علي لفته سعيد
ان الرواية التي تتخذ من الواقع منطلقا لتأثيث كيانها ستكون محفوفة بالمخاطر لان المخيلة هنا ستكون ضيقة ومنسابة لفعلها الواقعي ومتأثرة بعاطفة الوقائع ومنغرزة بتلابيب الهدف المعلن الذي جعل من الثيمة الواقعية هي الاساس في قيادة السرد بكل فعالياته اللغوية والخيالية والحوار والمفردة والمكان والزمن لان أية حالة مغادرة عن هذه المعطيات او المرتكزات
سيكون هناك خلل واضح في تقبل واقعية الروي إلّا إذا كان الروائي المنتج قادرا على تحريك راويه او رواته داخل بنية الكتابة وبالتالي قادر على تأليب الواقع على المخيلة وقادرا على تغليب المخيلة على الواقع لإنتاج نص روائي قادرا على الاتيان بما هو مقبول من المتلقي الذي سيكون اما تساؤل هل ما قرأه حقا حقيقة او هو خيال واقعي؟ لان الفكرة الواقعية ستكون تحت مطرقة المتلقي خاصة اذا كان الحدث الذي يشكل قلب الفكرة قريبا منه وقد مر عليها او مرت عليه او حتى سمعها من وسائل الاعلام ومن هنا تكمن الخطورة من جهة وامكانية الروائي في مسك الواقع والخيال في المتن السردي.
الفكرة
للرواية فكرة أو ثيمة او حدث وفكرة عذراء في سنجار ربما تعدت فكرة الرواية الواحدية أو فكرة حكاية جزء من الحياة بل ان الفكرة طاغية على المتن لأنها الاساس في تحليق فكرة الروي.. الفكرة امرأة قديسة او هكذا اريد لها ان تكون تنكشف لها الحجب في ظاهر الحكاية لكنها صيرورة الروائي في الكشف عن المخبوءات. لذا فهي امرأة قادرة على الهروب والمكوث معا بعد الاستباحة الداعشية للمدينة لكشف كل اسرار المدينة الجديدة المخفي عن الإظهار امام العالم الا من جهة واحدة.
الفكرة كيفية غسل الأدمغة ، كيفية الاستسلام من اجل الحياة وتحت ضربة الخوف وفكرة النزوع نحو الموت حتى بقتل الاطفال وثقافة الماضي والتاريخ.. الفكرة وضوح التضادات والعبادات والتفاعل والتخاصم والكشف عن انحطاط النفوس وضعفها واستسلامها واستلابها وكيف يتحول الانسان الى آلة ولسانه الى كفر واسئلة بلا توقف وأجوبة هاربة.. الفكرة تدمير الحياة واشاعة الخراب من أجل ايديولوجية لا تؤمن بالآخر والمكوث في كهف التاريخ والتمركز في القوة والولوغ في الدم..الفكرة هذا التغيير والتغير في الفكر البشري والانصياع السريع نحو المتغيرات واعلاء شأن التناقض في التصرف والانتماء ، بل ان الرواية تكشف همجية العقل البشري رغم انه حتى وقت قريب كان مثالا للإنسانية ولكن التطرف له قدرة على تغيير الاخر لاعتماده على الغيب وحاجة الانسان الى الآخر كونه مؤمنا بأنه مسير لا مخير..الفكرة ان مجنونا في المدينة ربما يكون أعقل من الاسوياء لأنه لم يندمج مع المتغيرات وسيكون راويا قادرا على الانطلاق ( عندما يبقى مجنون واحد في المدينة ستصبح لها ذاكرة لا تنسى) ص54
الفكرة هي تأطير قذارة الاحتلال والتعصب الديني والافكار المتطرفة وكيفية الاعتناق الإكراهي ليكون سبيلا لتحقيق الرعب والمآرب وتكفير الآخرين وهي واحدة من طرق الهلاك اليومي في تصفية المخالفين والمرتدين .
