بنية الكتابة..الخيوط المتعددة والشخصيات وثيمة الصراع في رواية (الأمريكان في بيتي)

بنية الكتابة..الخيوط المتعددة والشخصيات وثيمة الصراع في رواية (الأمريكان في بيتي)

علي لفته سعيد
تبدأ رواية (الأمريكان في بيتي) للروائي نزار عبد الستار من لحظة اصطدام فكري واجتماعي يكونان في لحظة تأويل ديني متغيرا آخر من العلاقة بين حالتين لا تبتعدان عن لحظة الحياة المركزية التي اريد لها ان لا تكون في مسار واحدٍ.. اللحظة تلك التي بدات بها بنية الكتابة في الرواية هي اللحظة التي اسماها القضاء باللحية.. ولأن استهلال الرواية بدأ بالمستوى القصدي

وهي من النوادر التي تبدأ فيها الروايات مثل هكذا استهلال التي تجنح في أغلبها الى البدء بمستوى إخباري أو تصويري.. الإستهلال كان لحظة رسم الخيوط الاولى لحركة الراوي بمعية الروائي لأنها اعتمدت على لغة المتكلم.. فيكون الاستهلال هنا قابلا للاشتعال ليعطي مفازات أخرى للتلقي من جهة وقدرة الروائي على غدارة الحدث من جهة أخرى..

(أعرف طالع يومي من الخبر الأول) هذه الجملة الاولى وهي يقينية مستمدة من قوة المعرفة لواقعه وشخصيته اي البطل خالد.. الذي سيشحذ لغة السرد بطريقة الأنا المخاطب والتي يريدها الروائي ان تقشر العلاقات الأخرى المرتبطة بالراوي داخل الرواية والتي تعددت وكثرت لذا كان الاعتماد على تعدد الشخصيات والاسماء هي المحطة التي ينطلق منها السرد على مساحة مدينة وما يجاورها وما يبتعد عنها وهي مدينة الموصل.. ولهذا فان بنية الكتابة في هذه الرواية تأخذ العديد من المنطلقات التي تبدا من بؤرة او نقطة المركز الرئيسة للحدث المرتبط بالعنوان (الأمريكان) اي قوة الاحتلال القوة الجديدة التي طرأت على البنية الاجتماعية وما يرافقها من عناوين اخرى كالعلاقات الاسرية والتاريخ والاثار والعلاقات الانسانية والعائلية وحتى الجنسية منها وتلك العناوين الاخرى التي تتحرك حول الحكومة لان البطل خالد شخصية اعلامية وصحفية وتلك التشعبات العائلية التي تأخذ جناحين يسيران بطريقة متوازية بين عائلة الزوجة وأخيها وبين عائلته وأخ وما يرتبط منها من شخصيات أخرى تعمل في مجالات متعددة تكشف العمق الآخر للمدينة سواء منه العمق الطافح بما حصل من رذيلة وفساد وجور وتعمد في طمس الروح الوطنية او العمق الحضارية للمدينة الذي يراد منه الاخر ان يكون ساحة للشرقة والفساد وايضا في حالة جميع العمقين نجد ان هناك حالة من التراجع لصالح ايجابية السرد وايجابية الاقناع للقارئ التي لابد من توفرها في جسد الحل الاخير وهو المستوى التأويلي الذي يعتمد على المستويين القصدي والفلسفي للنص.. الرواية تعتمد في ردها ايضا على تلك العلاقات المتنافرة والمتوترة بين شخوصها الراوي مع زوجته حنان ومع اخيها حسن الراوي مع الامريكان الراوي مع صديقته الصحفية التي تتحول الى عشيقة او هي عشيقة مستغل جانبين الحب او الوصول الى ان تكون صحفية قادرة على ايصال المعلومة لجلال الراوي الذي يريد ان يعطي كل هذه المتناقضات التي حصلت ما بعد عام 2003 حيث وجد الراوي نفسه وجها لوجه امام الامريكان الذين يعرفهم ويعرف قائدهم ويتعاون معهم لكنه يكون بالضد منهم حين يكونون في بيته لمراقبة حركة المسلحين.
