رواية اعترافات زوجة رجل مهم ..هل هي روايـة أحداث او رواية أفكار؟

رواية اعترافات زوجة رجل مهم ..هل هي روايـة أحداث او رواية أفكار؟

د. نجاح هادي كبة
رواية اعترافات زوجة رجل مهم، الرواية للقاص والروائي والأديب ناطق خلوصي، أنجزت الرواية بتذييل في النهاية بتأريخ أوائل تشرين الأول العام 2014م، وقد صدرت في بغداد عن دار ميزوبوتاميا توغّل الروائي فيها بأشواك العلاقة بين السياسة والجنس والدين، ورسم من طريقها لوحات فنية بأسلوب عرف فيه الروائي إثارة القارئ والحصول على دهشته فالجنس والسياسة والدين ثالوث يحرك حياة المجتمع والروائي

جعل الجنس بمساواة السياسة في التأثر والتأثير، لاسيما حين يأخذ السياسي برقع الدين ويتزيّا به ليكسب مآرب مادية، وظّف الروائي فن التداخل والاسترجاع فكان يسرد قصتين متداخلتين تلعب فيها الشخوص نفسها في كل قصة وتسرد إحدى القصتين بلسان امرأة تدعى شهد إذ تكتب مذكراتها التي تكون متضافرة مضموناً مع القصة الثانية لكن القارئ حين يصل رائياً الهدف بهذا الإسلوب المبدع يقطف ثمار قراءته لأنه يشعر أنه قرأ رواية واحدة تتألف من قصتين.

