في فكرة الثقافة..تيري إيغلتون:  الثقافة قد تكون مخيفة

في فكرة الثقافة..تيري إيغلتون: الثقافة قد تكون مخيفة

فاطمة شعبان
يهدي تيري ايغلتون كتابه فكرة الثقافة الصادر عن دار الحوار 2007 بترجمة ثائر ديب إلى إدوارد سعيد، ومن الإهداء يدرك القارئ أن ايغلتون ينحاز إلى الثقافة النقدية، والمثقف الناقد والمنشق والذي شكل صورته إدوارد سعيد بنتاجه الثقافي وبدوره كمثقف عابر للثقافات. يفتتح ايغلتون كتابه بما يُقال عن أن كلمة Culture الثقافة

هي واحدة من كلمتين أو ثلاث يكتنفها أشد الغموض في اللغة الإنكليزية. والكلمة التي تفوقها غموضاً، هي مقابلها أو ضدها Nature الطبيعة. وإذا كانت الطبيعة ثقافية على الدوام بمعنى ما، فإن الثقافات مبنية من ذلك التبادل الدائم مع الطبيعة الذي ندعوه العمل. وإذا كانت الثقافة في الأصل تعني رعاية النمو الطبيعي، فإنها تشير إذاً إلى كل من التنظيم والنمو العفوي معاً. فالثقافي هو ما يمكن أن نغيّره، وما يشتمل أيضاً على ضرب من التفاعل بين ما هو منظم وما هو غير ذلك، إن الثقافة مسألة اتباع للقواعد. وتشير فكرة الثقافة حسب ايغلتون إلى نوع من الرفض المزدوج للحتمية العضوية من جهة، ولاستقلال الروح من جهة ثانية. فهي ترفض كلاً من الطبيعة والمثالية، مُلحة إزاء الأولى على أن في الطبيعة ما يتخطاها وينقضها، وإزاء الثانية على أن للقوة البشرية وما تتسم به من عقل رفيع جذوراً وضيعة تمتد في بيولوجيتنا وبيئتنا الطبيعية.
وتحت عنوان حروب الثقافة يكتب ايغلتون، إن الصدام بين الثقافة والثقافة لم يعد معركة تعاريف وحسب، وإنما صراع عالمي. وهو مسألة سياسات فعلية، لا سياسات أكاديمية فقط. إنه جزء من صورة السياسة العالمية في الألفية الجديدة. وحروبنا الثقافية مثلثة الأطراف، فهي تجري بين الثقافة بوصفها كياسة، والثقافة بوصفها هوية، والثقافة بوصفها تجارية أو ما بعد حديثة. ويعتبر أنه كلما تعاظم تصدير الثقافة ما بعد الحديثة إلى العالم ما بعد الكولونيالي، أضرمت لهيب الخصوصية الثقافية هناك، في نوع من ردة الفعل.
يقول أيجلتون في الفصل الأخير من كتابه الذي يحمل عنوان نحو ثقافة مشتركة: ليست الثقافة ما نحيا به وحسب. فهي أيضاً ما نحيا لأجله... غير أن من الممكن للثقافة أيضاً أن تكون مخيفة ومرعبة. بل إن حميميتها ذاتها قد تغدو مرضاً ووسواساً ما لم توضع في سياق سياسي مستنير، سياق يمكن أن يلطف هذه الأشياء العاجلة والملحة بأشكال من الانتماء أشد تجريداً، غير أنها أيضاً أشد سخاء وسماحة.