الكرادة الشرقية .. مشاهدات وذكريات

الكرادة الشرقية .. مشاهدات وذكريات

كاظم سعد الدين
كاتب ومترجم
الكرادة من الكرد وجمعها كرود، وهو وسيلة من وسائل الري التي لم تعد تستعمل الان، الكرد لغة – مصدر من الفعل "كرد"، الدابة اي ساقها، فهذه الوسيلة تحتاج الى دابة والى رجل يسوقها، والدابة عموماً هي بقرة او ثور، ويسمى الشخص الذي يسوق هذه الدابة ويستقي بها "الكراد" وجمعه الكرادة، اي الناس التي تستعمل الكرود.

وسميت المناطق التي تستعمل الكرود باسم الكرادة في بغداد، مثل الكرادة الشرقية، الواقعة جنوبي بغداد، لان لفظة الشرق عند الناس تستعمل للشرق والجنوب، والغرب تستعمل للغرب والشمال، وكانت تسمى الكرادة السيد ادريس، وهي مقابل كرادة مريم على الضفة الاخرى من نهر دجلة حيث مقام السيدة مريم، قرب القصر الجمهوري، وكرادة الصليخ، شمال شرقي الاعظمية مقاب الكاظمية. ولاتوجد مناطق اخرى غير هذه المحلات الثلاث في العراق، ويطلق بعض الناس اسم "كرادة" على زراع الخضراوات في غير هذه المناطق ولاسيما في الجنوب.

