التحليل الروائــي للقرآن الكريم..  منهج جديد في تفسير القرآن

التحليل الروائــي للقرآن الكريم.. منهج جديد في تفسير القرآن

عبد الباقي يوســف
صدرت الطبعة الأولى 2016من المجلد الأول من أحدث تفسير للقرآن الكريم وفق منهج جديد مُبتَكر للروائي والأديب والقاص السوري عبد الباقي يوسف، وقد حمل هذا التفسير عنوان: (التحليل الروائي للقرآن الكريم) حيث تناول فيه المؤلف تحليل السور الخمس الأولى، هي: (الفاتحة، البقرة، آل عمران، النساء، المائدة) وذلك على مدار 640 صفحة من الحجم الكبير، وقد صدر في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق.

الجديد في هذا العمل التفسيري، أنه يبتكر، ويؤسس لمنهج جديد في علوم تفسير التنزيل الحكيم، والتحليل الروائي في هذا العمل، يعني الرواية بشكلها الحداثي الجديد، فنكون بذلك أمام عمل كما لو أنه سرد روائي لسيرة القرآن الكريم، فنرى الأشخاص، يتحركون في هذا العمل، ونرى الحوارات بين الله والرسل، ثم الملائكة، ثم الشيطان، نرى كل ما يكون حاضراً في القرآن يتحرّك وفق سياق روائي متكامل بتقنية وفنية عالية.

يقول المؤلف في تعريف منهجه كما أوردت شبكة الإعلام العربية (محيط): يُعنى التحليل الروائي بتحليل الكلمة القرآنية تحليلاً روائياً، بمعنى مدى ترابطها بالكلمات الواردة قبلها، والكلمات التي سترد بعدها، والكلمة القرآنية هنا هي مختلفة عن الكلمة غير القرآنية، لأن توظيفها في القرآن يُكسبها ويُغنيها بمعان واستدلالات لاتكون لها في توظيفها في غير القرآن، وهذا ما يجعلنا نكتشف أن اللغة العربية كم كانت فقيرة باكتشاف معانيها وغناها ومدلولاتها قبل أن يُشرّفها الله تعالى بحمل رسالة القرآن، ولعل هذا ما حض أهل النبوغ كي يفتحوا في هذا الحقل فتوحات جديدة ما كانت للغة العربية من قبل نزول القرآن الكريم، وهي الفتوحات اللغوية التي كمنت في المعاجم والقواميس اللغوية، ويُسجّل في ذلك للبخاري أنه أول مَن استخدم كلمة(معجم)، ثم بدأ استخدام كلمة المعجم في الكتاب المعجمي الأول المخصص في علوم اللغة العربية (معجم مقاييس اللغة) ومن القرآن كانت الانطلاقة التي تكللت بكل تلك المعاجم والقواميس اللغوية.
ويقول كما تناقلت وكالة الأنباء(ميدل أيست أونين):
التحليل الروائي هنا يشتغل على خصائص البنية الروائية المتماسكة والمترابطة مع بعضها البعض، سواء في جوهر العلاقة بين الكلمة وصنوّتها، أو بين الآية وصنوّتها، أو بين السورة وصنّوتها، وعلى هذا النحو يجلو لنا كيف أن السور القرآنية تتحوّل إلى فصول متناغمة ومتداخلة مع نسيج بعضها البعض، ومستكملة الأركان لبعضها البعض، لتتشكّل من هذا كله عمارة البناء القرآني المجيد.
يُظهر هذا المنهج العنصر الروائي في خطاب القرآن الذي يتحوّل إلى مجموعة هائلة من القصص التي يقصّها الله سبحانه وتعالى على رسوله، ويصفها بـ:[أَحْسَنَ الْقَصَصِ]يوسف 3، ولايعني ذلك أن :[أَحْسَنَ الْقَصَصِ]هي قصص إيجابية فحسب، بل هي في مجملها مزيج من قصص إيجابية، وقصص سلبية معاً، لكنها في وجهَيها [الْقَصَصِ]الـ [أَحْسَنَ]في اتخاذ العِبر منها، فهي الـ [أَحْسَنَ] صلاحاً لاستنباط واستخراج هذه العبر منها، كون مضامينها هي مضامين مفتوحة يمكن لها أن تقع في كل زمان ومكان، أي أنها قابلة لأن تتكرر في مضامينها وفق أشكال وألوان مختلفة لأنها تمس عمارة الحياة في كل زمان ومكان، فهي إذن أحسن العِبر الكامنة في ثنايا هذه القصص التي يمنّ الله تعالى على الإنسان بأنه يقصّها عليه.
أمام هذا الترابط التصاعدي بين هذه الكلمات، ثم هذه الآيات، ثم هذه السور، يتناول منهج التحليل الروائي مسألة العلاقة بين هذه الكلمات والآيات المتناثرة في عموم سور القرآن، ذلك أن السورة هي غير منفصلة عن الأخرى، كما الأمر بالنسبة للكلمة، والآية، فالسورة هنا هي فصل قرآني تابع، ومتبوع له. ص269

