بغداد/ علي الكاتب
عد عدد من الخبراء والمختصين في الشأن الاقتصادي ان الارتفاع الطفيف في أسعار الدولار تجاه العملة المحلية طبيعياً ومتماشياً مع حركة السوق النشطية، والحاجة المتزايدة إلى السيولة النقدية في العملات الأجنبية لتغطية التعاملات اليومية التجارية التي تتزايد باستمرار مع دخول سلع وبضائع جديدة للأسواق المحلية.
وقال احمد شاكر الخبير الاقتصادي في مؤسسة ميراكو التجارية إن التجار المحليين يحاولون في إطار جهودهم السعي إلى إدخال بضائع قبل بدء الحكومة وأجهزتها المختصة بتطبيق قوانين التعرفة الجمركية،وإدخال اكبر كميات ممكنة من السلع والبضائع المعفاة من الرسوم الجمركية التي تكون أسعارها قليلة قبل فرض الجمارك والتي أعلنت عنها وزارة المالية قبل مدة قصيرة، وهو الأمر الذي يعني زيادة الكلف المالية التي من الممكن تفاديها خلال الفترة الحالية.
وأضاف أن حركة السوق التي انتعشت مؤخراً أسهمت في زيادة الطلب على شراء الدولار الأميركي،فضلا عن النمو الايجابي لمعدلات التنمية الاقتصادية والتحسن في مدخلات الأفراد عموما وشريحة ذوي الدخل المحدود بشكل خاص،كما ان الإقبال المتزايد على الشراء من قبل المواطنين لقرب أكثر من موسم، مما يتطلب استعداد العائلات العراقية له بالنحو الأفضل.
وأشار الى إن الدولار الأميركي شهد ارتفاعاً نسبياً، في أسعاره في الأسواق المحلية منذ فترة قصيرة، إذ أصبحت أسعار بيعه في الأسواق المحلية خارج مزاد البنك المركزي العراقي اليومي 1191 دينارا للدولار الواحد للشراء و1193 للدولار الواحد للبيع، وهي أسعار مقبولة نسبيا وهي لم ترتفع كثيراً عن معدلاتها العامة خلال الفترة الماضية،على خلاف ما أثير مؤخرا من قفز الأسعار الى مستويات تنذر بوجود أزمة مالية ومصرفية ما في أسواق التعاملات والتدولات.
وأوضح ان أسعار البيع للمبالغ الصغيرة كانت بنحو 1190 كسعر للشراء و1193 دينارا كسعر للبيع وهو ما يتيح هامشا ربحيا اكبر من البيع بكميات كبيرة كون المبالغ المالية تكون اقل بكثير عن السابق،كما ان تنشيط الحركة التجارية في الأسواق المحلية جعل التجار العراقيين يقومون بالإقبال على شراء الدولار الأميركي بكثرة، ما أسهم أيضاً في ارتفاع أسعاره مقارنة بالفترة الماضية.
من جانبه قال الدكتور أسامة العبيدي التدريسي في جامعة بغداد أن الحاجة للدولار الأميركي تزداد كلما كان المعروض من السلع والبضائع أكثر قيمة نقدية، فيما تكون أسعار الدولار ضمن مستوياتها الحالية تعد مستقرة ولا تخضع لزيادات غير عادية، ولكن ذلك لا يمنع من الحديث من ان الفترة المقبلة قد تشهد زيادة ملحوظة في أسعار بعض السلع إذا ما تم إخضاع جميع أنواع الاستيرادات لضوابط استخراج إجازة استيراد من وزارة التجارة، وهذا ما سيسهم في الزيادة المتوقعة لكلف السلع إضافة إلى التعرفة الجمركية الجديدة التي ستضيف أعباء جديدة يتحملها المستهلك.
وأضاف: ان قرار وزارة المالية الأخير في التريث بالعمل بقانون التعرفة الجمركية حد كثيراً من الزيادة المرتقبة في أسعار الدولار وأسعار السلع والبضائع،لاسيما اذا كان الطلب النقدي على شراء الدولار يقوم البنك المركزي العراقي بتغطيته بالكامل بالسعر الرسمي 1170 ديناراً فقط، بعد إضافة قيمة العمولة له والبالغة 13 ديناراً.
وأشار الى ان بعض المضاربين من المتعاملين في العملات الأجنبية قد يلجأون إلى رفع الأسعار بشكل طفيف للتعاملات الصغيرة في حال وجود عطل رسمية والتي يتوقف خلالها المزاد، وهي تبقى حالات فردية لا يعول عليها في قياس أداء السوق بشكل عام وأسعار الصرف ولا تكون ذات تأثيرات حقيقية طويل الأمد.
