صياغة فلسفية تُخالف ادعاءات الروي العقائدي في   هلابيل.. النسخة الاخيرة

صياغة فلسفية تُخالف ادعاءات الروي العقائدي في هلابيل.. النسخة الاخيرة

أوراق
يحكي الروائي الجزائري سمير قسيمي في هذا العمل الجديد " كتاب الماشاء " والصادر عن مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون، حكاية "هلابيل" وقصة النشوء والخلق بتقنية سردية تتكئ على فكرة المخطوط. وتبدأ الرواية، حسب سمير قسيمي، من قرار رقمنة الأرشيف الفرنسي مركزة على رقمنة المجلة الإفريقية التي أوكلت إلى جوليان هاد الذي يعمل في أرشيف ما وراء البحار بـ"اكس بروفانس" مرسيليا، حيث يكلف برقمنة أعداد المجلة الإفريقية من 1856 حتى آخر عدد.

وينتهي من العملية في 6 أشهر بجمع 10 مجلدات بالإضافة إلى مجلد الفهرسة بعد توقيعه عقودا سرية، غير أنه يحتفظ بنسخة من الفهرسة ويهديها لعالم لغات قديمة الذي يهديها بدوره إلى مؤرخة الفرنيسية ميشال التي تكتشف سقوط المقال المتعلق بالمترجم الحربي سيباسيان دو لاكروا من العدد الثالث، وتبدأ رحلة بحثها عن اثار المقال، لتكتشف فيما تكتشف مخطوط "هلابيل".
ويتجنب سمير في هذه الرواية السرد الخطي للأحداث حيث يربك القارئ بقفزه على التاريخ وملء فراغاته وبياضاته، ويضيف شخصيات جديدة إلى رواية هلابيل التي قامت على 6 شخوص في نسختها الأولى، جاعلا من كل واحد من الشخصيات بطلا فاعلا في مسار الأحداث، مخرجا إياهم من هامشيتهم ليصبحوا صانعين للتاريخ، حتى وإن تعددت مصائرهم في الزمان والمكان.
يلجأ الجزائري سمير قسيمي في عمله الروائي الجديد "كتاب الماشاء" إلى تقنيات سردية متعددة لإعادة كتابة بعض من التاريخ الجزائري الهامشي، مستخدما تارة شخصيات حقيقية وأخرى تبدو غير ذلك، ليزول الخط الفاصل بين الحقيقي والتخييلي، في لعبة سردية انتصرت للهامش على حساب المركز.
وتبدو رواية "كتاب الماشاء" المؤلفة من 232 صفحة من القطع المتوسط، تكملة لرواية سابقة للمؤلف نفسه بعنوان "هلابيل" التي صدرت منذ سنوات عديدة. غير أن العمل الجديد يمكن أن يُقرأ مستقلا عن الأول، مثلما يمكن أن يقرأ تتمة له، إذ إن العنوان الشارح للعمل الجديد جاء في صيغة "هلابيل.. النسخة الأخيرة".
وتبدأ لعبة السرد في هذا العمل من عام 2004، عندما قال السارد إن شخصا اسمه "جوليان هاد" كُلّف برقمنة أرشيف أشهر مجلة فرنسية كانت تُعنى بالبحوث المتعلقة بالثقافات الجزائرية والدول المجاورة لها واسمها "المجلة الأفريقية".
وعند نشر المادة على الشبكة العنكبوتية ابتداء من عام 2010 لاحظ الباحث أن المجلد الحادي عشر كان غائبا أو مغيّبا، ومن هنا كانت بداية السرد لنحصل على تفاصيل ذلك التاريخ المنسي.
وانطلاقا من شخصيات تبدو حقيقية، نعرف بعضا من تاريخ الاحتلال الفرنسي في الجزائر مثل مجزرة "العوفية"، التي حدثت بالفعل عام 1832، حيث أًبيدت قبيلة بكاملها بأمر من السفاح الفرنسي دو روفيغو.
ويبدو سمير قسيمي مختلفا عن نفسه من نص إلى آخر، وحتى هذا العمل الجديد الذي وإن بدأه وأنهاه بشكل غرائبي، فإن المتن ابتعد عن ذلك كثيرا واستخدم فيه عدة تقنيات لعل أبرزها تقنية التقصي "البوليسي" بحثا عن حل لألغاز وسدا لفراغات.
"قسيمي لديه هذه القدرة على تقمّص الشخصية، فينقلك من أجواء التصوف إلى وقائع من تاريخ الوطن، ويمنح الوثيقة سرا مُلغزا يغري بالبحث لمراجعة التاريخ". كما أن النص جاء مليئا "بالإشارات الفلسفية المتعلقة بالوجود الإنساني وبالحياة، يصوغها بمفردات نعرفها، لكنه يقدمها في صياغة تبدو غير مألوفة".
وكان من الأفضل لو أن قسيمي "لم يُثقل النص بالأحداث ليمنحه ما عهدناه في كتاباته من حيل تخييلية وأبعاد رومانسية مشوِّقة".