صحافة الامس وبغداد الزمن الجميل في حديث صادق الازدي

صحافة الامس وبغداد الزمن الجميل في حديث صادق الازدي

لقاء اجراه عادل العرداوي
في تاريخ كل بلد وكل مدينة أسماء تبرز.. وبروزها لم يأت اعتباطا, وإنما وفق أسس وقواعد تتخذ شتى الأشكال, وتاريخ بغداد حافل بمثل هذه الأسماء, فمنها من لمع بالسياسة, ومنها من لمع بالاقتصاد أو الاجتماع أو الشعر والأدب والقصة والفن.. الخ.

واليوم نسبر غور أسم لمع في عالم الصحافة علة مدى أكثر من عشرين عاماً.. أنه الأستاذ صادق الأزدي هذا الاسم الذي أقترن اقترانا شرطياً مع اسم مجلته الساخرة"قرندل"منذ إصدارها في عام 1947 وحتى إغلاقها في عام 1958. بعد أن أدت رسالتها في الكشف عن أعداء الوطن والإشارة بأصابع الغضب إلى مواقع الخيانة في تلك العهود المتخلفة.
استقبلنا الأستاذ الأزدي ضيوفا في بيته بدشداشته البغدادية معلناً رفضه بوضوح لكل أساليب الاستقبال الرسمي رجل في العقد السادس. يبدو عليه المرح والنشاط من خلال لحظة الاستقبال الأولى لنا, ولا يزال يحتفظ بقامته المعتدلة. قلنا للأستاذ الأزدي حدثنا عن نفسك في البداية.. قال:- ولدت في محلة"المجارية"سنة 1919 ونشأت في محلة"القراغول"القريبة منها. درست القرآن وختمته على يد أحد (ملالي) بغداد في منطقة قريبة, وأذكر جيدا حفلة الختمة التي أقيمت لي بالمناسبة علما بأني ختمت القرآن وعمري أربع سنوات فقط.

بعد ذلك دخلت مدرسة التفيض الأهلية وكانت من بين المدارس القليلة الجيدة في بغداد كالمدرسة المامونية, البارودية, الجعفرية، والفضل. وكان موقع مدرسة التفيض آنذاك في موقع متصرفية لواء بغداد القديم. وأغلب أساتذتها من الضباط المتقاعدين مثل رشيد رشدي العادلي وسامي الأورفلي وهم من الضباط القادة في الجيش التركي , فضلوا أن يعملوا بالتعليم بعد تأسيس الحكومة العراقية. وفي تلك الفترة بدأ السيد حسين العاني مدير المدرسة بجمع التبرعات ليني بناية جديدة.
وفعلا تم ذلك إلى جانب المعونة التي كانت تقدمها الحكومة لجمعية التفيض والمدرسة الجعفرية. وقد وضع الملك فيصل الأول حجر الأساس لمبنى المدرسة الجديد في العاقولية وحضر الشاعر معروف الرصافي وكبار الشخصيات في ذلك العهد والقى الشاعر الرصافي قصيدة مطلعها:
أبنوا المدارس واستقصوا بها الأملا
حتى نطاول في بنيـــانها زحلا
وكنا نحن في ذلك الوقت طلابا حضرنا الاحتفال بملابس الكشافة.. ذات البنطلونات القصيرة, فعيب علينا هذا الملبس وكذلك موضة (التواليت) في حلاقة الرأس.. واعتبرنا من مرتدي بنطلون (الصوجري) نسبة إلى كلمة Soldier الانكليزية التي تعني (جندي). لم تكن بغداد واسعة بهذا الشكل الحالي فمن جهة الشمال كانت تنتهي بمنطقة الكرنتينة ومن الجنوب كانت تنتهي بمحلة السنك والباب الشرقي وهناك بعض البيوتات على طريق الكرادة. ومن الشرق خان لاوند, الفضل عيفان والقراغول ومن المغرب التكارتة والمشاهدة والجعيفر.
وكانت منطقة باب المعظم موقفا للحمير التي تستخدم للنقل. وكنا دائما نشاهد المرحوم الشاعر الزهاوي ممتطيا حماراً أبيض ويتجول في بغداد. أن أهم مميزات المحلة البغدادية هو التقارب بين أهلها والتعاون والتكافل الاجتماعي في الأفراح والأحزان, فجمع أبناء المجلة يهبون لمساعدة أبن محلتهم المحتاج بطريقة كريمة لا تشعره بأنهم يتصدقون عليه. لذلك لا يعطى المحتاج النقد مباشرة وإنما يعطى له مدفونا في داخل كمية من الحنطة.
ورغم وجود الأسواق البقالية في بغداد القديمة كسوق الفضل وسوق الصدرية وباب الشيخ والشواكة وسوق حمادة.. ألا أن هناك باعة متجولين للمخضرات بحيث لا تضطر ربة البيت الذهاب إلى السوق ألا في المسائل الضرورية. وهذا بالإضافة إلى ما تجنيه معظم البيوت البغدادية من الدجاج والأبقار التي كانت تسد حاجتهم من منتجاتها. وكان أهالي بغداد يعتمدون في سد حاجاتهم الاستهلاكية من المخضرات والفواكه على البساتين القريبة التي تحيط بالمدينة.