الرواية كما قلت لا يمكن حساب اسماء الشخصيات التي وردت فيها وهي شخصيات رئيسية وشخصيات ثانوية وكان بالإمكان الا تكون هناك اثقال للسرد والى المتاهة للقارئ في تعدد الشخصيات الثانوية التي لا معنى لحضورها إلا لمجرد ان لها علاقة مع الراوي ام مع شخصيات اخرى مرتبطة بالرواي في العمل او القرابة وعلى الرغم منن ان الرواية هي رواية احداث وبالضرورة هي رواية شخوص ولكن تهديدها قد يرهق السرد والسارد في تتبع المجريات الحقيقية للواقع التي لا تجعل الروائي يلاحق الثيمة او الحكاية المراد ايصالها الى القارئ بقدر ملاحقته للشخصيات وتلك يمنح فيها السرد بعض تشويقاته التي يعرف بها نزار عبد الستار في كل كتاباته الروائية والقصصية حين يغلف جملته السردية بدالات تشويقية تجعل من السرد له إلتماعة جميلة في خضم الفكرة السوداوية التي اعطاها العنوان مثلا.
(بللت وجهي لتطهير مسالكي التنفسية من رائحة الزيت المحروق)ص7 و(انشغلت حنان......... غورباتشوف) ص8
ان بنية الكتابة اعتمدت اساسا على عدة مسارات مهمة كما اوضحت في تلك العلاقات التي ارتبطت بواقع مدينة وتاريخها ولكن الشخصية الرئيسية هي التي احتكمت الى تلك المسارات وسيطرت عليها وهو امر طبيعي مادامت الرواية سكبت سردها بطريقة المتكلم للراوي الذي يلاحق الاحداث بعين تتخذ من الواقع الاني واقع احتلال وما يرافقه من اضطراب في البنية الاجتماعية والنفسية والاستغلال والنفوذ واستغلال الواقع الجديد من جهة وتبيان المواجهة والمقاومة والحفاظ على صيرورة الانسان والمدينة والتاريخ من جهة أخرى لكن كل هذا لا يمكن الركون إليه كوحدة واحدة من الحالة النفسية او الحالة الواقعية التي انبت عليها الشخصية المحورية لان الواقع الجديد يفرض ان تكون هناك تقلبات حتى في الشخصية التي تتهم هي الاخرى بحسب وجهة النظر الاخرى المقابلة.(إذا كنت تستهين.... ابدا) ص9 و(هذا غير صحيح... الولاء) ص11 و(أكثر ما أغاضني ان الامريكان دمروا قمصاني المكوية) ص12
وهي كناية لواقع كان مرتبا وجيدا في الشخصية العراقية او اهتمامه في اور الحياة الجميلة وان الاحتلال دمر كل شيء فضلا عن انها جميلة قد تبين ان الامور في اتجاه اخر والبطل في اتجاه معاكس لا يفكر إلا بقمصانه وهي جملة أو جمل يمكن الحصول على تأويلها وقصديتها بحسب الاخر المتلقي مثلما هي جاءت بحسب الاخر المقابل للشخصية المحورية.
ان جعل البطل صحفيا قد يكون مهما لأنه القادر على كشف ما يمكن أن راد منه ان يكون مستورا او غير قابل للوصول اليه ولأنه صحفي يعني ان الامكانية لالتقاط الأحداث تكون كبيرة فالصحفي بإمكانه الاستقصاء له عالمه الخاص الموزع بين عائلته وما كانت عليه وما صارت مع اخوتها وبين عمله والنساء التي تحيطه فيكون ثمة صراعات عيدة داخل الحكاية التي ترتبط بخيط سردي يراد من القارئ ان يمسك بالخيط ويضع خرزات الحكاية المتقافزة والمتشعبة لتكون مسبحة يمكن له ان يفهم عددها وطريقة التسبيح لها.

تقشير الشخصيات وكثرتها
تعتمد البنية الكتابية على تقشير ماضي الشخصيات وهي تتكئ عليه في السرد لتبيان علاقتها مع بؤرة الحكاية التي هي مدينة في الاصل من خلال شخوص او هي شخصية موزعة على شخصيات لوضع خريطة لمدينة فتكون كل الشخصيات كما أوردت لها علاقة بالبطل المتكلم.
