عنه إنه الشخص الذي قتل هاشم العلوي).
الصحف العراقية تنعى هاشم العلوي:

كتبت صحيفة الاستقلال بعددها 3399 في 13 تموز 1939:
((فجع العراق مساء أمس الأول بوفاة المرحوم السيد هاشم العلوي مدير الشرطة العام في أثر انفعال نفساني، وكان لمنعاه صدى توجع شديد وأسف عميق في جميع الأوساط العراقية، وتألمت النفوس وبكته حزناً وحسرة عليه، وذلك لما عرف به سعادته من أخلاق فاضلة ونزاهة مشهودة وحسن سريرة، وإخلاص للواجب وتفانٍ في سبيل بلاده وخدمة وطنه.
وكتبت صحيفة البلاد في 13/7/1939:
((في نبأ تلفوني من الرطبة وصل بغداد مساء أمس أن سعادة السيد هاشم العلوي مدير الشرطة العام قد انتحر في الرطبة بمسدس كان في يده فأرداه في الحال بعد أن وصلها هو وأفراد أسرته وأخوه الأستاذ قاسم العلوي المحامي في طريقهم إلى لبنان للاصطياف وقضاء إجازة أمدها ثلاثة أشهر هناك. ولم تعرف الأسباب من هذا الانتحار لكن المتصلين به قد شعروا في الأيام الأخيرة إن صحته أصابها انحطاط وضعف أعصاب))، وأضافت (البلاد): (( لقد كان الفقيد رحمه الله من الرجال المتمتعين بحسن السمعة لما اتصف به من مكارم الأخلاق والسجايا الطيبة)).

ورثاه الاديب إحسان الناصري في جريدة (الاستقلال) البغدادية يوم الأول من آب 1939:
أسفاً على الخلق الكريم وأهله
أسفاً على رجل الإدارة هاشم
وديع عفيف عالم متأدب
خلوق محب الفضائل جم المكارم
العمر محدود وعيشك غصة
وليس حذار المرء قط بعاصم

وقال:
((لقد قرأت في أخبار بغداد خبراً طارت نفسي له جزعاً، نعم فقد قرأت نعي السيد هاشم العلوي مدير الشرطة العام... فيا للوعة ويا للخسارة... ويا للحزن العميق!... ولئن مات العلوي فإن ذكراه لن تموت فستبقى أبداً خالدة مقرونة بالفضل والإخلاص النزيه)).
صلة الانتحار بمقتل الملك غازي
قيل أن المرحوم السيد هاشم العلوي هو من أقرب المقربين إلى الملك غازي، وقد فجع لوفاته، وعرف أسراراً عن تدبير اغتياله وكانت له مواقف مشهودة منها رفضه تصديق محضر الكشف الجاري لمحل الحادث. (كما ورد في مذكرات معاون شرطة السراي حول الموضوع في الحلقة السابقة)).
ويروي المرحوم عبد الجبار الراوي في مذكراته:
((إن السلطة كانت تحيك مؤامرة للحد من تصرفات الملك غازي ومراقبته ومنها الطلب من مدير الشرطة العام تدبير مكيدة (قانونية) لتوقيف سائق المدعو (إبراهيم) إلا أن العلوي رفض ذلك بشدة)).

وقد روى المؤرخ عبد الرزاق الحسني (جـ5، ص 85) من تاريخ الوزارات:
(إن التحقيق في مصرع الملك غازي كان قد أسند إلى الحاكم المعروف سليم الديملاني، وبعد أن سار في التحقيقات طويلاً حضر نوري السعيد رئيس الوزراء ووزير عدليته محمود صبحي الدفتري فأجبرا الديملاني على التنحي عن مهمته، وعهدا بالتحقيق إلى الحاكم خليل أمين المفتي الذي (لفلف) التحقيق، كما يقول البغداديون!))
(رواية وتفسير المرحوم أمين المميز)

يقول أمين المميز في رد منشور بمجلة آفاق عربية البغدادية بعددها 12 لشهر آب 1983:
((ليس لانتحار السيد هاشم العلوي أية علاقة بمصرع الملك غازي لا من قريب ولا من بعيد وإنه قد سمع بالخبر كما سمعه غيره من المسؤولين وغير المسؤولين فجر يوم 4 نيسان 1929)).

