عتبة العنوان والإهداء الشخصي... المجاميع الشعرية لحيدر عبد الخضر أنموذجاً

عتبة العنوان والإهداء الشخصي... المجاميع الشعرية لحيدر عبد الخضر أنموذجاً

قراءة: داود سلمان الشويلي
من الامور المهمة والبالغة الخطورة في تقييد النص الشعري داخل كتاب (مجموعة شعرية) هو حسن انتظامه الخارجي والداخلي، لانه نص يبقى مولدا للدلالات، وهذه الدلالات لا تتأتى ما لم يكن هذا النص الشعري منتظما، وعكس هذا هو الفوضى، والتي تؤدي الى فوضى في الدلالات تنفي شعرية النص وتحيله الى نثر عادي.

سأتناول في هذه السطور دراسة العنوان من حيث انه عتبة للدخول في النص او مجموعة النصوص التي تضمها المجموعة، وكذلك دراسة الاهداء الذي كتبه الشاعر في الصفحة الاولى من مجموعته وقدمه لي.
عتبة العنوان:
ومن هذا المنطلق نذكر ان للعنوان دورا بارزا و كبيرا وفعالا في توجيه القراءة والسماع لانه يعتبر بؤرة تتجمع فيها دلالات النصوص الشعرية في المجموعة اذا كان هذا العنوان عاما لكل المجموعة، لهذا نراه قد نال نصيبا كبيرا من الاهتمام عند التأليف، او في الدراسات النقدية الحديثة، ومنها دراسات نظرية القراءة.
وليست خفية تسميته بعتبة النص، إذ انه يمثل عتبة ومدخل الدار في حياتنا اليومية، فهو مدخل المجموعة او القصيدة لوحدها، وبهذا يكون من الامور الواجب الاعتناء بها، والاهتمام باختيار كلماته وعباراته من الناحيتين المعنوية والدلالية.
والقراءة السيميائية لها تشكل فيما تشكله الصورة البصرية للعنوان كما الصورة الخطية له، المرآة العاكسة للمدخل الذي سيلجه القارئ ليدخل الى المجموعة الشعرية،او القصيدة، ويحتاج من القارئ ان يقوم بعملية تفكيك له ليصل الى المساحات الشاسعة لمتن النصوص، ولما تقدمه قصائد المجموعة من صور وافكار ورؤى، وما يندرج تحت ما يمكن ان نسميه الجمالية الفنية والشعرية لنصوص المجموعة، إذ انه لا يعطي نفسه من الوهلة الاولى، بل ينتظر قراءة النصوص التي يحتويها الكتاب المسمى بهذه التسمية.
ان تأطير كامل نصوص المجموعتين بهذين العنوانين معناه ان هذه النصوص سوف لن تخرج عن نطاقهما ان كان ذلك فكريا او منهجيا، دلالات ومعانٍ، وهذا ليس معناه انتفاء الحاجة الى التعدد النصي كما عند كريستيقا عند تعريفها لمصطلح (التناص) ان كان ذلك في المرجعية او التعبيرية الخاصة بالنصوص وليس بالعنوان، اذ يبقى النص منتجا لنفسه، ولكن ضمن حدود عنوان المجوعة الذي هو العتبة الاولية لكل نصوصها، فيبقى النص قابلا للانفتاح، الا ان المجموعة وعتبتها غير ذلك.
في عنواني المجموعتين نجد ان الشاعر قد استخدم في جملة العنوان نقاطا فاصلة بين كلماته.
ففي عنوان المجموعة الاولى (هذا غبار.. دمي) استخدم نقطتين فاصلتين بين نصفي العبارة، حيث جاء في النصف الاول عبارة (هذا غبار) وفي النصف الثاني لفظة (دمي)، وهذا اجراء اتخذه الشاعر لتأكيد ان الغبار هذا هو غبار دمه هو وليس غبار دم اخر، لان النقطتين قد جاءتا لتأكيد الوقفة الشعرية في القراءة لعنوان المجموعة لتعمل في المتلقي بعض الادهاش، الا انه لم يستخدم التنقيط عندما دون القصيدة في المجموعة (وهي بالتسلسل 15 على ص52) وذلك لان الادهاش والصدمة ستتوزع بين ابيات القصيدة نفسها من خلال النقاط التي وزعها الشاعر داخل ابيات قصيدته، فهو يقول في القصيدة:
