قانون اسقاط الجنسية عن اليهود 1950 بين وزارة السويدي ومجلس النواب

قانون اسقاط الجنسية عن اليهود 1950 بين وزارة السويدي ومجلس النواب

صالح حسن عبد الله
حكومة السويدي وقانون اسقاط الجنسية
تشكلت وزارة توفيق السويدي في الخامس من شباط عام 1950، واشترك فيها حزب واحد هو حزب الاتحاد الدستوري الذي يتزعمه نوري السعيد، الذي اشترك بخمسة وزراء هم (شاكر الوادي للدفاع، ضياء جعفر للاقتصاد، سعد عمر للمعارف، خليل كنه وجميل الاورفه لي وزراء بلا وزارة)، ومنحت وزارة الداخلية الى صالح جبر.

أجملت الآراء على ان توفيق السويدي لم يكن موفقا في اختيار اعضاء وزارته، وربما تعمد ذلك من اجل السيطرة على قراراتها بسهولة. ويتبين ان الوزارة السويدية الثالثة كانت قائمة على ثلاثة اقطاب، (السويدي والسعيد وصالح جبر)، وهم يمثلون الفئة المؤيدة للسياسة البريطانية دون قيد او شرط حتى وان تعارضت مع مصلحة العراق والاقطار العربية.
اوضحت اطراف عديدة أراءها بوزارة السويدي، فقد وصفها مزاحم الباجه جي: ((ان عدم التجانس في الاراء والاهداف هو طابع الوزارة الحقيقي … ولنفرض ان فخامة رئيس الوزراء هو الذي انتقى زملاءه..اقول مع الاسف الكبير، انه كان انتقاء غير موفق بصدد بعضهم على الاقل)). ويرى محمد رضا الشبيبي ان حكومة السويدي تألفت على صورة لا تتلاءم مع روح الدستور والاوضاع الدستورية.
واكدت صحيفة لواء الاستقلال، ان الوزارة القائمة لم تراع الشعور العام في تشكيلها، فكان طبيعيا ان يقابلها الشعب بوجوم تام، والمتتبع لكيفية تاليفها يتبين من الصيغة السائدة في جمعها ان الرئيس الحقيقي لها هو نوري السعيد وان لم يترأسها رسميا او يتبوأ مركزا فيها.
يلاحظ من خلال الاراء التي طرحت في وقتها لتقييم وزارة السويدي، انها وزارة غير مؤهلة لتنظر في قانون بمستوى (قانون اسقاط الجنسية) وخطورته، فكان لابد من وزارة بهذه المواصفات لكي تمرر القانون بدون عقبات او معارضة، ولم يبتعد احد النواب عن الحقيقة عندما قال: ((ان كل عراقي متنور لا يجد صعوبة في معرفة اتجاه الوزارة وطابعها، فهي تضم عناصر لها طابع الميل الى تأييد سياسة بريطانيا والسير مع المعسكرات الغربية دون ترو ولا تمحص)).
في الثاني من آذار عام 1950، كانت لائحة قانون اسقاط الجنسية جاهزة للنظر فيها في مجلس النواب العراقي. وقبل ان نتطرق الى مناقشة هذه اللائحة في البرلمان، لابد من التوقف عند التساؤل الذي يهم كل باحث عندما يناقش (تهجير يهود العراق). هل كانت اللائحة تمثل حلاً توصلت اليه حكومة السويدي لمواجهة (المشكلة اليهودية) في العراق؟ كما جاء في مبرراتها على لسان وزير الداخلية صالح جبر حين قال: ((تقدمت الحكومة بهذه اللائحة بعد ان تأكد لها ان لا مفر من تقديمها نظرا للوضع الشاذ الذي يسود قسما من المواطنين اليهود، مما يضطر الحكومة ان تتقدم بمثل هذا التشريع … تعلمون ان حركة هروب بعض المواطنين اليهود قد بدأت منذ زمن غير يسير وقد استمرت هذه الحركة آخذة في الازدياد شيئا فشيئا، ولكن كانت لا تتعدى الوضع الانفرادي سواء كان من حيث هروب بعض هؤلاء او من ناحية المسهلين لهزيمتهم، ولكن هذه الحركة اخذت تتطور مع الزمن تطورا ليس من المصلحة السكوت عنه، فقد اصبح الذين يريدون الهرب وترك العراق نهائيا لا بالأفراد كما كان الحال في الماضي وانما بالعشرات بل وقد تجاوز عددهم المئات في الاسابيع الاخيرة، بصورة غير مشروعة ومخالفة للقوانين المرعية. وربما لاحظ الكثير منكم مراكز بيع الاثاث المنبثة هنا وهناك استعدادا للتصفية وللهرب)).
