من معالم بغداد القديمة..موقع دار الخلافة والشورجة

من معالم بغداد القديمة..موقع دار الخلافة والشورجة

معن حمدان علي
قدم المهدي بن ابي جعفر المنصور من مدينة الري على والده ببغداد في شوال من سنة 151هـ/ تشرين الأول 768م، وكان يرافقه جيش عدده كبير، فأمره المنصور أن يعسكر في الجانب الشرقي من مدينته المدوره دار السلام، ويبني له ولمن يرافقه دورا وينشئ لها مرافقها من مسجد وسوق وغير ذلك، واحاطها بسور وخندق بعد اتمام ذلك، وغرس بستانا واجرى له الماء من نهر النهروان، وقد عرفت اولا بعسكر المهدي الا ان اسم الرصافة غلب عليها.

كان ذلك بداية لنمو الرصافة على حساب الكرخ، الذي اختير لكي يكون موقعا لبناء مدينة السلام المدورة، فكانت قصور حكام بني العباس تنشأ في الرصافة، ففقدت الكرخ مكانتها خصوصا بعد بناء دار الخلافة العباسية التي اخذت مساحة واسعة من الأرض.
تبدأ دار الخلافة العباسية- وهي قصور الخلفاء- من جنوبي المدرسة المستنصرية، وتقريبا من بداية شارع النهر او المستنصر اليوم، جناحها الغربي يحده نهر دجله، اما الشرقي فيمتد جدارها الى رحبة جامع الخلفاء، والمرجح ان تكون رحبة هذا الجانب الذي شيده الحاكم العباسي المكتفي بالله سنة 256هـ، هي الأرض التي شيد دير الاباء اللاتين وتوابعه سنة 1750م مقابل الجامع اليوم، ثم يهبط جدار الخلافة قبالة رحبة جامع الخلاني اليوم ثم يتجه غربا الى نهر دجلة، لان الجدار على شكل نصف دائرة.
لدار الخلافة ثمانية ابواب اهمها باب العامة، الواقع امام رحبة جامع الخلفاء التي كانت اهم مركز تجاري في العصور العباسية المتأخرة، وفيها المساجد والدكاكين والاسواق وأهم اسواقها سوق الطيوريين وهو اليوم سوق الغزل الذي لم تتغير بضاعته منذ ذلك الحين، وهي بيع الطيور، وسوق البزوريين اي الحبوب الجافة، وسوق الصفر، اي سوق الادوات المنزلية وغيرها، وهي السوق المعروفة اليوم بأسم الشورجة، التي حافظت على نفس المهنة التي ورثتها من الماضي.
بعد الغزو المغولي وما تبعه من عهود لم تبق دار الخلافة العباسية كعهدها بل زالت شيئا فشيئاً، فنشأت ابنية أخرى في موقعها، ولعل اهمها الذراع الغربي من سوق الشورجة، الذي أنشئ في العهد العثماني وهو المحصور ما بين شارع الخلفاء وشارع الرشيد، اذ ينتهي هذا القسم من الشورجة عند بوابة جامع مرجان، الذي يقابله من الجانب الآخر ما عرف بأسم سوق الجوخجية، والجوخ نوع ثمين من القماش، وهو اليوم معروف بأسم سوق القماش.
لم يبق الزمن ايا من اسماء الشورجة القديمة، وهي سوق البزوريين، ثم سوق الريحانيين ثم سوق العطاريين، وقد اختلف الباحثون في أصل كلمة الشورجة وتعددت آراؤهم، فمنهم من يردها الى كلمة الشيرج وهو دهن السمسم اذا كانت معاصره هناك وكان يستخدم في الطعام والاضاءة سابقاً، ومنهم من يرى ان بئرا مالحا كانت هناك لذلك عرفت باسم شوركاه، اي محل الشورى فحرفت الى الشورجة، واخيرا وليس آخرا ان هذا السوق شهد بيع الشورى اي سباغ الأرض التي كانت تستخدم في تسميد المزارع، والحقت "جة" وهي اداة تصغير عثمانية بالكلمة.