المحلات والعشائر والبيوتات واهم المعالم في الكرادة:
الزوية:
تقع في زاوية شبه جزيرة الكرادة وفيها محلة الجادرية ولا تعرف نسبة اسمها بنحو دقيق وتقابلها من جهة النهر اليمنى جزرة ام الخنازير حيث كانت تكثر فيها الخنازير وسميت حديث جزيرة الاعراس وفيها بيوت سياحية ومنتزهات وقد زالت معالمها القديمة، حيث كان فيها "زور" من اشجار الغرب وغيره ومن الجهة الاخرى من النهر توجد المنطقة التي تسمى الدورة (دورة النهر) ومن اهم عشائرها الجبور وفيها الان مصافي نفط الدورة وتمر منها سكة حديد الجنوب وتقع جزيرة تشبه جزيرة ام الخنازير تقابل الدورة والمسبح اسمها جزيرة ابو رميل.
واهم المعالم الحضارية في الزوية الجسر المعلق الذي حل محل الجسر العائم الموقت، والكلية العسكرية التي انتقلت الى مباني الريفية وحلت محلها الريفية واعدادية التجارة، وكانت فيها ساحات تدريب طلبة الكلية العسكرية منطقة الليشان (اي التل) في ساحة الحرية الحالية، وقربها منطقة المعامل، وفيها ايضا المباني الادارية لجامعة بغداد وبعض كلياتها وفيها فندق بابل وجسر صدام، والجسر ذو الطابقين.
وقد سكنها شمر ومنهم بيت الخضيري، وبنو لام ومنهم بيت الحاج ناجي بن الحاج رضا، والجبور وزبيد ومنهم البو سلطان والبكريون والعكابات وآل سعيد والجنابيون، والسادة بيت الحسني وآل شديد، والشطاويون والسراجات من ربيعة.
البو شجاع:
لايعرف بالضبط سبب التسمية والى من تنسب، وتقع بين مرقد السيد ادريس الى مستشفى الدكتور عبد المجيد حسين وكانت البساتين والمزارع المحيطة بمرقد السيد ادريس موضع تجمع كثير من الناس في يوم الاحد الاول بعد العيدين وهم من ايام الكسلة اي العطلة لاصحاب المهن الحرة والكسبة، كانت محلة السيد ادريس تابعة للزوية قبل افتتاح الجسر المعلق، وفيها على نهر دجلة سبعة قصور التي سميت باسمها محلة سبع قصور ومن الجهة الاخرى الجنوبية حيث ساحة الحرية توجد منطقة المعامل التي ذكرت آنفا ومنها معمل باتا (الصناعات الجلدية) ومجلس آل الشعرباف، وشارع حافظ القاضي مقابل مستشفى الدكتور عبد المجيد حيث تجمع عيادات الاطباء واول صيدلية في الكرادة هي صيدلية الانصاري القريبة من المستشفى.
ومن العشائر والبيوتات التي سكنت هذه المحلة، بيت البغدادي وآل زوين، وشمر (ومنهم آل مباركة، وزبيد (ومنهم الشطاويون، والجنابيون وآل سباهي، والعبيد (البو حمد، والبو سهل) وخفاجة، آل المهداوي، والبو خضير، وكريش.
البو جمعة:
واصل تسميتها يعود الى آل جمعة حيث سكنها حفيد جمعة المدعو مذيهل بن كركوش بن مياح من وائل، ربيعة، ومنهم عباس حسن جمعة ومحمود حسن جمعة والدكتور عبد المجيد حسين (صاحب المستشفى).
وتمتد هذه المحلة من مستشفى عبد المجيد الى شارع هويدي، في المحلة شارعان يسكنها العباسيون من آل باش اعيان، ويلي ذلك البو جمعة في ثلاثة شوارع ومنها شارع البوليسخانة او شارع البريد وفي نهايته جامع البو جمعة ومدرسة الكرادة الشرقية والابتدائية ويجاوره شارع الكنيسة ويقابله شارع حسينية البو جمعة، ثم شارع الهندي ثم شارع بيت ابو دولمة وشارع هويدي (حيث حسينية عبد الرسول علي) واذا سرنا من شارع البريد نحو الكرادة خارج نصل الى الناظمية وفيها منطقة معامل واسالة الماء ومحلة من بيوت للارمن والى يسارها "ارض الوقف" حتى المسبح تزرع بالخس والخضراوات ثم وزعت الى قطع سكنية وسميت عرصات الهندية.
وبعد شوارع هويدي شارع العطار ثم شارع النقيب وشارع بيت اسود (وهم من الخزاعل) ثم شارع ابو اقلام باسم عبد الغني ابو قلام الذي استورد الاقلام للكتابة وفيه بيت الملائكة، ويقابله مستشفى الامام والثانوية الشرقية للبنين والثانوية الشرقية للبنات وثانوية المشرق ويجاوره دار درويش الحيدري ثم شارع خربنده (وهذا اسم امرأة) ويليه شارع بيت اصفر وبعد محلة رخيته (وهذا اسم امرأة ايضا) وفيها جامع التميمي، وكانت توجد جزيرة الكورية التي تظهر عند الصيهود (نقصان ماء النهر) وتمتد من ابو قلام الى ما بعد فندق شيراتون، وكانت متنزها صيفيا تنصب فيها جراديغ (اكواخ)، ثم كرد الباشا ولا يعرف اسم هذا الباشا وهذا قرب مفرق كهرمانة وبعد المفرق العلوية حيث الجامع ونصب الجندي المجهول (القديم) ويقابله نادي العلوية حيث كانت دور سكن الموظفين البريطانيين وناديهم وساحات السلة والتنس الخاصة بهم، ثم بستان كبة (وهم آل كبة من ربيعة ومنازلهم الاولى حيث منازل ربيعة وهم ليسوا من ديالى).

البتاوين:
وفي هذه المحلة سينما النصر وسينما بابل وفندق بغداد، وبستان الخس (في ساحة النصر) وبستان بيت المهيدي وفيها سينما السندباد، وكازينو بلقيس ملتقى الادباء في الخمسينات، وبعدها الاورفليه حتى ساحة التحرير. وكانت بستان الخس وبستان بيت المهيدي والاورفليه تسمى البتاوين. اسماء الشوارع التي مر ذكرها هي اسماء البساتين التي كانت تسقى بالكرود وفي اواسط الثلاثينات كانت نهاية استخدامها وقسمت تلك البساتين الى اراضي سكنيه، ولم يكن يسكن تلك البساتين سوى بعض من ذكر في الزوية والبو جمعة وبيت اسود وبيت كبة وبيت المهيدي.
ومن العشائر التي سكنت هذه المحلات الاخيرة، ربيعة في البو جمعة وبستان كبة (آل كبة) وخفاجة والعباسيون (آل باش اعيان) والحجاج وهم من ربيعة ايضا، والبو سلطان، والخزاعل (بيت اسود)، وعزة (بيت شبيب في البتاوين)، وبيت الحداد (قرب مستشفى عبد المجيد) وهم من البو ناصر، من تكريت، ثم بلد ومنهم عبد الرسول الحداد، وعبد الصاحب علوان الحداد.
اسماء غير عربية، كمب سارة (سارة خاتون الارمنية، سارة الزنكنية) الاورفلي (من اورفا، الرها) ارخيته، خريندة، الكيلاني، كتخدا، بيت الدركزلي (في الزوية) الخاتون (ليلى وشمصة).

