أسطورة الزوجة الخائنة  - آنا كارنينا أنموذجاً-

أسطورة الزوجة الخائنة - آنا كارنينا أنموذجاً-

عبدالكريم يحيى الزيباري
اجتماعياً: الخيانة الزوجية إحدى أهم علامات الانحلال الأخلاقي في المجتمع، فما هي دوافع الخيانة الزوجية؟ هل يعقل أنْ يكون الجنس وحده؟ الأزواج رجالاً ونساءً مخلوقات عاطفية جداً، حتى ولو حاولوا إخفاء ذلك، وأيُّ نقصٍ لدى أحدِ الأزواج، قد يؤدي إلى الخيانة الزوجية مع غياب الوازع الديني أو الأخلاقي، لذا يجب على الزوجين كليهما أن يكونا حريصين على كلِّ فرصةٍ لإدخال البهجة والسرور إلى قلب شريك حياته، وربما تكون حاجة الزوجة أكبر،

لأنَّ استقرار الحياة الزوجية يتزلزل إذا كانت الزوجة لا ترى الزوج فيها إلا عند النوم، ولا تسمع منه كلمة طيبة أو مُزحة أو غزلاً حتى لو كان كاذباً فديننا يبيح الكذب على الزوجة في مسألة الغزل، لما فيه من منفعةٍ كبيرة بإدخال البهجة والسرور إلى الحياة الزوجية وطرد شبح الضجر والملل وبالتالي تضاؤل نسبة الخيانة الزوجية، ويجب على المرأة أنْ تظهِرَ لزوجها أنَّها لا تحترم رجلاً كما تحترم زوجها، حتى لو كان أباها أو شقيقها، أو قائداً عظيماً، أو ممثِّلاً أو لاعب كرة قدم أو أي شيء آخر، فالرجال في الظاهر يبدون أقوياء أمام زوجاتهم أو يحاولون أن يبدوا كذلك، ولكنَّهم من الداخل قد يكونون منهزمين بحاجة إلى تشجيع ومساعدة، وكذلك الأمر بالنسبة للرجل، فيمنح أحدهما الآخر الحنان والدفء، لتعزيز الثقة بالنفس أمام قسوة ظروف الحياة.
سينمائيا:
حياة زوجية سعيدة أو تكاد: خيانة زوجية + آلام + انتقام + انتحار + قتل
ظلَّتْ الخيانة الزوجية غذاءً للسينما العالمية، والعربية، عشرات الأفلام والقصة واحدة وذات مغزى واحد: زواج غير متكافئ: غنية وفقير أو العكس، صبيةٌ وكهلٌ عجوز أو العكس، امرأة متزوجة وأمٌّ مثالية، مثالٌ للشرف والفضيلة، حياةٌ رتيبة يتبعها حبٌّ عاصف، يتبعها انتقام الزوج المخدوع، ولكن في رواية تولستوي، تنتحر الخائنة: آنا تعيش حياةً سعيدة، حتى لو شَعَرَتْ ببعض الملل والضجر أحياناً، حتى تلتقي بالكونت فرونسكي(شابٍ أعزب، كازانوفا العصر) تقاومه في البداية، ثمَّ تسقط في حبِّه ويتخلى عنها بضغوط والدته ليتزوج من أميرة.. خيانة زوجية، انتحار، الفلم من إنتاج عام 1997 للمخرج برنارد روس، عن رواية ليو تولستوي الشهيرة، موسيقى تصويرية للموسيقار سيرجي راخميننوف بطولة سين بين بدور الأمير فرونسكي وصوفي مارسو بدور آنا كارنينا، والفريد مولينا بدور ديمتريش ليفين، وجيمس فوكس بدور الكسندروفيتش كارنينا- زوج آنا-وفيونا شاو بدور الليدي إيفانوفنا مدة العرض 108. هذا الفلم أعيد إنتاجه عشرات المرات، وكان آخرها عام 1997.
