هل تقفُ «فيرا» وراء نجاحات نابوكوف الأدبية؟

هل تقفُ «فيرا» وراء نجاحات نابوكوف الأدبية؟

حسونة المصباحي
عندما كان يعمل أستاذا في جامعة «كورنايل» الأميركية، لم يكن نابوكوف (1899-1977) قد اشتهر عالميا، غير أن طلبته كانوا ينصتون اليه بإجلال وتقدير بسبب قدرته الفائقة على تحليل النصوص المستغلقة على الفهم، ومعرفته الواسعة بآداب العالم، وجرأته على «تحطيم» رموز الأدب والشعر، خصوصا دستويفسكي، وغوركي، وهمنغواي.

وكان نابوكوف يأتي الى قاعة المحاضرات مصحوبا دائما بزوجته السيدة فيرا، اليهوديّة الأصل، التي كانت قد فرّت مثله من روسيا بعد انتصار البلاشفة. وكانت هذه المرأة ذات القامة الهيفاء، والشعر الأبيض تأتي دائما أنيقة، وتظلّ صامتة طوال الوقت، ملبيّة بين وقت وآخر بعضا من طلبات زوجها الذي كان يقدّمها لطلبته على أنها مساعدته.
التقى صاحب «لوليتا» بفيرا في برلين عام 1923. هو في الرابعة والعشرين من عمره. وهي في الواحدة والعشرين. ومنذ البداية وقع كلّ واحد منهما في حبّ الآخر. وفي عام 1925 تزوّجا. وعند صعود النازيين الى الحكم مطلع الثلاثينيات، تركا ألمانيا وتوجها الى جنوب فرنسا حيث أقاما هناك ثلاثة أعوام. وقبل اندلاع الحرب الكونية الثانية انتقلا الى الولايات المتحدة الأميركية، ويقال إنهما وصلا الى هناك وليس معهما غير 100 دولار!، وعلى مدى ثمانية أعوام، وقبل أن يحصلا على الجنسية الأميركية، ويتمكّن نابوكوف من أن يصبح أستاذا في جامعة «كورنايل»، عاش الزوجان حياة صعبة للغاية. كانا يَسْكنان شقّة ضيّقة. كانت فيرا تصحّح ما يكتبه زوجها، وترسله الى الناشرين، كما أنها كانت تكتب رسائله.
ويقول العارفون بحياة نابوكوف بأن زوجته فيرا كانت وراء النجاحات التي حقّقها على المستوى الأدبي. وقد تمكّنت من ان تفرض «لوليتا»، تلك الرواية الجريئة التي تصف علاقة حبّ عاصفة بين رجل في الخمسين من عمره، وفتاة دون سنّ الخامسة عشرة، على كبار الناشرين. وعند صدورها حققّت هذه الرواية شهرة عالمية لكاتبها.
ويقول بريان بويد الذي كتب سيرة نابوكوف، وعرف فيرا عن قرب: لقد عرفت جيّدا فيرا خصوصا خلال الإثنتي عشرة سنة الأخيرة من حياتها. وتمكنت من أن أحصل على ثقتها. وهو أمر لم يكن سهلا. وفي البداية كانت تثمّن حماسي غير أنها كانت تراقب جهودي من فوق. ولم تكن تبادر أبدا بتقديم معلومات غير مطلوبة من جانبي. وفي الحقيقة أقول بإنها كانت محتالة جدّا بحيث إنها كانت قادرة على تفادي أيّ سؤال يتعلّق بها، ولا يتعلق بزوجها. مع ذلك كانت تدقّق في كلّ ما أكتب بانتباه شديد. وشيئا فشيئا أخذت تجد متعة في قراءة، وإعادة قراءة السيرة التي كنت بصدد كتابتها.
كانت فيرا أول من أقنعت زوجها بضرورة ترجمة عمل بوشكين «أوجين» الى اللغة الإنكليزية. وكان هذا العمل قد ترجم مرت عدة الى لغة شكسبير غير أن صاحب «لوليتا» لم يكن راضيا عن تلك الترجمات. وقد تطلبت الترجمة خمسة اعوام من العمل الدؤوب. وقد قامت فيرا بكتابة كل صفحات المخطوط تماما مثلما فعلت زوجة تولستوي مع «الحرب والسلام»، وعندما حصل نابوكوف على الشهرة والثروة، استقرّ مع زوجته فيرا في أحد الفنادق الفخمة بمدينة «مونترو"السويسرية. وحتى وفاته في شهر يوليو 1977، ظلّ يمارس هوايته المفضّلة المتمثلة في صيد الفراشات. وكانت فيرا الى جانبه دائما وأبدا. لذلك يبدو أنهم على حق أولئك الذين يقولون بأن نابوكوف وزوجته فيرا نجحا في أن يجعلا من زواجهما عملا فنيا بديعا.

عن صحيفة العرب