وتطرق المرحوم المميز إلى السبب الذي يراه (من وجهة نظره) وهو الدافع للانتحار وهو أن شقيقه (عبد الستار عبد الجبار المميز) قد عقد قرانه على كريمة السيد هاشم العلوي يوم 13 مايس 1938.. وحين اكتملت مراسيم الخطبة والقران وفق التقاليد المرعية استعداداً للزفاف، أخذ المرحوم هاشم العلوي يماطل ويتردد ويؤجل تنفيذ موعد الزفاف لأعذار مختلفة. فازداد عليه الضغط من أفراد عائلته والأصدقاء والأقارب، وقرر العريس عبد الستار المميز الإقدام على رفع دعوى المطاوعة، إلا إن المميز سمع خبراً عن طريق النساء بأن السيد هاشم العلوي سيسافر مع عائلته إلى لبنان للاصطياف وإن إجراءات الزفاف ستتم بعد عودتهم. وفي 10 تموز 1939 سافر إلى لبنان، وفي طريقه وتحديداً بمنطقة الرطبة حيث نقطة الجوازات العراقية، أختلي في غرفة الاستراحة في قلعة الرطبة لتأدية الصلاة، وفي غفلة من عائلته أطلق النار على نفسه من مسدسه الشخصي الذي يحمله وتوفي في الحال وعادت العائلة مع الجثمان إلى بغداد.

البطاقة الشخصية لهاشم العلوي:
- من مواليد بغداد عام 1887 من اسرة كريمة النسب في منطقة سوق الجديد في الكرخ.
- دخل المدرسة الحربية في استنبول وتخرج منها بدرجة ملازم ثاني في المشاة 1909.
- نسب إلى مدرسة الجندية ببغداد 1911.
- إلتحق بفوج الجندية ببغداد 1912.
- إلتحق بفوج الجندية السيار بالبصرة 1914.
- بعد قيام الحرب العظمى الأولى عين مديراً لشرطة كربلاء 1922.
- ثم مدير الشرطة لواء المنتفك 1924.
- ثم قائممقاماً بقضاء السماوة 1926.
- ثم معاوناً لمدير الشرطة العام للحركات 1927 – 1935.
- عين متصرفاً للواء الديوانية 1935.
- مديراً عاماً للنفوس 1936 – 1939.
- ثم اعيد تعينه مديراً عاماً للشرطة أوائل عام 1939 لغاية وفاته 10 تموز 1939.
المرحوم هاشم العلوي هو أول مدير شرطة عام تسند له المهمة مرتين بين أثنين من مدراء الشرطة العامين طيلة تاريخ الشرطة العراقية.
لقد كان العلوي ضابطاً مشهوداً له بالحزم والصرامة والإدارة الجيدة والسمعة الحسنة.

