من طرائفه.. الصافي النجفي وعبد الحميد الديب

من طرائفه.. الصافي النجفي وعبد الحميد الديب

نصر الدين البحرة
كان الشاعران المعاصران: أحمد الصافي النجفي وعبد الحميد الديب، من أشهر الشعراء الفقراء في القرن العشرين. وإنما يتلمس القارئ آثار الفاقة في الأبيات التي قالاها في وصف أحوالهما ومقامهما.
يذكر العوضي الوكيل في كتابه «مطالعات وذكريات» أن عبد الحميد الديب الذي توفي في عام 1947 (لم يكن في الأغلب له الأعم في حياته بيت يسكنه.

ولكن الدهر جاد عليه يوماً بأن سكن غرفة في بيت قديم. ورغم ضآلة أجرتها فإن عبد الحميد عجز عن دفعها المرة تلو المرة. وكان صاحب البيت يجيء لمطالبته فإذا فتح له الشاعر الباب، ذعر الرجل من أن الساكن لا يملك أثاثاً يضمن به أجرة السكن.)‏

كبيوت‏ شعراء الكدية‏

ويصف عبد الحميد بيته وصفاً يذكر بوصف شعراء الكدية بيوتهم، -والكدية نوع من الاستعطاء والشكوى- وما فيها من علائم البؤس والفاقة، على أن فيه ظرفاً وطرافة.‏
يقول الأديب:‏
أفي حجرتي أنا ياربِّ‏
أم أنا في لحدي‏
ألا شدَّ ما ألقى من الزمن الوغد‏
وهل أنا حي أم قضيت وهذه‏
إهابة (إسرافيل) تبعثني وحدي؟‏
لكم كنت أرجو حجرة فأصبتها‏
بناء قديم العهد أضيق من لحدي‏
الشاعر هو كل الأثاث‏
ويصف صاحب المنزل يطالبه بالأجرة فيقول:‏
يمر على سكناي في ذيل بيته‏
مرور عيون الموسرين على الفلس‏
يطالبني بالأجر في غيظ دائن‏
تصّيده المحتال في الزمن الوكس‏
وقال يداري ظلمه: أي ضامن‏
لسكنى تعرت عن سرير وعن كرسي؟!‏
أراك بها كل الأثاث ولا أرى‏
سوى قلم ثاو على الأرض أو طرس‏

النجفي بين‏ دمشق وبيروت‏

أما الصافي النجفي، فإنه أقام إقامات مشابهة، فوصفها على نحو يذكر فعلاً بأشعار المكدين. وكان يتنقل على هذا النحو بين دمشق وبيروت وسواهما من بلدان القطرين الشقيقين، من بيت شبيه بالخرابة إلى غرفة متداعية تتخللها الرياح عبر شقوقها الكثيرة، فلا يجد في زمن الكهرباء سوى السراج يستضيء به ويتدفأ.‏

مع الفأر والبق‏ والعنكبوت‏

يقول الصافي في قصيدة له نشرت في ديوانه «الأمواج»:‏
أكافح البرد في سراج‏
يكاد من ضعفه يموتُ‏
في غرفة ملؤها ثقوب‏
إن شئت قل ملؤها بيوت‏
يسكن فيها بلا كراءٍ‏
فأر وبق وعنكبوت‏
للفأر من مأكلي غذاءٍ‏
والبق جسمي لديه قوت‏
واعتزل العنكبوت أمري‏
وفي بقاء معي رضيت‏
فهو معي مثل فيلسوف‏
معتزل دأبه السكوت‏
أغرفة للمنام هذي‏
أم هي منفى به نُفيت‏
جمدتُ من بردها ولكن‏
في الصيف من حرها شُويت‏
أمشي بها خائفاً لأني‏
أخشى انخسافاً إذا مشيت‏