هذه هي اهم الاسباب التي ساقها وزير الداخلية لتبرير صدور قانون اسقاط الجنسية، والملاحظ هنا، ان وزارة السويدي قد شكلت في الخامس من شباط عام 1950، وقدمت منهاجها في السادس عشر منه، وقدمت اللائحة في الثاني من اذار الى مجلس النواب لمناقشتها، هذا يعني ان اعداد اللائحة وما سبقها من اجراءات تمت خلال اسبوعين فقط، وهذه الفترة تتناقض مع ادعاء وزير الداخلية من ان اللائحة قد اعدت بحكمة وروية ودقة الى جانب اتصالاته مع وجهاء الطائفة اليهودية للتعاون مع الحكومة لوضع حد للهجرة غير الشرعية. ومما قاله بهذه الصدد: ((عندما استلمت الحكومة الحاضرة زمام الحكم وكان هذا الوضع سائدا (يقصد الهجرة غير المشروعة) كان لابد لها ان تعالج الامر بحكمة وروية ودقة وبحزم، فأتصلنا ببعض العقلاء من ابناء هذه الطائفة والفتنا انظارهم الى الوضع الراهن والى ضرورة التعاون مع الحكومة للقضاء على هذه الحالة الاستفزازية والرجوع الى امتثال القانون ولكن يظهر ان مهمة هؤلاء كانت صعبة على ما يظهر فلم يستطيعوا ان يعملوا شيئا للحيلولة دون هذا الهرب المنظم غير القانوني..)).
فهل يمكن لحكومة متوازنة وحكيمة، كما يدعي صالح جبر، ان تمهل نفسها مدة اسبوعين فقط لاجراء مفاوضات مع وجهاء الطائفة، وتتخذ اجراءات لوضع حد لمشكلة الهجرة غير الشرعية، وتصدر لائحة تستهدف وجود طائفة تعدادها اكثر من (120) الف نسمة؟ بل ان رئيس الوزراء توفيق السويدي عندما طالبه احد النواب قبل يوم واحد من تقديم اللائحة باتخاذ سياسة حازمة بشان حوادث الهروب، اجاب ان ذلك من اختصاص الوزراء ذوي العلاقة وليس من شأن رئيس الوزراء . وتظهر اللائحة في اليوم التالي مع المطالبة بالمذاكرة عليها على عجل، فاين التروي والحكمة بهذا الاجراء؟.
وبالرغم من ان توفيق السويدي كان في ذلك الوقت يعتبر المع شخصية قانونية في العراق، الا ان اللائحة جاءت غير محكمة من الناحية القانونية، تاركة امورا كثيرة غير محسومة، ابرزها ما يتعلق بالاجراءات الخاصة باموال وممتلكات الذين يرغبون بالتخلي عن جنسيتهم مما وفر لهم فرصة تهريب اموالهم حتى صدور قرار تجميد أموال اليهود في العاشر من اذار عام 1951. مما يدلل ان الذي وضع مفردات القانون لم يراع المصالح العراقية.
يشير المؤرخ عبد الرزاق الحسني في لقاء مع السويدي ان الاخير كان يرغب باخراج اليهود من العراق واقترح على السفارة البريطانية في بغداد بنقلهم الى الهند للتخلص من مشكلتهم، الا ان بريطانيا لم تستحسن الفكرة، فكلف وزير الداخلية لمتابعة الموضوع مع السفارة البريطانية فكان الحل قانون اسقاط الجنسية. ولم يكن اختيار صالح جبر لهذه المهمة اعتباطاً ، فهو يتمتع بصلات قديمة مع الانكليز تمتد الى بداية الاحتلال البريطاني للعراق، حيث دخل في خدمة المستشار السياسي البريطاني ييتس Yets الذي عين لادارة مدينة الناصرية في تموز 1915، وربما يبرر لنا هذا الامر اصرار نوري السعيد على ادخاله في وزارة السويدي، وقد اشار الاخير الى هذا الامر: ((كانت بعض الصعوبات تأتي من وزير الداخلية صالح جبر مع علمه باني لا ارتاح لمعاونته ولم ارتح لدخوله الوزارة، وقد افهمته ذلك صراحة عند التأليف غير ان شهادة نوري السعيد كانت تشفع له بانه سوف لا يعرقل أي عمل اراه واية اجراءات اتخذها)).
ان اعتماد السويدي على سلطة خارجية مثل بريطانيا، تساند على نحو دائم دولة اسرائيل لحل مشكلة داخلية يؤكد تبعيته للسياسة البريطانية. وربما كان الاجدر به كرئيس للوزراء ان يعتمد على حكومته او اية جهة وطنية اخرى لحل هذه المشكلة.
