الخبير الاقتصادي مظهر محمد صالح:

الخبير الاقتصادي مظهر محمد صالح:

المشكلة ليست في الراتب الاسمي بل في امتيازات المسؤولين
حاورته : صابرين علي
شكلت مسودة قانون رواتب كبار موظفي الدولة علامة فارقة في مشهد الامتيازات التي ينعم بها المسؤولون في وقت يرزح أكثر من ثلث نفوس العراق تحت مستوى خط الفقر.(المدى الاقتصادي) فككت جدلية رواتب كبار الموظفين مقارنة مع صغارهم وعلاقتها في منظومة الفساد المتأصلة في جسد الوظيفة الحكومية،

من خلال حوار مفتوح مع الخبير الاقتصادي الدكتور مظهر محمد صالح، فتح نوافذ أخرى لحوارات مقبلة سعياً لوضع الحقائق الملموسة أمام المتلقي.
قانون رواتب كبار الموظفين لا زال الفرق شاسعاً في الراتب بين كبار الموظفين وصغارهم، كيف تنظرون لها من وجهة نظر اقتصادية؟
- ان الراتب بحد ذاته ليس هو المشكلة، لقد تولدت تكاليف للمنصب تفوق الراتب إضعاف مضاعفة في بلد يفتقر للأمن، وفي ظرف من الظروف أصبحت كلفة الحمايات والأمكنة الخاصة والعزلة والأنزواء باهظة وعالية ولا تعد ولا تحصى، ونحن في تقديرنا الكلفة هنا تكمن ليس في الراتب النسبي وهذا لا يشكل الا نسبة بسيطة، وبالتالي يجب ان يكون في إعادة هندسة وقيمة كلفة المسؤول خلال مكملات الكلفة التي هي ليست الراتب الأساس ونصرف بقية الأشياء المرتبطة به منطوقة التكاليف للمسؤول تدرس كاملة ولا تدرس مجزئة براتب، وان العراق الجديد ولد امتيازات للمسؤولين وهذا شيء مذهل فلا توجد هكذا امتيازات، من مواقع وسيارات وحمايات والحاشية والأقرباء والمناطق السكنية الخاصة والى آخره، وان الدولة العراقية تضخمت بشكل دولة مستنزفة وبذلك ليس الراتب مشكلة، وإنما تبعات المسؤولية والمنصب هي المشكلة فيجب ان تعاد هندسة قيمة كلفة المسؤول ليس من الراتب وإنما من التبعات التقديرية لانه أقوى من الراتب بعشرات المرات.

الكثير من المراقبين المتحدثين عن ان هذه المسودة هي تكريس للفساد، ما هو تعليقكم؟
- في حوار مع خبراء في فندق بغداد الدولي ولأنهم أناس فنيون أكدوا على أهمية الراتب الملائم من دون الحديث عن الامتيازات، ولكن يفترض ان يكون الراتب كاف لسد رمق العيش، وان يحفظ معيشته ويحفظ كرامته دون ان يضيق عليه، فالمزايدة في التضييق خطأ في بلد مثل العراق وهناك الكثير من الناس مستعدة في التضحية بالراتب من أجل المنصب وهنا تكمن الخطورة في جدلية الراتب أم المنصب، ويقول البعض أعطوني المنصب بدل الراتب وهذا أخطر بصراحة فيجب أن تكون هناك موازنة بين شغل المنصب والتزامه والراتب المناسب من دون التضييق فيه.

هل إن مسألة الفساد الإداري تتعلق بوضعية الراتب أو في طبع الشخص أو في وضعه أو نزاهته؟
- من خلال شغلنا للوظيفة العامة تبين لنا ان هناك أشخاصاً محرومين من الامتيازات ولا تطالب في أي شيء، وهذا يعتمد على التربية والأصول وانتمائه لبلده و وطنيته، و بالمقابل هناك أشخاص يقدمون 1% ويطلب ألف شيء في المقابل، وهناك أشخاص متوازنون يطمحون في تقديم مشروع وفي نفس الوقت يريد أن يحفظ كرامته ومدخولات معيشته وعائلته.
ونحن في تقديرنا الراتب قد يحفز على الفساد في حال قلته أو تضييقه، فيجب أن تكون هناك حالة توازن لا تضييق ولا ترك الأبواب مفتوحة بشكل يؤدي الى الفساد، ونحتاج الى رؤية موضوعية لراتب من يشغل منصب (متخذ القرار) قد يكون مديراً عاماً، وأن يعطى الراتب على قدر عمله ومسؤوليته ويمكنه من العيش كمواطن عادي يعيش بشرف وكرامة.
ان قضية الفساد في العراق لن تأتي بدفعة واحدة، ان الفساد في العراق موروث وبدأ الفساد في الحرب العراقية الإيرانية، منذ ان بدأ البلد يغترب والاغتراب الخارجي ولد فساد و بعدها فترة العقوبات الاقتصادية قامت الدولة بالعمل بالوسائل غير الشرعية مع العالم لتسيير ماكنة الحياة للنظام السابق وجاءت فترة الاحتلال أعطى شرعية أكبر للاجئين داخل البلد، وبالتالي هناك مواجهة بين الأجنبي والوطني وقد ضاع الحق مع الباطل فهذه التراكمات الثلاثة تجمعت بشكل موجه، ثم أصبح هناك استباحة في المال العام ومن يحلله على نفسه، وهناك أشخاص وارثون الفساد أساساً والبعض كان يتسول بسبب الحصار وأستمر على هذه العادة، ويأخذ من زبون ومواطن ويعتبرها هدية، وبالتالي منظومة الفساد ليست وليدة اليوم وأنما من خلال ثلاثة عقود على التوالي في الجهاز الوظيفي.

