صائد الحكايات..  قراءة في رواية  الفردوس المحرم   للروائي  يحيى القيسي

صائد الحكايات.. قراءة في رواية الفردوس المحرم للروائي يحيى القيسي

ضحى عبدالرؤوف المل
يصطاد الروائي "يحيى القيسي" في روايته "الفردوس المحرم " الصادرة عن" المؤسسة العربية للدراسات والنشر" الحكايات من هنا وهناك، وربطها بالفكرة التي يبحث من خلالها عن مدينة السلام "شامبالا" بتذبذب سردي وبتحاور مع القارئ الذي يتسابق معه في طرح التساؤلات، لينتعش الذهن وسط كل الاشارات التي يتركها كمفاتيح

لا بد أن يبحث القارئ عن ابوابها لما تحمله من علوم نبعت عن فلسفة سريالية غاصت مع الارض المجوفة، ونظريات ربما البعض منها هو تتابعي مع الزمن وسمعناها في حكايات الاوليين او عبر السينما الهوليودية التي اهتمت بالماورائيات وباكتشافات ارتبطت باسماء الكثير من العلماء الذين اوصدت العزلة ابوابهم او ماتوا نتيجة كوارث تعرضوا لها . إلا أن" يحيى القيسي" ينتقد المجتمع العربي المؤمن بترهات كثيرة لا تمت الى هذا العالم المدهش الذي هو من صنع خالق عظيم .
تصوير ذهني لجوانب عديدة من القراءات التي تأثر بها واعتمد على تحليلها لرصد خفايا الفكر الانساني وقدراته الكامنه في خلاياه ومورثاته الجينية ، فالبشرية في كتاب يحيى القيسي هي فلسفات تتناقلها الاجيال عبر سنين مختلفة، فمنهم من يصدق الاعاجيب، ومنهم من يبحث عن اصولها ، ومنهم من يتبناها ويتركها تتحكم به. الا ان اللعبة الكبرى هي من الغرب الذي يبث الاعاجيب البشرية بحرفية واتقان تهدف الى تقليص عدد الكائنات على الكرة الارضية معتمداً على الشرح والتحليل، ومتناولا عدة من المواضيع والكتب بل! والشيوخ واصحاب الطرق المتعددة في الايمان والنور والنار والظلمات. الا ان الفردوس المحرم هي تلك المعلومات التي تختزنها العلوم الباطنية التي تبقى طي الكتمان وبعيداً عن العقول العربية التي استسلمت لضعفها، وتركت القوى الماورائية تتحكم بها او بالاحرى التقنية العلمية التي تكتشف العالم وتبحث عن نفسها في انسان تاه ضمن الابعاد النورانية والابعاد المظلمة، وكأنه كرة ضوئية في متاهات العقل الجبار الذي يقع فريسة الكتب والمخطوطات وما جاء فيها من حقائق واوهام ، فهل لرواية الفردوس المحرم شخوص تركهم يسحبونه نحو طبيب نفسي يعيد له الصواب بعد ان غمرته شخوص الكتب التي قرأ عنها بهذيان العقل الباحث عن الماورائيات لربطها بالتاريخ البشري؟
توظيف سريالي لقراءات ما ورائية تثير لذة الاكتشاف وتضع القارئ في دائرة حوارية مع الكاتب الذي يناقش قراءاته بانتقاد عفوي يرتبط بمجموع المفاهيم التي تلقاها عبر ثقافة القراءة منتقداً المناهج التلقينية المؤثرة في الرؤية الفكرية لكل منا خصوصا العرب الذين يتناولون الاسطورة او الحكايات الزمنية واغلبها التراثية او المتعلقة بالارث الحضاري واسراره بعيداً عن العلوم وانما بالرجوع الى مخطوطات السحر والشعوذة او ما تركه كل مستنير صوفي تبعا لطريقته او مذهبه وفي هذا تباين في اختلافات الاراء الذي تترك الانسان امام اختيارات يصعب تبنيها لما تتركه في المجتمع من تذبذبات قد تؤدي الى خلق صراعات لا نهاية لها فهل يحاول يحيى القيسي عبر هذيان الذهن العصف بمخيلة القارئ ؟ مؤكداً على اهمية ما يتم نشره عبر شبكات الانترنت والمواقع من امور كانت مغلقة من قبل لعدم توفر الكتب بسهولة .
ما من دلالات ظاهرة في رواية الفردوس المحرم بل هي استبطان استفهامي او تساؤلي مبني على حوار داخلي يشتد ويتراخي مع اهمية الافكار ومنابعها المستقاة من مؤلفين سابقين او في الدخول عبر متاهة الزمن من خلال القراءة لكتب لها اهميتها التاريخية التي تهيمن على القارئ ان باحداثها او سرياليتها او ما ورائيتها التي يؤكدها العلم وتنفيها الفلسفة او الفكر الانساني المحدود لأنه اعتمد على نسبة قليلة من العقل تاركا لغفوته مدة طويلة توارثها الانسان مع الاجيال المتتابعة وكأن الانسان هو نطفة واحدة ولكن ضمن ابعاد الزمن وكان يحيى القيسي يحتاج لالة الزمن للدخول مع قرائه في زمكانية الابعاد وقدرتها على تحديد النوابغ العلمية او الفنية او الجمالية والتي نلمسها في الاثارات ومعانيها وما يتم اكتشافه بشكل متتابع مع اهمية سر كل منها او وضع اليد عليها حتى حين لتكون بعيدة عن العوام وتبقى لخاصة الخاصة او لغرب يفتح ويقفل العقول تبعا لسياسات حياتية ينتهجها لتبقى الانسانية محكومة بقوى ظلامية يشير اليها في روايته وكأنها نتيجة انعكاسية لقوى نورانية عليا وسفلى مشيرا الى الصراعات الظاهرة والباطنة والقوية في معناها الروحاني.
رواية فلسفية استنتاجية تساؤلية تستدرج القارئ للدخول في بحر معرفة لججه لزجة لكنها تستحق المخاطرة للغوص فيها لاستدراك قيمة تراثنا الفكري وان بانتقادية روائية هي جزء من فردوس محرم ذي بابين للدخول والخروج دون منع من انظمة استبدادية تعيق فهم الاكتشافات التي من شأنها رفع قيمة الحياة كونيا والقبول بوجود حضارات انسانية لم يتم اكتشافها بعد فهل ينتقد يحيى القيسي بعد كل هذا ذاته كانتقاده بموضوعية مجموع قراءاته وتداخل الشخوص بين الرواية والحياة؟.