شاعرية الجملة والالتماعة في مجموعة سنيّة صالح الشعرية

شاعرية الجملة والالتماعة في مجموعة سنيّة صالح الشعرية

أوراق
علقت الشاعرة بين الخط الفاصل للشعر والحياة ومع ذلك لا يمكن أن نعرف شعرها استناداً إلى حياتها ، ولانقدر ان نكتب حياتها انطلاقا من شعرها مهما كانت الوشائج بين المستويين لأن لصالح كيمياء شعرية خاصة جداً شأنها شأن الشعراء الحقيقيين .

شعرها وضع معنى حياتها في مدار العام الإنساني وأعطاه بعداً جديداً بل كشف في ذلك المعنى ماهية مختلفة وإن لم يمحُ ظلال تلك الحياة ، لذلك حاولت مُعدة الكتاب وهي مؤمنة أن تكتب في حق شاعرية سنية وأن تحصرها في ضوء سيرتها مهما كانت حياتها فريدة وصاعقة .
لقد كتبت سنية صفحات من مذكراتها وجمعتها إلى رسائلها واعتبرت أن التصرف بأمر نشرها يعود إلى ابنتيها شام وسلافة الماغوط .
لم يكن صمت سنية مقفراً وخالياً بل كان ينحني على اسراره وآلامه وأخيلته ويكتشف ، وكأنه صمت من رأى ولم يجد لما رأى تعبيراً كانت وراء جدار الصمت ولم نكن نعرف ما يجري في ذلك العالم ، إلا أن قصيدة سنية تكشفت لنا عن الكثير .
لم تُعلن سنية متى كانت خطواتها الاولى في الكتابة ، كما أنها اختارت الجانب العلمي من الدراسة الثانوية ، لم يرها أحد أنها سبق وأن طالعت كتاب شعر ، او ادب ، وأول ما قرأته هي مجلة " شعر " وقصيدة لـ سان – جون بيرس التي ترجمها أدونيس ونشرت في مجلة " شعر" عام 1957 بعنوان " ضيقة هي المراكب " وقد ذكرت أنها أدهشتها ولم تعلق بكلمة .
بحسب ما يرد في المذكرات التي تركتها سنية او في حديثها مع محمد الماغوط الذي كان قد نشر في مجلة " مواقف " ( انظر في هذا الكتاب فصل " سنية صالح ، من انت ؟" ) يبدو انها كانت تكتب الشعر في هامش كتبها المدرسية دون أن تهتم بالاحتفاظ بالنصوص أو عرضها على احد . لم تكن تعتبر المسألة أكثر من " خربشة " عفوية شخصية .
لكنها في مجيئها الى لبنان عام 1957 – 1958 ودراستها في الجونيور كولدج تفتحت على مناخ جديد وتنبهت الى ما تكتب .
وذات يوم بعد انفضاض اجتماع مجلة " شعر " ، تذكر خالدة سعيد أن في صيف عام 1961 أرسلت لها الشاعرة بضع قصائد من بينها قصيدة " جذور الرياح " المنشورة في مجموعة " الزان الضيق " .
فجأة من الصمت تفتحت سنية ، أزاحت الحجب والقيود وكشفت ما يسكن الدواخل ، فقصيدة " جسد الماء " التي قدمتها لمسابقة جريدة النهار عام 1961 ونالت عليها جائزة الشعر فاجأت الجميع ، وهي بدورها فوجئت بالنتيجة ، بل خافت رغم احساسها الضمني بقيمة ما تكتب .
سنية فاجأت الجميع لأنها كانت صامته ودخلت دائرة الشعر بلا مقدمات ودون أي ادعاءات .
أما في موضوعها مع جائزة النهار ، فقد تألفت اللجنة التحكيمية لجائزة النهار في ذلك العام من خمسة شعراء هم " شوقي ابي اشقر ، وصلا ستيتية ، وفؤاد رفقة ، وأدونيس وأنسي الحاج المشرف على القسم الأدبي في جريدة النهار يومذاك ، ولخصت اللجنة رأيها بالقول " حين درست اللجنة القصائد الثلاث المتبقية بعد الفرز النهائي وقدرت ما في القصائد من قيم شعرية وفنية ارتأت أن ما تضمنته قصيدة " جسد السماء " من هذه العناصر يؤهلها لنيل جائزة الخمسمئة ليرة ، فمنحت إياها " أما عن شعر سنية صالح ، فهو ذو عالم معطوب ورؤيا جامحة حتى أنها قادرة في توترها على الضحك وقادرة على التشعث ، في شعرها فوران سديم واحشاء غاضبة وخيال طفولي ، أقول هذا لمجرد التوكيد مرة ثانية على اختلاف هذا الشعر وجدّته وخصوصيته دون اي استهانة بما عداه .
شعرها لا يشبه احدا وليس منضوياً في تيار ، شعر الحزن المتوحش الذي ينبجس من الجوهر الانثوي الخائف المطعون المسحوق عبر التاريخ ، وهو شعر صيحة جسد الانثى نبع الحياة ، الجسد الذي عبر فوقه الاباطرة والبطاركة والاباء والأزواج الغزاة المحاربون والنخاسون وكل ذي سلطان ، ولسجنه واستغلاله وحتى تشويهه ووصمه بالنجاسة او الخطيئة غيروا حكمة الطبيعة وجيروا كلام الشرائع وهذا الشعر بقدر ما ينشد حكاية المغدورين يتقدم كصيحة للجسد الذي انتهى بين المباضع وأسرة المشافي .