طبيب في رئاسة الوزراء.. كتاب يحكي ماليزيا التجربة والقيادة

طبيب في رئاسة الوزراء.. كتاب يحكي ماليزيا التجربة والقيادة

عرض: محسن حسن
في الكتاب الصادر عن الشبكة العربية للعلوم والأبحاث ببيروت لبنان، فيما يزيد على 990 صفحة من القطع الكبير، ترجمة"أمين الأيوبي"، والذي ضم اثنين وستين فصلاً بخلاف المقدمة والصور وثبت المصطلحات، تحت عنوان"طبيب في رئاسة الوزراء"، يطالع القارئ حديثاً مستفيضاً مقنناً، لرحلة ماليزيا الاقتصادية والاجتماعية من المؤخرة إلى المقدمة ؛

فالكتاب لا يروي قصة الدكتور"مهاتير محمد"الشخصية، بل يروي قصة ماليزيا البلد الذي خرج مرهقاً من استعمار بريطاني كان حريصاً على بقائه نامياً ومتخلفاً يعيش على بيع المطاط والقصدير للمستعمر، والذي استطاع عبر نضال سياسي واقتصادي طويل، وبوجود شخصية قيادية فذة مثل الدكتور"مهاتير محمد"، أن يتحول من بلد زراعي مهمش، إلى عملاق اقتصادي كبير رفع متوسط دخل الفرد من 350 إلى 8000 دولار، وأن يجعل من الملايويين الذين كان لهم 2% فقط من حجم الاقتصاد المحلي، شركاء حقيقيين في اقتصاد بلدهم.
في مستهل الكتاب يوضح"مهاتير محمد"كيف واجهته الصعوبات في طريق الوصول إلى رئاسة وزراء ماليزيا، والبقاء في هذا المنصب مدة اثنتين وعشرين عاماً ؛ حيث ذكر أنه لم يكن ينتمي للنخبة الملايوية الحاكمة مثل رئيس الوزراء الأول"تونكو عبد الرحمن بوترا"ابن السلطان عبد الحميد حليم شاه، وكذلك رئيس الوزراء الثاني "تون عبد الرزاق حسين"المنتمي إلى أسرة مرموقة من المدراء، وأنه كان نجلاً لمعلم مدرسة يتقاضى راتباً تقاعدياً مقداره 90 رينغت ماليزي، وكيف أن ارتقاءه السياسي جاء في فترة كانت فيها جزر ملايا إقطاعية لم تألف بعد ارتقاء أشخاص من عموم الناس إلى طبقة فوق طبقتهم ؛ يقول مهاتير محمد"كنت متمرداً وصانع مشكلات أيضاً بلا سند يحميني، ولذلك طردت من أمنو سنة 1969 م لتجرئي على انتقاد تونكو".
وتحت عنوان "القيم الأسرية" يتحدث "محمد" عن مدى تأثير والدته في شخصيته، موضحاً أنه كان أقرب إلى والدته منه إلى والده، يقول:"علمتني القيم التي تمسكت بها طوال حياتي، وخصوصاً خلق التواضع وعدم التباهي بأفعالي، وعندما كنت أتحدث عن نفسي، ربما بنبرة متعالية، كانت تقلل من شأن إنجازاتي... وعندما أردت شراء قلم، طلبت إلى حمل دلاء الماء لسقاية شجيرات الياسمين مقابل سين واحد في اليوم كي أجمع المال اللازم، تعلمت منها أن هذه هي الطريقة المشرفة للحصول على ما أريد".
وعن طريقة إدارته لمنصبه في رئاسة وزراء ماليزيا، وعلاقة ذلك بأقربائه وعائلته، يقول محمد:"بعد أن أصبحت رئيساً للوزراء، لم يفهم عدد من أفراد أسرتي الموسعة أنني لا أستطيع استخدام سلطتي في الحصول على ما أريده (أو يريدونه)، توقع بعضهم أن أحابيهم في العقود والتراخيص، فكانوا يأتون إلى منزلي مسلحين بمغلفاتهم البنية التي تحتوي على كافة أنواع العروض، لكن جل ما كان في استطاعتي فعله، هو أداء دور رجل بريد وإيصال هذه المغلفات إلى المسؤولين... الحقيقة انني لم أعد أنتمي إلى أسرتي منذ أن أصبحت رئيساً للوزراء... لم أسيء استعمال السلطة التي كانت في يدي، كما لم أشأ أن يسيئوا استعمال صلتهم بي".
وبعد استفاضة شافية في الحديث عن الرحلة الماليزية نحو النهضة، وفي فصل الكتاب الأخير الذي حمل عنوان"إرث ومآزق جديدة"يروي"مهاتير"تداعيات استقالته من أعلى منصب في بلاده بعد اثنتين وعشرين سنة، وكيف أنه واصل عطاءه دون انقطاع، وبنفس وتيرة انشغالاته اليومية ؛ بحيث بقي جدول أعماله مزدحماً في الشهور التالية، وبحيث واصل تحدثه داخل البلاد وخارجها عن الإسلام، وعن أهمية المعرفة والحكم الرشيد، وعن العولمة والإمبريالية الجديدة وعن النموذج الاقتصادي الماليزي ؛ يقول:"سمح لي التقاعد أيضاً بالاهتمام بمسألة الحرب الملحة ؛ إذ تشكلت منظمة"بيردانا"للسلام العالمي التي أنا مؤسسها ورئيسها في سنة 2005 لأداء هذه المهمة على التحديد. إنها خطوة صغيرة أولى نحو سلام عالمي". وفي هذا السياق، يأسف مهاتير محمد قائلاً:"أعلن أن الحربين العالميتين الأولى والثانية حربان أريد منهما إنهاء جميع الحروب، لكنني بعد مقتل أكثر من 70 مليون إنسان، وتشويه ملايين غيرهم وتسوية بلدات ومدن بأكملها بالأرض، ما زلنا نخوض الحروب. وفيما يسهل ترك الأمور على حالها، لدي اعتقاد راسخ بأننا سنستحق الشجب الأخلاقي إذا بقينا نتفرج ونراقب الناس وهم يقتلون فيما جعلت دول باكملها ميادين قتالية وحولت إلى ركام"