ان الشخصيات المهمة هي الزوجة ومنال الصحفية واخوة الراوي خالد وشقيق الزوجة وحتى الزوجات والاقارب وإذا ما اردنا ان نعرف هذه الشخصيات فليس لنا احصائية قادرة على الامساك بها ولكن ربما هي
جلال البطل زوجته حنان وحسن اخ الزوجة وعمار اخ البطل وكذلك كمال والميجر ومبر ومناسك الصحفية وهي شخصية رئيسية وليست هامشية وشخصيات كابراهيم توسان - يوسف - فتحي - السيد صافي - كرين - ريم - ياسين - ابن المختار- ام جعفر- فطومة - عزيز مدير الاعلام - المترجم - طارق - فارس جمعة - حسن - ابن اخت فارس - قائد الشرطة - الحاج جبار وحفيده - طلال - ضابط شرطة صغير السن - خادم طويل القامة - الوالي فرنسيس - تورياني الاب - الدومنيكي كواليتشيني - القس الياس الموصلي - محمد احمد العمري - محمد الجوادي - القنصل الفرنسي - خالد محمد علي - فرانسيس موبولا - اخته ماجدة - توفيق - سندس - هبة - توفيق - ماجدة - سالم بن كمال وزوجته - الخال محمود - مريم - نسرين - الغجرية - احد المساعدين وهناك وصف لجسده بلا اسم - مروان - شمشو - شريف المهندس- عبد الدائم -حنا بني - اوغسطين وزوجته الايرلندية - الخطاط صالح السعدي - الكولونيل ليجمن -السير ارنولد ولسن- ييف سان لوران - عجوز بلا اسم في بلدة القوش - خوشابا بكوخا - الانكليزي ارثر بلدوين - هرمز رسام -اوستن هنري - لايارد - كريستيات - السفير الانكليزي - رئيس الوزراء السير روبرت - لبريطاني - اليس بج -السلطان محمد الرابع - ويهود القوش - السلطانة خديجة تاريخان - والصحفية ريم - شاكر البدران - ارمينيا في السبعين من عمره - الحاج جبار وشاكر الوسخ - المكاوي –خادم السيد صافي –شريف – شاب مسيحي – عنبر – محمد –
وذكر اسماء عددية كغورباتشوف ونابليون ورؤساء حكومات وشخصيات تاريخية واماكن اثرية ومتاحف وتحف ولمحات تاريخية وصراعات. وهذه الشخصيات والاماكن الفاعلة والثانية والهامشية تعطي ملمحا للمدينة ومساحة الرواية التي تمتد اذرعها الى الاتجاه الافقي الخارج والعمودي الداخل في تشابك العلاقات ووضع الثيمة المتعددة في اماكنها فهناك ثيمة الفن ودار السينما وثمة قصر بني والعلاقة مع التراث وهناك قلادة اثرية وعلاقتها بالسرقات والمافيات وكذلك الكتب والثقافة والامريكان والتعاون معهم او المواجهة ضدهم.. هناك علاقات مناطقية ماضوية للشخصية لتبيان التوجهات القلقة لتكوينها التي وجدت نفسها منساقة وسط عالم فوضوي ومضطرب وهناك منظمات سرية تعمل في الموصل وهناك منظمات تتخذ من عامل المساعدة للوصول الى الاهداف القاعدة والمليشيات والدين وتأثيراته (شبابنا يقعون في شباك.....) ص28
ولهذا فان تعدد الشخصيات والاماكن وامتداد الزمن كحقب تاريخية متعددة ومتضاربة جاءت على اساس القدرة على الامساك بتلابيب الحكاية ولكن في الكثير من الاحيان تبدو الكثير من الشخصيات غير مهم وهو مجرد سبر غور يوم متحرك للشخصيات ولهذا فهو يبث عنونتها واعلان واقعها بطريقة الإخبار السريع ولكنها بالنسبة للقارئ قد لا تشكل أهمية في تتبع حركتها وربما تكون بالنسبة للقارئ صورة مرت في مرآة القراءة وانتهت ولم تعد لانها صاحبة ماض قرائي.. لانه حتى وان تمكن من جمع شتات هذه الشخصيات فانه لن يجد اهمية لحضورها سوى انها تتصل بماضي الشخصيات الرئيسية او انها فعل حركي سردي على اساس ان الرواية يمكن ان تسرد فيها اي شيء يمكن ان يقال لانها رواية تعني بوجود العديد من الشخصيات.

