من اوراق الراحل سالم الالوسي..سور بغداد وبابه الشرقي، نشأته ونهايته

من اوراق الراحل سالم الالوسي..سور بغداد وبابه الشرقي، نشأته ونهايته

كان الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور اتخذ من بلدة الانبار على الفرات عاصمة مؤقتة ثم لم يلبث ان توجه شرقاً لينشىء على الضفة اليمنى من دجلة عاصمته الجديدة التي سماها مدينة السلام وذلك سنة 145هـ (762) م التي اطلق عليها المؤرخون المعاصرون (بغداد المدورة)

ثم انزل ابنه وولي عهده المهدي في الجانب الشرقي وجعل مقر جنده هناك وكانت تعرف المحلة الجديدة اولاً باسم (عسكر المهدي) ثم سميت (الرصافة) واول بناء شيد فيها جامع الرصافة الكبير وبهذا اصبح لبغداد جانبان: الغربي ويعرف بالكرخ والجانب الشرقي ويعرف بالرصافة.

وبتوالى العهود وتعاقب الازمان تقلصت مساحة بغداد الغربية فانحصر معظم عمرانها في الجانب الشرقي منها كان ذلك في اواخر العصر السلجوقي (القرن الخامس الهجري)
ونظراً لاتساع المدينة وامتداد رقعتها اصبحت الحاجة لحمايتها من الاعداء ودرء الاخطار عنها فاقدم الخلفاء العباسيون بأحاطة المدينة بتخصيصات واسوار وتعد المنشآت الدفاعية في الجانب الشرقي من اهم التحصينات التي قام بتشيدها الخليفة المستعين بالله هناك في سنة 251 هـ (865) م عند ما فر من سامراء هربا ً من الجند الترك الثائرين عليه واحتمى ببغداد فأنشأ سورين حول المدينة للدفاع عنها الاول يحيط بالجانب الشرقي وكان يضم المحلات الثلاث: الشماسية والرصافة والمخرم , والسور الثاني يحيط ببغداد الغربية (الكرخ) ويضم المحلات المهمة حول مدينة المنصور , ودام الحصار نحو سنة فتبدلت هيئة المدينة من جراء بناء السورين المذكورين (عن دليل خارطة بغداد ص 119)

سور بغداد الشرقية

لم تتوقف الجهود في تحصين المدينة ففي اواخر العهد السلجوقي احيط الجانب الشرقي بسور اخر وهو غير سور المستعين , شرع الخليفة المستظهر بالله بانشاء سور عظيم وخندق واسع يحيطان بالمدينة وكان الشروع في بنائه سنة 488هـ (1095) فانجز قسم يسير منه وتم اكماله في عهد الخليفة المسترشد بالله (512 _ 529هـ) ثم انشئت مسناة حول خندقه في عهود الخلفاء الذين عقبوا المسترشد وجعلوا للسور اربعة ابواب هي:
1- باب السلطان (اي باب المعظم)
2- باب الظفرية (الباب الوسطاني)
3- باب الحلبة (باب الطلسم)
4- باب كلوذى (باب البصلية) – (الباب الشرقي)

وبتوالي الايام وبسبب العوارض الطبيعية اصابت السور تخريبات فقام الخليفة الناصر لدين الله بتجديده وانشأ برج الطلسم وزينه بالكتابات والزخارف وذلك سنة 618 هـ (1221م) ومن باب الطلسم دخل السلطان العثماني مراد الرابع عندما فتح بغداد في سنة 1048هـ (1638 م) ومن هنا اطلق عليه اسم باب الفتح او برج الفتح كما رمم السور الوالي محمد باشا الخاصكي في سنة 1068 هـ
بقي هذا السور قائماً قرابة (800) عاماً حتى جاء الوالي مدحة باشا سنة هـ1288 فهدم اقساما من السور لبناء القشلة ومرافق عمرانية اخرى دون ان يمس الابواب الاربعة وبعد عشرين عام اكمل هدم السور الوالي سري باشا (1307- 1308) هـوابقى على الابواب الاربعة وثلمة من السور تشاهد بقاياها خلف جامع الازبك.
ولم يبق من الابواب الاربعة في الوقت الحاضر سوى باب الظفرية (الباب الوسطاني) فقد نسف باب الطلسم من قبل الجيش العثماني في 11 / 3 / 1917 وهدم باب المعظم عام 1923والباب الشرقي في 13 / 5/ 1937.

وصف السور

وصف السور الشرقية عدد من البلدانين والرحالة ذكره ابن جبير عند زيارته بغداد سنة 580 هـ وبعد قرن وصفه ابن بطوطة عندما دخل بغداد سنة 727 هـ وفي سنة 944هـ وضع المطراقي رسماً له وكان يرافق السلطان سليمان القانوني عندما قدم الى بغداد
ومن الاجانب الرحالة الفرنسي (تافرينيه) الذي زار بغداد مرتين في 1632و 1652م وذكر ان طول السور ثلاثة اميال وهو مبنى بالاجر ويحيط بالسور خندق يأخذ ماءه من دجلة. وفي سنة 1766 رسم الرحالة (كارستن نيبور) خارطة لبغداد وفيها السور غاية في الدقة والوضح اما فيليكس جونس سنة 1854 فقدر طوله ب (10600 ياردة) اي حوالي عشرة كيلو متر (9688 متراً)