وتابع اما بخصوص أهمية العلاقة بين أسعار الفائدة وأسعار الصرف وظاهرة التضخم،فمن المهم الإشارة هنا الى إن أسواق رأس المال أكثر قدرة وأسرع استجابة للتغيرات المتوقعة في الظروف الاقتصادية والسياسية من أسواق السلع والخدمات، واما العوامل الأساسية التى تؤثر على تدفق رأس المال بصورة فعلية تتمثل في التغيرات الحاصلة فى المعدلات النسبية (الفعلية والمتوقعة) وتنشأ هذه بسبب التغيرات فى الفوارق بين أسعار الفائدة والتحركات المتوقعة لأسعار الصرف.
وأكد على ان أهم هذه المخاطر هو التضخم وانخفاض القوة الشرائية للعملات، والتي تظهر أن أسعار الفائدة وتقلبات أسعار صرف العملات المختلفة لها علاقة وصلة وثيقة تؤثر مباشرة فى حجم عوائد الاستثمار المتوقعة والفعلية، وعند مراجعة العوامل الاقتصادية التى تؤثر فى اتخاذ قرار القيام بالاستثمارات نجدها تتمثل أساساً في كيفية تمويل المشروع، اما إذا كان التمويل عن طريق القروض فمن الضروري معرفة سعر الفائدة وحجم عوائد تلك الاستثمارات ونسبتها إلى قيمة مجموع الإنفاق الاستثماري بهدف مقارنتها بالفرص البديلة المتاحة للاستثمار.
في حين قال الخبير الاقتصادي سلمان العيساوي ان سعر صرف العملة له تأثيرات كبيرة سواء كان من العملات المحلية او الأجنبية، وكذلك في الصفقات التجارية الدولية والتمويل والاستثمارات الخارجية، ويتحدد سعر صرف عملة ما بعوامل اقتصادية وغير اقتصادية كثيرة، أهمها أساسا العرض والطلب على تلك العملة، وقد أثبتت التجارب انه مع ارتفاع قيم الفائدة للأرصدة النقدية في الخارج، مما يشير الى الأثر المباشر وهو دعم سعر صرف العملة المودع بها والمستثمر فيها.
وأضاف: انه في حالة كون الاقتصاد الوطني يعاني ارتفاعاً حاداً في مستويات الأسعار،فان الطلب النقدي يكون اكبر من العرض السلعي،وبالتالي تزداد الواردات من الخارج بعكس الصادرات التي تتقلص وتنحسر كثيراً، ومع زيادة الواردات وزيادة عرض الدولار الأميركي في الأسواق العالمية بشكل يؤدي الى انخفاض سعر صرف الدولار مقارنة بأسعار صرف العملات الدولية الأخرى،مما يجعل قد تلجأ إلى رفع أسعار الفائدة المصرفية لكبح جماح التضخم ولتشجيع الادخار المحلي وتشجيع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية للداخل،بهدف رفع أسعار صرف العملة المحلية من جديد.
وتابع عند مقارنة أسعار الفائدة وأسعار الصرف بمعدلات التضخم السائدة والمتوقعة، حيث تعد أسعار الفائدة الحقيقية هنا من أفضل المقاييس لقياس معدلات العوائد المادية،وذلك لان الفروق النسبية فى أسعار الفائدة قد تعطي مؤشراً خاطئاً لمعدلات العائد النسبية، اذ أنها كثيرا ما ترتبط بمعدلات التضخم المتوقعة وكذا الحال بالنسبة لمتغيرات أسعار الصرف المتوقعة، كما أن أي تغييرات في نسب أسعار الفائدة في الأجل الطويل مع استمرار هذا الفارق في النسب والذي سيكون ذا تأثيرات كبيرة على سعر صرف العملة في المستقبل.
وأشار الى ان ارتفاع سعر الدولار الطفيف في مقابل الدينار العراقي يأتي طبيعياً على الرغم من الإجراءات والتدابير التي يتخذها البنك المركزي من حين لآخر للحيلولة دون فقدان العملة الوطنية لقيمتها بصورة كبيرة، ولكن مع ذلك أصبح الدينار العراقي في محيط الدولار الأمريكي بشكل كامل، ولتنجم عن ذلك جملة من المعطيات على المستوى الاقتصادي من أهمها ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بصورة كبيرة، وما يرتبط بذلك من عجز الكثير من الشرائح الاجتماعية بشكل عام وشريحة محدودي الدخل بشكل خاص من توفير احتياجاتهم ومتطلباتهم الأساسية بسبب موجة الغلاء الحالية التي ستزداد في ظل تراجع توزيع مفردات البطاقة التموينية والإعلان عن زيادة مرتقبة في رواتب موظفي الدولة على اختلاف مستوياتهم.