يتناول المؤلف آيات السورة القرآنية، آية آية بشكل فرعي مستقل، يتبع الباب الذي يكون فيه بحيث يقوم بفرز الآيات الكريمة إلى أبواب، وكل باب يحمل عنواناً يشير إلى الموضوع الذي يشتغل عليه الباب، بغية استخراج المعنى.

ممّا جاء في هذا المجلد:

لا يوجد لدينا من حجة ما هو أصدق من القرآن والسنّة، ولكن هذا لايعني بأن الإصابة تكمن في أنك تقدم آية كمستند وحجة لتُثبت بها معنى آية أخرى، أو تستند في تفسيرك وتأويلك وتحليلك إلى الأحاديث النبوية، أو أحاديث بعض الصحابة رضوان الله عليهم. وهو توقع خاضع للإصابة بدرجات متقدمة، وخاضع للخطأ بدرجات فادحة، وهذا مكمن سرّ بقاء شمس القرآن مشرقة دون أن تخضع للغياب في أي زمن.تكمن المسألة هنا بأننا نتعلم اللغة العربية، ونتحدّث بها حديث الناس للناس، حتى أخذت الكلمات تشير إلى معانيها في ذاكراتنا من كثر استخدامها، لكن عندما يُنزل الله قرآناً باللغة العربية، ولعلها المرة الأولى التي ينزل فيها كلام الله باللغة العربية، والمرة الأولى التي يكون فيها الرسول والنبي عربياً خلال التاريخ البشري برمته، وذلك تشريف للغة العربية أولاً، ثم تشريف لأمة العرب ثانياً، فإن كلام الله سبحانه وتعالى يختلف عن كلام الناس، كونه أكثر رقياً، وأكثر غنى وتوظيفاً لمعاني هذه الكلمات، ثم أن الذي يتحدّث هنا، هو الله تبارك وتعالى، فإذن علينا أن نرتقي إلى فهم كلام الله، ولذلك فإن القرآن يدعو إلى التفكر، والتعقل، والتدبر في القرآن أكثر مما يدعو إلى قراءته، لأن الناس جميعاً يقرأون القرآن، لكن لعلهم لايبلغون تلك المراتب التي يتلقون فيها كلام الله ويتفاعلون معه، من هنا فإن الذين يقرأون القرآن قراءات تدبرية تعقلية، تفكرية، جعلهم الله تعالى مراجع لعامة الناس الذي لايبلغون تلك المراتب، وأسماهم الله:[ أَهْلَ الذِّكْرِ] أي أهل القرآن، فالقرآن لم ينزل ليُقرأ فحسب لمجرد القراءة، بل ليُقرأ ويُفهم، لأن المطلوب هو العمل بما قد قرأ القارئ، وليس المطلوب هو القراءة تلو القراءة لمجرد القراءة، وذلك من أولويات ما يُعنى به علم التفسير القرآني، الذي تكمن مهمته في دعوة الناس إلى فهم القرآن، لأن الراسخ في علم القرآن يمكنه أن يبلغ درجات متقدمة من فهم القرآن، وبالتالي يكون أهلاً للمرجعية القرآنية بحسب ما شرّفه الله بهذه المرجعية: [فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ]النحل43 ومَن أكثر من المفسر استيعاباً وفهماً للقرآن، ولذلك يرجع إليه أئمة الفقه، والفكر، وسواد الناس، فإن ما قدّمه المفسرون عبر التاريخ القرآني، هي علامات فقهية وعلمية بارزة، لايجوز الاستغناء عنها، أو تجاهل بعضها، فهي جميعاً تتكامل ببعضها البعض من مختلف الأحقاب الزمنية، وفق التسلسل