الاسواق وشركة تموين بغداد:
لم يكن في الكرادة اسواق بالمعنى المتعارف عليه في بغداد والكاظمية مثلا بل كان هناك دكاكين متناثرة، لا يتجاوز اكبر تجمع فيها اكثر من خمسة دكاكين مستأجرة من اصحاب البيوت، وكان اهمها الدكاكين الموجودة قرب البوليس خانة (مركز الشرطة) حيث مديرية الناحية والمحكمة والشرطة ومدرسة الكرادة الشرقية الابتدائية وجامع البو جمعة، كان دكانان مستأجران من بيت عائد لاحد اليهود على ضفة النهر مباشرة، احدهما استأجره حسين العلي (والد الدكتور عبد المجيد حسين)، وآخر استأجره حسين المشكور، وهما يبيعان المواد العطارية والسكر والشاي والتمر والقيمر، وكانت تأتي بعض بائعات الخبز لبيع خبزهن هناك وكان ثالث اخرجه سالم الشيخ احمد (سالم الاطرش) من داره خلف جامع البو جمعة وكان يبيع فيه الرقي والبطيخ والخضراوات. وكان الرقي والبطيخ تأتيه بالكلك او الشختور من سامراء، ودكان رابع في الفرع المجاور للبوليس خانة استأجره الحاج حسن العلوان من احدى الدور في دربونة الكنيسة وكان يبيع فيه المواد العطارية والبهارات والقرطاسية، ثم انتقل بعد ذلك الى الطرف الاخر من هذه الدربونة حيث بنى عدة دكاكين وسردابا واصبحت المنطقة منطقة تجمع تجاري في اواسط الاربعينات وبنى الحاج علي الشعبان سوقا عصرية مقابل سوق الحاج حسن العلوان، وهناك تجمع تجاري اخر في منطقة رخيته من اسواق ودكاكين احدث. وتطورت المنطقة عندما بنيت عمارة مقابل البريد تحتل ثلاثة اركان من شارع المهدي وشارع حذيفة اليماني وشارع المحكمة (في ما بعد انتقالها الى احد الدور فيه). واشغلت السرداب في هذه العمارة "شركة تموين بغداد" وكان السيد شاكر الاعرجي احد مديريها او مؤسسيها. وقد استخدمت الشركة عربات (قوج) خاصة ذات حصانين او حصان واحد لتامين وصول طلبات بعض بيوت الاغنياء في الكرادة وما جاورها غير انها افلست وما تزال هذه العمارة مركزا تجاريا وسكنيا في المنطقة، وافتتح في اواسط الاربعينات مخبز صمون في الجهة المقابلة لها وما يزال موجودا.
وبما ان الكرادة الشرقية كانت منطقة زراعية وفيها نخيل من غيره من الاشجار المثمرة التي كانت قد تدهورت زراعتها وبقيت محافظة على كثافتها في منطقة الجادرية، فقد كانت صناعة الدبس رائجة في المنطقة وكان في كل دربونة او دربونتين بيت لغلي الدبس الذي يكون مؤونة لاهلها، ومما يفيض عن حاجتهم، كان بعض البدو يأتون على جمالهم لمقايضته بالدهن الحر (الحيواني) والحنطة وكان الذين يقايضونهم يخلطون لهم الدهن بالدبس ويقدمونه لهم من ارغفة خبز حار، اما السعف اليابس والكرب فكان يشتريه جماعة من عشيرة (الضوايح) ونقله الى خارج الكرادة، اما السعف الاخضر الكبار والصغار فكان يشتريه اهل محلة القناهرة لصناعة الاسرة والاقفاص والحصران والعلاليق وغيرها.
وكانت في البو شجاع ماكنة طحن حبوب واخرى في الناظمية وكان سليم القطيم ينقل اكياس الحنطة الى ماكنة الطحين على حمارته التي سماها (نظيرة)، مع العلم ان سلوم كان ضعيف النظر، قوي البصيرة يعرف جميع عواصم الدنيا ولم يخفق يوما في معرفة اي عاصمة حين يسأله طلبة المدارس، كان شخصية مرحة يحفظ كثيرا من الطرف اللطيفة المؤدبة، وبعد ان كبر وكبرت نظيرة، وكان قد تزوج وانجب اولادا اذكياء اكملوا الدراسة الجامعية، صار يبيع الخضراوات في رأس الدربونة "المجاورة لاورزدي باك" وكانت النساء تفضل الشراء منه لضعف بصره، ومعاملته المرحة واسعاره الرخيصة، ولاسيما حين اصبحت علوة الخضراوات خلف معمل باتا وصاحبها الحاج شاكر محمود العلي من اهل الكرادة ومن ابناء محلته.