وهكذا بقيت هذه السوق عامرة لغاية هذا اليوم تصارع الزمن، وهي تمثل اهم مركز تجاري للعراق لا لبغداد وحدها، وهي فضلا عن ذلك منطقة غنية بالآثار والشواخص التراثية التي تؤكد اصالتها.
كرادة مريم.. ماذا بقي منها؟
صل تسمية الكرادة من (كرّاد) على وزن فعّال، وهذه الصيغة من الجموع تكثر في اللهجة الشعبية الدارجة، ومثالها: بلامة جمع بلام، وسمّاجة جمع سمّاج، والكرّد آلة بدائية لسقي البساتين والمزارع من الأنهار، ويرى معروف الرصافي في كتابه (الآلة والأداة) ان تسمية الكرادة مأخوذ من كلمة (كرد) الفارسية وهي السوق، وهذا رأي مبالغ فيه.
هناك اكثر من ضاحية في اطراف بغداد تعرف بهذا الأسم بعضها خسر الأسم لأسباب عديدة لسنا في مجال بحثها، مثل كرادة الصليخ الواقعة شمالي بغداد، بينما بقي الأسم ملتصقا بالكرادتين، كرادة مريم في جانب الكرخ، ومقابلتها الكرادة الشرقية في جانب الرصافة. ولا بد من أن نذكر ان بعض المناطق البغدادية نسبت الى (الكرود) مثل كرود الباشا وغيرها.
كانت الكرادتان من أهم مصادر الخضار وبعض الفاكهة لمدينة بغداد آنذاك حيث تعد كرادة مريم الشرقية من ضواحي مدينة بغداد، التي تنتهي بالصالحية من جهة الكرخ وجامع سيد سلطان علي من جهة الرصافة تقريبا.
اما كرادة مريم فهي تمتد على طول شاطئ دجلة الغربي بين موقع الصالحية شمالا ونهر الخر جنوبا الذي كان حداً، أما عرضها فمن شاطئ النهر غربا حتى سكة حديد بغداد البصرة شرقا، والمنطقة السكنية فيها تحاذي النهر محصورة في شريط من الارض لا يزيد عرضه عن كيلو متر واحد، وكانت البيوت تبنى من الطين وتسقف بجذوع النخل كمعظم بيوت الفلاحين.
تتكون كرادة مريم من احياء متميزة عن بعضها يطلق على كل منها (طرف)، ومن اشهر اطرافها (الثعالبة)، ويقع اليوم الى الشمال من جسر الجمهورية، وطرف العباسية والمطيرية والكاورية التي اصبحت مجمعاً للقصور الرئاسية اولا والمنطقة الخضراء اخيراً.
والحرفة الرئيسة لاهل الكرادة هي الزراعة، ثم تطور الامر الى اشتغال بعضهم بالزوارق التي كانت تتولى النقل بين ضفتي دجلة، ولعل أشهر اصحاب الزوارق من اهل الكرادة هو (دعبول البلام) الذي نقل الباشا نوري سعيد من الكرخ الى الرصافة صبيحة يوم 14 تموز 1958، وامتهن اخرون صيد السمك.
تنسب كرادة مريم الى مرقد يقع قرب مستشفى ابن سينا امام القصر الجمهوري، يعود تاريخه الى مئات السنين، والبحث التاريخي يؤكد انه من المراقد المتأخرة، نسب المرقد الى العذراء مريم ام السيد المسيح (عليهما السلام)، ومن نافلة القول عدم صحة هذه النسبة، وأهل الكرادة يقدسون الضريح لذلك اتخذوا من الارض المحيطة به مقبرة لاطفالهم، وأما أهل بغداد فكان هذا المشهد متنزها لهم يجتمعون حوله في كل عام مرتين، ويعرف بالكسلة، الكسلة الاولى في الجمعة الاولى بعد عيد الفطر، والكسلة الثانية في الجمعة الاولى بعد عيد الاضحى، وقد توقفت الزيارة لهذا المرقد حين اصبحت الارض المحيطة به تابعة للسلطة، ثم تطورت بعد 2003 الى المنطقة الخضراء.
