جمعية منتدى النشر في النجف..  صفحات ثقافية لامعة

جمعية منتدى النشر في النجف.. صفحات ثقافية لامعة

د . رحيم عبد الحسين العامري
اضطلعت جمعية منتدى النشر بفضل مؤسسيها وفي مقدمتهم الشيخ محمد رضا المظفر بالعديد من الأنشطة الثقافية فقد كانت للجمعية لجنتان هما:
1- لجنة تآخي الطلاب
لم تشر منشورات جمعية منتدى النشر إلى تاريخ تأسيس هذه اللجنة ، بل يكتفي التقرير الخاص بأعمال الجمعية المرفق بنظامها لسنة (1935) في طبعته الثانية التي صدرت عام 1951 بالإشارة إلى ان هذه اللجنة هي لجنة دورية تشكل في كل سنة من الطلبة المتميزين

في كلية منتدى النشر بإشراف احد الأساتذة ، ومن أعمالها بعث الروح العلمية والحماس الديني في الطلبة وتشجيع التوجه الأدبي عندهم بالنشرات المدرسية الخطية ، وإعداد المحاضرات الأسبوعية العامة ، ونتيجة لازدياد حضور الحركة الأدبية في النشرات المدرسية الخطية نشأت فكرة إصدار نشرة مدرسية مطبوعة ، فكانت نشرة ( البذرة ) التي كانت تصدرها لجنة تآخي الطلاب شهرياً ، لتكون ملتقى جهود الطلاب جميعاً ومجمع نشراتهم .
ونتيجة لتطور نشرة البذرة ، التي أخذت تنشر لمجموعة ممتازة من رجال الفكر طـُلـب إلى لجنة التآخي ان يعين للنشرة صاحباً ومديراً مسؤولاً ؛ لأنها أصبحت إلى المجلة أقرب ، وهكذا أصبحت البذرة في سنتها الثانية مجلة صاحبها السيد هادي فياض صدر عددها الأول في 12 شباط 1948.
2- لجنة المجمع الثقافي الديني
تأسست هذه اللجنة في نهاية العام 1944 ؛ بناءً على طلب مجموعة من أعضاء الجـمعـية وهـم الشـيخ محمـد حسـين المـظـفر والشــيـخ محـمد الشــريعـة والـسيد هادي فياض والسيد عبد الحسين الحجار والشيخ محمد جواد قسّام والسيد محمد جمال الهاشمي والسيد محمد تقي الحكيم والشيخ محمد سعيد مانع والشيخ صادق القاموسي والشيخ مسلم الجابري والسيد جواد شبر ، ووافق مجلس إدارة جمعية منتدى النشر على طلب تأسيس اللجنة في 15 ذي الحجة 1363 ﻫ / 1944م مع المصادقة على نظامها المرفق بالطلب .
أما أهداف اللجنة ، فهي جزء من أهداف الجمعية ، إذ جاء في المادة الثانية من نظامها ما يأتي: « أهداف اللجنة هي بعض الأهداف التي أ ُسس منتدى النشر من اجلها وهي رفع مستوى الثقافة، وخدمة العلم والدين من طريق النشر والتأليف والمحاضرات». وقد طرأ بعض التغيير على هذه المادة في نظام اللجنة لعام 1954 بعد إعادة تأسيس جمعية منتدى النشر، إذ جاء فيها ما نصه :» أهدافها [ أي أهـداف لـجنة المـجـمع الثقافي ] بـعـض أهداف الجـمـعيـة وهي العـمـل على رفـع مـستـوى الثـقـافـة الـعـلمـية والأدبـيـة وخـدمـة المبـادئ الإسلامية والذود عنها ، وذلك عن طريق التأليف والترجمة والنشر والمحاضرات وإحداث الروابـط الـثقافـية مع المؤسسات الأخرى وغـير ذلك من الطرق». فضلاً عما تقدم فقد حذفـت كـلمـة ( الديـني ) من اسـم اللجنة وأصـبح اسـمها ( لجنة المجمع الثقافي لمنتدى النشر ).