المدارس:
لم يكن انذاك من المدارس سوى مدرسة الكرادة الشرقية الابتدائية للبنين تأسست سنة 1923 واخرى للبنات، ومدرسة الزوية للبنين، والثانوية الشرقية (متوسطة واعدادية) للبنين، والثانوية الشرقية للبنات، في شارع مستشفى الامام.
لم يكن ثمة نشاط ثقافي يذكر ولا نشاط مسرحي ولا نشاط فنون تشكيلية او موسيقية، كما اعرف عن هذه النشاطات جميعا في مدارس الكاظمية مثلا.
في سنة 1944 جاء الى مدرسة الكرادة الشرية معلم اسمه صبحي طلحة اوجد نشاطا فنيا في الرسم، بتكبير الصور وغير ذلك ولكنه لم يقم اي معرض للنتاجات التلاميذ إلا على جدران المدرسة نفسها، في داخلها طبعا، وفي النشيد كان سعيد شابو الموسيقى الشاب يزور المدرسة ويعلم التلاميذ الاناشيد الوطنية، وكان في الثانوية الشرقية منذ 1944 استاذ الرسم الرسام المعروف شوكت الخفاف (الرسام)، وكان له نشاط ظاهر لايكل في تعليم التلاميذ اصول الرسم الواقعي، ولكنه لم يقم اي معرض، ولا اعرف احداً تميز بالرسم بعد ذلك من طلبة الثانوية الشرقية.
ولم يكن ثمة نشاط مسرحي او خطابي في الثانوية الشرقية، اما النشاط الثقافي، فقد كان للاستاذ صبحي البصام (ابن اخت الوزير صادق البصام) نشاط واضح . فقد سعى الى تأليف لجان ثقافية منتخبة من طلبة الصفوف جميعها واجتماعها في يوم من الايام عصرا والقاء كلمات من ممثلي اللجان الفرعية او قصائد، ولم يكن ثمة شاعر فيها سوى عزت الفرباوي، وبرز في كتابة المقالة والقصة على نطاق المدرسة طلال ابو اقلام، ولم يشارك نزار الملائكة او عصام الملائكة بنشاط تلك اللجان مع العلم ان نزار كان يعرف، كما ذكر لنا اخوه عصام، ست لغات.
واصدرت اللجنة نشرة جدارية لا اتذكر اسمها صدر منها عدد واحد او عددان.
اما المدرسون في الثانوية الشرقية في الاربعينات فابرزهم رفائيل بابو اسحق (مؤلف تاريخ نصارى العراق) في اللغة العربية والتاريخ القديم، وصبحي البصام (مؤلف الاستدراك على قل ولا تقل) في اللغة العربية والتاريخ الاسلامي، والشيخ مهدي عباس في اللغة العربية، ورشيد كمال الدين في الجغرافية، وعبد الامير الحار في الرياضيات، ووديع سرسم في العلوم العامة والكيمياء، وعباس علي القره غولي (مؤلف كتاب النحو الاوضح (في العربية) وسليم هيلانتو ويوسف هيلانتو في اللغة الانكليزية، وفيصل نجم الدين الاطرقجي (صاحب الاطلس المدرسي والخرائط المجسمة) في الجغرافية، ومحمد احمد المهنا في الجغرافية واحوال العراق، وشكري حبيب (مصري) في اللغة الانكليزية والترجمة، وجون ريكان (ايرلندي) في الانكليزية، وعبد الرزاق محيي الدين (محاضرا في العربية) وسعيد بهجت مدير الثانوية.
وكان ابرز الثلاميذ فيها نزار الملائكة واخوه عصام الملائكة وقيس كبة الطبيب، وحميد مهدي السلطان الطبيب، وعبد الحميد العباسي (الطبيب) واسعد محمد رضا الشبيبي، وسهام المدفعي، ومحمد باقر علوان الدكتور) وعبد الكريم عباس (المهندس) وداود سلوم (الدكتور) ومحمد جواد سعد الدين (الدكتور) وسعدون عبد المنعم الخضيري، وعلي عبد الرسول علي، وموفق محمد حسن كبة، وعبد الله سباهي (الطبيب).
كانت مدرسة الكرادة الشرقية الابتدائية في بيت مستأجر في منطقة البوليسخانة مقابل جامع البو جمعة على نهر دجلة – كان مديرها حسن محمود العلي (خريج جامعة آل البيت) ومن معلميها شاكر حبيب في الرياضيات والرياضة وسالم حسن العيسى في الانكليزية، والسيد حسن الحسني في العربية والتاريخ (واصبح مديرا في ما بعد) والسيد محمود الحسني في الرياضيات، وصبحي طلحة في الرسم، ويوسف كاكوز في الانكليزية، ورشيد الاسود في العربية وجعفر الجواهري (اخو الشاعر محمد مهدي الجواهري) في العربية.
وقد كان فيها قبل ذلك من المعلمين عباس حسن جمعة، وصادق الاعرجي، ومحمد حسين الشبيبي (اخو محمد رضا الشبيبي)، والسيد جعفر البغدادي.
ومن ابرز التلاميذ فيها من زملائنا عبد الحميد علوان العباسي (الدكتور الطبيب) وباسل محيي الدين يوسف (الدكتور الطبيب)، راجح محيي الدين يوسف (المهندس)، عبد الحافظ خزعل العباسي (الضابط العسكري) وسعيد عبد الامير العباسي (الضابط العسكري).