محلة قنبر علي وتسميتها
محلة قمبر علي من محلات رصافة بغداد، تمتد جذورها التاريخية الى قرون سالفة تقترب من نشوء مدينة بغداد المدورة، وتعود تسميتها الى مرقد قمبر علي الذي ينزوي بين بيوته ودرابينه الملتوية المتداخلة مع محلات مجاورة لها، وهي تتوسط محلات البومفرج والمهدية وتحت التكية وباب الاغا وامام طه. ان اغلب سكان المحلة يعتزون بانتمائهم لها، وخصوصا ان معظمهم احفاد لاباء واجداد يسكنونها منذ قرون خلت، وهم مثل ابناء مناطق بغداد الشعبية يمتازون بالطيبة والوداعة وحب الناس، لذلك اصبحت هدفا للمنفلتين وزعران محلة مجاورة اثناء الفتنة الطائفية قبل سنوات، وسكانها من مختلف اطياف الشعب العراقي، يذكر شيوخ المحلة حادثة موت اليهودية (ليلو) التي لم يكن لها اقرباء فشارك الجميع بتشييعها ودفنها.
في العقل الجمعي للمستضعفين من ابناء الشعب العراقي، وهم الاكثرية، ان هناك حاكمين فقط في العراق اتصفا بالعدل ورفع الحيف عن الفقراء وحب الناس، وهما امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) الذي اعترفت به هيئة الامم بانه اعدل حاكم في التاريخ وذلك سنة 2012، وثانيهما الشهيد عبد الكريم قاسم جارهم ابن محلة المهدية وهم يفتخرون بالقصة الشهيرة لاحدى جولاته الليلية ووقوفه عند احد افران قمبر علي الذي رفع صاحبه صورة كبيرة له وحين راى حجم الصمون صغيرا طلب من صاحب الفرن قائلا (صغر الصورة وكبر الصمونة) تلك العبارة التي دخلت في الموروث الوجداني العراقي وصارت تضرب مثلا للعدالة.
ولكي نزيل ركام السنين بحثا عن تاريخ المحلة التي خلت من المعالم، لاندثارها او لتغير اسمائها، حيث لم يبق بها من الماضي سوى مرقد قمبر علي المجهول الهوية كما سيمر علينا، وبما ان علم الخطط يقوم على الاستدلال بالمعلوم الشاخص على المجهول المندرس، لذا ليس لنا الا ان نتخذ من شاخصين تتوسطهما المحلة دليلا على الوصول الى معلومات عنها، هما جامع الخلفاء والباب الوسطاني (الظفرية) العباسيان، وقد افادنا الجغرافي ياقوت الحموي في نص فريد عن ترتيب المحلات الواقعة بين هذين الموقعين.
قال ياقوت في معجم البلدان: "ان الماضي في طريق رحبة جامع القصر (جامع الخلفاء الان) يجد امامه بعد اجتيازه عقد المصطنع (محلة قاضي الحاجات) طريقين الشمالي يفضي الى درب النهر ومنه يجتاز قراح (بستان) ابن رزين واللوزية والمقتدية فالمختارة حتى يصل الى مقابر باب ابرز".
ودرب النهر يقصد به نهر المصلى الذي يدخل بغداد الشرقية من موضع قريب من الباب الوسطاني والذي ياخذ مياهه من نهر (بين) الاخذ بدوره من نهر الخالص والذي يجتاز تلك المحلات حتى يصب عند قصر الفردوس احد قصور دار الخلافة ويرجح موقعه الان قرب بناية غرفة تجارة بغداد او محاذيا لها في شارع النهر.
والذي يرجح ان تكون محلة قمبر علي جزءا من محلة المختارة العباسية كونها بقيت الى عهود طويلة اخر القسم المأهول من محلات بغداد الشرقية والتي عرفت بعد القرن الخامس والسادس الهجريين باسم (خربة ابن جردة)واول اشارة الى انها سميت باسم محلة قمبر علي وردت في حوادث سنة 874هـ/ كما في تاريخ الغياثي الذي ذكر انها من معالم بغداد الشرقية وبقربها مقبرة والمقابر لاتكون الا في الاطراف الاخيرة من المدن.