حدد السيد محمد تقي الحكيم في عدة نقاط الطرق التي يمكن من خلالها تحقيق أهداف المجمع الثقافي ، وهي : « 1- التماس ما في الشريعة الإسلامية من الأسس القويمة التي وضعت لإصلاح المجتمع الإنساني من الوجهتين الروحية والمادية ولتكوين مجتمع مثالي للإنسانية الكاملة ... ووضعها بين أيدي الناس ببزة تلائم الأذواق في عصرنا الحديث .
2- تلافي ما حدث في حالتنا الاجتماعية الحاضرة ؛ وذلك بأنْ تعرض بالتفكير والتأمل لمواضع النقص فيها ؛ لتقوم بتكميلها من أقرب طريق ممكنة على ضوء تلكم الأسس المقدسة .
3- إحياء ذكرى أبطال المسلمين ومفكريهم في مختلف العصور والبيئات ، واستخراج العبر من حياتهم وإرسالها بين الناس .
4- إيجاد التفاهم والتعاون بين رجال الإصلاح في المجتمع الإسلامي الحاضر والاستعانة بآرائهم في تحقيق ذلك الهدف القـيّـم .
5- بعث الكتب الثقافية القديمة دينية كانت أم أدبية ؛ وذلك بإعادة طبعها وطبع ما لم يطبع منها حتى الآن ، على أن يتم كل ذلك من طريق التأليف والنشر والمحاضرات « .
توزعت أنشطة المجمع الثقافي بين أربع أسر في سبيل العمل على تحقيق أهدافه ، وهذه الأسر هي:-
1- أسرة التحقيق والنقد : من ابرز مهام هذه الأسرة البحث عن الكتب الثمينة وتحقيقها تحقيقاً علمياً حديثاً ، وتتبع الدراسات الإسلامية وملاحظة ما يمس المبادئ الإسلامية والرد على ما يستحق الرد منها ، فضلاً عن مراجعة الكتب المقدمة للطبع وإبداء الرأي فيها والإشراف على طبعها .
2- أسرة الأدب : مهمتها إعداد المباريات الأدبية وتشجيع المتبارين ، والتماس الطرق لتجديد الفنون الأدبية، فضلاً عن العناية بالبحوث اللغوية وتيسيرها ، بجانب إحياء ذكرى المناسبات الدينية والبحث عمن يستحق بعث ذكراه من أعلام العلم والأدب. وللأسرة حق الإشراف على تنظيم الحفلات العامة التي يقيمها المجمع وجمعية منتدى النشر.
3- أسرة المكتبة: وتضطلع بالعمل على تنمية وتوسيع المكتبة وتنظيمها تنظيماً حديثاً وإعداد فهارس لها؛ لتمكين الباحثين والمطالعين من الاستفادة منها.
4- أسرة النشر : ومهمتها الإشراف على تحرير مجلتها إن وجدت ، وكتبها الدورية وطبع الكتب التي تقرها إدارة المجمع .
نجح المجمع الثقافي ابتداءً من العام 1946 في نشر سلسلة من الكتب تحقيقاً وتأليفاً ، منها الكتب التي ألفها رئيس المجمع الشيخ محمد حسين المظفر وهي : الشيعة والإمامة ، والصادق وهو في جزءين ، والثقلان ، وله أيضاً كتاب الشيعة وسلسلة عصور الإسلام ، وميثم التمار، وللسيد محمد تقي الحكيم المؤلفات الآتية : مالك الاشتر وشاعر العقيدة والكتاب الأخـير كان في الأصـل مجمـوعة مـحاضرات للسـيد محمد تقي الحكيم ألقاها في لجنة المجمع الثقافي عن الشاعر السيد الحميري ، وطبع الكتاب في بغداد عام 1369ﻫ / 1950م ، وله كذلك زرارة بن اعين وأبو فراس الحمداني أما الشيخ محمد رضا المظفر فنشرت له لجنة المجمع الثقافي جزءين من كتاب المنطق وكتاب السقيفة ، وللسيد محمد جمال الهاشمي كتاب الزهراء وهو مجموعة محاضرات ألقاها في لجنة المجمع الثقافي طبع ببغداد سنة 1369ﻫ / 1950م ، وكذلك كان كتاب أسبوع الإمام ، عبارة من مجموعة محاضرات ألقيت في الأسبوع الثقافي الذي أقامه المجمع الثقافي عام 1945بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد الإمام علي بن أبي طالب(ع) ، وطبع الكتاب في النجف عام 1365ﻫ / 1946م ، وحقق عضو المجمع الشيخ حليم الزين كتاب كنز العرفان في فقه القرآن للمقداد السيوري أحد أكابر فقهاء المسلمين في القرن التاسع الهجري ( ت 826 ﻫ ) ، وفي عام 1956 طبع المجمع كتاب النص والاجتهاد للسيد عبد الحسين شرف الدين ، بتوجيه من أسرة التحقيق والنقد في المجمع الثقافي .