* لادانة ما تساقط
من قفص.. الببغاء
آويت.. فحولتي
الى جدار.. اعزل
آويت العقم.. الى اوردة
محشوة
بالتبغ والنعاس
برهنت على انكفائي..
فيما ترك البيت الاخير من القصيدة قابلا للتأويل،وكثرة الكلمات المختارة،اذ يقول:
* العائلة
كانت:
ما زلت محتاجا الى...
وكذلك، فان العنوان هذا يضم تحت جناحيه النصوص الشعرية للمجموعة كافة، ولا يكون مختصا بالقصيدة الحاملة له فقط.
في عنوان المجموعة الثانية، استخدم الشاعر التقنية نفسها لزيادة الدهشة عند المتلقي، و فصل كذلك بين قسمي العنوان بثلاث نقاط، وهي وقفة اطول من سابقتها في عنوان المجموعة الاولى.
قسم الشاعر عبارة عنوان مجموعته الى قسمين، الاول فيه نصف العبارة الذي يؤكد ان هناك جسدا قد تعثر (جسد تعثر)، وعندما يسأل المتلقي بماذا تعثر هذا الجسد؟ يأتيه الجواب: انه تعثر (بالندى) فتكون الصدمة ومن ثم الادهاش مرتسما على وجوه المتلقين.
فلو جاءت عناوين المجموعتين بدون فصل لما كان هنا اي ادهاش او صدمة عند قراءتهما، لان (هذا غبار دمي) يختلف عن (هذا غبار.. دمي) في حدوث الادهاش والصدمة، وكذلك في العنوان الثاني (جسد تعثر... بالندى).
ان العنوان يعتبر بؤرة اثارة، ومن ثم ادهاش لما فيه من طاقة تولد الصدمة، اذ يكثف طاقات النصوص كلها ويطلقها مرة واحدة فتحدث الصدمة.
***
الاهداء الشخصي:
جاء في كلمة الاهداء التي كتبها الشاعر على الصفحة الاولى من مجموعته الاولى وهو يقدمها لي ما يلي: ((هذا الغبار الذي بين يديك.. دمي ارتله عليك ستتلمس فيه خراب روحي وارتجاف اناملي على جسد هذا الوطن المكبل بالوجع والخسارات... عل اناملك وهي تتنفس هذا الغبار تروي ازهار فلبي المتيبسة وروحي المطعونة بالمرارة والخيبة والخذلان)).وعلى الصفحة الاولى من المجموعة الثانية نقرأ اهداء الشاعر لي، فيقول: ((عذرا فهذه اجسادنا المكبلة بالخيبة والمرارات.. وهي ما زالت تصرصر على حافات الهلع والالم والجنون)).
المجموعتان تنضح نصوصهما بما جاء في الاهداء، ان كان للوطن او لروح الشاعر،فهم سواسية، لا فرق بينهما، هو يعيش في كنف الوطن، والوطن يحوية ويضمه، احدهم متلبس بالاخر.
نقرأ في نصوص الشاعر خراب الروح وتيبسها، وارتجاف الانامل، ونقرأ فيها ما يمكن قراءته على جسد الشاعر والعراقيين الخيبة والمرارة والخذلان.
***
هكذا تأتي قراءة العنوان، والاهداء الشخصي، بمجسات تتحسس ما في النصوص الشعرية من آلام واحزان، وكذلك جنون.
سنترك الحديث عن لون، ونوع خط العنوان، والصور او اللوحات المرافقة له على غلاف المجموعتين، لان ذلك ليس من وضع الشاعر، بل هو من وضع المصمم الخاص بدار النشر.
***
المجموعتان الشعريتان للشاعر صدرتا عن دار الشؤون الثقافية العامة في سنوات – 2010 – و 2016.