من النجارة إلى الصحافة:
بعد الابتدائية دخلت مدرسة الصنائع – قسم التجارة وكنت حينها أكتب إلى بعض الجرائد, وتخرجت منها كنجار, بعدها مباشرة دخلت مدرسة المعلمين الريفية في الرستمية وتخرجت منها عام 1939. بعد تخرجي عملت معلما في منطقة كويرش في بابل وفيها كنت أكتب المقالات. والواقع أني بدأت بكتابة المسائل الفكهة تأثرا بالكرخي ونوري ثابت صاحب جريدة حبزبوز.
عملت في جريدة (الناقد) وكان صاحبها ميخائيل تيسي الذي سبق أن حصل على امتياز لجريدته السابقة (كناس الشوارع). كان ميخائيل فكها ولكن ليس على مستوى شعبي بسيط وإنما على مستوى المثقفين والمتعلمين في ذلك الوقت.

النكتة للنكتة..
لم أكن اكتب المسائل من اجل النقد في البداية وإنما كانت من اجل أضحاك الناس فقط.. ولم أكن أدرك ما تتركه النكتة من أثر لدى المواطن. ألا أنني اكتشفت أهميتها بعد انخراطي في مدرسة الصنائع واختلاطي بطلاب عرفت فيما بعد أنهم محترفي سياسة, حيث أطلعوني على أشياء كثيرة لم أكن أفهمها سابقاً. في عام 1936 بدأت بتطعيم الفكاهة بالمفاهيم السياسية من خلال كتاباتي في الصحف وبدأت أطلع على كتب غير تلك التي أقرأها سابقاً. وفي هذه الفترة كنت أكتب إلى الجريدة (الحارس) التي كان يصدرها السيد مكي جميل.
في عام 1940 تركت التعليم نهائيا لكي اعمل ف الصحافة. فعملت في جريدة (الكشكول) و (النديم) و (بالك) التي تعني أفسح المجال والتي استبدل أسمها فيما بعد بالعهد الجديد , وقد عملت على إصدارها فترة من الزمن.