ووفقا لذلك يتضح ان القانون كان تدبيرا بريطانيا، اعدت فقراته في السفارة البريطانية وبايحاء من اليهود العراقيين. ويؤكد اليهودي العراقي (نعيم كلادي Naeim Giladi) ذلك بالقول: ((ان مردخاي بن بورات كان في بغداد يؤدي دورا مزدوجاً، فهو من جهة يفاوض الحكومة على طريقة تهجير اليهود الى فلسطين ومن جهة اخرى يشرف على سير وضع القانون الخاص باسقاط جنسية اليهود وتجميد أملاكهم لكي يقطعوا الامل ويرحلوا الى اسرائيل)).
كان تبني حكومة السويدي قانون اسقاط الجنسية أمراً طبيعيا، اذ تعد حكومته واجهة لحزب الاتحاد الدستوري الذي يتزعمه نوري السعيد بانضمام خمسة من أعضائه اليها. ولان نوري السعيد قد آمن بوجود الكيان الصهيوني، لذلك فانه بسماحه بهجرة اليهود من العراق سيحقق هدفين، الاول: التخلص من ((علة العلل)) في تعكير صفو العلاقات بين العراق وبريطانيا على حد تعبيره، وثانيا انه عد هذه الخطوة (تهجير اليهود) مكلفة ماديا وبشريا للكيان الصهيوني، اذ انها ستشكل عبئاً اقتصادياً عليه، ولن يكون قادرا على مواجهتها وهو في بداية تكوينه. ويؤكد يهودا اطلس على دور نوري السعيد في دعمه لهذا القانون بالقول: ((كان معروفا ان قانون اسقاط الجنسية قد صدر بموافقته وموافقة انصاره لانه لو كان قد اعرب عن تحفظه لما كان القانون قد تمت الموافقة عليه))، دون ان نغفل هنا ما ذكره اليهودي (باروخ نادل) من ان اتفاقا قد تم بين نوري السعيد والامام يحيى امام اليمن وغيرهما من الحكام العرب من جهة وبن غوريون من جهة اخرى ويقضي: ((انتم تحتفظون لانفسكم بكل ممتلكات اليهود وتعطوننا بدلا من ذلك اليهود انفسهم)). اما السويدي فلا يختلف في رؤيته مع نوري السعيد تجاه وجود الكيان الصهيوني بتأكيده:((ان الحكومة العراقية قد وجدت انه لطالما اسرائيل اصبحت في الوجود، اصبح اليهود عقدة من العقد في بطن الدولة العربية، ولا يمكن ان يعول عليها في استتباب الامن لذا اصدرنا قانون اسقاط الجنسية)).
وهكذا، فان المؤرخ المنصف لا يمكن ان يبرأ السويدي والسعيد من دورهما مع اخرين في التفريط بمصالح العراق والأمة العربية من خلال (قانون اسقاط الجنسية).اما المبررات التي تساق لتبرير اجراءاتهما في هذا الجانب، فانها لا تصمد طويلا امام النقد التاريخي النزيه. ويبدو ان ضغط السفارة البريطانية كان حاضرا في هذه المشكلة.
اللائحة في مجلس النواب
مما لاشك فيه ان الدورة البرلمانية التي عرضت عليها لائحة قانون إسقاط الجنسية لم تختلف في مواصفاتها عما امتاز به البرلمان العراقي بشكل عام، بل زاد عليه في هذه الدورة ان شهدت خلافا حادا بين نواب الحكومة والمعارضة، عند مناقشة منهاج وزارة السويدي، وتركزت المعارضة على تشكيلة الحكومة، وصلت الى حد القذف وتبادل الاتهامات، وانتهت باقرار منهاج الوزارة على خلاف رغبة المعارضة.توجت الخلافات بين نواب الحكومة والمعارضة بتقديم نواب المعارضة في 6/3/1950، استقالة جماعية وقعها (37) نائباً اوضحوا فيها ان نواب الحكومة وضعوا خطة مدبرة لمنع المعارضة من ابداء رأيها، رفضت الاستقالة في بداية الامر ولكن بعد اصرار الموقعين عليها قبلت في 19/3/1950.