المكتبات:
لم يكن في الكرادة الشرقية مكتبة عامة الا في الستينات وهي مكتبة الكندي في منطقة الزوية، ومكتبة اخرى في منطقة الخربندة هي مكتبة عبد الله بن مكتوم.
اما قبل ذلك فقد كان الناس يتبادلون الكتب، وقد فتح السيد فاضل الخفاجي في نهاية الاربعينات مكتبة لبيع الصحف والمجلات العراقية والعربية اسماها مكتبة الاهالي الشرقية مقابل البريد في محلة البو جمعة وكان لها اثر كبير في تثقيف الشباب، بالشراء او بالاستعارة او الاشتراك. وقد كان الناس يذهبون الى سوق السراي لشراء ما يحتاجون اليه من المكتبات المتعددة فيه.

التصوير الشمسي (الفوتوغرافي) وستوديو بغداد للسينما:
عند افتتاح المدارس كان التلاميذ الذين يسجلون في الصف الاول الابتدائي يحتاجون الى صور فوتوغرافية لوضعها في سجلاتهم. فكانوا يأخذون صورهم لدى المصور الجوال الذي يتخذ موقعه قرب البوليسخانة (مركز الشرطة) حيث تتطلب معاملات الناس صورا فوتوغرافية ولا سيما في المحكمة والدعاوى في مركز الشرطة، واذا لم يكن المصور موجودا فانهم كانوا يذهبون الى منطقة سوق السراي وشارع المتنبي حيث المصور الشمسي علي ترك وشارع الرشيد، ومنطقة حافظ القاضي حيث كانت استوديوهات المصورين السيد جعفر الحسني وارشاك وريكس وفينوس والمصور الاهلي (عبد الرحمن).
وفي نهاية الاربعينات وربما في 1948 افتتح ستوديو بغداد للسينما في احدى البناكل عند باب معسكر الرشيد وصور فيه فلم عليا وعصام.

