مقاربة الحدث اليومي .. الدلالة والأثر

مقاربة الحدث اليومي .. الدلالة والأثر

اسم الكتاب: اليوم الثالث
المؤلف: مصطفى صالح كريم
عرض: بشار عليوي
خلال الأعوام الماضية ظهرت الكثير من النتاجات الكتابية ذات المنحى التأريخي بمعالجاتها المُختلفة للأحداث اليومية الحُبلى بالكثير من التجارب الجمعية التي مثلت ما آلَ إليهِ الراهن العراقي خلال تلك المرحلة ,

وإفرازات هذا الواقع المُشفع بالكثير من التبدلات الآنية اليومية . لكن بقيت هذهِ النتاجات بعيدة عن المعيارية الموضوعية في تناولها للواقع , وظلْت أسيرة تصورات ذاتية تُمثل وجهات نظر مُنتجيها . فعملية تدوين التأريخ وبتفاصيلهِ اليومية مع تحليلٍ دقيق لأبرز أحداثهِ , يجب أن تتوافر على عِدة مقومات في النص ومُنْتِجهِ هي ( الموضوعية / الدراية / الخبرة / الحكمة / الأسلوب الجيد ) , كي يكون النص المُنتج ذا مصداقية عالية عند مُتلقيهِ . ونظراً لخطورة وحساسية الفترة التي تلت عام 2003 , وجَبَ على من يتصدى لتدوين أحداث تلك الفترة أن يكون قريباً من الحدث , جريئاً في طروحاتهِ , حيادياً في نظرتهِ للأحداث وألا يُجير نتاجهِ لآيديولوجيتهِ بحيث تكون ناطقاً بإسمها . أسوقُ هذهِ المُقدمة وأنا أتصفح نِتاج القاص والإعلامي الكُردي " مُصطفى صالح كريم " المتمثل بكتابهِ 1 (اليوم الثالث) في 531 صفحة من الحجم الكبير. وهذا الكتاب قد جمع بين دفتيهِ, نتاجهُ المُتمثل بأكثر من (170) مقالا إسبوعيا هو جميع ما كتبهُ في زاويتهِ الأسبوعية بجريدة الإتحاد " اليوم الثالث " للفترة من 1/1/2005 وحتى 1/8/2009 . وهذهِ الفترة , مُعبأة بالكامل بمُختلف التبدلات التي إنطوت عليها أحداث العراق السياسية والإجتماعية و الإقتصادية المُتسارعة وما رافقها من تغييرات جذرية في بُنية المُجتمع على كافة الأصعدة , فكانت زاوية " اليوم الثالث " مرآة حقيقة لهذا الواقع الصعب في الزمن الصعب , من خلال نتاج الكاتب " مصطفى صالح كريم " , الذي كتب يقول عن دافعية إنجازهِ لهذا الكتاب ( خلال زياراتهم الى مكتب الجريدة في السليمانية أو في لقاءاتنا المُتعددة معهم , طلب مني العديد من الأخوة الكُتاب والصحفيين وحتى السياسيين , أن أجمع ما كتبتهُ في هذهِ الزاوية وأطبعها لتكونَ في متناول أيدي القُراء من جهة , ومن جهة أُخرى لا تكون عُرضةً للتلف والضياع ) 2 . أما الكاتب " كاظم حبيب " فقد وجدَ أن مُصطفى صالح كريم يُسجل من خلال نِتاجه هذا , أحداث العراق وسجالاتهِ الفكرية والسياسية من موقع المسؤولية المُتميزة . وهي تتميز بخصائص مُهمة ( حسب رأي الكاتب كاظم حبيب ) , أبرزها قناعتهِ التامة بالمبادئ التي آمنَ بها مُنذّ أن كانَ شاباً يافعاً ومُناضلاً صلباً ولايزالُ كذلك مع إحتفاظهِ بحيوية الدفاع عن تلك المبادئ , مبادئ الحُرية والديموقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات وخاصة حقوق شعبهِ الكُردي القومية والعلاقة الأخوية بين الشعوب المُتآخية في العراق . كما إنهُ يمتلك إسلوباً أدبياً رفيعاً في السِجال الفكري والسياسي والإبتعاد عن التجريح وإلتزام الموضوعية في الدفاع عن قضية الشعب الكُردي وما يقتنع بصوابهِ , علاوة على المعرفة والخبرة الطويلة والثقافة الواسعة وغِنى العرض .
