قصص العشق خلال فترة مابين احتلالين في  عشاق وفونوغراف وأزمنة

قصص العشق خلال فترة مابين احتلالين في عشاق وفونوغراف وأزمنة

أوراق
استعادة التاريخ، بعطره القديم وحضارته، وأحداثه، بين الألم والتفاخر، وبكل ما فيه من صراعات، هكذا استعرضت لطفية الدليمي أحداث العراق في عهد الدولة العثمانية مُستعيدة ذلك الزمن بكل ألقه وألمه من خلال رواية "عُشاق وفونوغراف وأزمنة" ، والتي صدرت عن مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون، لعام 2016.

تعود الرواية إلى الماضي في سردها لأحداث وقعت، ولكن بأسلوب يخرج عن التكرار والنمطية ولا يقع في فخ التأريخ، فتأتي الأعمال حاملة لروائح المكان والحنين إليه، كما يشحن الكاتب أثره بطاقة من العاطفة الممزوجة بالمشاعر الفياضة، وهذا راجع إلى تأثره بالأحداث، خصوصا إذا ارتبطت بعائلات كانت لها صولات وجولات وميزات ظلت تُروى على مر السنين، بالإضافة إلى مدى تشبث الكاتب بالمكان الذي ربما يصير مع مرور الزمن ذكرى، أو ربما يصير هو الوطن المنشود لأن المخيلة ترسمه على شاكلة الحلم حتى لا يصير هو المنفى فتصير الوجوه والأحداث القاسية مرتبطة بذلك

تختلف هذه الرواية اختلافا نوعيا عن الأعمال السابقة للكاتبة؛ بدءا من ضخامة حجمها، مع تعدد مستوياتها، وتميز لغتها، بوضوحها الرصين ونغمتها الموسيقية اللافتة، وتفرد أسلوب السرد، وتعالق أصوات الرواة على امتداد الأزمنة.
وهي تتكون من روايتين متداخلتين تحكيان عن فترات زمنية متعاقبة من سيرة عائلة الكُتُبخاني؛ رواية أولى تجري وقائعها في عراق بدايات القرن العشرين في حقبة أفول الهيمنة العثمانية وانحلال الامبراطورية، وفترة الاحتلال البريطاني وتشوّش الأوضاع وتداخل المصالح وتضاربها، ورواية ثانية تلاحق سليلي تلك العائلة في حقبة ما بعد الاحتلال الأميركي في العام 2003. وتشكّل الوقائع العامة إطارا خارجيا يحتضن حيوات الشخصيات.
يمكننا وصف “عشاق وفونوغراف وأزمنة” بأنها رواية “جيلية” تروي أحوال أربعة أجيال من عائلة متنفذة كانت عونا للمحتلين، الذين تعاقبوا على العراق طوال أكثر من قرن، وحازت على الثروة والجاه، وتصدرت مواقع سياسية واجتماعية في كل عصر.
تعتمد الرواية الجيلية هنا أنماطا روائية مختلفة، فيمكن توصيفها من جانب آخر بأنها رواية ذات نزعة “معرفية” عملت على تطويع كم كبير من المعلومات العلمية والفلسفية والفنية للمتطلبات الروائية المحسوبة بدقة، دون إخلال بسلاسة السرد الروائي ومتعة التخييل، ما أثرى العمل بتفاصيل تاريخية ومجتمعية واقتصادية وعلمية عززت السرد المركّب المشحون بدراما الوقائع والحروب والعلاقات الإنسانية المعقدة، وكشفت عن أوضاع المجتمع العراقي القلقة وتناقضاته، والعوامل الأساسية الكامنة التي أفضت إلى هذا الخراب العراقي المستديم في حاضر البلاد.
تشكّل قصص العشق هيكلا أساسيا للرواية، تتصاعد وتنمو الصراعات والتوافقات خلالها على امتداد أجيال عائلة الكتبخاني منذ مطلع القرن العشرين حتى سنة 2014، وتتوهج بينها على نحو متفرد قصة العشق المثيرة بين صبحي الكتبخاني والمغنية بنفشة خاتون، التي تروي سيرتها بعض تاريخ العبودية في رحلة سحرية مشبعة بلذة التخييل الأسطوري المتماهي مع أساطير العشق المشرقية، بمفاجآتها وغرائبها، ضمن توظيف بارع يتظافر فيه الميتافيزيقي والواقعي، مسرودا بلغة سلسة تتناغم إيقاعاتها الموسيقية مع تصاعد الحوادث، في موازنة دقيقة بين اشتراطات الواقع ومتطلباته الصارمة ومتعة التخييل الروائي.
تأتي هذه الرواية لتمثل إضافة نوعية مميزة للكاتبة لطفية الدليمي، التي أنجزت في مسيرتها الطويلة ما ينيف على الخمسين كتابا، في حقول الرواية والقصة القصيرة والترجمة والدراما المسرحية والإذاعية والدراسات الفكرية.