المعامل:
اقصد المعامل في شبه جزيرة الكرادة، واستثني من ذلك المعامل الاخرى من المسبح ومعسكر الرشيد وطريق المعسكر وبغداد الجديدة ومعامل الطابوق وغيرها.
تمتد منطقة المعامل بين الناظمية (في منطقة اسالة الماء) والليشان (ساحة الحرية) حيث توجد معامل متعددة الاختصاصات كالحلويات (صادق صبري المراياتي) والبسكت والصابون (كافل حسين) وملح الطعام والكبريت (الشخاط)، والخياطة والنسيج (شهداء الجيش) وصناعة الخمور (معامل التقطير) مسيح والبغدادية، وعلوة المخضرات ومعمل احذية باتا، وقد كان في اول امره في مفرق الكرادة داخل في محل بناية (السوق الحرة ، الان اريدو) المجاورة لتمثال كهرمانة، وكان صاحبه رجلا جيكوسلوفاكيا، وكان ابنه فاسيلي، ويسميه (العمال في معمله وسيلي) كان شابا طويلا وكانوا يسكنون في منطقة الكرادة خارج حيث نقلوا معملهم الى مكانه الحالي ثم امم وبدل اسمه الى معمل الصناعات الجلدية.
ولما كان المعمل في مفرق الكرادة اشتغل فيه كثير من زملائنا بعد تخرجهم في الابتدائية وداوموا في المدارس المسائية في الباب الشرقي (في بيت الامة المسائية) واشتغل بعضهم في معمل الشخاط.
وفي العشرينات كانت الماطورات النهرية (الزوارق البخارية) تستعمل لنقل الركاب بين بغداد والزوية ولها مواقف واجور معينة ومراقبون يراقبون عدد الركاب واجور الراكبين.
وكانت تستعمل السفن الشراعية الكبيرة والمهيلات والزوارق الشراعية الصغيرة والبلام والقفف والشخاتير والدوب والاكلاك للنقل النهري، وكانت تمر زوارق بيت الخضيري وعلامتها خضراء، وزوارق بيت لينج وكانت تحمل البضائع التجارية من البصرة الى بغداد ولها مداخن تنفثها في الجو وتطلق صافراتها ولعل ذلك كان تنبيها لعمال المرفأ بوصولها، كان المرفأ في الباب الشرقي عند مكان جسر الجمهورية اليوم.

اما السيارات، اي سيارات الاجرة وكانت تسمى طرمبيلات من كلمة طرمبيل وهي مقلوب كلمة فرنسية تمبريل وهي نوع من العربات، وليست من كلمة اوتوموبيل كما يظن بعض الناس فقد كان بدنها مصنوعا من الخشب وكانت اجرتها بين الكرادة وبغداد اربعة فلوس (عانة) وكان موقفها النهائي في (البوليس خانة) اي مركز الشرطة على نهر دجلة حيث كانت في مبنى قرب دار الاديب ناجي جواد الساعاتي اليوم ويتكون من طابقين، الطابق الاسفل للشرطة واصطبل خيلهم وللاسطبل باب خلفي من الدربونة الجانبية وما تزال هذه الدربونة موجودة. وفي الطابق الاعلى مديرية الناحية والمحكمة، وكان بعض الناس يفضلون السير مشيا على درب الشط ولاسيما الكبار منهم لانهم لا يحتملون رائحة البنزين التي تجعلهم يتقيأون.
وكانت هذه الطريق تسير فيها عربات البرشقة (بريشكا بالروسية) وتجرها البغال وكانت اطارات عجلاتها من حديد يسمع له صرير. من بعيد لاحتكاكه بالحصى الذي تفرش به الطريق قبل تبليطها وتستعمل لنقل الاحمال، وتسير فيه ايضا عربات القوج (من كلمة كوج الانكليزية) ويجرها حصانان وتستعمل لنقل الركاب وكانت تسير في شارع الرشيد ولكن حدد استعمالها في منطقة البتاويين وطريق الكرادة – ولم نر عربات اللاندون (من مدينة لاندو الالمانية).
وفي سنة 1944 سيرت امانة العاصمة سيارات خشبية البدن (حافلات) لونها ابيض، اجرة النقل فيها (10) فلوس وكانت تصل الى البو جمعة قرب البريد وتدور ثم تعود الى بغداد. وابدلت بعد ذلك بسيارات (حافلات) مستوردة من بريطانيا، وظلت تسميتها (الامانة) حتى سميت المصلحة اي مصلحة نقل الركاب، وما يزال بعض الناس يسمونها الامانة، وبعد ان بلط شارع السدة من البو جمعة الى البو شجاع عند شارع لاجسر المؤدي الى ساحة الحرية وصل الخط الى هناك ثم مدد الى الزوية بعد ذلك قريبا من بيت محمد رضا الشبيبي.