هل هناك في الدولة العراقية ترهل وظيفي؟ وهل يكمن الترهل في كبار الموظفين أم في صغارهم؟
- ان الترهل بدأ في صغار الموظفين و أصبح موجوداً في الوظائف القيادية وكبار الموظفين والتشريعات بعد عام 2003 خلقت هذا الترهل تحت مظلة الديمقراطية والتشريعات التي تخص الديمقراطية و العراق ليس بحاجة الى انغماس في الديمقراطية و النتائج هي ضعف الأداء الديمقراطي بسبب ديمقراطية هذه المؤسسات التي خلقت وهي راعية للديمقراطية فإذا زاد الشيء عن حده أنقلب ضده.

بضوء الاحتجاجات الأخيرة ما الذي يفترض أن توفره الحكومة تجاه هذه المطالبات؟ وما التوقع المحتمل لهذه المطالب؟
- في بلد فيه البطالة الفعلية نحو 18% والشباب وهم الشريحة الأكبر بنسبة 30% والاستخدام الناقص وهو العمل خارج الاختصاص و يعمل في اعمال أخرى كبيع الصحف والمجلات يصل الى 28%، فكل أشكال البطالة في العراق تصل بالنتيجة الى 45% وهذا موضوع خطر وجسيم، وإزاء هذه الخطورة قلت الرواتب وهذا خط الفقر القاتل وأكثر من 23% يعيشون تحت هذا الظرف، اما بالنسبة لنظام البطاقة التموينية يجب تطويره وأن يمس الشريحة الأكبر من المجتمع، ولذلك فأن البطاقة التموينية مطلب شعبي أساسي مادام هناك بطالة يجب ان تكون هناك بطاقة تموينية لأنها صمام الأمان لضمان العيش.
والنقطة الأخرى التي تريد ان تشير اليها هي مشكلة البطالة للخريجين، فأن من غير الخريجين يمكن أن يعملون في مجالات عمل أخرى بينما خريجو الجامعات الذين أنفقت عليهم الدولة من الروضة الى الجامعة.
وان الدولة هي غير حاضنة للتوظيف غير المنتج ولكن في ظروف مثل العراق هناك توظيف مؤقت ويكون كالأتي: ان (28%- 30%) من البطالة هي الأخطر وفي تقديرنا هناك مشروع يحتاج الى شجاعة من قبل الدولة وهو:
1- هو أن تقوم الدولة بالتعيين بشكل مؤقت لخريجي الكليات والمعاهد الى حد سن 32 سنة وان تحتضنهم بشكل مؤقت تحت برنامج تدريبي لمدة سنة وتمنحهم راتباً لقاء التدريب في مختلف الاختصاصات وحتى العاطلين من المتدربين سيكونون هم عاملين ومتدربين في نفس الوقت (ويستمر لمدة خمس سنوات).
2- الشراكة بين القطاعين العام و الخاص وهي في الحقيقة غير موجودة وآن الأوان لإنشاء شركات خارقة للسوق هي شركات مساهمة مشتركة بين القطاع العام والخاص، ما هو المانع من إقامة مشروع من مليون دونم لإنتاج الحنطة وهذا المشروع يشغل عاملين مهندسين، محاسبين، وعمال زراعيين ويرتبط به دور للألبان والأعلاف وغيرها من المشاريع.
وإقامة مثل هذا المشروع في خمس محافظات فأنه يوفر الملايين من فرص العمل و على الدولة في هذه المشاريع توفير رأس مال جزئياً وعملاً تحوله الى هذه المشاريع مع صناديق ضمان وفي نفس الوقت ستعود على المواطن بمساهمة في هذه المشاريع بالثقة لانه يثق بالدولة و يعتبره تحت رقابة وهذا ما يزيد من مساهمة القطاع الخاص، وان تعمل في عقلية السوق وأن أفضل المشاريع هي الزراعية، حيث نبدأ بالزراعة وتأتي بعدها الصناعة وبتطوير المشاريع القائمة وهذا يحتاج الى إعادة هيكلة موازنة الدولة بحيث توجه منها لاقتصادية السوق وان لا تكون فرص عمل ضمن الخطط التشغيلية ومثل هذا الموضوع يكون نموذجاً لبقية المشاريع للإسكان والتعمير وتركيزنا على جانب الزراعة يراد منه على الأقل سد الحاجة وهي تعبير الحياة في العراق وبالتالي سياسة تشغيل الشباب ضمن قطاعات الدوائر لأغراض التدريب، وإعادة زجهم في المؤسسات الإنتاجية المقبلة، ويصبح الترهل ما لم تكن برامج مشاريع فارقة للسوق ومساهمة بين القطاع العام والخاص.