لم تقتصر أعمال المجمع الثقافي الديني على إصدار المؤلفات وتحقيق التراث بل كان من أهدافه أيضا عقد الندوات الفكرية وفيها يلقي بعض أعلام الدين وأقطاب الفكر محاضراتهم القيمة ، بجانب إقامة الحفلات لأحياء ذكرى عظماء الإسلام تلقى فيها المحاضرات والقصائد ، فضلاً عن تخصيص يوم الجمعة من كل اسبوع للمحاضرات العامة. زيادة على إقامة المجمع دورات في بعض العلوم التي كانت الحاجة إليها ملحة في مطلع العقد السادس من القرن العشرين، مثل دورة مسك الدفاتر التجارية ودورة قسم العلوم الرياضية إلى جانب الدورة الخاصة ببعض اللغات الأجنبية.
واستناداً إلى أنشطة المجمع الثقافي وأهدافه والطرق التي رسمت لتحقيق تلك الأهداف يمكننا أنْ نتلمس معايير ومقومات واقع حركة التجديد التي كانت تعيشها النجف وهي ترسم الخطوط الرئيسة لنهضتها الفكرية الحديثة ، وتستوعب المزيد من الطاقات الخلاقة لتفعيل الحياة الفكرية واغنائها من أجل بناء الشخصية الإسلامية القادرة على البقاء والاستمرار .
ومهما يكن من أمر ، فأن مجلة النجف الصادرة عام 1956 ، تعد إحدى الواجهات الثقافية لجمعية منتدى النشر ، ومثل ما هي مجلة البذرة تولى تحرير مجـلة الـنجف وإصدارها طلبة مدارس جمعية مـنتدى النـشر وكلـيـتها ، وقد سجـلت المـجلة باسـم السـيد هادي فياض الذي ترأس تحريرها أيضاً. وهكذا ظلت أعمال جمعية منتدى النشر تتفاعل في المجتمع العراقي عموما والمجتمع النجفي منه على وجه الخصوص لما يربو على الأربعة عقود من الزمن ، علـى الـرغم من العـقبات الكثيرة التي واجـهـتها الجمعـية ، لكـن تـلك العـقبات قـد قـضـت على وجـود الـجمعـيـة فــي نـهـاية المطاف .
• تقييم تجربة منتدى النشر
حـظـيـت جـمـعيـة مـنـتـدى النشـر بدعـم العـديـد من الـمـراجع والعلـماء وبـعـض الأسـر الـعـلـمـيـة المـعـروفـة فـي النـجـف مــثـل آل ياسـيـن وآل بـحـر الـعــلـوم وآل مـشـكـور وآل الـصـافـي وآل الـصـدر ، الـذيـن أرسـلـوا أبـنـاءهـم للــدراســة فـي مدارس مـنـتـدى النشـر وكـلـيـاتـهـا تأيـيـداً لـفـكـرة الإصـلاح الـدراسـي ، فـضـلاً عــن دعــم الـمـرجــعــيـة الـعـلـيـا زمـن الـسـيـد أبي الحـسـن الأصـفـهـانـي (1868 – 1946 ) الـذي أيـد الـجـمـعـيـة فـي فــتـح الـمـدارس فـي الـنـجــف ، وحـرص عــلـى أن تــفـــتــح الــجــمــعــيــة مــدارس فــي مــدن أخــرى . وكــذلـك أجــاز صــرف الــحــقــوق الــشــرعــيــة لــصــالــح الــجــمــعــيــة ، هــذا إلــى جــانــب الــدعــم الــمــادي والــمــعــنــوي الـذي حــظــيــت بــه الــجــمــعــيــة أحــيــانــا مـن مــرجــعــيــة الــســيـد مـحـسـن الـحـكـيـم (1888 – 1970) ، الـذي خـلـف الـسـيـد أبـو الـحـسـن الأصـفـهـانـي فـي تــسـنـم الـمـرجـعـيـة الـعـلـيـا فـي الـنـجـف الاشـرف .