وبالعودة الى متن النتاج , نجدهُ قد توافرَ على عِدة محمولات أساسية ومُهمة إرتكن إليها قلم الكاتب عندما إتخذَ من عملية الكِتابة الصحفية , منحاً لهُ في مُعالجة الآني اليومي المُعاش وهي إتكائهِ على عُدة كِتابية مُلتحفة بمخيالٍ ثقافي وأدبي ذو إشتراطات رصينة بوصفهِ ( أي الكاتب ) مُنتجاً بالأصل للقصة القصيرة الحديثة . وهذا النسق الكتابي , مكنهُ من توظيف عُدتهِ تلك في مجال الكتابة الصحفية في عمودهِ الأسبوعي . كما في مقال (هكذا يعملون في الصحافة) 3 , و ( المرأة التي هزَ رحيلها ضمائر العالم المُتمدن) 4 .
إستطاع الكاتب أن يجتاز " محنة " العنونة " إن صح التعبير , بوصف العنونة هي المدخل الأساس لكُل نِتاج أدبي حيث تبدأ القراءة النقدية لهذا النِتاج من العنوان , حين وِفْقَ في إيجاد مُفتتح مُناسب مُتمثل بالعنوان لجميع نِتاجهِ وقد أسعفتهُ في ذلك , خبرتهِ الطويلة وتَمكنهُ الواضح من عُدتهِ الإسلوبية .
إتخذ الكاتب من أسلوب السجال الصحفي , صفة لبعض نتاجاتهِ حينما وجدَ في زاويتهِ الأسبوعية , مصهراً للرد على مُناهضي التجربة الحية لشعب كُردستان التي يعيشها في إقليمهِ الحُر , كما في مقال ( عن أي إنفصالية يتحدث " حتر " !؟ ) 5 , ومقالهِ ( كلمات جوفاء على الهواء ) 6 .
تَكْشَفَ الكاتب عن متنٍ كتابي مُعبأ بالكامل ببناءٍ سردي , إشتغل ضمن نطاق منطقة التشكُل الذاكراتية , حينما ضَمْنَّ عدد من مقالاتهِ ما طرحتهُ ذاكرة الكاتب المُكتنزة , كما في مقال ( شاهد آخر من شهود العصر ) 7 .
أماطَ الكاتب , اللثام عن أكثر القضايا حساسة سواء السياسية منها , بل وحتى الفنية كما في مقالهِ ( إصرار على ولائهِ لحبيبتهِ الجديدة ) 8 , ومقالهِ ( حينَ يفقد الفنان مصداقيتهُ ) 9 .
إن " مُصطفى صالح كريم " في نتاجهِ ( اليوم الثالث ) , إستطاع تدوين مرحلة مُهمة من حياة العراق , دون ضبابية في ذكر الحقيقة التي تخرج من مُنجز الكاتب بعد أن خضعت لإشتراطات الرؤية النقدية المُلاحِقة لها .
الكاتب في سطور //
قاص ومُترجم وصحفي .
مارسَ الصحافة كهواية ثُم إحترفها مطلع عام 1992 والى الآن .
نائب رئيس تحرير جريدة ( الإتحاد ) .
نائب نقيب صحفيي كُردستان .
شارك في العديد من المؤتمرات واللقاءات الكُردستانية والعراقية والعربية والدولية .
تولى سكرتارية إتحاد الأُدباء الكُرد لأربع دورات , ومن ثُمَ تولى رئاستهِ لدورة واحدة .
من نتاجاتهِ ( رنين السلاسل _ قصة طويلة / شُهداء قلعة دمدم _ مجموعة قصصية / مُتشحة بالسواد في العالم الرابع _ قصص / فن كِتابة القصة _ مقالات مُترجمة / الرداء الأبيض _ مرحية مُترجمة).
الإحالات //
1. ( اليوم الثالث ) , تأليف _ مُصطفى صالح كريم , مطبعة حمدي , السُليمانية 2009 .
2. المصدر أعلاهُ , ص6 .
3. المصدر السابق , ص 94 .
4. المصدر السابق , ص329 .
5. المصدر السابق , ص 320 .
6. المصدر السابق , ص 515 .
7. المصدر السابق , ص190 .
8. المصدر السابق ص98 .
9. المصدر السابق , ص226 .