ترك الصحافة خوفاً من السجن
في حركات 1941 عملت في جريدة النهار المسائية اليومية والتي كان يصدرها السيد عبد الله حسن. وقد بدأت الجريدة بإصدار ملحق أسبوعي حربي, إلا أن اعتقال صاحب الجريدة بعد انتهاء الحركة ولد في نفسي الذعر من السجن, فتركت الصحافة لأعمل في منطقة أبي غريب وبعد شهر واحد أرسل في طلبي السيد (جبران ملكون) صاحب جريدة(الأخبار) والذي كان لا يجيد القراءة والكتابة, فعملت في صحيفته حتى عام 1953.
نقد ذاتي
لم تكن الصحف بالمفهوم الحالي للصحافة, وإذا استثنينا من تلك الفترة بعضا الصحف كالأخبار والبلاد والزمان والشعب والحوادث واليقظة, فأن ما عداها, كان يعتبر كشكولا لا ينم ما يكتب فيها عن تفهم لمفهوم الصحافة أو الأعلام. ولو عرض علي موضوع للنشر من المواضيع التي كنت أكتبها (أنا) في الصحف لرفضته وسخرت من كتابه.

ملاحظية المطبوعات
كانت الامتيازات تصدر عن ملاحظية المطبوعات وهي دائرة صغيرة تابعة لوزارة الداخلية والتي أصبحت فيها بعد مديرية الدعاية, وكانت أغلب هذه الامتيازات تعطي نتيجة لعلاقات شخصية بين أصحاب تلك الصحف وموظفي هذه الدائرة لذلك ترى أن الصحف التي تصدر آنذاك كثيرة هدفها العمل والاعتياش كما كانت كثرتها وقلتها ترتبط بواقع الظروف السياسية التي يمر بها البلد.

قرندل.. وحبزبوز
في عام 1947 أصدرت مجلتي"قرندل"التي بقيت حتى ثورة 14 تموز 1958, وكنت أعمل في تلك الأثناء في جريدة الأخبار والنديم. ولم تكن مجلة"قرندل"هي المجلة الفكاهية الناقدة الوحيدة بل كانت إلى جانبها مجلة (الوادي).. كما أن مجلتي التي كنت أصدرها بـ (24) صفحة فتط لم تكن أول مجلة كاريكترية فكاهية فقد سبقني السيد نوري ثابت بجريدته (حبزبوز) , ألا أن الاختلاف بين قرندل وحبزبوز هو أن الأخيرة كانت تحمل صورة غلاف واحدة لا تتغير في كل الأعداد على عكس قرندل التي كانت تصدر بأشكال متغيرة في كل عدد.

قصة قرندل- وصرخة الموضة
الواقع أن أسم"قرندل"كان يعتبر من بين أخر صرخات موضة الأسماء في ذلك الوقت فقد ظهرت أسماء (أبو حمد وحبزبوز والحارس) فورد ببالي أسم قديم (قرندل) وقرندل هذا شخصية بغدادية فلكلورية ساذجة , يمكن أنه كان شخصا غبيا يجوب أزقة بغداد فتدعوه بعض رباب البيوت أحيانا ليساعدهن في طحن البرغل أو التمن ليستخدمنه في صنع الكبة وبعد أن يقوم قرندل بهذا الواجب يتعب وينام وعند نضج الطعام وحضور المائدة يطلب رب البيت أيقاظ قرندل لتناول الطعام فتجيبه ربة البيت بأنه نائم ومرتاح. وعلى هذا فقد شاع مثل ببغداد:"وكت دك الكبة تعال قرندل, و وكت الأكل خطية نايم". وأذكر أن صديقي الشاعر علي الخطيب قد نظم بيتين من الشعر بحق قرندل:
إذا كان الغذاء وجدتني
أنوء به دقا وما منه آكل
فأن كان دق قيل أين قرندل
وأن كان أكل نام قرندل
كان سعر مجلة"قرندل"30 فلسا ثم أرتفع إلى 50 فلسا وقد كانت أو مجلة عراقية يطبع غلافها بلونين. ومن الأقلام الصحفية التي عملت في المجلة آنذاك: حافظ القباني، سعاد الهرمزي , خالد قادر ,عبد المجيد لطفي , جعفر الخليلي , عبد الرزاق الهلالي وعلي حيدر. وكانت مجلة مفتوحة.