الصراع التاريخي ومتغيراته
يكون التاريخ حاضرا في جسد الرواية وهذا التاريخ ربما هو بارز من جهة ومقصود لتوضيح الشخصيات من جهة اخرى إلا أنه أيضا تاريخ اريد بسحبه الى الحكاية على ان الواقع الان هو امتداد لذلك التأريخ سواء بتأثيره او تأثره سلبا او ايجابا.. بمعنى ان الحكاية هنا هي كشف لكل المتناقضات التي ابتليت بها المدينة الموصل بعد عام 2003 وما كان فيها من اضطراب وخوف قبل هذا التاريخ الذي مهد لكل هذه الفوضى اللاحقة.. لذا فان بنية الكتابة وامام سيل هذه الثيمات كانت تحتاج الى مقدرة للعمل وفق المستويات الاخبارية القصدية ليكون حاصل جمعها المستوى التحليلي في كل قسم من اقسام الرواية التي تمنح في كل واحدة منها استنتاج المستوى القصدي (يحق لنا احيانا أن نكره الوطن) ص29 لذا فان الروائي ترك راويه يسرد حكايته بطريقة جر الحبل وفق ما تم ذكره من وجود انعكاسات عديدة للقلق والتضارب بين الطموح والخوف الطموح في ان يكون في منتصف الحبل وهو الذي يجره من طرفيه، وبين الواقع الجديد ووجود الامريكان ما نتج عن هذا الوجود من جهة وبين كل هذه المتناقضات وكل هذه الاسماء بدءا من العائلة وانتهاء بالعمل,
ان السرد رغم انه يتخذ طريقة التنامي التصاعدي لكل حدث مختار في جسد الرواية لذلك فان المكان الاول للرواية هو البيت الذي يقتحمه الأمريكان لأكثر من مرة والتي يسميها الغزوات (هذه هي الغزوة الثامنة، كان يوم الاربعاء حين أنزلتهم المدرعات....) ص37 ليكون مراقبا وهنا يكمن المستوى التحليلي الذي تنطلق منه كل القصديات الأخرى.. بمعنى ان المكان البؤرة الحدث المنطقة الاولى للرواية كانت هي البازّة للعناوين الأخرى من خلال وجود الأمريكان في البيت ومن ثم كيفية استلهام تلك العلاقات المتناقضة في بلورة حدث روائي يعتمد على استغلال كل شيء في الواقع الجديد حتى لو كان عن طريق تزوير الهويات بهدف الوصول الى المآرب الشخصية.. وهي دلالة ما يحصل من تغيرات على الشخصية العراقية..(أخرجت هوية مزورة تشير الى أنني موظف في بلدية الموصل.....)ص48 وهنا يكمن الخطأ والفداحة التي أدت الى تغيير في الشخصية العراقية التي تلجأ الى التزوير للحصول على المآرب أو الأهداف وهو ما يعني ايضا وقوع الطبقة المثقفة بحبائل هذا الواقع الذي يمثله الصحفي من جهة والذي لا يبرز شخصيته كصحفي (- غريب أن تسأل عن هذا وأنت ترفض حضور المؤتمرات الصحفية في المحافظة ولا تعلن عن نفسك كصحفي وتدخل وتخرج بأوراق مزورة) ص52 وهو ينعكس ايضا على خبير الاثار او التاجر بها او حتى المتصلين بهم متأثرين بما هو قائم من فعل سياسي.. ولذا يلجا الروائي بان يجعل الراوي مدافعا عن ثوابت تمزقت بفعل الاحتلال والاختلال المجتمعي وبين ما يتصل بازدواجية الفرد العراقي والمثقف منها حيث يدافع عن السينما ودور العرض وقد أرادها معادلا موضوعيا للثقافة وأثرها وتأثيرها ومحاولة انقاذها من المتغير الاحتلالي واندثارها كفن امام سيل المتغيرات الجديدة التي يقابلها الفعل الديني الذي غطى على الحركة الحياتية اليومية للإنسان العراقي وهو واقع اكثر هيمنة ولهذا يلجا الروائي الى استدراج التاريخ على ليان شخوص عديدة وليس فقط الراوي المتكلم من خلال جمل قصدية لها ارث ثقافي متنوع من السلالات التي مرت قبل قرون على المدينة والبلاد واندثرت ايضا بفعل الغزوات والحروب والتغيرات العديدة.. ولهذا يكون الصراع التاريخي سواء منه ثقافي او ارثي حضاري يحمل مستويين الاول قصدي لتمتين الحكاية وتحليلي لإشباع الفعل الدرامي داخل الحكاية نفسها.