تمكنت المؤسسات التعليمية والثقافية لمنتدى النشر ، في ظل دعم المرجعية والطبقة المتنورة وجهود القائمين على أمر الجمعية ، من تخريج الآلاف من حملة شهادة البـكالوريوس في اللـغـة وعـلوم الشريـعة أكـمل عـدد كبـير منهم الدراسات العليا فضلاً عن تخريج المئات من علماء الدين الأكاديميين الواعين ، الذين رفدوا المكتبة العربية والإسلامية بدراساتهم وبحوثهم ، واستطاعت تلك المؤسسات تحقيق نقلة في الخطاب الحوزوي بدفعه إلى المعاهد الأكاديمية داخل العراق وخارجه ، وبذلك تمكنت من كسر الطوق الذي أحيط بنشر أفكار الجامعة النجفية الكبرى ، فضلاً عن إتاحتها الفرصة أمام بعض رجال الوسط الحوزي في اقل تقدير للاطلاع على العلوم الأخرى في المجتمع في مجالات السياسة والتاريخ والفلسفة والرياضيات وغيرها من العلوم ، وإذا كان لجمعية منتدى النشر بمدارسها وكلياتها ان تفتخر بشئ من انجازاتها التي قدمتها للمجتمع فيكفيها فخراً تقديم ثلاثة أعلام عدّوا من مشاهير المفكرين الإسلاميين ، إذ تجاوزت شهرتهم محيط العراق وما زالت كثيراً من كلماتهم ملئ الآذان ، هم المفكر والفيلسوف الإسلامي الكبير السيد محمد باقر الصدر ، والعالم العامل المرجع الكبير السيد محمد محمد صادق الصـدر والـعـالم والخـطـيــب الـبـارز المـعـروف بعـمـيـد الـمـنـبـر الـحــسيــني الدكـتور الشـيخ احمد الوائلي . هذا مع الأخذ بـنـظر الاعـتبـار تـفاوت تأثـير جمـعية منتدى النشر في ثقافة الشخصيات المذكورة لصالح الثاني والثالث أكثر من تأثيرها على التكوين الفكري للأول ، الذي دخل مدارس الجمعية في مراحلها الأولى فقط .
لم تبقَ المؤثرات الإصلاحية لجمعية منتدى النشر حبيسة مدينة النجف الاشرف ، بل امتدت إلى مدن أخرى ، إذ تم افتتاح فرع للجمعية في الحلة عام 1943 وفي البصرة عام 1945 وفي مدينة الكاظمية المقدسة عام 1943 ، والظاهر أنّ هذا الفرع قد افتتح قبل حصول الموافقة الرسمية بعام أو أكثر ، وقد صادقت وزارة الداخلية على نظام فروع جمعية منتدى النشر في عام 1946 بحسب كتاب قائمقامية النجف ذي الرقم ( 2156 ) في 29 / 4 / 1946 . وفضلاً عن مؤثرات الجمعية داخل العراق امتدت مؤثراتها إلى مراكز شيعية أخرى خارج العراق ، وقد المحنا إلى هذا الأمر سابقاً .