الفن أيام زمان
لم يكن الفن من أجل الحياة ولا من اجل الفن وإنما كان وسيلة للتجارة والعيش ما عدا بعض الفنانين الذين تحملوا الكثير من العقبات من أجل الهدف السامي للفن منهم: الأستاذ حقي الشبلي وعبد الله العزاوي ومحمود شوكت.. ومن الفنانات المشهورات في ذلك الوقت كل الملاهي والسينمات تتمركز في منطقة الميدان واذكر أن السيدة أم كلثوم عند قدومها إلى العراق عام 1932 أحيت حفلتها الغنائية في فندق الهلال بمناسبة زواج (الوصي على عرش المملكة!!) في ذلك الوقت وقد ألقى الشاعر الزهاوي قصيدة ترحيب لأم كلثوم , كما وصف السيد نوري ثابت على صفحات (حبزبوز) المعاناة التي رافقت حفل استقبال السيدة , وكيف كانت تتعصب بوشاح قهوائي وترتدي معطفا قهوائيا وحذاءً قهوائيا أيضا ووصفها بأنها (كالقهوة الشكرلي). جاءت بعدها فرقة الطليعة المصرية وقدمت مسرحيتها على قاعة الشعب الحالية. كما قدم إلى العراق في تلك الفترة أيضا الأستاذ محمد عبد الوهاب وغنى على مسرح معرض بغداد الصناعي الزراعي الذي يقع في المكان التي تقع فيه مصلحة إسالة الماء الحالية. وأذكر أيضا بأن الأستاذ يوسف وهبي والسيدة فاطمة رشدي حضرا إلى العراق مع فرقتهما وقدموا عروضهم. كانت الفرق المسرحية البغدادية فقيرة جدا وأكثرها شكلت نتيجة هواية تجمع أصحابها , ولقلة وجود المسارح نجد أن أعضاء هذه الفرق غالبا ما ينتظرون قدوم شهر محرم الحرام حيث تغلق الملاهي فتبدأ الفرق المسرحية استخدام مسارحها.

عادات وطرائف بغدادية
كان أهالي بغداد أناسا بسطاء يغلب عليهم طابع الجهل والفقر وكان ذلك نتيجة لبساطة الحياة التي يحبونها وعدم تعقدها وأغنياء بغداد يعدون بالأصابع ولهم مراكز مرموقة وذلك لاستحواذهم على الوظائف الرفيعة في البلد. وعلى ذلك فقد أعتاد أولئك البسطاء على عادات وتقاليد قيمة كان من أهمها التعاون والتآلف والتكامل الاجتماعي.
فكانت حفلات الأعراس مثلا لها أصولها , يحاول البغداديون اضفاء طابع الأبهة والفخامة عليها فترى نخبة من الرجال يركبون الخيول ويحملون السيوف ويسيرون أمام العريس وكانت تعرف مثل هذه الزفة بـ(زفة أم سلاح) , وكذلك حفلات الختان حيث كانت تجري للصبيان المختونين ما يشبه الزفة يطوفون بهم الشوارع العامة تتقدمهم الموسيقى وزغاريد النساء وهذا أيضا يصح على حفلات (الختمة).

الكسلة والجمبر سولي
وهي عادات ابتكرتها النساء في محاولة للخروج من بيوتهن بالمناسبات ومن بينها كسلات (الجمبر سولي) وهي كسلات تتبع مباشرة عيد رأس السنة الهجرية أو ما كان يعرف (بدورة السنة) حيث يجمع الناس كل الفضلات وبقايا الطعام ومخلفات ليلة عيد رأس السنة الهجرية ويذهبون في اليوم التالي بها ويرمونها في نهر دجلة باعتبار هذه المخلفة تمثل شر السنة الفائقة , بعدها ينطلقون إلى أحدى مراكز التنزه. وهناك أيضا كسلات العيد الصغير والكبير والمولد النبوي وكانت أهم مراكزه هذه الكسلات , بساتين العيواضية , وبستان الخس , ورابعة العدوية عن طريق الاعظمية أو كرادة مريم وكذلك ما كان يعرف (بكرادة السيد أدريس).