أن بنية الكتابة اعتمدت على تشعب الصراع وتصاعده في الوقت نفسه.. فالفكرة الأمريكية والانتماء الوطني وعمقه التأريخي والخصوصية الفردية تقود الى تصاعد الفعل الدرامي ما بين الوصف كمستوى إخباري والحوار كمستوى قصدي وفلسفي ومن هنا يكون هناك تأويل ويكون الصراع باقٍ وان المهمات دائما ما تكون غير قابلة للقبول من جميع الاطراف.. ان الصراع لا يكون فقط بين قطبي الحدث الرئيس بل حتى بين اجزاء القطبين سواء ما هو متصل بالشخصية العراقية وما يمكن ان تخلفه الحقيقة الامريكية في احتلالها وتفكيرها واختلافه في تفسير الشخصية العراقية ومراقبتها وطرق تفاعلها معه.

تعدد الثيمات
كما اسلفنا فان الرواية تعتمد في بنيتها الكتابية تتوزع بين عتبات عديدة للروي منها.. الراوي/ العائلة.. الراوي/ الصحافة.. الراوي / الامريكان.. الراوي/ علاقته الشخصية.. الرواية/ التاريخ.. الرواية وماضيه قبل عام 2003 وعمله في القصور الرئاسية لصدام حسين وما يكتشفه من امور قد تكون سرية وقد حاول الروائي ان يجعلها أكثر واقعية وقد نجح فيها.. لأنه فضح ما كان من واقع في سرقة الاثار لتكون عتبة من عتبات عقدة الرواية ايضا.. وكذلك الراوي/ المشاكل التي ترتبط في تفعيل وتثوير عقدة الرواية وهي عديدة جدا ربما لو تساءل قارئ هل يمكن الامساك بعتبة رئيسية لو لم يكن هناك عنوان مهم في الرواية يوحي ان العقدة الاساسية هي الاحتلال والأمريكان والتاريخ وسرقته وكل ما هو مرتبط آخر بحبل السرد؟.. وإذا ما تجاوزنا الإجابة على السؤال وهو قد يلاقي ترحيبا من قارئ آخر فيما ذكرنا من تعدد الشخصيات حتى الاقل ثانوية منها.. فاننا نرى الرواية ايضا في واحدة من ثيماتها تحاول تبيان المدينة / الموصل / التاريخ/ التراث / الاثار/ الشخصيات / الانتيكات.. وما يرتبط منها من جمال وقبح عمق وماضي بعيد وماضي قريب زمن صدام وماضي قريب جدا الاحتلال وحاضر المدينة الجديدة والحركة المتنصلة في الاعلام والتزوير وغيرها حتى ان الراية تمشي على حبال كثيرة من الروي.

