النساء والكلاب في حياة نجيب الريحاني!

النساء والكلاب في حياة نجيب الريحاني!

خطاب غرامي بحجم تذكرة الترام!
... في حياة نجيب الريحاني نساء كثيرات.. ولكنه لم يحب بحرقة، ولم يلتهب قلبه إلا ست مرات فقط.. ولم يبك في حياته إلا مرة واحدة.. عندما خفق قلبه لأول مرة!
في سنة 1911 كان نجيب الريحاني موظفا صغيرا في البنك الزراعي.. وكان لا يزال هاويا يتسكع على أبواب المسارح مع زميله – في البنك والهواية – عزيز عبد، وانضم الاثنان إلى فرقة إسكندر فرح

التي كانت تعمل على مسرح"التياترو المصري"– محل سينما أوليمبيا الآن – وبعد إلحاح سمح لهما مدير الفرقة بالجلوس في البروفات لمشاهدة التمثيل.. وكانت بطلة الفرقة قد تأخرت في الحضور.. وعندما ظهرت نهض كل من في المسرح من ممثلين وممثلات.. وقفوا جميعا يستقبلون الممثلة الأولى.. وتقدم مدير الفرقة ليقبّل يدها.. والتفتت البطلة من بعيد، فوجدت شابا غريبا لا يزال جالسا يضع رجلاً على رجل.