ظواهر سلبية
ومن الظواهر السلبية التي كانت سائدة آنذاك هي ظاهرة وجود بعض المشعوذين الذين يتعاطون علاج الناس بواسطة وسائلهم النفسية... حيث كان هؤلاء يستغلون افتقار البلد إلى الأطباء, فيثرون على حساب بسطاء الناس. وكانوا بدرجة من الذكاء بحيث يستطيعون تشخيص الحالات المرضية التي لا يمكنهم معالجتها فيشيرون على أصحابها بمراجعة المستشفى.

شقاوات المحلة البغدادية
ونعني بالشقي هو الشخص الخارج على القانون وكان اغلب من وصفوا بالشقاوات هم (سراق) , وكانت هذه الظاهرة طبيعية جدا في وقت كانت فيه السلطة ضعيفة , وكذلك دور القانون في فرض النظام.. فترى أهل المحلة يتحيزون أحيانا لشقاواتهم باعتبارهم يقفون بوجه الحكومة وخاصة في أيام الاحتلال الانكليزي والحكومات الصورية التي جاءت في ذلك الوقت. وكم كانت تحصل الصراعات بين هؤلاء الشقاوات على مناطق النفوذ والتي هي الملاهي والمحلات العامة. وكم من المآسي ارتكبت تحت مفهوم الشجاعة الخاطئ (الشقاوة).

رمضان والناس
لقد كانت لرمضان عند أهل بغداد قدسية وحرمة خاصة فترى معظم الناس يؤدون فرض الصيام وأغلب العوائل كانت تدفع أبنائها عليه , وكانت بعض الدكاكين تتحول إلى محلات لبيع (الزلابيا والبقلاوة وشعر البنات) وأذكر انه قبيل الإفطار كانت والدتي تطلب مني أن أسال عن الوقت فأضطر للوقوف في باب درانا أسأل كل من يمر , وقد لا يمر من يحمل في يده ساعة بعد ذلك كنا نذهب أنا وبعض الصبية من أبناء الطرف وكل منا يحمل بيده (لفة) من الطعام الناشف لنقف في باب الجامع , نترقب مدفع الإفطار وصوت المؤذن فنبدأ بألتهام طعامنا , ونعود راكضين في الأزقة ندعو الناس للإفطار. وكم كان للطوب (مدفع الإفطار) وقع حسن في نفوسنا. حيث تتجمع العائلة حول مائدة الإفطار الذي يندر تعدد أصنافه في غير هذه المناسبات. أما المآسي رمضان فكانت جميلة وساحرة فتجد الكبار يقومون بلعبة (المحيبس) أو (الصينية) وكبار السن يذهبون إلى الجوامع لحضور المجالس الدينية أو لسماع القصص من كتاب يقرأه عليهم شخص يجيد القراءة.
أما المحلات العامة فكانت كلها تغلق أثناء النهار ولا تجد من يفطر علنا وذلك أحتراما ذاتيا لمكانه شهر رمضان. أما أنا فكنت أقرأ على بعض أهل الطرف قصص عنتر بن شداد والزير سالم والمياسة والمقداد وشعر عبود الكرخي.

الظواهر الطبيعية
لا يفوتني ان اذكر بما للظواهر الطبيعية كالفيضان والهزة الأرضية والكسوف والخسوف من فال غير حسن عند البغداديين. وكانت تعتبر من قبيل (غضب الله) على الناس وخاصة بعد ظهور المخترعات الحديثة التي كانت تدخل تشغيلها المكائن كالسيارات والطائرات والراديو. وكذلك دخول بعض مظاهر الحياة الاجتماعية العصرية.
وكان الناس يستقبلون هذه الظواهر بالقرع على الطبول والأواني النحاسية , ويقرأون القرآن ويؤذنون في المساجد وتقرع أجراس الكنائس ويرفع الناس أيديهم للدعاء إلى الله بإنقاذهم من الشر.

