اللمسة الاخراجية الساحرة في تجارب محسن العزاوي

اللمسة الاخراجية الساحرة في تجارب محسن العزاوي

د.عقيل مهدي يوسف
تميز محسن العزاوي، بفرادة اخراجية في جيل ما بعد الرواد، ابراهيم جلال وجاسم العبودي،.. وافاد من تجارب سواهم في الاخراج، ومنذ وقت مبكر اتجه لتلقف " اللامعقول" الذي اجتاح "الغرب" المسرحي، ولكن بقراءة عراقية، كما صاغها الدرامي " طه سالم" في ريادته تلك.

الجوهري في منهجية العزاوي الاخراجية، انه يمتلك مؤهلات بصرية- ايقاعية، تقرن المرئي بالمسموع على مستوى هارموني رشيق، وتبث " شاعريتها" المموسقة بمقاطع مسرحية اشبه بالاتجاه الخاص بالمسرحيات الموسيقية العالمية، التي تعتمد الفرجة الباذخة على قدر ما تسمح به القدرات الانتاجية الوطنية في العراق.
تعامل العزاوي مع نصوص درامية عراقية، وعربية، وعالمية، تفاوتت موضوعاتها، وبناها، وتراكيبها، واهدافها على وفق تجارب اخراجية متباينة.
انتقل من مهاد الخرافة الشعبية اللا معقولة في " طنطل" وسواها من تهوميات المخيال الجمعي، الى " المسرح الجيكي" ليتخذ دروسه الاخراجية الاحترافية من ذخيرة " الربرتوار" في مدينة " براغ" من اتجاهات اخراجية متنوعة، وذات خصوصية فنية، واسلوبيات حداثوية تبتكر لنفسها عوالم جديدة، سواء ما يخص المسرح التقليدي الكلاسيكي، او المعاصر، سفوبودا لتيرنا ماجيكا، السحري، الذي يربط تقنيات السينما بالممثل الحي، في لحظة انية مدهشة امام الجمهور وكذلك ما وجد في اعماق ذاته الابداعية، من تجارب مع المسرح الاوبرالي والغنائي، والراقص مما حرك شوقه الى اختزال تلك الحركات المرئية، وخطوط المناظر وبيئاتها الديكورية، وهي تنتج "سينوغرافيا" غير معهودة في مسرحنا انذاك، على شكل خطاطات في ذاكرته ليعد ابتكارها في تجاربه الاخراجية، الذاهبة بأتجاه مكونات العرض وفنونه التي تمرس في دراستها، واستيعابها، ومعايشتها ميدانياً في مسارح " براغ" وما شاهده هناك من عروض اجنبية زائرة ومختلفة.
كان العزاوي من بين المخرجين الذين ذهبوا بأتجاه اوربا الشرقية وما تمثله من مناهج فنية وجمالية وفكرية مغايرة، واصيلة ومتقاطعة – احياناً – مع العقلية الاخراجية الاوربية، والامريكية، التي مثلها جيل الرواد، وتلامذتهم.
وجدناه ينتقل من عرض مسرحي عمالي في " البوابة" الى عرض مسرحي فلاحي في نشيد الارض الى العرض الراقص واخر " تراثي" الى عرض تاريخي كما في "الغزاة" او" مجالس التراث"، ثم ينعطف الى فكرة " بوليسية" لاجاثاكرستي" او "الغرباء لا يشربون القهوة" لكاتب مصري، او نص يعده زميله قاسم محمد " متخرج في روسيا" ليضع لمسة اخراجية في اخر الشوط فيها من الحكمة الوطنية، والحب والحرص على مستقبل بلده كما انه من بين افضل الممثلين في العراق.
يستحق هذا المخرج المبدع " محسن العزاوي" من النقد مساحة خاصة، من خلال الوقوف على تفكيك خطابه الاخراجي، لتأطير هذا الفضاء الفني، الذي تتلاقح فيه افكار مثل " حرم صاحب المعالي" مع مسرحية " نديمكم هذا المساء" للكاتب عادل كاظم مع الغناء والرقص في " عالم في ليلة" وهذه من مسرحياته المشبعة غنائياً، وايقاعياً، وكتل منظرية وبيئات خاصة تضم الكورس والابطال الثانويين الى جانب البطل " الصولو" وكأنه يحاول ان يرتفع بالغنائيات الريفية من مدن الجنوب العراقي، مع اغاني العاصمة التراثية والمعاصرة، بعد ان تعلم في مدرسة المسرح " الجيكي" اهمية توفير " المتعة" اولاً، لاستهواء الجمهور، واجتذابهم الى المسرح والدفاع عن قضاياهم، بلغة ملموسة، سلسة لا تذهب بعيداً الى الالغاز، والفذلكات المتفلسفة العقيمة.
تقترن العملية الاخراجية عند العزاوي بفلسفة " الانتاج" بوصفه وحدة تنظيمية وتخطيطية متقنة، تحقق البعد الموضوعي لوجهة نظره الفنية، وتقترن ايضاً بمتغيرات اتجاهات الجمهور المسرحي، وما يتعين على المخرج من مهام ينبغي تسويقها للناس.
هنا تبرز قدرته الادارية، حين فك ارتباط عروضه بالنماذج التقليدية فهو يتمايز عن المخرجين بمفرادته الخاصة.
وتفاصلت تجاربه بسمات مشهدية تحتفي بالمناظر، وبالازياء، وبكبار الممثلين والممثلات في مسرحنا العراقي، مقترباً قدر وسعه بتعبيرات احتفالية غنائية – راقصة في منحى ميزه من سواه، وهذا ما يتوفر عليه " اسلوبه" الاخراجي في البناء، والايقاع، والحركة، وسلوك الممثل وتشكيل المناظر والموسيقى والازياء.
يذكرنا في عالمه النغمي، بما انجزه " بيدرش سميتانا" الموسيقي التشيكي من الحان خاصة ببطولة الشعب ضد الدكتاتورية النمساوية المطقلة، من اجل الاستقلال وتحرر الشعب.
سواء في الاوبرا " الزوجة المباعة" و " القبلة" و " السر" في روعة اغانيها، وسحر موسيقاها الشعبية، ورقصاتها المرهقة او ما انجزه " دوفور جاك" من اوبرات " كاتينكا والشيطان" و " روزالكا"، اغترف " العزاوي" من هذه البيئة الجيكية الحضارية الكثير، واراد ان يصوغ ذلك الجمال، ممتزجاً بنغم روحه الجذلى بالحب والفرح، والبهجة العراقية، ليترك لنا ثروة من عروض مسرحية يتذكرها جمهورنا العراقي – والعربي من المغرب العربي الى مشرقه.
عروض تنتمي الى عناصر العرض المسرحي في سردياتها البصرية والسمعية الحكائية بأمتياز خاص تبتعد عن المدونة الكتابية، وطرائقها الخطية الاحادية، لانه مخرج حاذق، متمرس في مهنته، واكاديمي محترف.