ساحات بغداد القديمة..  ذكريات وحقائق

ساحات بغداد القديمة.. ذكريات وحقائق

عباس الزاملي
قامت الحكومات العراقية خلال مراحل التطور العمراني الواضح الذي شهدته بغداد بين عايم (1939-1958) بإنشاء الجسور وشق الشوارع وتوفير وسائط النقل الحديثة والمتنوعة الأمر الذي دعا إلى استحداث عدد كبير من ساحات الاستدارة الدائرية لتنظيم حركة مرور وسائط النقل في المدينة. بهدف ربط الشوارع بعضها ببعض وتخفيف الازدحام على بعض الجسور.

وقرر مجلس أمانة العاصمة في جلسته المنعقدة بتاريخ 18 تشرين الثاني 1940 تسمية عدد من الساحات وكان من أهمها:
1- الساحة التي ينتهي فيها شارع السعدون الواقعة قرب نادي العلوية بساحة الفردوس.
2- الساحة التي ينتهي فيها شارع خالد بن الوليد بساحة الفتح.
3- الساحة المطلة عليها بناية المركز العام لجمعية الطيران التي يبدأ منها شارع الملك غازي بساحة الطيران.
4- الساحة الشمالية في شارع الملك غازي بساحة الفضل.
5- الساحة الواقعة أمام مدرسة الحقوق بساحة الحقوق.
6- الساحة الواقعة أمام البلاط الملكي بساحة التاج، كذلك تطوير الساحات القائمة آنذاك مثل ساحة النهضة وساحة السعدون.
واهتمت أمانة العاصمة في الأربعينيات بتنظيم الساحات والحدائق العامة، وقامت بتشجيرها وغرسها بالزهور وتحويلها إلى أماكن ترفيهية مجانية يرتادها سكان بغداد، بعد أن وفرت مستلزمات الراحة فيها. فأصبحت بمثابة (الرئات التي يتنفس من خلالها المواطنون) لكونها أماكن هادئة بعيدة عن الضوضاء كما أنها أكسبت المدينة مظاهر جمالية. وكانت من هذه الحدائق حديقة الوصي عبد الإله عند مدخل شارع الكفاح مقابل سينما الفردوس وكانت مركز نزهة وترفيه جذبت الأهالي في بغداد إليها، إذ كان سكان بغداد بأمس الحاجة إليها للترفيه عن أنفسهم وذلك لان الإنسان ككائن اجتماعي تؤثر فيه نواحي الحياة المختلفة بعد بذل جهد عضلي وفكري فتظهر لديه حاجة ملحة إلى اللهو كما هو بحاجة إلى الأكل والشرب والملبس.وقامت أمانة العاصمة بتنويع وسائل التسلية واعتنت في تطويرها وأنشأت عدداً من الحدائق وإعادة تنظيم وتجميل. حديقة الملك غازي في الباب الشرقي (التي تم افتتاحها في نهاية الثلاثينيات)، ووضعت فيها مقاعد للجلوس عليها وزودتها بوسائل التسلية البريئة في بداية الأربعينيات، فاخذ السكان يتوافدون إليها للنزهة وهم يحملون مستلزمات سفرهم ونزهتهم ولاسيما الأطعمة وسماورات الشاي. وكانت مثار إعجابهم اذ تميزت بنافوراتها وأشجارها المزروعة على شكل مدرجات تشبه الجنائن المعلقة. فهي مزيج من الحديقة الجبلية والمائية والبسيطة مساحتها (50) ألف متر مربع وفيها أحواض رخامية وكانت أمانة العاصمة تزرعها سنوياً بمختلف الزهور الموسمية واستعملت في سياجها الخارجي أشجار الكالبتوس والحمضيات ثم أقامت فيها النافورات على شكل شذروان.
وسعت أمانة العاصمة إلى إقامة المتنزهات والحدائق في بغداد. بعد أن فقد البغداديون أجمل متنزهاتهم في جانب الكرخ اثر إنشاء جسر الملك فيصل ونقل الجسر الخشبي عام 1940، انتشر سكان الكرخ في متنزهات بغداد القليلة فقد اهتمت بإنشاء متنزه ياسين الهاشمي الذي عرف بمتنزه الهاشمي. بعد أن صدرت لائحة قانونية سمحت للأمانة بامتلاك عرصتين لإقامة المتنزه بمساحة (6) دونمات، فقامت الأمانة بتجفيف المستنقعات الموجودة في محلات (البوشبل والخالدية) وحولتها إلى متنزهاً وجعلته مباحاً بدون أجر.
وقامت أمانة العاصمة عام 1945 بتشجير بعض الساحات الرئيسة والمتنزهات ومنها حديقة النعمان والسفينة في الأعظمية وبعض الأماكن في شارع الرشيد وشارع الإمام الأعظم وساحة زبيدة وساحة السويدي (جسر الشهداء حالياً).
شجعت أمانة العاصمة أصحاب البساتين على العناية بها وتحويلها إلى مشاتل. فانتشرت المشاتل في بعض جهات المدينة في نهاية الأربعينيات، وقاموا بزراعة وبيع الشجيرات والأزهار. ولم تغفل أهمية تنظيم الحدائق والساحات والمتنزهات عند دراستها لتخطيطات المدينة قبل وضع التصاميم الأساسية لها، وعملت على إحاطة المدينة بالحزام الأخضر ومنعت في عام 1956 فرز الأراضي الزراعية التي تقع ضمن حدود ذلك الحزام التي تقل مساحتها عن (2500) متر مربع.
وفي عام 1957 ظهرت فكرة إنشاء حديقة للحيوانات في بغداد فاتخذت المنطقة المجاورة لسكك الحديد في منطقة العلاوي الحلة كنواة لحديقة الحيوانات، وضمت هذه الحديقة الصغيرة بعض أنواع الغزلان والطيور المتنوعة عراقية وغير عراقية وبعض أنواع (الضباع، والثعالب، والذئاب، والنمور) ومعظم الحيوانات جلبت على شكل هدايا من أشخاص كانوا يحتفظون بها في بيوتهم وحدائقهم وحصلوا عليها عن طريق الصيد أو الشراء.
يتضح لنا مما تقدم أن أمانة العاصمة قد قامت بجهد كبير في تنظيم المدينة وتطويرها وتنويع الخدمات العامة فيها بشكل يتلاءم مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها المجتمع البغدادي خلال الحقبة الدراسية، لكن جهودها المشار إليها لم تكن منتظمة وبالمستوى نفسه من التقدم بين حكومة وأخرى.