بغداد اليوم
ليست هناك نسبة ما كانت عليه بغداد في أيام صبانا وبين ما هي عليه اليوم.. فبغداد اتسعت أتساعا غير طبيعيا وهذا يلقى على أمانة العاصمة والمؤسسات الخدمية الأخرى واجبات ضخمة.. فبغداد لم تكن تلك المدينة الصغيرة القليلة السكان الذين كانوا يحرصون عليها وهي كمركز للقطر فأنظار الناس دائما تتجه أليها وخاصة أولئك الذين ضاقت بهم سبل العيش في مدنهم القديمة في شتى العهود ولشتى الأسباب , فنتيجة للهجرة غير المنظمة من الريف إلى المدينة تضخمت العاصمة. والذين هاجروا أليها واجهوا واقع المدينة وهو غير الواقع السائد في مدنهم لذلك فان المواطن المهاجر يحتاج إلى شيء من الوقت لكي يتكيف وفق الحياة البغدادية وتطورها الحاصل. مع الواقع الجديد له. ولو آمنا بأن الرجال من المهاجرين سريعو التكيف لحياة المدينة بسبب اختلاطهم المستمر مع الناس في العمل والشوارع , لكن المرأة التي جاءت من الريف, تحتاج إلى وقت قد يطول لكي تتكيف مع واقعها الجديد لأنها غالبا ما تكون جليسة البيوت وليس لها احتكاك مباشر مع الحياة في المدينة, وهذا أيضا ما يجعل من الصعب استيعابها للواقع الجديد , وأسلوب التكييف له.

المواطن الملاك
أن أمانة العاصمة غير مقصرة بحق العاصمة , وانها تبذل جهودا كبيرة , ولو تقمص كل منتسبي الأمانة صفة الملاك فلا يمكن الوصول إلى ما نربوا أليه , ما لم يحصل تعاون بيننا كمواطنين وبين أجهزة الأمانة , أن أمانة العاصمة جهاز من اجهزة الدولة يعمل بصور اعتيادية ومستمرة ولكن يبقى علينا نحن أن نؤازرها لنحافظ على ما تقدمه لنا.
أحيانا تأخذني الدهشة من بعض المظاهر فقد سبق لأمانة العاصمة أن وضعت (أسس) في الشوارع لتزينها , وسمعت فيما بعد أنها فقدت أو حطمت.. ولكن الشيء الذي نحن متأكدون منه هو أن الأعوام القادمة ستمنحنا المواطن الذي نريده والذي يشعر بقيمة ما تبذله الثورة له من جهود ومكاسب وخدمات. وفعلا فأن التطور وأتساع الوعي لدى المواطنين واضح في التحسس والارتباط العميق مع المدينة. من الضروري أن يشعر المواطن بأن المدينة ملك له.

خطأ في بناء المدينة
يبدو أن بناء بغداد خطأ , لقد كان المفروض أن تمد شبكات المجاري وتخطيط الشوارع قبل البدا بعملية أقامة مدينة.. ونجد أن الخطأ يتكرر اليوم فأن أغلب المناطق السكنية الجديدة التي أنشئت في ضواحي بغداد لم تمد فيها شبكات المجاري أو الخدمات الأخرى بطريقة عصرية.
طالبت بتحويل مكان معسكر الوشاش إلى الحديقة:
لقد كنت في مقدمة الناس الذين طالبوا بتحويل معسكر الوشاش إلى متنزه يكون رئة بغداد بدلا أن تكون منطقة سكنية تضيف إلى متاعب المدينة متاعب خدمية جديد , لقد رافقت الزوراء منذ بدايته وحتى الآن ولقد أحببته لأنه جميل.
مجلة امانة العاصمة 1978