سلوى الجراح..   صورة في ماء ساكن

سلوى الجراح.. صورة في ماء ساكن

أوراق
"صورة في ماء ساكن" هي الرواية الخامسة للكاتبة (سلوى الجرّاح) التي توجهت للعمل الروائي منذ عام 2005 بعد عملها لسنين في مجال الإعلام والتي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
يطّلّع العنوان داخل الأعمال الأدبية بوظيفة الإثارة والتشويق ودفع المتلقي إلى خوض غمار القراءة، كما يدفعه إلى طرح العديد من التساؤلات التي تحفزه على الشروع في القراءة.

وعنوان الرواية التي نحن بصددها، يحقق على الأقل بعضا من تلك الوظائف المشار إليها.
وتبعا لذلك يحقق عنوان الرواية المثير ستراتيجيته في استمالة القارئ وتوريطه في عملية القراءة، وعند البدء في قراءة رواية (صورة في ماء ساكن) يصدمنا العنوان بجرسه الموسيقي ومفارقاته اللغوية فجملة "صورة في ماء ساكن" تحيل ذهن القارئ إلى دلالات متعددة مشحونة بمعان تروم التضاد أكثر مما تهدف إلى التجانس، وخاصة كلمة "ساكن" الصفة التي لاتلائم الموصوف، لكن شعرية اللغة الروائية أعطت للعنوان انزياحات متعددة، الغرض منها صدمة القارئ وتحضيره لتلقي باقي الصدمات المؤلمة لتي تخللت النص الروائي الذي يحكي الواقع بكل تجلياته.
الشاهدة او الساردة في الرواية هي ضمير المتكلم (أنا) و بالاحرى هي رسامة معروفة وهذه تجربتها الاولى في الكتابة، واختارت ان تكتب بلا رتوش الرسام اي بمعنى دون التغيير في ملامح الشخصيات كما يعمل الرسام، وتروي لنا حكايتها بعد ان تقوم بتعريف نفسها:
(انا بديعة عبد الرحمن الكيّال) وحين ينادوني يدلعوني (بدُوعة) وهو اسمي الذي وقعت به لوحاتي على مر السنين، بديعة تتشكل في الذاكرة من خلال سير الاحداث كصورة حية لمدينة بغداد، تلك المدينة المفتوحة الآفاق قبل ان يخنقها الزعماء بانقلاباتهم الدموية وتكتسي سواد الحروب وفي الاخير تنوء تحت وطء مخلفات الاحتلال الامريكي.
إنها رؤية ثاقبة إلى المجتمع العراقي والتحولات السياسية..رؤية تتقاطع عموديا وأفقيا مع الطرح العام لكافة المثقفين،وتعبر عن آلامهم و آمالهم بكل صدق وإحساس مرهف،ويكون لهذه الطريقة في الكتابة أثر كبير في نفسية المتلقي حيث انه يصبح عنصرا مشاركا في عملية السرد الروائي. كما يصبح المتلقي هدفا عندما يستوعب فكرة اوغاية الروائي في ان يكون مشاركا في النص الروائي ومساهما فيه من خلال مشاركته للاحداث والوقائع التي وردت في الرواية ويتذوق دلالاتها وحمولاتها الفكرية،ومن تم يتحول بدوره إلى عنصر مشارك متورط في عملية السرد،وذلك من خلال قراءة ماوراء السطور،فلا تلبث عيناه تزوغان عن القراءة حتى يجد نفسه منغمسا في جوهر النص الروائي, وهكذا ترتقي الرواية الى مستوى ابداعي فيشعر القارئ وهو يقلب صفحاتها أن الروائية (سلوى الجرّاح) قد نفثت شيئا من روحها في اختياراتها للشخصيات التجريبية،وصبت فيها رؤيتها الخاصة للاحداث أو الشأن العراقي.
لقد نجحت الكاتبة (سلوى الجرّاح) في الربط بين أكثر من زمان ومكان، ضمن كتابة اعتمدت فيها التوازي بين حدثين وزمنين، يعمقان الإحساس بالوحدة والاغتراب في الزمن الحاضر، وبين الإحساس بالنبذ التاريخي لزمن دموى وعاصف و كذالك الحنين الى زمن جميل ,إضافة إلى الاحساس في الاغتراب ويوازيه في هذا الوأد للمشاعر واقعيا وقتل آخر للأحلام في العودة الى الوطن (البلد لن تقوم له قائمة ما لم ينتهِ هذا القتل والارهاب، ويوضع حد لمستغلي هذه الظروف لسرقة العراق).