وفلمٌ آخر لا أذكر اسمه، لكنَّ قصته تدور حول سجين يتقن التصليحات الكهربائية، وبسبب عطل كهربائي في بيت مأمور السجن الطاغية، يرسل هذا السجين إلى منزله لإصلاحه، دون أنْ يذهب معه أو يشرف على عمله خوفاً على زوجته وعائلته وبيته، وبعد عدة زيارات تنشأ علاقة حب بين السجين وبين زوجة مأمور السجن، وهي قصة مكررة سواء مع ابنة مأمور السجن أم زوجته، على أثر هذا الحب، تتزايد العطلات الكهربائية، حتى يشك الزوج المخدوع، فيدبِّر للسجين كميناً، يرسله إلى بيته، ويُظهِر الأمر على أنَّه محاولة هرب، فيطلق عليه الكلاب البوليسية لتنهش لحمه، وترتمي الزوجة على جثة عشيقها تبكيه، المخرج يؤيد في نظرته انتقام الزوج المخدوع، وكذلك المجتمع الشرقي ربما، لكن لا أحد يسأل عمَّا وراء ذلك من تسهيلات قدَّمَها الزوج المخدوع لزوجته كي تخونه، كذاك الذي لا يفعل شيئا سوى مدح أحد أصدقائه أمام زوجته حتى تعشقه وهي لن تره، ولأذن تعشق قبل العين بعدة سنوات ضوئية، ومن ثمَّ يقوم الزوج بترتيب تعارفهما، وبعد ذلك يأتي يقتلهما معاً حين يعلم بخيانتهما.
الزوجة الخائنة في الأدب الروائي:
لمَّا كتب تولستوي آنا كارنينا، تأثر بها تشيخوف في معظم قصصه القصيرة كقصة المبارزة وفوق الحب والسيدة صاحبة الكلب وقلادة آنا، والقصتان الأخيرتان تدوران حول خيانة زوجية تقترفها امرأة تحمل اسم بطلة تولستوي المأساوية آنا، ففي قلادة آنا(فلماذا تتزوج فتاة-آنا- رقيقة من هذا السيد الكهل غير الظريف) وتعيش معه برعب إلى أن يأخذها معه إلى إحدى الحفلات الخيرية، فتلفت انتباه الحضور وينعكس ذلك على حريتها ودور اجتماعي أفضل لزوجها(استيقظت الفرحة في قلبها وذلك الهاجس بالسعادة الذي تملكها في تلك الأمسية..سارت بعزة وبثقة..حتى حضور زوجها لم ضايقها..لقد حازت على إعجاب الرجال..كان صاحب السمو قادماً نحوها..يحدق فيها مباشرة ويبتسم ابتسامة معسولة وراح يقول:سعيد جدا...سآمر بسجن زوجك لأنَّه أخفى عنا هذا الكنز حتى الآن..وبعد ذلك لم يعد لدى آنا يوم فراغٍ واحد..وكانت تعود إلى البيت كل يوم قرب الصباح) والتشابه ليس في الأسماء فقط، فزوج آنا كارنينا هو اليكسي، وزوج آنا تشيخوف اسمه اليكسايش، أي ابن اليكسي، والاثنان موظفان يلتزمان بالتعليمات ويضعان حياتهما الشخصية فوق مشكلاتهما الخاصة، وكذلك في قصة السيدة صاحبة الكلب زوجها موظف مهم، يترك زوجته تسافر بمفردها إلى إحد منتجعات البحر الأسود، ليصطادها دون جوان اسمه غوروف بكل سهولة، وكذلك السيدة حياة في ذاكرة الجسد لمستغانمي تسافر إلى باريس وزوجها ثاني أو أول رجل في حكومة الجزائر، فهو أيضاً لا يهمه فيما لو كانت زوجته مشبعة جنسياً أم لا؟ تخونه أم لا؟ لا يختلف كثيراً عن مأمور السجن الطاغية، وإن كان يراقبها أحياناً ولكن كجزء من عمله فحسب، فهو يحب منصبه ووظيفته أكثر من أي شيء آخر، ونجاحه في الوظيفة يعوِّض فشله في السرير، وكأنَّ جميع الموظفين المهمين يتمتعون بالسلطة والشهرة وزوجةٍ خائنة، والخطاب يؤكد أنَّه يجب أن لا يغار الرجل على زوجته وأن يتقبل مسألة الخيانة الزوجية كنتيجة حتمية لا بدَّ منها في ظل توافر جميع أسبابها،فالبطل يقول(كنتُ رجلاً بإمكانه أنْ يتفهم خيانة زوجة، فخيانة الزوجة قد تكون نزوة عابرة-ص249)ويقول(حتماً كان السرير في ذلك الموعد الأول مزدحماً بأشباح من سبقوني إليه)

آنا كارنينا: تقاوم الأمير العابث، وزوجها غير آبهٍ بها، حتى ترضخ له وتقع فريسةً سهلة في حبِّ فرونسكي، يعلم الزوج بخيانة زوجته، يحاول إقناعها، ترفض، فيطردها من البيت، فتصيح عشيقة الأمير فرونسكي العلنية ويعلم القاصي والداني بأصل الحكاية، وتلوكهم الألسن، عشيقها يغار عليها، خاصةً بعد ان صارت حديث السُّمَّار في صالونات المجتمع الراقي، يمنعها من الاختلاط، تتنازل عن كلِّ شيء من أجل عشيقها فرونسكي، عن زوجها وولدها وعائلتها وسمعتها وحريتها، لأنَّها تحبُّهُ بجنون الوهم الذي سيطر عليها بأنَّها لن تستطيع العيش بدونه، كوهم المدخِّن يتوهَّم أنَّه لن يكون بمقدوره العيش بدون دخان، ولا يعلم أنَّ ما دام غيره يستطيع فهو أيضاً يستطيع، لكن الفرق هو في استسلامه للوهم وضعف إرادته.