الفكرة ان في الحرب يصبح اللامعقول معقولا فكيف بالسبي والخطف والمتعة.. المرأة الحامل سجل صارخ بديل عن تعطل العقل امام المأساة.. الفكرة هي الامل. الحمل الذي يولد في الرحم ليكون انتظارا قادما وان نقيض اليأس والضجر والحزن والاستسلام.
مستويات السرد
تعتمد بنية الكتابة في مجمل المتن السردي للرواية على المستوى الإخباري التصويري أو المستوى التصويري الاخباري.. والمستوى التصويري يأخذ حيز الوصف الذي يمكن الراوي من الاستمرار في ملاحقة داخل الشخوص وعلامات المكان وارتباطهما بالثيمة والوقاع وهي طريقة تحفل بالأسئلة التي تعتبر نقطة تحول في الصراع والانتقال الى صراع آخر.. والرواية تبدأ بمستوى مفتوح لتنتهي بمستوى مفتوح من التصوير غير النهائي للواقعة التي اعتمدتها ثيمة الرواية التي بدأت كاستهلال في فضاء مفتوح تم اغلاقه سردياً بين السطح الذي يمثل السماء وبين المرأة التي تمثل الحياة لتنتهي بين الحالتين في تنويع الثيمة بين الانغلاق الاول الذي بدأت به الرواية وبين الانفتاح الأخير لنهاية الرواية حيث الحوار بين المرأة وروحها المعلقة بصقر.. وهو ما يجعل الثيمة تمتلك رمزية التأويل المرأة والكلب والصقر والغراب وهي دلالات عميقة لها تأويلات اجتماعية مرتبطة بالفهم العام وبين الدلالة الخاصة بما هو موجود من عقيدة دينية لدى الطائفة التي تحدثت عنها الرواية وهي الديانة الايزيدية من خلال استغلال واستلهام وتثوير ما حصل لأفراد هذه الديانة على يد تنظيم داعش حينما احتل الموصل..
ان بنية الكتاب لم تكن تعتمد على التصاعد الحدثي فقط كثيمة واقعية بل ان الروائي ادخل في حيثياتها ما يمكن ان يكون فعلا دراميا من جهة وفعلا تشويقيا من جهة أخرى أضافة الى ما اجبرته الاحداث على انتهاج مثل هكذا اسلوب لان الواقعة لم تنته فجعل الشخصيات المحورية وخاصة المرأة الحامل هي محور الحركة الزمنية وهي التي اعتمدت ثيمتها على الحديث الفنطازي او الميتافيزيقي ليمنح الدلالة الرمزية لها فكل العناصر التي تتواجد مع المرأة تنقسم الى قسمين : اجساد حية مثل المرأة العجوز التي تمثل التاريخ العاجز عن الحركة والرجل الذي اهداه الله ورقة سقطت من حمامة ليكون مسلما ويعود الى المدينة والتي تتمحور حوله كل الاحداث ويكون هو الراوي العليم بالتناوب مع الروائي والذي يمثل بؤرة البحث عن التفاصيل الاخرى وكذلك الفتى.. فيما يكون القسم الثاني هي الشجرة التي نبتت في مكان القتل للزوج وكذلك الصقر الذي يتضح فيما بعد انه شخصية أخرى وكذلك الحيوانات الأخرى التي تليها دلالات وجودية تارة ودلالات تأويلية تارة اخرى سواء دلالات روائية كبنية متن سردي مخيالي من قبل الروائي او دلالات لفظية تشويقية للأخذ بيد المتلقي الى حيث يريد الروائي ان يسحبه معه ليتحول المتن المخيالي الخاص بدلالة المرأة الحامل وان يحيطها الى مبنى قادسي أو بؤرة مقدسة تحمل من التنبؤات ما يعين السارد على ربط الاحداث من جهة فضلا عن ما يمكن له ان يأتي بأحداث جديدة ويدخلها في المتن السردي لأنها قابلة للتمدد وحتى قابلة للتكرار لتوضيح معالمها رغم ما يساورها من قلق والترقب وهي بنية أرادها المؤلف ان تكون منطلقا اساسيا لوادية الرمز والدلالة حتى من خلال العناوين الفرعية لأقسام الرواية لأنها طريق ممهد لمعرفة الحدث او ربط العنوان الفرعي بذائقة الروائي .