واليك ما كتبه امين المميزفي مجلة افاق عربية 1978:
قرأت قبل سنوات مقال السيد عبد الرزاق الحسني عن مصرع الملك غازي، فلم اجد فيه شيئا جديدا غير ما سبق نشره لدعم وجهة نظر معينة عن مصرع الملك غازي. غير اني اود مناقشة نقطتين من المقال المذكور، وارجو ان تتسع الصدور لذلك.
فان كان المصدر هو مركز حفظ الوثائق البريطانية في لندن، او مركز حفظ الوثائق العراقية في بغداد، فلعله يشيرنا الى ارقام الاضابير التي عثر فيها على التقريرين للرجوع اليها. اذ ان ذلك سيقطع الشك باليقين حول وثوق هذين التقريرين.
لقد سبق لي ان نشرت زنكوغراف كافة الوثائق المتعلقة باتفاقية فيصل – وايزمن المزعومة التي كنت قد استخرجتها من مركز حفظ الوثائق في لندن، على صفحات"آفاق عربية"في سلسلة من المقالات عن تلك الاتفافية، فقطع نشرها، مرة والى الابد الشك باليقين حول حقيقة تلك الاتفاقية المزعومة، ووضعها في نصابها التاريخي الصحيح.
ولا اخال السيد الحسني يبخل على الباحثين والمتتبعين لهذا الموضوع، موضوع مصرع الملك غازي، باماطة اللثام عن حقيقة ذينك التقيرين ليطلعوا عليهما بالاصل وليقولوا كلمتهم فيهما ولنا عبرة حديثه في نشر (مذكرات الذي استقاهما منه
النقطة الاولى: جاء على الصفحة (40) من المجلة تحت عنوان (تقريران جديدان) ما يلي:
"ولدينا تقريران اخران وضعتهما هيئة الاطباء التي تولت فحص الملك ولم يسبق ان نشرا من قبل في كل ما كتب ونشر عن هذه الفجيعة حتى الان.
صحيح ان التقريرين المذكورين لم يسبق ان نشرا من قبل، لا في كتب الاستاذ الحسني ولا في غيرها. وكل ما نشر هو التقرير الاول للاطباء الخمسة المؤرخ في 3/4 نيسان 1939، وتقرير حاكم التحقيق عن اسباب الوفاة. ولذلك يصبح الاطلاع على اصل هذين التقريرين امر في غاية الاهمية بالنسبة للباحثين في هذا الموضوع. ولذا فاني اناشد الاستاذ الحسني، وهو مدون تاريخ العراق الحديث، ان ينشر بالزنكوغراف على صحفات"آفاق عربية"هذين التقريرين او على الاقل بدلنا على المصدر هتلر)المزعومة على صفحات مجلة (شتيرن) الالمانية. فبعد اجراء التحقيق العلمي الدقيق عن المذكرات ثبت انها مزورة من الفها الى يائها، فاعتبرت كأن لم تكن، واتخذت الاجراءات المناسبة بحق المزورين والناشرين.
النقطة الثانية تتعلق بالفقرة (8) من مقال الاستاذ الحسني والتي اود مناقشتها تفصيلا استنادا الى ما لدي من معلومات شخصية حول ما ورد فيها من مزاعم.
فقد جاء في الفقرة المذكورة ما يلي:
"وقال الدكتور فاضل حسين في (ص8) من رسالته"سقوط النظام الملكي في العراق، ان (احد المتصلين) بكبير من كبار ضباط الشرطة"قال له:"ان نوري السعيد اوعز الى ضابط الشرطة عبد الرزاق العسكري، احد اقارب جعفر العسكري، بتنفيذ الاغتيال – اغتيال غازي – وكان مدير الشرطة العام حينذاك هاشم العلوي، وقد عرف باغتيال الملك غازي، وبينما كان مسافرا الى سورية بعد ذلك، قيل انه انتحر بعد اداء الصلاة بسبب تأنيب الضمير، وكان معروفا بتدينه، وربما اغتيل للتخلص منه، لأنه اطلع على جريمة اغتيال الملك. قلنا ان المعروف ان السيد العلوي انتحر في الربطة وهو في طريقه الى دمشق، وكان ذلك في مساء 10 من تموز 1939، اي بعد ثلاثة اشهر من مصرع الملك، أ. هـ. اني اعتبر ما نقله السيد الحسني عن رسالة الدكتور فاضل حسين صحيحاً وموثوقا، ولو اني لم اطلع على الرسالة المذكورة. ان ما اورده الدكتور من ان (احد المتصلين بكبير من كبار ضباط الشرطة قال له) هو امر غير مقبول من ناحية البحث العلمي. فمن هو هذا (احد المتصلين) والذي لم يذكر اسمه، ومن هو ذلك (الكبير من كبار ضباط الشرطة) والذي لم يذكر اسمه ايضا رغم انه ذكر اسم ضابط الشرطة الثالث عبد الرزاق العسكري. ان عدم ذكر الاسمين الاولين يجعل الرواية من اساسها من قبيل (روى شختي عن بختي عن شفتي النوري) ولا يصح الاستناد اليها الاثبات واقعة تاريخية معينة ومهمة.
لقد تجنى الدكتور فاضل حسين على المرحوم السيد هاشم العلوي متهما اياه بانه كان قد عرف بجريمة اغتيال الملك قبل وقوعها عندما كان مدير الشرطة العام، وانه ربما اغتيل للتخلص منه، وانه قد انتحر بسبب تأنيب الضمير الخ..