لغة الرواية
لم تعد اللغة ملاحقة للأحداث في جسد الرواية لبث ثيمتها وتوصيل فكرتها فحسب.. ولم تعد هي مقدرة الروائي في اظهار ما يكتنزه من مفردات تجمع جملا قادرة على الأخذ بيد الرواية الى ان تمنحها لغة شعرية بل هي واحدة من أهم علامات التفوق السردي الذي يمنح الثيمة فكرتها ومستوياتها وبث روح الرواية كتسمية في تجسيدها والنفخ فيها لكي تأخذ قالبها الجميل.. فهناك افكار كبيرة لكن اللغة التي كتبت فيها الرواية اساءت للحدث وبينت ضعف الروائي في امتلاك خاصية التفاعل ما بين اللغة من جهة والفكرة من جهة أخرى.. وفي رواية (الأمريكيان في بيتي) تبدو اللغة قادر على لملمة معطيات الفكرة.. ولذا فان اللغة في الرواية هي المنقذة من هفوات السرد وتعدد الشخصيات وتشعب الاحداث وهي لغة تعطي تشبيهات تحمل عنصرين.. الاول دلالة لمدلول الدهشة والثاني هو المقدرة على انسيابيتها وبإمكان الروائي ألّا يتوقف عند حد معين من السرد وان يستمر دون توقف في المقع الواحد او الجزء او القسم. لان المستويين الاخباري والقصدي قادران على ان يكون ما يشبه شجرة لبلاب الرواية وهي ما يعني مهارة الروائي في تضخيم عمله وجعله منساقا في اللغة ومشوقا وهو الاثر الكبير.. لان التشويق يعد عنصرا مهما من عناصر الكتابة وخاصة السردية منها..فلا نجاح بدون تشويق وسحب القارئ الى منطقة التأويل واللغة هي المضمار الأوسع لهذا التشويق.. ان مفردة الروائي هنا قابلة للتمدد في جملها والتمدد هنا افقيا في اتجاهين العودة الى الماضي كمستوى تحليلي والاتجاه الى الحاضر من خلال المستوى الاخباري وكذلك الامتداد الى لمستقبل القريب الذي يكون حاضرا كمستوى قصدي لذا فان اللغة في حاصل جمعها او في ان تكون القاسم المشترك الاكبر في اللعبة السردية فأنها أخذت ايضا المستوى الفلسفي في قول ما اراده الروائي على لسان الراوي.. ولهذا تكمن الراوي في تحريك عقد الرواية العديدة من خلال اللغة وكانت هي العمود الفقري.. ولكن في بعض الاحيان يلجا الروائي الى بث لغة تقريرية تأتي على السيان البطل وهو صحفي ومزور وباحث عن خلاص وهو هنا يأخذ بعدين متناقضي في مفهوم التلقي.. الاولى ان الفصل التقرير الذي انوجد في جسد الرواية جاء لكشف أعماق الحدث لذا أنيطت المهمة بهذا الاسلوب وكذلك الكشف عن الصراع المتنوع في جميع مراحل الصراع الخارجي او هي تأويل آخر من ان الرواية تحتمل ايجاد هكذا نوع من اللغة او بث المعلومة التي قد تمون تقريرية مأخوذة من كتب تاريخية او واقعة شفهية ولكنها في النهاية مقاطع او اجزاء كان يمكن تلافي الحدث فيها من ذكر المعلومة كما في الصفحات 110 و111 و114 و115 وغيرها المتشابهة في المعلومات التي جاءت تقريرية اقرب منها سردية روائية حتى لكأنها تنفلت من فم الراوي في الرواية الى فم الروائي لضخ معلومات عن المدينة والاحداث المرتبطة بالحدث الروائي.
من جهة اخرى فان اللغة مسؤولة كذلك عن تصاعد الصراع في حيثيات الرواية.. ساء ما يتعلق بتأريخانية الدين كعمق دلالي ومعنى وتأويل واستغلاله في البنية القصدية الدلالية لما آلت إليه الأمور فيلجا الى الحوار ليعتمد عليه سواء في تقريب التشابه او التناقض من خلال تضادات الجملة غير المتوقعة لإضفاء الدهشة والمقبولية.. ولكن كان هناك اغراق في الوصفيات واستخدام الاسماء في لغة الروي مما نتج عن انحراف في الوصفيات والاعتماد على المستوى الإخباري مما جعل المعلومة قرائية وادت الى تأخير معالجة مقبولية استقدام الاحداث سواء منها التاريخية او غيرها وان كانت هناك إمكانية لبروز المستوى التأويلي كما ذكرت والذي ارتكزت عليه الرواية كواحد من مستويات الشحن الروائي.. ان اللغة جعلت من السيناريو والفن المنطقة الوسطى بين واقعين الماضي والحاضر وهو ما قاده الى ان يقود واقعه بتحدٍ جدي للتخلص من التعصب الجديد الذي ولد بعد الإحتلال.