ما مدى مساهمة الاستثمار للقطاع الخاص في امتصاص البطالة؟
- القطاع الخاص المنتج اعتمد على الدولة، ودعني اذكر في سنة 1930 أنشأ مصرف زراعي صناعي وظيفته أعطاء قروض للزراعة والصناعة، فالقطاع الخاص لا يعمل بقروض تجارية وإنما يعمل بقروض ميسرة و يعطي قرض طويل الأجل وفائدة قليلة، والدولة هي المالك الأكبر وهو الذي يعطي الى المالك الأصغر في دولة تعاونية في هذا الشكل وهكذا تنظم الشراكة بين السوق والدولة، فمن يرعى من؟ هذه هي النقطة المهمة فنحن في تقديرنا الدولة تعيد هيكلية الموازنة من أجل بناء سوق مخصص.

كيف يمكن توجيه قطاع النفط في ظل التقلبات التي تشهدها أسعار النفط وفي ظل الزيادة في الطلب، والارتفاع غير المسبوق لأسعار النفط؟
- سياسة العراق النفطية هي سياسة ناجحة بغض النظر عن كل ما قيل واختلافات وجهات النظر ونأمل أن تكون نتائجها ناجحة ان الهدف الأساس هو ليس ان يكون العراقٍ مثله مثل بقية الدول النفطية، أن البرنامج النفطي يجب أن يكون له أهمية في برامج التنمية والاستثمار في العراق فعندما يكون هناك استثمار يكون هناك تنويع في الإنتاج.

كيف يمكن الربط بين مطالب الشعب والمصادر النفطية؟
- أن أغلب الناس الذين خرجوا في التظاهرات هم من العاطلين عن العمل مع خدمات متردية و الذي لم يقدر ان يجد فرصة عمل لا يمكنه ان يقدم خدمات فهذا تحصيل حاصل، فعندما تبدأ في برنامج صحيح في التشغيل سوف يبدأ بتقديم خدمات و أن هذه الدوائر بحاجة الى قيادات إدارية و ان تستبعد فكرة الفساد لأن وجود مثل هذه الأفكار سوف يقودنا الى العيش في مهم الاتهامات.

هل في تقارير هيئة النزاهة تهويل للفساد؟
- أن أي مسؤول أداري نزيه يخاف من مشكلة الاتهام، فاليوم يجب خلق بؤر من التطهير في المؤسسات يوجد قادة إداريين نزيهين ولهم القدرة على اتخاذ قرار و أنا أشبه العراق ببرميل الماء الصافي الذي أمتزج به نقطة من الحبر فيصبح البرميل أشبه بالملوث وفي الحقيقة أن الماء صافي، ومن هذا لا ننكر أن هناك تلوثاً وفساداً ولكن هذا لا يمنع من البحث عن النخب الوطنية والطيبة، فإنا أعيش في دائرة أميز بين الموظفين النزيهين وبالمقابل أجد هنا العشرات من الموظفين الذين يمكن الاعتماد عليهم في النزاهة والمخافة من الله والمال العام و لديه حب للوطن والدفاع عن العمل، وهنا مهمة الوزارات البحث عن قادة أداريين الذين ينهضون بالبلاد ويتميزون بالنزاهة والريادة والقوة وقدرة على اتخاذ القرار، وعلى قدر ما موجود من فساد يوجد جبن إداري والتردد في اتخاذ قرارات والتخوف من المسؤولية واللجوء الى أخذ راتب كبير بالمقابل عدم تقديم شيء، وهذا يعتمد على الشخص في إثبات نفسه من خلال ما يعمل بشكل صحيح فيجب الوثوق بالأشخاص الذين يعملون ثم ندقق عمله.