في الثاني من اذار عام 1950، عقد مجلس النواب جلسته العاشرة من الاجتماع الاعتيادي برئاسة عبد الوهاب مرجان، الذي اعلن عن ورود لائحة قانون ذيل مرسوم اسقاط الجنسية رقم (62) لسنة 1933، وتم توزيعها على النواب، وطلب من وزير الداخلية صالح جبر الادلاء باقتراحه حول المذاكرة عليها بصورة مستعجلة، فتلى الوزير الاقتراح الذي نص على: ((بناءا على الضرورة الماسة لاخراج لائحة قانون ذيل مرسوم اسقاط الجنسية العراقية رقم (62) لسنة 1933 بصورة مستعجلة فاقترح ان يوافق المجلس العالي على ادخالها في منهاج جلسة اليوم والمذاكرة عليها بصورة مستعجلة)).
لم يوضح وزير الداخلية صالح جبر الغاية من الاستعجال في المذاكرة على اللائحة، وهي في الحقيقة الاستعجال في اقرارها وليس المذاكرة عليها، ولم يعطِ فرصة للنواب للاستفسار عن سبب الاستعجال ودراسة موادها بعد ان جعل المقدمة التي تلاها تبريرا كافيا لاصدارها من قبل الحكومة بقوله: ((فهذه المقدمة امل انها اوضحت لمجلسكم العالي الهدف الذي استهدفته الحكومة من هذه اللائحة)). وادعى ان حكومته مضطرة على اتخاذ هذه الخطوة تجاه مواطنين لايرغبون البقاء في العراق لاسباب ليست من موضوع المجلس. وهكذا جعل وزير الداخلية فترة لاتزيد عن شهر واحد مابين تشكيل الحكومة، وتقديم منهاجها، وعرض اللائحة في مجلس النواب مدة كافية لممارسة الحكومة كل امكانياتها، وتستنفد كل وسائلها لمعالجة قضية الهجرة غير الشرعية.
أبدى النائب فائق السامرائي (نائب بغداد) تحبيذه لهذه اللائحة، وطالب بتجميد اموال الذين يهربون الى الكيان الجديد، وان لا يسمح للمسقطة عنهم الجنسية بتحويل اكثر من مائتي دينار حتى لا يسمح لهم بأخذ ثروة البلاد الى هذا الكيان المغتصب، وطالب ايضا بتعديل التمثيل النيابي بالنسبة لليهود بعد هروب المئات منهم وسيتجاوز عددهم الالاف بعد صدور هذا القانون، ولكي يكون الاجراء متكاملا دعا السامرائي ان تتناول اللائحة جميع الامور المعقدة المتعلقة باليهود، واختتم حديثة بالقول: ((ان اليهود رغم تمتعهم خلال وجودهم في العراق بحياة كريمة وحرية كاملة في العمل والعقيدة الا انهم لم يكونوا موالين لهذا الوطن ولا للقضية الفلسطينية، لذا فهم سرطان يجب التخلص منه تخليصا صحيحا)).
تبدو مناقشة النائب فائق السامرائي اللائحة غريبة، اذا ما علمنا انه صاحب فكرة تأسيس حزب قومي يهدف الى تحرير العراق والدول العربية الاخرى من السيطرة الاستعمارية وتوحيدها في دولة عربية واحدة، وقد اجيز هذا الحزب كما علمنا، في الثاني من نيسان عام 1946 باسم الاستقلال الذي اولى القضية الفلسطينية اهتماما خاصا، وجعل من اولى واجباته مكافحة الصهيونية، ومقاومة انشاء دولة يهودية في فلسطين او في قسم منها. لهذه الاسباب تعد مناقشة السامرائي بهذه الطريقة وهو الذي اشتهر بمواقفه الوطنية والقومية، امرا مستغربا ويتناقض مع معارضته انشاء (وطن قومي!) لليهود، وهو يدعو بالسماح لألاف منهم بالتوجه الى فلسطين. فهل غاب عن السامرائي ان هؤلاء المهاجرين سيشكلون دعماً لطاقات الكيان الصهيوني البشرية، وتبريرا له بطرد الفلسطينيين من اراضيهم لاسكانهم بدلا منهم. ولاشك ان السامرائي الذي مثل حزب الاستقلال المعروف بتطرفه للمسائل القومية، لم يتمكن من تحديد الاخطار الحقيقية الناجمة عن تشريع قانون اسقاط الجنسية، والاثار المترتبة عليه التي انصبت بشكل سلبي على فلسطين من خلال دعم الهجرة اليها.
اما صالح بحر العلوم (نائب كربلاء)، فلم تكن مناقشته تتناسب واهمية القانون وخطورته، فقد طالب بعد ان اعلن تأييده للقانون منح وزير الداخلية صلاحية اسقاط الجنسية عن اليهودي الهارب الذي يترك العراق بصورة غير مشروعة لغرض (التجانس)، بين قانون الجنسية وهذه اللائحة كما يرى. اما القضية الاهم التي يعالجها القانون فلم يتطرق اليها النائب.