الإخراج الروائي
لكل رواية طريقتها في الاخراج النهائي سواء أكان ذلك تلاعبا في الزمن او تغيرا في المكان او تداولا في الشخصيات وتبادلها في الروي بين الأنا المتكلم او الغائب او المخاطب وتلك خاصية يختارها الروائي على لسان رواته سواء بقصدية منه او بالاعتماد على ثيمة الرواية وكيفية إيصال الفكرة والدهشة والتواصل مع قارئه.. لذلك اعتمدت بنية الكتابة في رواية (الأمريكان في بيتي) على التقطيع السيناريوي او الفصول التي لا تحمل ارقماً بل اجزاءً على شكل مشاهد تحمل عناوين تدل على فحوى ومعنى القسم من مبنى السيناريو الذي لا يبدو متسلسلا تماما لكنه متصاعد إذا ما تمكن القارئ من لملمة المعلومات المبثوثة في الاجزاء الاخرى.. ولهذا اعتمد ايضا الروائي في بنيته الكتابية على تقطيع القسم ذاته بين الذهاب الى الذاكرة والماضي او اللجوء الى سرد الأحداث المتصلة بالواقع الآني لزمن الروي الأول الذي بدأت فيه الرواية وهو زمن دخول الامريكان الى البيت وما تلاه.. ورغم ان هذه الطريقة ليست جديدة ولكن الروائي هنا نجح في إدارة الحدث والأحداث الى حد كبير وما يمتاز به نزار عبد الستار إنه يمكن له شحن الفكرة بالكثير من التفاصيل وان يضخم احداثها وان يشعب طرقها وان يعدد مسالكها وانه قادر على السيطرة ومراقبة الراوي في كيفية التحرك وفق كل معطيات السرد.. رغم ما ذكرناه في اقحام المعلومات السردية التي بدت وكأنها انجبت سردا تقريريا لكنه قد يكون في حجته انها تفاصيل تعطي اهميه لتاريخية المكان وتاريخية الأحداث التي تتصل بالحدث الاهم.. لذلك فما بين الواقع الذي يعيشه الراوي جلال مع اخوته واهله والاهتمام بالتأريخ والاثار وهي عقدة وثمية مهمة في الرواية وبين تواجد الأمريكان في بيته وهو العنصر الفعال المتذبذب بين حالات ثابتة حتى في تلك التي تخون البلاد او تريد استثمار الاحتلال وهي ليست ثيمة رئيسة بالتأكيد لكن الروائي جعلها واقعا لجلال اراوي في العمل اليومي وتنقله كصحفي وناشط في مجالات عديدة وتلك الازدواجية التي تتغلب على طبعه في التعاون مع الامريكان خارج البيت ورفضه لهم في داخل البيت وتبيان تلك المعارضة لأنه يخاف على عائلته.
ان رواية (الأمريكان في بيتي) رواية المعنى الجديد للواقع العراقي الذي استله الروائي من واقعه مدينة الموصل ليكون واقعا عراقيا عاما ربما يحصل في اية مدينة أخرى لها عمق تاريخي وما اكثر المدن العراقية التي لها صلة بالتاريخ العميق جدا.. ولهذا نرى ان الحصيلة النهائية التي يمكن ان نخرج بها في البنية الكتابية انها كانت وفق الجدول التالي:
البطل+ الزوجة+ العشيقة (الصحفية)+ الشخصيات العديدة= الامريكان+ التاريخ+ الاثار + النظام السابق+ الواقع الجديد+ الارتباك في العلاقات وتناقضاتها.
وكذلك
المستوى الفلسفي= المستوى الإخباري+ المستوى القصدي + المستوي التصويري = المستوى التحليلي= المستوى القصدي
وهو بمعنى آخر ان رواية (الأمريكان في بيتي) قد استخدم كل المستويات السردية في بنية الكتابة وكان موفقا في إدارة الحدث الى حد كبير.