ان المستوى التحليلي في الرواية يأخذ حيزا كبيرا في معالجة فهم الديانة الايزيدية وهو يعد أحد الأعمدة التي ترتكز البنائية والادارة من جهة وفهم الصراع من جهة أخرى حتى ان هذا المستوى هو بوابة تدخل الروائي لتحريك الراوي ليكون في مواجهة معضلة الصراع المتشعب ليقول ما يريد قوله على لسان شخصيات الرواية . ولهذا فان اللجوء الى الممازجة بين الإخبار في المتن والتحليل في تنوع الإخبار كان هناك تحليل خبري ايضا للمعلومات عبر ما يمكن ان يوثقه داخل حركة الشخصيات لإثبات الحقيقة التي هي وحدها المقبولة لتثبيت عنصر المكان.
التقشير والارتكاز
تعتمد بنية الكتابة ايضا على تقشير الحدث وتوزيعه على فصول الرواية والارتكاز على محورية واحدة تعددت منابعها من خلال الاخذ بشخصية محورية ( سربست ، آزاد ) والبحث عن نشتمان البنت الأسيرة المعادل الموضوعي الذي تدور حوله المستويات الاخرى التحليلي والفلسفي والقصدي فيما يقشر الراوي الشخصيات الأخرى بطريقة تقشير البرتقالة الذي يختلف عن تقشير البصل لان النواة والأشياف ان صح القول لها حدود معروفة وهو يحاول منح المتلقي حلاوة السرد وطراوة المفردة/ ومع كل فصل يتم الكشف عن بؤرة صراع جديدة ترتكز بين الواقع المقشر الى ثيمات والذي يكشفه الروائي وبين الارتكاز على الميتافيزقيا او الفنطازيا الذي تكتشفه الأحداث وهي من مخيلة الروائي خارج الواقع ومن خلال جمع البؤر تنتج لنا الرواية محمولا قصديا لأسطرة الواقع باعتباره واقعا اقرب الى الغرابة رغم انه ماثل كائن حاصل واقع ومستمر.
ان بنية الكتابة تحفل بإمكانية الخروج من المستوى الواحد المهمين وهو المستوى المتركز بين المستويين التصويري والإخباري ليكون بلون الأخبار فتتحول اللغة من بطئها السردي الى سرعة المتابعة لحركة الشخوص بهدف إعطاء المعلومة وبث الثنائيات المتعلقة بين الغاية والهدف بين الحوار والمتن وبين الثيمة والتحليل وبين الحاضر والماضي وهو امر جعل هناك تكرارا في بعض المفاصل نتيجة الملاحقة الدائمة لكل شيء وخاصة تلك المتعلقة بتاريخية المكان والدين فضلا عن المرأة الحامل وهو تكرار يحمل غائيته في بعض الاحيان للتذكير بهول المأساة وتارة يكون موازيا لاستطالة الحدث وتمرير المستوى التحليلي تحت عباءته. فتبدو الفنطازيا واقعة بين اسنان الواقع ليكون بعض ما جاء فيها كالصقر مثلا.
من جانب آخر تعتمد صيغة الروي في عملية التقشير التيب تسير عليها مهمة الحفر في المتن السردي على مهمة الفصل في ربط الثيمة وإدارتها بالعمود الفقري للرواية.. وهو ما يمنح الروائي من التحول من صيغة الى أخرى من خلال الاعتماد على ما يريد بثه من مستويات خارج المتن المعروف فينهمر المستوى القصدي والفلسفي بين ثنايا الفصل وخاصة تلك المتعلقة بصيغة الغائب التي يبدا فيها الفصل وهو تحول دراماتيكي بين صيغ الروي هو ما يعني أيضا كمحصلة التحول من الراوي الى الروائي.