ويبدو ان الجامع كان مأهولاً حيث ورد في اول وقفية للجامع مؤرخة عام 894هـ /1488م ان الخواجة امين الدين لطف الله الخازن ابن الخواجة شمس الدين محمد بن الخواجة جلال الدين اسماعيل قد اوقف قرية قرب قرية جلولاء (لتعمير حضرة قنبر امير المؤمنين ولمعيشة الفقراء والمساكين الواردين والمترددين) كما نصت الوقفية ثم عرفت المحلة باسم محلة جامع قنبر علي كما في سجلات المحكمة الشرعية في بغداد ابتداء من عام 1229هـ /1813م.
من هذه الوقفية التاريخية التي تسلط الضوء على ان المحلة نسبت الى مرقد جامعها منذ القرن التاسع الهجري والاحتمال من القرن الثامن او السابع الهجريين وارد لكننا نفتقر الى الدليل وقد انفصل المرقد عن الجامع بعد شق شارع بينهما اواخر العهد العثماني.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: من هو صاحب المرقد قمبر علي.؟
الشائع بين الناس بانه مرقد قمبر مولى امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي نال الشهادة على يد الحجاج في واسط ودفن بها اذن لاصحة في هذه النسبة لان بغداد لم تكن مبنية في تلك الحقبة.
الباحثون والكتاب في هذا الشان لهم اراء مختلفة كلها ترجيحات لا اكثر فالشيخ محمد صالح السهروردي يرى انه قبر لابي طالب نصر بن علي الملقب بقمبر علي الناقد الذي ولّيَّ حَجَبِة الخليفة العباسي المستضي بامر الله عام 571هـ، كما في كتابه لب الالباب وذهب المؤرخ عبد الحميد عبادة الى انه علي بن احمد بن يحيى زوج شهدة الكاتبة بنت الابري كما يرى، ويذكر محقق "تذكرة الاولياء" لمرتضى نظمي زادة الى انه قمبر مولى الامام علي الهادي عليه السلام. ويبلغ الترجيح اقصى غاية في الغرابة لدى الاستاذ عبد الوهاب باجلان المحامي في كتابه اصول اسماء المدن والمواقع العراقية حيث ينسب اسم المحلة الى كلمة فارسية هي (قند بر) اي حامل السكر والمحلة منسوبة الى مرقد قمبر علي الذي لم تحل عقدة حقيقته. ان القاسم المشترك لدى هؤلاء الاساتذة هو ان الاسماء الواردة في ترجيحاتهم قد دفنوا في مقبرة (باب ابرز) التي موضعها الان قسم من الفضل والمهدية وقمر الدين والبارودية وهذه تضعف من نسبة القبر لاحدهم.
طوب ابو خزامة والتاريخ الشعبي الطريف
طوب ابو خزامة.. ذلك المدفع الشهير الذي هو من اكثر المخلفات العثمانية شعبية، لقد حلق الخيال الشعبي به عاليا حتى بلغ به منزلة مقدسة لا يدانيها أي أثر عثماني. لذلك كان البسطاء من الناس يزورونه ويتبركون به ويطلبون المراد منه، وكان نادرا ما يخلو من خرق ملونة مشدودة بالسلاسل المحيطة به، والعروتين البارزتين في اعلاه، والمسماة شعبيا بالخزامتين، كما لا يخلو من شموع مسرجة تحيط به ليالي الجمع.
زعموا انه يشفي الاطفال من الحمى والرمد والحصبة، المنتشرة يومذاك بين الاطفال، وكذلك الاطفال (المخروعين والفازين) فتطوف الامهات بهم حوله،ويحاولن ادخال رؤوسهم واخراجها من فوهته المباركة، ومن ولدت حديثا لابد من زيارتها له مع مولودها الذي بلغ عمره سبعة ايام وادخال رأسه في فوهة المدفع ثلاث مرات.