مزّق الروائي من طريق هذا الإسلوب الثوب التقليدي المتسلسل للسرد ذا البداية والنهاية، وبذلك يحدث الروائي في القارئ القلق ليركز في القراءة ويمسك بالفهم والتبصر بالرواية، فالروائي لا يستند إلى التداعي الحر بل كان يخطط لروايته كأنه يطفر موانع واحدة تلو الأخرى مدهشاً القارئ ومتمرساً لأنه يحيلك من عقدة إلى حل ومن حلّ الى عقدة بين الفنية والفنية ويأخذ بيدك وأنت تلاحقه للوصول إلى النهاية التي تأتي انسيابية ومتسقة مع أحداث الرواية من دون ضربة مفاجئة فيترك الروائي القارئ في زحمة التفكير بنهايات أخرى وكأن الروائي يريد ان يشارك القارئ في التفاعل والانفعال وليكسبه لصالحه.
انتقى الروائي أسماء شخوص روايته بدقة متناهية تقريباً فكانت أسماء شخوصه متسقة مع أدوارها في الرواية وكانت دالة لمدلول بمضمون يحركها داخل الرواية فالسياسي سلطان أبو صماخ فعلاً هو سلطان في الرواية وذو صماخ (أي برأس ذي حجم كبير فارغ)، إذ كان رئيساً لمجلس الأمناء في الإمبراطورية السياسية للرواية،أما فاخر فاسم دال على مسمّى لأن شخصيته ازدوجت بين السياسي الفاسد والسياسي المؤمن ليكشف الروائي القناع الديني الذي لبسه ولعق به وبذلك جعل اسم فاخر كأنه من أسماء الأضداد فقد حجَّ بيت الله الحرام ولكنه تسنم بأمر سلطان أبو صماخ رئاسة مجلس المستشارين في الرواية، أما زوجته شهد فيكفي أنها تحمل منه مولوداً قبل عقد قران الزواج وانها كانت مشروعاً للجنس مع مَنْ هبّ ودبّ، وأصبحت بحكم أنوثتها المغرية سكرتيرة لرئيس مجلس الأمناء سلطان أبو صماخ وبتشجيع من زوجها الحاج فاخر الذي أوحى الروائي انه على علم بعلاقتها مع سلطان أبو صماخ وانه شجّعها على وظيفتها كسكرتيرة لسلطان أبو صماخ ليحقق مآربه. أمّا كوثر اخت فاخر فقد استلطفت الجنس مع أخيها فاخر وهو الاسم الذي يثير إشكالية القارئ، فهل كثر في مجتمعنا هذا السلوك الجنسي المشين لتسمى (كوثر)؟ كانت العلاقة بين سلطان أبو صماخ وفاخر علاقة مادية خلافاً لدورهما كمعارضة فحينما تسنما السلطة صار فاخر ينتظر من سلطان بيتاً آخر لقاء زواجه من امرأة أخرى والأنكى إن هذه المرأة التي تدعى خديجة في الرواية مطلّقة غصباً من زوجها المعارض لسلطة سلطان أبو صماخ، وقد خلق الروائي شخصيات يسارية معارضة لسلوك سلطان أبو صماخ ورهطه منها نافع عبد الله أخو شهد زوجة فاخر التي وشت لأخيها بأخبار إلقاء القبض عليه بحكم مركزها كسكرتيرة لسلطان أبو صماخ، ولنأخذ مقتبسات من الرواية لنحكم على أن الرواية هي رواية أفكار لا أحداث، لاحظ هذا الحوار بين الثلاثي سلطان أبو صماخ وفاخر وزوجته شهد:ابتسمت فشعر تلك اللحظة أن هذه الابتسامة موجهة خصيصاً له. التفت إلى زوجها فجأة وقال وكأنه تذكر شيئاً:
- الم تقم بتحويل ملكية هذا البيت باسمك؟
- ليس بعد
شعرت بسؤاله يستفزها، قالت:
- كيف يسجّل هذا البيت باسمه وهو ليس ملكه أصلاً؟ له صاحب شرعي بالتأكيد.
قهقه عالياً
- أي صاحب شرعي أي بطيخ؟ كل ما تركه الذين سبقونا أصبح ملكاً لنا. لقد عملنا وناضلنا سنوات وآن لنا أن ننعم بما تبقى لنا من سنوات عمرنا.
عادت تقول وقد شابت صوتها نبرة انفعال:
- والدولة والقانون
قهقه عالياً من جديد
أي دولة واي قانون؟ نحن الدولة ونحن الذي نضع القانون الآن /ص33 ثم يصعد الروائي حدة صوته من طريق العلاقة الغرامية التي ابتدأت بين سلطان أبو صماخ وشهد زوجة فاخر:
اتجه إلى حيث سترته التي كان قد خلعها ووضعها على الأريكة في غرفة الاستقبال فنهضت هي وزوجها ليتبينا جلية الأمر، وجدته يخرج علبة صغيرة من جيب سترته الداخلي، قال وقد ركن بصره باتجاهها:
- هذه هديتك اشتريتها من هناك خصيصاً لك.
اقترب منها واقتربت منه وهتفت مبهورة.
- يا إلهى خاتم ألماس؟
- دعيني أضعه في أصبعك بنفسي.
نظرت إلى زوجها فهز رأسه مشجعاً فمدت يدها نحوه. مسك بنصر يدها اليمنى وصار يتلمسه، ثم يدلكه برقة فشعرت بقشعريرة تهزّ جسدها وتمنت لو أنها، وقد رأته يدس بنصرها في الخاتم، تقبّله من خديه عرفاناً بالامتنان لكنها اكتفت بأن قالت:
- لماذا كلفت نفسك؟ ص: 35.
هذه العلاقة الغرامية بين شهد وسلطان أبو صماخ تطورت طبولوجياً لتأخذ مسارات اكثر وقاحة:
صار في يقينها انهما يسهران في هذه الغرفة وهي مناسبة، غرفة واسعة بسريري نوم فرديين وخزانة ثياب، قالت لكي تتأكد:
- يبدو أنكما ستسهران هنا!
هزّ زوجها رأسه موافقاً، عادت تقول:
- سأجلب بعض الكراسي...
قاطعها سلطان أبو صماخ:
لا... لا
نجلس على الزولية لنأخذ راحتنا أكثر.
فوجدت أن عليها أن تأتي لهما بكميات الثلج والأقداح الفارغة ثم تذهب إلى المطبخ لتعد المزة وهو عمل اعتادت عليه /ص38-39.
دقت الساعة الجدارية الحادية عشرة وقد خفتت القهقهات فبدا لها ان السكر اخذ منهما مآخذ. نهضت وأطلّت برأسها فرأت زوجها قد اغمض عينيه وصار ينوس برأسه قبل أن يسقط على صدره في حين كان سلطان أبو صماخ ينظر بعيني صقر وهو في كامل وعيه وكأنه لم يشرب كثيراً حين التقى بصراهما أومأ لها أن تدخل ففعلت من دون أن تدري ما الذي يريده منها؟ أشار عليها أن تساعده في وضع زوجها على السرير ووقفت حائرة لا تدري ما تقول: فكرت: أليس من الأفضل أن يأخذاه إلى غرفة نومه ليبيت فيها كما يحدث كل ليلة؟ ولم تجرؤ على أن تفصح عن هذه الرغبة، فقد شعرت بسلطان أبو صماخ يمسك بقبضة يده معصمها ويسحبها إلى خارج الغرفة وقد استبد بها قلق ما لبث أن تحول إلى خوف لم يصعب عليها أن تدرك ما يبغي.... رأته يسحب إليه ظلفة الباب ويدير المفتاح في ثقب القفل ويتجه نحو السلم.. الآن همست بعد أن تيقنت من غايته/ ص:39.
حين صارا في غرفة النوم قالت وقد تحررت من قلقها بعض الشيء:
- اعتاد على ان يوقظني لأداء صلاة الفجر ولا استطيع أن أؤديها وانا في حالة جنابة وأخشى أن يساوره الشك لو أنني أردت الاغتسال... لكنها هبت على عجل بعد أن ساورها شعور بالقلق من أن يستيقظ زوجها على حين غرة ويكتشف ما حدث / ص:40.
إنّ الرواية نسيج لمجموعة أفكار لا أحداث على خارطة الواقع وانها أشبه ما تكون بلوحات السرياليين الذين يرون الواقع مقلوباً ويمشي على رأسه بدلاً من رجليه فكم عدداً من أمثال فاخر وزوجته شهد وسلطان أبو صماخ من ساسة يسوسون الأمور بغير عقل بل بفساد فظيع، صحيح أن الروائي لا يصور الواقع لكن يصّور ما سيؤول إليه هذا الواقع لينبه على الخطأ لكن الروائي ناطق خلوصي صوّر ما فوق الواقع بدرجة غليان قصوى.
وإن الرواية باستنادها إلى أسلوب العقدة والحل في المتن يحرم القارئ من متعة التداعي الحر والوصف وان كان الروائي مدهشاً القارئ بهذا الأسلوب.