الحضاري للإنسان. ولذلك فإن المجتهد في شأن علم القرآن، عليه أن يطلع عليها جميعاً، أو ما استطاع إليه سبيلاً، حتى يكون على اطلاع بما قاله الأولون، والأسبقون، وهذا التراث الفقهي والعلمي يُشكّل بنية له، ومن هنا يدرك إن كان بوسعه أن يقول ما لم يقله غيره، أن يكتشف ما لم يكتشفه غيره، أي أن يضيف علامات مضيئة إلى ذاك الإرث الفقهي والعلمي في علوم القرآن، وقد يكون ذلك لأنه أكثر إبحاراً ورسوخاً وذكاءً ونبوغاً من كل أولئك، وقد يكون أنه مثلهم، لكن المنجز الإنساني، وما ظهر بحكم الزمن أعانه على اكتشاف هذا الجديد، الذي لم يكتشفوه، لأنهم لم يدركوه، وقد يكون أقل منهم ذكاءً وعلماً وفقهاً، بيد أن المنجز الإنساني، وعامل الزمن أعاناه على اكتشاف ما لم يكتشفوا، وتفسير ما لم يفسروا.
نستنتج بأن الآفاق بدت مفتوحة أمام الإنسان ليقدّم ما يمكنه أن يقدّمه في شتى المجالات استنادا على ما قدّمه الأنبياء والرسل خلال التاريخ البشري، وعلى ذلك نرى أن المنجزات البشرية بدأت تتوالى بعد ذلك بما لعله لم يكن يخطر على بال أحد، وإذا نظرنا إلى سائر المنجز البشري قرناً قرناً بعد أن أكمل الله للناس دينهم، وأتم عليهم نعمته، ورضي لهم [ الإِسْلاَمَ دِيناً] سنرى بأن كل قرن بدأ يغتني بكل أشكال وألوان المكتشفات الهائلة بشكل متقدّم أكثر مما كانت عليه هذه القرون في العهود السابقة حيث كانت الحضارة الإنسانية تمضي بطيئة متماشية مع مراحل تقدّم الدين وتدرّجه في كماله، ولذلك فإن ما حققه الإنسان في ألف سنة ما ضية، يفوق ما حققه في آلاف السنين الماضية، وعلى هذا النحو ما حققه في المئة سنة الماضية، كان أكثر تقدّماً مما حققه في الألف وأربعمائة سنة الماضية، والإنسان يعمل في تقدّمه العلمي والحضاري رغم بقاء أهل الشر، واستمراريتهم في ممارسة كافة ألوان وأشكال الشر والدمار، لكن أهل الخير من أبناء الإنسان يتواكبون في المواجهة، ولم يتركوهم لنزوعات أهل الشر العدوانية، فإن ابتكر أهل الشر وسيلة دمار جديدة، ابتكر أهل الخير وسيلة عمار جديدة، وإن ابتكر أهل الشر وسيلة نشر أوبئة جديدة، ابتكر أهل الخير وسيلة علاج جديدة، وإن ظهر طاغية يطغى على الناس، ظهر عالِم خفف عن الناس، والآن وبعد كل هذه المسيرة البشرية في هذا الصراع بين المعمّرين، وبين المدمّرين، إذا نظرنا إلى واقع الأمر، سنرى بأن ما ينعم به الإنسان من أمن ورفاه في بقاع أرض الله، يفوق ما يلقى فيه الإنسان من الكوارث البشرية، وموجات الاضطراب في بقاع الأرض، وبذلك فإن الذين يتمتعون بالنعيم، والرفاه، والآمن، هم أكثر عدداً من الذين يفتقدون إلى ذلك من البشر، وهذا يعني بأن عجلة البناء تتقدم عجلة الهدم، وعجلة الحضارة الإنسانية تتقدم عجلة التخلف والعودة إلى الوراء.