وأوضح: ان هناك ظاهرة أصبحت تزداد يوما بعد يوم وهي عجز أصحاب الصناعات المحلية والتجار المستوردين على حد سواء من الحصول على الدولار الأميركي من المصارف والبنوك المحلية وارتفاع أسعار صرف الدولار في مقابل ذلك، الأمر الذي أصبح يهدد الصناعات الوطنية بالانهيار والخروج من معادلة الإنتاج والأسواق المحلية بصورة نهائية.
ولفت الى ان موازنة العام الحالي 2011 التي أعدتها وزارة المالية تشير إلى توقعات باستقرار أسعار الدولار في معدلاته المعروفة في مقابل الدينار العراقي، ولكن مع دخول الميزانية الجديدة حيز التنفيذ في الوزارات والمؤسسات الحكومية لا تزال أسعار الدولار في ارتفاع مستمر خلال الفترة الماضية، لان سياسة شراء الدولار زادت الأمور تعقيداً ليرتفع سعر الدولار في السوق المحلية بصورة كبيرة، بعد ان أصبح بعض المتعاملين في البورصة المحلية العملات يتحكمون في سعر بيع وشراء الدولار.
وقال ان هناك حلولاً عدة ترتبط بمستقبل السياسة النقدية تجاه الدولار الأميركي من خلال تقليل سيطرة الدولار الأميركي على سوق العملات المحلية، وزيادة التوجه نحو العملات الأخرى كاليورو الأوروبي وغيره من العملات الأجنبية الأخرى، في محاولة من شانها السيطرة على ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي أمام العملة الوطنية،والقيام بموازنة حقيقية بين النشاط التجاري والنشاط الصناعي وعدم هيمنة قطاع على اخر بما يضمن النهوض بالاقتصاد الوطني كغاية أسمى لأية نشاطات اقتصادية.
الى ذلك قال زيد الطريحي صاحب شركة سما للصيرفة والتحويلات المالية في منطقة الحارثية ببغداد ان هناك الكثير من محال الصيرفة وشركات التحويلات المالية التي انتشرت في عموم البلاد لتقديم خدمات تزويد المواطنين بالعملات الصعبة، لكن برغم ذلك اصبح العاملون فيها يعانون البطالة بسبب ارتفاع أسعار الدولار وشحته في الأسواق المحلية.
وأضاف: ان حالة عدم الاستقرار السياسي في عموم دول الجوار وتحديداً في منتصف شهر كانون الثاني الماضي وما تبعته من تظاهرات أسبوعية في المحافظات العراقية اثار شيئاً من الاضطراب في السوق المحلية، وهو ما اثار حفيظة التجار وأصحاب رؤوس الأموال العراقيين لتزداد عمليات الطلب للحصول على الدولار، ما أدى الى ارتفاع أسعار صرف الدولار مقابل العملة الوطنية، وهو الأمر الذي اثر سلبا على المتعاملين في محال وشركات الصيرفة على خلاف الصورة المأخوذة عنهم وانتفاعهم من ظاهرة ازدياد الطلب على الدولار الأميركي وارتفاعه مقابل الدينار العراقي.
ولفت الى إن ظاهرة ارتفاع أسعار العملات الصعبة في العالم سببها الرئيس هو التدني في قيم العملات المحلية وبالتالي انخفاض قيمتها الشرائية مبيناً إن خير علاج لهذه الانعكاسات على سيكولوجية الفرد العراقي والسوق هو في صياغة جديدة لأسعار العملة العراقية بصورة تعود معها المنطقية في العلاقة ما بين كلفة السلعة الحقيقية وسعر البيع المعتمد في السوق، كما إن شطب ثلاثة أصفار من العملة العراقية هو بمثابة إعادة الأسعار الى طبيعتها والحد من حجم التضخم الآخذ بالازدياد،ولعل التجربة التركية خير مثال، فبعد إن شطبت ستة أصفار لتصبح معها المليون ليرة واحدة فقط وبذات القوة الشرائية السابقة للمليون، أي انه أصبح بالإمكان الشراء بليرة واحدة ما كان في السابق بمليون ليرة.
وقال إن إلغاء الأصفار من العملة التي تعاني تضخماً من شأنه الحد من الآثار السلبية لما يشهده العالم من غلاء واضح في أسعار السلع والخدمات، وسيعيد للعملة الوطنية توازنها وثقلها الحقيقي، كما إن قرار كهذا في حال تبنيه من قبل الحكومة العراقية فأنه لن يعيد للعملة العراقية قيمتها حسب وإنما سيعكس كذلك مرونة الاقتصاد وحركته بالاتجاه الصحيح لذلك من المهم النظر بجدية لهذه الظاهرة والتأكيد على مخاطرها من اجل الوصول إلى كبح جماح التضخم والارتفاع في الأسعار وعودة العملة العراقية إلى قيمتها الحقيقية وسابق عهدها.