بقي فرونسكي محلّ نظر الحسناوات، في حفلات المجتمع الراقي، بل وازدادت مكانته بعد مغامرته المجنونة باستحواذه على قلب آنا، وبدأت آنا تغار عليه، وسمعت أنَّ والدته تريد تزويجه من أميرة مثله، وعلى الجانب الآخر كان زوجها يريد تطليقها وهي ترفض من أجل ولدها، ثمَّ حين بدأت تستشعر بتغيرات فورنسكي والدعايات بشأن زواجه، وخوفها من تضييعه، طلبت الطلاق، تحمل من فرونسكي، وتأتيها حُمَّى النِّفاس، التي كادت أنْ تقتلها، والشخص الذي يهتم بها ويأتيها بالطبيب هو زوجها السابق، حملها إلى بيته، واهتم بها، وجلب لها الطبيب، إلى أنْ تحسَّنَتْ صحتها، جاء فرونسكي واصطحبها معه في سفرةٍ إلى إيطاليا، ثم عادوا بعد ذلك إلى روسيا، وعادت محاولات والدته لتزويجه من الأميرة، وكانت والدته تحتقر آنا لأنَّه شَوَّهَت سمعة ابنها وسرقته، وفجأة علمت أنَّ فرونسكي سيزور والدته، والأميرة المزمع تزويجها إيَّاه، موجودة عند والدته، فأرادت آنا أن تعاقب نفسها وتعاقب عشيقها، فَرَمَتْ نفسها تحت القطار الذاهب إلى المدينة، وحين علم فرونسكي حزن وتألَّم وانضمَّ إلى الجيش الذاهب لحرب المسلمين في الشيشان، وهذه الأحداث ربما في القرن السادس عشر أو السابع عشر.
نهر الخوف
فلم مصري من إنتاج عام 1960، إخراج عزالدين ذو الفقار، عن قصة ليو تولستوي، بطولة عمر الشريف، وفاتن حمامة، وزكي رستم، وعمر الحريري، إنتاج حلمي رفلة، مدة العرض 120 دقيقة، يقع زكي رستم بدور طاهر باشا، الغني كبير السن في حب الفتاة الصغيرة فاتن حمامة بدور نوال، يمنح أخاها الكثير من المال، لإقناعها بالزواج منه، فتتزوج منه وتنجب طفلاً ولكنها تعيش معه في بؤس شديد، حتى تلتقي بعمر الشريف في دور ضابط الجيش خالد فتقع في حبه، يكتشف طاهر باشا هذا الحب فتطلب منه الطلاق ولكنه يرفض في البداية ثم يوافق بعد ذلك ويبقي الطفل معه, ويذهب خالد إلى حرب فلسطين ويموت, تعود نوال إلى طاهر باشا لتحاول استرجاع أبنها ولكنها تفشل, فتقرر في النهاية أن تنتحر بألقاء نفسها أمام القطار، المخرج أراد أن يظهر نهاية الخيانة الزوجية، بموت الخائن في معركة حربية مقدَّسة وهو بهذا يظهر تعاطفاً كبيراً مع الخيانة الزوجية، الرواية الروسية والأفلام العالمية قامت على عقدة الزواج الكاثوليكي الممنوع من الطلاق، ولكن المخرج ذو الفقَّار تلاعب بالحبكة وجَعَل الزوج طاهر باشا شديد القسوة والبرودة، كدافع قوي للخيانة، ورفضه الطلاق، بينما كان الأمر بالعكس.