ومع ما حظيت به جمعية منتدى النشر من تأييد المرجعية وبعض الأوساط المثقفة ، إلا أنها في مقابل ذلك جابهت عدة عقبات وعراقيل حالت دون تحقيق كامل أهدافها المرسومة . وعلى الرغم مما قدمته الجمعية من خدمات للمجتمع العراقي ، إلا ان نظرة المعارضة والرفض من المجتمع بشكل عام والوسط الحوزوي بوجه الخصوص اتجاه الجمعية لم يطرأ عليها تغيير ملموس حتى أواسط الستينيات من القرن العشرين بعد ان رأى المجتمع الثمار الحقيقية للتجربة الإصلاحية التي نهضت بها الجمعية ، حين ازداد عدد العلماء والشعراء والخطباء والمثقفين من خريجي منتدى النشر ، وجاء ذلك بعد مضي قرابة الثلاثين عاماً على التأسيس كانت مليئة بالمعارضة والصدود.
وعلى الرغم من مراعاة جمعية منتدى النشر مسألة عدم مفاجأة الرأي العام وإتباع اسلوب التدرج في الإفصاح عن أهدافها ، إلا ان مجافاة طلبة المنتدى كان طابعاً عاماً في الوسط الحوزوي، ذلك الوسط الذي يحتاجه طلاب المنتدى في التدريب على أساليب المناقشة والجدل العلمي ،غير أنـّهم كانوا يواجهون بعدم الاعتناء واللامبالاة ، بل بالاستنكار والتصدي في بعض الأحيان ، ولا ينكر وجود بعض الاستثناءات ، لكنها كانت قليلة ، وربما يعود سبب ذلك إلى ان بعض أساتذة المنتدى ومنهم الشيخ المظفر كانوا كثيراً ما يرتادون المجالس والأندية النجفية مستصحبين معهم عدداً من الطلاب مع إفساح المجال لهم لعرض المسائل العلمية ... ويسود الجدل العنيف بينهم وبين عدد من فضلاء الحوزة ، الأمر الذي يثير بعض النفوس فكانت المشاكل تتوالد وتتراكم على غير ما هو متوقع.
كانت قناعة الشيخ المظفر بضرورة الإبقاء على بعض الأعضاء المنتمين إلى البيوتات النجفية المعروفة من الأسباب المهمة التي أدت إلى عدم تقدم مشروع الجمعية بخطوات سريعة ، وذلك لكثرة اعتراضات أو مخالفات أولئك الأعضاء ولجاجتهم ناهيك عن إصرارهم على فصل بعض الأعضاء فصلاً نهائياً مما حرم الجمعية من بعض العناصر المفكرة ، هذا فضلاً عن عدم استناد الجمعية على جهة معينة في تمويلها.
شغلت المساعدات حيزاً كبيراً في حجم واردات الجمعية ، ففي ميزانية السبع سنوات (1949 – 1955) شكلت المساعدات أكثر من نصف واردات الجمعية البالغ مجموعها ( 9249 ) ديناراَ و( 892 ) فلساَ ، أسـهـمـت الـمـسـاعــدات فيـها بـما مجموعه ( 4998 ) ديناراً و(599) فلساً . بينما بلغت نـفـقـات الجـمعية خلال المدة نفسها (11734) ديناراَ و(86) فلساَ والعجز واضح في الميزانية ؛ إذ بلغ(2484) ديناراَ و (194) فلساَ ، فلم تكن واردات الجمعية ، المتأتية من إيجارات عقاراتها وبيع مطبوعاتها ورسوم اشتراكات الأعضاء تكفي لسد نفقاتها فتلجأ إلى القروض ؛ لذا شكل العجز المالي عائقاً آخر أمام تـطـور الجـمـعيـة التي تـعتـمـد على المساعدات بشكل كـبـيـر ، وإذا ما علمنا أن تـلـك المساعدات غير ثابتة فـهي بين مد وجزر بحسب الظروف ، أدركنا مدى الصعوبات المالية التي كانت تعانيها الجمعية .
