أنت لم تقرأ مكتبة العلوجي.. أنت لم تقرأ نصف الدنيا

أنت لم تقرأ مكتبة العلوجي.. أنت لم تقرأ نصف الدنيا

ايمان البستاني
الباحث الموسوعي، المولود في كرخ بغداد ـ منطقة الجعيفر سنة 1924. تخرج من كلية الحقوق، ولم يعمل في حقل اختصاصه الأكاديمي
من مؤسسي مجلتي المورد والتراث الشعبي. بلغت مؤلفاته 41 كتاباً، وشغل مناصب عدة كان آخرها مديرا عاما للمكتبة الوطنية في ثمانينيات القرن الفائت ومن ثم مديرا عاما لدار الكتب والوثائق بعد دمج المكتبة الوطنية والمركز الوطني للوثائق معا، حتى تقاعده في سنة 1993

مكتبته احتوت كتبا نفيسة ومنها: كتاب الساق على الساق لأحمد فارس الشدياق الذي طبع في منتصف القرن التاسع عشر - طبعة باريس -، والكتاب عبارة عن رحلة قام بها المؤلف وزوجته الى أوربا، والملاحظات التي تراها زوجته يعقب هو عليها وقد عاش الشدياق في زمن السلطان عبد الحميد الثاني
مكتبته العامرة.. كُتِب عنها
« أنت لم تشاهد مكتبة العلوجي.. أنت لا تعرف نصف الدنيا «
لقبه العلوجي جاء من عمله في علوة والده عشر سنوات، فقلبها الى مكتبة، إذ كان يتسوق الكتب بدلاً عن الحنطة والشعير والدهن، وأدى ذلك الى خسارة والده رأس المال
وذات مرة حين كان العامل يزن الحنطة في العلوة، انشغل العلوجي بقضية إعرابية قال إنه من دعاة إلغاء الإعراب مفضلا الاستغناء عنه ببعض القواعد الأساسية
من آرائه: إنّ العلاقة بين التأريخ والاسطورة مثل علاقة التوابل بالأطعمة، التأريخ اسطورة كبيرة لكنها تدعو الى الثقة والإيمان
ومن آرائه أيضا: إنّ الحكايات الشعبية انعكاس لطقوس وخوف من الغيبيات والماورائيات، وإن الحكايات الشعبية ظلمت المرأة
امتلك روح النكتة، وهوى الزراعة وصيد السمك، وربى القطط، وصادق عنكبوتا وكان يطعمه ذبابا يصطاده له
رحل عن عالمنا سنة 1995، لكنه ترك في ذمة الذاكرة الثقافية سيرته ومؤلفاته التي نعرضها هنا من خلال ماأطلعنا عليه وماقاله وكتبه الآخرون بحقه

العلوجي في موسوعة أعلام العراق

باحث موسوعي بغدادي،مارس التعليم مدة، وبلغت مؤلفاته 41 كتابا، خاض معارك جدلية مع الدكتور محسن جمال الدين حول الاستشراق الروسي، ومعركة مع فؤاد جميل حول كتاب (في بلاد الرافدين) ومعركة مع المجمع العلمي العراقي حول الطب العراقي، كتب عنه حسين نصار والمستشرق البريطاني بيرسون، حصل على وسام المؤرخ العربي وشارة جمال الدين الأفغاني وشارة الفارابي وشارة بغداد والكندي

