تراث الثورة المشاعية في الشرق في مدارات صوفية

تراث الثورة المشاعية في الشرق في مدارات صوفية

أوراق
من يحب السماء يكره الدولة، ولا تقل أن الكثير من محبي السماء يحبون الدولة، فالحب والدين لا يلتقيان كما لا يلتقي الحب والدولة وإنما اللقاء بين الدين والدولة لأنهما أس واحد قوامه العدوان على الخلق وسلب حقوقهم. وكثيرا ما يدعي أهل الدولة وأهل الدين انهم يحبون. والحقيقة أنهم لا يحبون لا في السماء ولا في الارض إلا ما يوصلهم إلى سعادة الدارين،

أي إلى النعيم الحسي بالأكل والشرب والنكاح والوجاهة والتسلط والمباهاة، أي ما يحبه الأغيار بالمعنى الآخر للحب لا بمعنى الود الحاضر كما بينه"ابن سِيده".يمثل ذلك جرأة الطرح في كتاب"مدارات صوفية"لهادي العلوي، والذي صدر عن دار المدى للإعلام والثقافة والفنون.
ويذكر الكاتب أن النهايات تتراكم فتصبح هي الجغرافيا منتقلة من حظيرة التاريخ الذي اتسع واشتد حتى ضاقت به المسافات فتغيرت جغرافيتها لكي تتسع لنهاياته ثم تكون مستعدة لتقبل بداياته. والتاريخ بنهاياته ليس هو تاريخ العالم فهذه مفردة أضلت كثيرا من الناس فألقت بهم خارج مزدوج البداية والنهاية فتكلموا بلسان الغير وهم يظنون أنهم يتكلمون بلسانهم حتى عادوا بنا إلى زمان تبلبل الألسن وكأن زماناً سحيقاً انقضى وجاء بعده زمان الألسن المتمايزة المستقلة عن بعضها في منحى والمتحدة في منحى آخر.
"ولما أراد الله أن يعطي الناس لساناً واحداً لم يفلح فكان تبلبل الألسن ثم استقلالها وتمايزها، ومثلما فشل الله في توحيد نهايات العالم تحت رايته، سيفشل الفرد في أي مكان وأي زمان في وضع العالم في حقيبته فالعالم أوسع من الحقائب، والمحدود لا يحتوي اللامحدود والواحد يتضمن الكثرة فلا واحد على الخصوص."كما جاء في الكتاب.
وذهبت جهود"برمنيدس"أدراج الرياح. وقد جاء المتصوفة ومن قبلهم"أهل التاو"بوحدة الوجود وأقاموها على تعدد الواحد فهي وحدة مفرقة وإنما ترجع في وصفها بالوحدة إلى المطلق الذي ترجع إليه الأشياء والمطلق واحد افتراضي منه تبدأ الاشياء فتكثر وتتنوع في حركة انشقاق يتوسع بها الوجود ويواصل اختراقاته حتى ينأى بكثرته عن الوحدة ويتفاصل ويتمايز.
ومن أراد جمعه تفصّد وخرج الدم من فمه ومناخيره وهؤلاء هم اصحاب وحدة الموجود وهم قديما فئة من المثاليين الذاتيين أنكروا الوجود الفعلي للعالم وأدغموه في المطلق.
ويذكر الكاتب"أن مهمتنا واعدة من خلال هذا الكتاب وقاصدة العودة إلى التراث أي البدء من النهاية. وفي هذا الخط جرى العلّامة الشهيد بل هو الذي افتتحه بعد أن كان موصوداً بالثقافة المترجمة. وعلى خطه أجري وأنا في أحسن حالاتي نبضة من نبضاته الحية الدافقة المندفعة في فضاء القدرة."
والتصوف من نهاياتنا التي نبدأ منها، ومنه تتشعب ساحات وتتكامل بالصراع إذ هو من منحاه الاجتماعي معارضة للسلطات الثلاث: سلطة الدولة وسلطة الدين وسلطة المال. وسنجد أنه انتهى في القرن التاسع للهجرة مع عبد الكريم الجيلي وأن ما بعده كان مجرد دروشة، وفي أجمال اشكاله التصوف اهتيامي جرى فيه المتصوفة الفرس وكتبوه باللغة الفارسية فهو أدب لا فكر. والأدب يتكون دون الفكر ولذلك نقول فكر اسلامي ولا نقول ادب اسلامي بل نقول أدب عربي وأدب فارسي وأدب كردي.
أن التصوف المتاهي هو التصوف المناضل ونحن نريد أن نستعيده ليكون من مساند صراعنا الحالي ضد الأغيار، وأكثر ما يعنيني منه هو النضال من أجل الفقراء ضد الدولة ورجالها والدين ورجاله والمال واصحابه وهذا يعني الانطلاق من التصوف المناضل لتأسيس شيوعية القاعدة وهي المشايعة التي انتظمت نضال المتصوفة من ابراهيم بن ادهم وحتى عبد القادر الجيلي"الكيلاني"وتكون بتحويل الأموال الخاصة إلى أموال عامة وإجرائها في مصالح الناس اليومية بما يضمن لهم الطعام والمبلس والمأوى والعلاج،وما فاض عن ذلك يعطى للدولة لتنفقه في شؤونها الاخرى، وفي مجرى هذا النضال نسعى نحن لإيجاد شخصية حرة من قيود الدولة والدين متماهية بالقيم المشاعية والتعاونية والجماعية زاهدة لا متكالبة على الملذات تعيش في أعتدال لا بشظف ولا ترف أمينة متعففة عن الصغائر.
يؤكد الكاتب أن هذه المدارات مكرسة للتصوف الاسلامي وموجهة لهذه الغاية، على أني لم أقتصر عليها إذا وجدت لي مندوحة قراءة التصوف بمنحييه الآخرين: المعرفي – الفلسفي والاهتيامي"الرومانسي"ليكون عملاً مستغرقاً للظاهرة في وجودها الكلي. وقد أقمت القراءة على مدارات وأقمت المدارات على حروف وفي الحروف مبتدئي ومنتهاي بل ان الحروف تحيط بي ولا أحيط بها فأنا الدائر في أفلاكها وليست هي الدائرة في أفلاكي.