كـانت المواقف السـياسـية من جمـعيـة مـنتدى النـشــر ، وبـخـاصة بـعد الـعام 1968 ، العائق الأكبر أمام تحقيق الجمعية كامل أهدافها التي أرادت تتويجها بإنشاء جامعة منتدى النشر ، بيد ان الوضع السياسي بات يهدد وجود الجمعية بالكامل وذلك بتأميم مؤسساتها التعليمية كافة كما مر بنا . أعقبها القضاء على وجود الجمعية نهائياً نظراًً للظروف السياسية الساخنة والزاخرة بالإحداث التي شهدتها النجف في عقد السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن العشرين .
لم تكن جمعية منتدى النشر هي الجمعية الإصلاحية الوحيدة في النجف الاشرف ، بل كانت هنالك جمعيات أخرى إلا أنها كانت اقل تأثيراً ؛ لأنها لم تكن قادرة على تحقيق أهدافها الكبيرة ، فظلت تراوح في مكانها ، وهذا الأمر ينطبق على جمعيتي الرابطة الأدبية والتحرير الثقافي على اختلاف مستوى الفاعلية بينهما لصالح جمعية الرابطة الأدبية ، التي أسسها عام 1932 مجموعة من الأدباء على رأسهم الشاعر المعروف محمد علي اليعقوبي ، لتربط بين الشعراء والأدباء ، وهي أول مؤسسة ثقافية أدبية في تاريخ النجف الحديث، ويقع ضمن أهدافها كذلك العمل على إيجاد حلقة وصل بين رسل الثقافة في العالم العربي وجامعة النجف العلمية .
أسهمت الجمعية مساهمة فاعلة في بعث الحركة الأدبية في النجف ، وكانت رائدة النهضة الأدبية الحديثة فيها ، عٌرفت أيضاً بندواتها ومجالسها الأدبية بجانب قيامها بنشر بعض الكتب الأدبية والدينية مثل ديوان الشبيبي والفلسطينيات وجهاد المغرب العربي والقرآن الكريم والطب الحديث ولمحات من حياة الشيخ اليعقوبي ، وإصدار سلسلة أدبية بعنوان في الرابطة الأدبية .
شهد نشاط جمعية الرابطة الأدبية تراجعاً مطلع الخمسينيات من القرن الماضي ، ولم يكن نشاطها بالسعة التي كان عليها نشاط جمعية منتدى النشر ذات الفاعلية الأقوى في مختلف أوجه النشاط الاجتماعي . وبالمقابل اقتصر نشاط جمعية الرابطة الأدبية على المجالات الأدبية ، الأمر الذي أدى إلى خلق جفوة ونوع من المنافسة بين الجمعيتين على حد تعبير الشيخ باقر شريف القرشي ، احد الأعضاء البارزين في جمعية الرابطة الأدبية . ويبدو أنّ تلك المنافسة قد وصلت إلى حد الخصومة في بعض الأحيان ، والى شيء قريب من هذه المعاني يشير جعفر الخليلي.
أما جمعية التحرير الثقافي التي أسست عام 1945 ، من بعض طلاب الحوزة العلمية وغالبيتهم من طلاب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، وكانت الجمعية تهدف إلى محاربة الأمراض الاجتماعية ، والسعي لنشر المبادئ الخلقية السامية للإسلام وخدمة اللغة العربية والسعي لنشر العلم والثقافة .
فتحتْ جمعية التحرير الثقافي عام 1946 مدرسة ابتدائية وما لبثت ان فتحت مدرسة ثانوية . كانتا من بين المدارس التي أُممت عام 1970 . وقد راعت الجمعية في مدارسها مسألة تدريس العلوم الدينية بجانب العلوم الحديثة ، وأصدرت الجمعية عام 1957 مجلة النشاط الثقافي التي عُرفت باهتماماتها الثقافية والأدبية ، وقد حظيت الجمعية بدعم وتأييد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء .
أكد مؤسسو جمعية التحرير الثقافي تأثرهم بأنشطة جمعيتي الرابطة الأدبية ومنتدى النشر ، لكن جمعية التحرير الثقافي كنظيرتها الرابطة الأدبية لم تبلغ ما بلغته منتدى النشر من الأهمية والتأثير ، ولم تكن قادرة هي الأخرى على تحقيق أهدافها الكبيرة لذا بقيت تراوح في مكانها .