ولم يكن يوسف المولى (نائب بغداد) في مناقشته، مع جوهر القانون ومواده التي تنذر بفتح ابواب الهجرة امام يهود العراق الى فلسطين، فاقتصرت مطاليبه على تعديلات شكلية عبر عنها بالقول: ((… والذي لاحظته في المادة الاولى عبارة (لمجلس الوزراء) وهذه العبارة شاذة بعيدة عن القصد فكان الواجب ان يقال (على مجلس الوزراء)، والمادة الثانية تقول اليهودي العراقي الذي يغادر العراق او يحاول مغادرته بصورة غير مشروعة تسقط عنه الجنسية العراقية بقرار من مجلس الوزراء فكان من الواجب ان نضع نصا وجوبيا بإسقاط الجنسية)).
تفصح مناقشات النواب عن غياب الوعي السياسي بشكل واضح لدى الكثير منهم، ولعل اسماعيل الغانم (نائب بغداد) كان اكثر تعبيرا عن هذه الحقيقة، عندما جعل من خلال مناقشته كل يهود العراق هم من الصهاينة، وطالب بتهجيرهم جميعا، معتبرا القانون بوضعه المعروض امتيازاً لليهود حيث قال: ((ان اللائحة المقدمة الى المجلس، الهدف منها منح امتيازات جديدة لليهود، هذا العنصر الذي خان البلد وانكر النعمة، وافسد الدولة لدرجة اصبحنا نجد كثيرا من الساسة لا يخجلون من الدفاع عنهم واعتبارهم مواطنين في الوقت الذي هربوا وهربوا الاموال واشتروا بها الاسلحة. اني ارى طالما متفقين مبدئيا مؤيدين ومعارضين على حل مشكلة اليهود بشكل نهائي، ان تكون اللائحة بغير هذه الصيغة، بان نطلب من اليهود مغادرة البلاد بكافتهم والا اننا في غنى عن اعطاء الامتيازات للقسم اللائق للجندية من اليهود للهروب وابقاء الصبيان والعجائز وافساح المجال لهرب اللائقين الى اسرائيل فاعتقد ان هذه اللائحة بشكلها الحالي مضرة، فانا اقترح سحب اللائحة))، ولم يكتف بذلك بل شذ في قوله عندما جعل معارضة القانون تأييدا للصهيونية بقوله: ((اما الاخرين المدافعون عن اليهود اذا أرادوا الخروج فليخرجوا معهم ايضا)).
واشترك بعض النواب (نصرت الفارسي،داود السعدي، محمد رضا الشبيبي وعبد الرحمن الجليلي) في مطلبين رئيسيين يبين الاول: احالة اللائحة على لجنة قانونية مختصة لدراستها بدقة، والثاني: ضرورة تجميد اموال اليهودي الذي يرغب بإسقاط جنسيته. وعلى الرغم من مشروعية هذين الطلبين الا ان وزير الداخلية كان مصراً على رفضهما يدعمه في ذلك الاغلبية النيابية المؤيدة للحكومة، معللا رفضه بأسباب واهيه، فبالنسبة للطلب الاول، عد صالح جبر اللائحة لا تحتاج الى اية تعديلات مؤكدا على: ((ان اللائحة درست درسا وافيا مستفيضا، وليس فيها ما ينافي المصلحة العامة)). اما بخصوص تجميد أموال اليهود المسقطة عنهم الجنسية، فكان رفضه مبنيا على اساس ان ذلك سيسبب مشاكل كثيرة دون ان يفصح عنها،مؤكداً على انه:((ليس من السهل ولامن المستطاع ان يقبل هذا الاقتراح لأسباب كثيرة)).
مما تقدم يتضح ان عرض اللائحة على مجلس النواب لا يعدو كونه اجراءا شكليا حتمه العرف الدستوري بموجب المادة الحادية والثلاثون من القانون الاساسي، الا انه في واقع الحال لم يكن مجلس الامة (النواب والاعيان) يملك هذا الحق لخضوعه للسيطرة الحكومية عادة، فعلى الرغم من ان اعتراضات النواب ومطاليبهم بخصوص اللائحة كانت شكلية لاتمس جوهر اللائحة والاثار الجسيمة المترتبة عليها الا انها رفضت جميعها، وقد عبر أحد النواب عن هذه الحقيقة عند مناقشة اللائحة بالقول: ((انا اعلم ان كل ما يقال لا يفيد ولكن مع ذلك اقول للتذكير)).

عن رسالة (تهجير يهود العراق 1941 ـــ 1952)