ان حقيقة موضوع انتحار السيد هاشم العلوي هو بيت القصيد من كلمتي هذه. فليس لانتحاره اية علاقة بموضوع مصرع الملك غازي لا من قريب ولا من بعيد، وانه قد سمع بالخبر كما سمعه غيره من المسؤولين وغير المسؤولين فجر يوم 4 نيسان 1939، واليكم التفاصيل:
تربط عائلتنا بعائلة السيد هاشم العلوي، رابطة قربى عن طريق النساء، وبسبب هذه الرابطة فقد جرى عقد قران المرحوم اخي عبد الستار على كريمة السيد هاشم العلوي في 13 مايس 1938، وكنت منقولا الى المفوضية العراقية في لندن عندما تلقيت بطاقة دعوة عقد القران.
وبعد ان اكتملت المراسيم وفق التقاليد المرعية والاستعداد للزفاف، اخذ المرحوم هاشم العلوي، يماطل ويتردد ويؤجل تنفيذ موعد الزفاف لاعذار مختلفة، فازداد عليه الضغط سواء من قبل افراد عائلته او من اصدقاء واقرباء العائلتين. وكان اخر ذلك مقابلتي لعم البنت المرحوم قاسم العلوي باوتيل مهران بحضور عبد القادر المميز وعبد المجيد عريم وعبد الوهاب الفهد واسماعيل الابراهيم المحمود وذلك بعد عودتي من لندن بعدة اشهر، والتي جرت قبل فترة وجيزة من حادثة الانتحار، واخبرته بان الامر قد بلغ حده الاقصى ولا يمكن تأجيل الموضوع اكثر من ذلك وبدون اي سبب مبرر، وان اخي سيقدم على استعمال حقه الشرعي بالمطاوعة. فتلقينا الجواب عن طريق النساء بان السيد هاشم سيسافر مع العائلة الى لبنان قريبا للاصطياف، وعند عودتهم ستتم الاجراءات اللازمة. وفي 10 تموز 1939 سافر الى لبنان وعند وصوله الرطبة اختلى في غرفة الاستراحة في قلعة الرطبة لتأدية الصلاة وفي غفلة من عائلته اطلق النار على نفسه من المسدس الي كان يحمله، وتوفي في الحال، وعادت العائلة مع الجثمان الى بغداد.
وبسبب هذه الفاجعة فقد انفقت العائلتان على الغاء الزواج رضاء، ثم تزوجت كريمة السيد هاشم العلوي في بغداد وتزوج اخي في لبنان، واسدل الستار نهائيا على هذه المأساة.

يتضح مما تقدم بان انتحار السيد هاشم العلوي مسألة عائلية بحتة ولا علاقة لها اطلاقا بمصرع الملك غازي ولا بتأنيب الضمير، ولا جرى اغتياله للتخلص منه كما زعم الدكتور فاضل حسين، وان انتحاره كان بسبب الضغط الشديد الذي تعرض له طوال اربعة عشر شهرا تقريبا، ولم تعد اعصابه تتحمل اكثر من ذلك فانهارت، وكان ذلك لأمر عائلي بحث، لا يغب باتمامه وهو زواج كريمته الوحيدة والمتعلق بها جدا، ولا شيء غير ذلك السبب ابداً. فيا ايها الكتاب والباحثون والمؤلفون رفقا بضمائركم ورفقا بالتاريخ، ولا تلقوا الكلام على عواهنه وتصدروا الاحكام جزافاً واعتباطاً فتتعرضوا لحساب عسير، ويوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتى الله بقلب سليم.