وأجالت الممثلة الجميلة نظراتها في المكان، فلم تجد مقعدا واحدا خاليا، فسارت إلى حيث يجلس هذا الشاب الذي لم يكترث بها ووقفت بجواره.. فاتجهت إليه جميع الأنظار.. فارتبك الشاب ثم وقف وانحنى لها وتناول يدها وقبلها كما فعل مدير الفرقة.. وكانت هذه جرأة لم تتعودها الممثلة الأولى من صغار الممثلين!.. ثم تخلى لها نجيب الريحاني عن مقعده، فشكرته وجلست مكانه!.. وبعد قليل قدم لها علبة سجائره.. وفي اليوم الثاني بحثت عنه في البروفة فلم تجده.. وفي ثالث بروفة كانت تجلس بعيدة عنه، وطلبت منه ان يشعل لها سيجارة، فقدم إليها علبة الكبريت.. ودهشت الفتاة عندما فتحت علبة الكبريت، فوجدت بداخلها خطابا غراميا بحجم تذكرة الترام، وقد كتب فيه نجيب الريحاني هذه العبارة القصيرة:
- هل تشعرين بما أشعر؟
فردت عليه بابتسامة.. ثم بعد ذلك تطورت العلاقة بينهما إلى حب عنيف.. وعرض عليها الزواج فرفضت دون ان تبدي له الأسباب.. والحقيقة ان حالة نجيب الريحاني المالية، لم تكن تساعده على الزواج من ممثلة عادية، فما بالك بالبطلة التي تتقاضى مرتبها بالجنيهات الذهبية؟!
وكتب نجيب الريحاني – وهو ممثل صغير – مقالا في احدى المجلات قال فيه: إنها تبادله حباً بحب.. فغضبت عليه الممثلة الأولى، لأن مركزه الصغير لم يكن يتناسب مع مركزها.. وبدأت تحتقره.. فبادلها نجيب الريحاني احتقارا باحتقار!
تنقذه من السجن!
كانت هذه الفتاة أجمل ممثلة في مصر.. وكان المعجبون – في ذلك الوقت – يغرقون عتبة بابها بالهدايا الثمينة المختلفة، ومنهم المجنون الذي يتخلى عن بعض ممتلكاته في سبيل ابتسامة أو نظرة!
ولم يكن نجيب الريحاني يمتلك سوى خفة ظله.. وفي أحد الأيام جاءها نبأ بأن نجيب الريحاني وعزيز عبد وممثلا اسمه علي يوسف، كانوا يدخنون الحشيش، فضبطهم قسم الأزبكية وكانت البطلة قد بدأت تحب الرجل الذي احتقرها.. فاتصلت فورا بأحد أصدقائها من رؤساء النيابة.. فأفرج عنهم في الحال!
تأمر بفصله من الفرقة!
إن قصة غرام نجيب الريحاني وصالحة قاصين، بدأت في سنة 1911.. وانتهت في سنة 1912.. عندما رأته ذات مرة، يسير أمام التياترو متأبطاً ذراع فتاة فرنسية فارعة الطول.. فكانت هذه أكبر إهانة لحقت بالممثلة الأولى.. فأمرت بفصله من الفرقة!
قصة لوسي دي فرناي!
كانت هذه الفتاة – الفرنسية واسمها – لوسي دي فرناي – هي أجمل وأخلص فتاة عرفها نجيب الريحاني.. تعرف إليها وهو في أشد أيام بؤسه.. ولم تدم العلاقة بينهما سوى ثلاث سنوات فقط.. فهجرها في سنة 1916 بعد ان وقع في حب فتاة أخرى اسمها – دينالسكا – كانت تمثل أمامه أدوار البطولة في مسرحياته الفرانكو أراب!.. ولم تستطع – لوسي دي فرناي – ان تحتمل اكثر من هذا، فسافرت إلى فرنسا، ثم رحلت إلى البرازيل، وتزوجت من قنصل فرنسا هناك.. وعلى الرغم من كل هذا فقد ظلت وفية مخلصة له تراسله حتى مات وتراسل صديقه بديع خيري إلى اليوم!
الزبون الوحيد في البار!
أما دينالسكا – فهي من أب فرنسي وأم مغربية، وكانت عند ظهورها على المسرح تقابل بعاصفة من التصفيق.. وعندما ينزل الستار ويرفع مرة أخرى، تنهال عليها الهدايا من أنحاء الصالة، حتى أن أحد المتفرجين من أثرياء الصعيد ألقى تحت قدميها بعقد من الماس قدر ثمنه بألفي جنيه!..
وأمام هذا الإغراء، فتر الحب بينها وبين نجيب الريحاني.. وفي احدى الليالي هربت من المسرح مع صديق نجيب الريحاني ،وكانت"دينالسكا"قد جمعت ثروة طائلة.. وأنفقتها كلها في سنوات قليلة.. وفي أخريات أيامها افتتحت بارا صغيراً.. وكان نجيب الريحاني هو الزبون الوحيد الذي يجلس في هذا البار!
الكفاح في سبيل الحب.. والتمثيل!
إن نجيب الريحاني بدأ حياته فاشلا في الحب وفي التمثيل وفي كل شيء.. ولكنه لم يفقد ثقته بنفسه كعاشق.. وثقته بنفسه كفنان.. ولهذا ظل يكافح ويناضل في سبيل الحب والتمثيل تسع سنوات، أحب فيها ثلاث نساء.. وفي مرتين منهما كان يسطو عليه أحد زملائه فيختطف المرأة التي يختارها نجيب الريحاني لتكون شريكة حياته.. ولكن الظروف كانت تجيء دائما في خدمة نجيب الريحاني... وقبل ان يقيد مصيره بمصيرها، تنكشف له الحقيقة.. فيقابلها بابتسامة ساخرة!
زالاتا.. النمساوية!
وفي سنة 1919 سافر بفرقته إلى رأس البر.. وهناك مثل نجيب الريحاني – على مسرح الحياة – نفس الدور الذي كان يمثله معه صديقه فاختطف قلب فتاة نمساوية اسمها - زالاتا – من صديقها وهو مليونير اجنبي يقيم في المنصورة.. ولكن هذا الحب لم يدم اكثر من ثلاث سنوات أخرى.. حتى اسدل عليه الستار في سنة 1921.. عندما سافر نجيب الريحاني وفرقته في رحلة إلى بيروت، وهناك أعطى مفتاح قلبه للفتاة التي جاء بها إلى مصر وأحدث وجودها ضجة.. بديعة مصابتي!!
نهاية قصة غرام..
إن بديعة مصابتي هي خامس امرأة في حياة نجيب الريحاني وقصة غرامه بها التي بدأت في سنة 1921 وانتهت في سنة 1924 معروفة.. فقد ظلا منفصلين أكثر من 20 سنة، وعاش نجيب طول هذه الفترة حرا طليقا.. إلى ان التقى بالسيدة التي أخلصت له حتى لفظ أنفاسه الأخيرة بين يديها.. فسافرت بعد وفاته إلى أستراليا لتقيم مع ابنتها المتزوجة هناك.. وهذه السيدة هي نفسها التي كان نجيب الريحاني قد قرر أن يتزوجها بعد ان يعتنقا معا – الدين الإسلامي – ويقيما في الفيللا التي بناها ولم تتحقق أمنيته بالسكن فيها..
بيدو..
قلت ان في حياة نجيب الريحاني ست نساء.. وفي حياته أيضا ثلاثة كلاب.. ففي سنة 1916 أهدت إليه – لوسي دي فرناي – كلبا من اصل ألماني سماه"بيدو".. وعندما مات بيدو هذا، حزن عليه الريحاني حزنا عميقا، حتى انه أغلق في يوم وفاته أبواب المسرح ولم يستطع التمثيل!
ديك العضّاض!
وفي سنة 1923 سافر نجيب الريحاني وزوجته بديعة مصابتي في رحلة إلى البرازيل. وهناك أهداه احد أصدقائه كلبا اسمه"ديك"– وكان من النوع الذي يحرس الأبقار والغنم في أمريكا الجنوبية.. وكان هذا الكلب ضخما.. فاذا وقف على باب المسرح اعتدى على جميع الخيول والكلاب والحيوانات التي تمر من شارع عماد الدين!.. فسماه نجيب الريحاني.. ديك العضّاض.
قصة تيتا.. والكلب الأعمى!
وتأتي بعد ذلك قصة الكلبة"تيتا"وهي تقيم الآن في بيت يوسف الريحاني. وتيتا من أصل ألماني، أهدتها إليه إحدى جاراته بعمارة الايموبيليا.. وكانت تيتا تلازمه في البيت وفي المسرح وفي المقهى وفي كل مكان وقد بلغ بها الذكاء أنها كانت توقظه إذا قال لها أيقظيني مبكراً..! وكانت"تيتا"تتشاجر دائما مع كلب آخر تملكه سيدة تقيم في نفس الدور الذي يقيم فيه نجيب الريحاني في عمارة الايموبيليا.. وفي احد الأيام التقى نجيب بهذه السيدة على سلم العمارة.. ودهش نجيب الريحاني عندما رأى تيتا تنظر إلى هذا الكلب – الذي لم يكن يسلم منها – بعطف وحنو، جعلا السيدة تبكي.. فسألها عن سبب هذا البكاء فقالت:
- ان كلبي اصبح اعمى!.. أصيب منذ يومين فقط بالعمى!.. ان نجيب الريحاني بكى في حياته مرتين فقط.. المرة الأولى عندما غدرت به صالحة قاصين.. والمرة الثانية عندما رأى هذا الكلب الأعمى!!
جليل البنداري

آخر ساعة / حزيران-1951