مؤلفات العلوجي

نشير الى عدد من مؤلفات العلوجي التي وجدت في فهارس دار الكتب والوثائق الوطنية في بغداد ومصادر أخرى
حكومات بغداد منذ تأسيسها حتى عصرها الجمهوري، 1962
الزوج المربوط، 1964
المواسم الادبية عند العرب، 1965
مؤلفات ابن الجوزي، 1965
من تراثنا الشعبي، 1966
عطر وحبر، 1967
تأريخ الطب العراقي، 1967
الشيخ ضاري قاتل الكولونيل لجمن في خان النقطة، بالاشتراك مع عزيز جاسم الحجية، 1968
رائد الموسيقى العربية، 1969
الهجرة الصهيونية الى فلسطين، 1969
كتاب الوزارات مخطوط جليل يحسن دراسته، 1970
أيام في المربد، 1971
الأصول التأريخية للنفط العراقي، بالاشتراك مع خضير عباس اللامي، 1973
النتاج النسوي في العراق، 1974 ـ 1975
المرشد الى النتاج الموسيقي، 1975
الفارابي في العراق، 1975
المتحف البغدادي، 1975
عقبة بن نافع رجل البيت والقومية، 1975
المثنى بن حارثة الشيباني، 1980
القعقاع بن عمرو التميمي، 1980
المربد مواسم ومعطيات، 1986
آثار حنين بن إسحاق، بالاشتراك مع عامر رشيد السامرائي
جمهرة المراجع البغدادية، فهرست شامل بما كتب عن بغداد منذ تأسيسها حتى الآن، بالاشتراك مع كوركيس عواد
ومن المواقف الظريفة، إن الباحث الراحل عمل وصديقه الباحث سالم الآلوسي مدة في لجنة تقويم (تقييم) المطبوعات في دار الكتب والوثائق لغرض شرائها، وذات مرة أرسل وزير الثقافة والإعلام شخصا من طرفه، كان قادما توا من أميركا ومعه مجموعة كبيرة من الكتب، عرضها للبيع بالدولار، استقبله العلوجي والآلوسي وطلبا منه
إحضار الكتب لتقويمها ماديا، فجلبها لهما في أكياس جنفاص، فقاما بتوزيع الكتب بين ثلاث أقيام وعلى وفق حجم الكتاب، مجموعة بـ 5 دنانير للكتاب الواحد، ومجموعة بـ 10 دنانير للكتاب، ومجموعة بـ 15 دينارا للكتاب الواحد، فكان هذا التوزيع أشبه بالنكتة من قبلهما، ولأنهما محددان بميزانية مالية معينة، وحين عاد صاحب الكتب في اليوم التالي صدمته الأسعار، فقال لهما: قابل دا ابيع لكم رقي
وفي لقاء قديم مع الباحث عبدالحميد العلوجي أضاف هذه الملامح من شخصيته
ماعلاقتك بالسياسة؟
بصراحة أنا لا أحب السياسة، ولكن مادام التراث هو الركيزة القومية المهمة، وأنا من أوائل الذين خدموا التراث فبهذا أكون من أوائل السياسيين
كم عدد مؤلفاتك؟
أنا منتج، ولم يقتصر إنتاجي على موضوع معين إلا أن جميع مؤلفاتي على أهميتها موجهة لقطاع معين من القراء والباحثين وتبلغ حوالي 33 كتابا و600 دراسة ومقالة وهي ليست بمستوى رضائي، لأن أغلبها يخدم حاجة آنية
وماذا تذكر عن بغداد القديمة؟
أذكر سور بغداد القديمة الذي يحادد الآن منطقة الرحمانية في الكرخ، ويستمر الى مقبرة الشيخ معروف وحين أذكره تتداعى كل الذكريات لأنه بموازاة السور كانت تقوم المكاسرة بين شباب أكثر من محلة وهي موسمية في الربيع فقط، ومن ورائها الاستعمار الذي يشجع على التناطح فيما بين البغداديين أنفسهم فيموت البعض ويجرح البعض الآخر، وأذكر آخر مكاسرة حدثت أوائل الأربعينيات ثم اختفت بعد ذلك
مارأيك في العمارة الحديثة؟
أريدها أن تعكس مرافق العمارة. القديمة وأشكالها بمواد إنشائية جديدة. وأغلب ماهدم من بيوت بغداد القديمة لا يعد تراثا لأنها تعود الى العهد العثماني، متهرئة وتكثر فيها العقارب.. وقد لدغتني إحدى هذه العقارب فعالجتها أمي بوضع النفط عليها
يربي القطط.. ويصادق عنكبوتاً
هوايات العلوجي.. ماهي؟
ربيت القطط وأسميتها بأسماء خاصة اناديها بها فتأتيني، وقد جنيت على أحدهم وكان اسمه شمعون ناديته باسمه فأتاني مسرعا فتسببت في دهسه ولكن العجيب أنه أوى الى تنور في دارنا وامتنع عن الطعام والشرب مدة اسبوع تقريبا خرج بعدها سليما ومعافى وعلمت أنه داوى جروحه بلعابه
وصادقت أيضا عنكبوتا فترة عملي في علوة أبي، كان شيخا عاجزا لا يستطيع إطعام نفسه فاصطاد له في كل يوم ذبابة وأقدمها له لينسج حولها جوعه ثم يأكلها، فتعود على ذلك وأصبح ينزل من نسيجه الذي في أعلى السقف ويأتي أمامي عندما أدخل العلوة
أنا أيضا من صيادي السمك الماهرين لا يفلت مني الشبوط او الجري أبدا وهذه حسنات البيت إذا كان قريبا من النهر نهر دجلة طبعا
هواياتك الأخرى؟
أنا من هواة الزروع أزرع وأقلم وأطعم وكانت في حديقة البيت القديم قبل استملاكه شجرة تحمل البرتقال والليمون الحامض والنارنج واللالنكي مرة واحدة وكذلك بالنسبة للورد والجوري فالشتلة الواحدة تعطي ألوان الورد المتعددة. كما إنني أهوى الموسيقى ولدي رأي في قضية (البستة) التي يقولون إن أصولها غير عربية، وجدت عند الفيلسوف العربي الفارابي في كتابه «الموسيقي الكبير» أنه يتحدث عن نوع من الأغنية الخفيفة التي تريح الأعصاب وسماها (البسطي) والبستة تحريف عن البسطي، ولكن لم يدرك أحد ذلك
السينما...هل لك رأي فيها؟
لم أذهب الى السينما منذ أربعين سنة، وحين يقال إن التلفزيون يؤثر على السينما فهذا صحيح، وأنا أحد مواد الاختبار التطبيقية، فالتلفزيون أغناني عن السينما كي أبقى مع أولادي وزوجتي
وعندما بدأت الأمراض تنهش من جسده في العقد السابع من عمره، وأخذت صحته بالتدهور، وأصيبت عيناه بالتقوّس، ودمه بالسكر والضغط، وكذلك أذنه بثقل في السمع، ودبّت في أطرافه الرعشة، وفمه بسقوط الأسنان، فإنه ترك في عهدة ولده غسان كتاب مذكراته (ذكريات ومطارحات) بستمائة صفحة من الحجم المتوسط، كتب أحداثه بصراحة توجع الأصدقاء وتغيظ الأعداء.. وكان يتمنى لو كان هناك من يرعى مشروعه الضخم (الموسوعة القرآنية) الذي شرع بكتابته منذ سنة 1952 بدلاً من أن يبقى محفوظاً في الصناديق المقفلة
يومها كان العلوجي يقول عن نفسه: إنه صار يماثل خراب البصرة بعد عدوان الزنج، وأنه ينتظر رحلته الأبدية إلى عالم الغيب، التي كان يرى أنها لن تكون مخيفة، لأن ما زرعت يداه في الدنيا سيجني ثمره مثوىً كريماً عند رب غفور.