أما المرأة العقيمة فعليها ان تمرر احشائها عليه، كذلك اللائي لا يعيش لهن ولد، ثم تتوسل الى الله تعالى وتنذر للمدفع النذور، وقد ظلت هذه العادات جارية حتى عهد متأخر، وهذا ما دفع العلامة الشيخ محمود شكري الالوسي ان يؤلف رسالة (القول الانفع في الردع عن زيارة المدفع) وأرسلها الى المشير هداية باشا ليردع العوام عن زيارته، كما شارك امير شعراء الشعر الشعبي عبود الكرخي في سخريته من ايمان البسطاء بهذا المدفع قائلا:
والى طوب ابو خزامة أشهد
هذا شارته عند الطرن باليد
واليطلب مراد يشد خيط اسود
بي احمر واصفر يشبه الزرزور
والحديث عن اخبار هذا المدفع كثيرة،وقد بلغت اقصى ما يبدعه العقل الشعبي من خيال، تناول عملية صنعه وعمله وقوته، ومختصرها ان الهم استولى على السلطان مراد الرابع وقاجته لاستعصاء بغداد عليهم، فضلا عن استطالة مدة حصارها، فراى كنج عثمان، أحد قادته، ان الشيخ عبد القادر الكيلاني امره في المنام ان يصنع مدفعا كبيرا لكي يحتل به بغداد، وفي الصباح اخبر السلطان الذي رد عليه بعدم وجود الحديد لصنع المدفع، فطاف الشيخ عليه في الليلة الثانية وأمره باذابة حدوات الخيل وسلاسلها، فاخبر السلطان ذلك فاشتكى السلطان من جهل جيشه بصب المدافع، تكررت رؤية الشيخ في المنام مرة ثالثة معلما اياه طريقة صب المدفع، فاسرع كنج عثمان واخبر السلطان الذي اكد له عدم وجود بارود، وفي الليلة الرابعة ظهر الشيخ ايضا في المنام وامرا ان يتخذوا من التراب والحصى والصخور بديلا للبارود، واذا ما تعسر عليهم فتح ثغرة في السور فسيقف لهم فوق قبته على هيئة باز اشهب، فيصوبوا المدفع اليه اولا ثم يقذفوا السور ثانيا، فستفتح ثغرة فيه ويدخلون بغداد.
ان كرامات هذا المدفع كثيرة، ومنها ان الشق أو (الشرم) الموجود في فوهته سببه السرعة التي جر بها جبرائيل المدفع بأمر من الله عز وجل من السماء الى الارض، ثم كبر هذا الشق من جر السلطان له، واما الانخفاض الموجود على ظهر المدفع فقد جاء من ضربة يد السلطان له،فانزعج المدفع ورمى بنفسه الى دجلة،فالسمكات التي على ظهره جاءت من دجلة، واخرون يؤكدون ان السمكات من بحر القدرة الذي كان في طريقه بانتقاله من السماء الى الارض، والنجوم المحفورة عليه دليل على نزوله من السماء. أخذ المدفع يلتهم التراب ويحوله بقدرة الخالق الى قنابل يقذف بها اسوار بغداد.
واذا اردنا الانتقال من التراث الشعبي الى التاريخ نقول في السابع عشر من شباط عام 1639م غادر السلطان مراد الرابع مدينة بغداد ليخلف وراءه المدفع الاسطورة،وكان مطلع القرن العشرين موضوعا أمام باب الطوبخانة،وهو الباب الجنوبي لبناية وزارة الدفاع والواقع امام ساحة الميدان، ثم نقل قبيل الحرب العالمية الثانية الى الباب الوسطاني، حيث كانت بنايته متحفا حربيا،فنسيه الناس آنذاك ونسوا كراماته، ثم اعيد قرب موضعه الاول في العاشر من كانون الثاني عام1968بعد بناء قاعدة متينة له، واخيرا نقل الى مديرية الاثار.
صنع مدفع طوب ابو خزامة في مدينة(بيرة جك) السورية،وقد كتب على ظهره بالتركية العثمانية ما ترجمته(عمل علي الذي هو رئيس جنود الباب العالي سنة 1047هـ) ونقل مع مدافع اربعة اصغر منه الى بغداد عن طريق النهر رسمت عليه اسماك ونجوم، اما لماذا جعلت سمكات المدفع تسعا، والنجوم على شكل مثلثات، فلان السمك لدى علماء الحيوان مشهور بشراهته وشدة حركته ونشاطه، والسمك في تفسير الاحلام يدل على الغنيمة،وان التسعة في منطق الحروفيين تقابل حرف الطاء في حساب الجمل الكبير، وهذا الحرف في السحر هو حرف التدمير والقتل، وكذلك اختصت مثلثات النجوم بحرف الطاء.

من مبحث مخطوط للكاتب الفاضل معن حمدان علي