خندق السور:

كان السور محاطاً بخندق عميق يتصل بنهر دجلة من فوق المدنية ومن اسفلها فكان الماء يحيط بالسور من جميع الجهات من الشمال والشرق والجنوب ونهر دجلة من الغرب (عن لاسترانج ص 238)
وقد وصف المؤرخ الفارسي حمد الله المستوفي في كتاب (نزهة القلوب) الذي كتبه سنة 740 هـ (1330م) اي بعد الحصار المغولي لبغداد بثلاثة ارباع القرن , قال ان سور المدينة مبني بالاجر والخندق مرصوف بهذه الحجارة ويمتد بهيئة نصف دائرة طولها 1800 خطوة من ضفة دجلة فوق المدينة الى ضفة دجلة ثانية تحت المحلات الجنوبية (لاسترنج ص 239)
اماالرحالة (تافرنية) فيصف السور بقوله:
ويحيط بالسور خندق عريض عمقه نحو خمس او ست قامات. وللمدينة اربعة ابواب وباب خامس مطل على دجلة ومنه يعبر النهر على جسر ذي (33) قاربا
وعند تأسيس الحكم الوطني عام 1921قامت امانة العاصمة بتحويل اجزاء من الخندق الى متنزهات وحدائق عامة ومرافق عمرانية في اواخر الثلاثينات ومطالع الاربعينات فقد اصلح خندق الضلع الجنوبية من السورقرب باب كلواذى الى حديقة عامة عرفت بحديقة الملك غازي (حديقة الامة حالياً)
اما خندق الضلع الشمالية من السور فقد اقيمت مكانه حديقة عامة شيد في طرفها الشرقي قاعة الملك فيصل الثاني (قاعة الشعب الان) وعلى الطرف الغربي المطل على دجلة اقيمت بناية (بهو امانة العاصمة) لاقامة الحفلات والمهرجانات الرسمية واستقبال الوفود وضيوف الدولة اما اليوم فلم يبق لبغداد الشرقية لاسور ولا خندق.

الباب الشرقي ..(باب كلواذا)

كان الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور , أسس مدينة في الجانب الغربي – الكرخ اطلق عليها اسم (مدينة السلام) على مقربة من قرية قريبة تعرف ب(بغداد) وذلك عام 145 هـ (762 م ) ثم جاء ابنه محمد المهدي فبنى الرصافة في الجانب الشرقي وفيها قصره و جامع الرصافة وأحاطها بسور واحاط السور بخندق فأصبح لمدينة السلام – اوبغداد – جانبان الكرخ والرصافة.
ولم يلبث جانب الرصافة ان اخذ بالاتساع , وتقلصت مساحة بغداد , فأنحصر معظم عمرانها في القسم الشرقي من المدينة داخل سور كان الخليفة المستظهر بالله
قد شرع بأنشائه وذلك في سنة 488 هـ (1095م) واكمل بناءه الخليفة المسترشد. وبمرور الزمن اصابت هذا السور عدة تخريبات ثم جدده الخليفة الناصر لدين الله. وقد جعل لسور بغداد الشرقية اربعة ابواب هي:
باب السلطان – اي باب المعظم لانه يؤدي الى مرقد الامام الاعظم ابي حنيفة , 2- الباب الوسطاني وكان يعرف بباب الظفرية , 3- باب الحلبة – باب سباقات الخيل – وعرف بباب الطلسم , 4- ثم باب كلواذا – او باب البصلية اي الباب الشرقي في العصور الاخيرة وقد عزز السور بعدد من الابراج بين الابواب الاربعة حيث اقيمت على عشرة من هذه الابراج مدافع ضخمة للدفاع عن المدينة في اواخر العهد العثماني
وهناك باب خامس يطل على نهر دجلة يعرف ب(باب الجسر – او باب الشط وفي التركية (صوقابي) وموضعه شمالي المدرسة المستنصرية ذكره الرحالة (تافرنيه) عام 1676(انظر الخارطة).

ومن المؤسف انه لم يبق في الوقت الحاضر من هذه الابواب الاربعة الا الباب الوسطاني الذي سبق لدائرة الاثار القديمة عام 1936 ان قامت بترميمه وصيانته وجعلته متحفا للاسلحة اما باب الطلسم فقد نسفه الجيش العثماني ليلة 11-3- 1917عند دخول الجيش البريطاني من الذخائر المخزونة في باب الطلسم وقد أسف اهل بغداد على تدميرهذا الاثر التاريخي ورثاه عدد من الشعراء. اما باب كلواذا – اي الباب الشرقي – فقد هدمته امانة العاصمة يوم الاثنين 13-5-1937. كما رواها الاستاذ يعقوب سركيس .

قصة باب كلواذا

حظى باب كلواذا – ويكتب احيانا – كلواذى – بالالف المقصورة بالكثير من الاخبار فقد تناولته الكتب والمؤلفات ووصفه عدد من الرحالة والاثاريين الاجانب فقد رافقته احداث ووقائع تأريخية نظرا لتعدد استخدام الباب لاغراض كثيرة بعد ان كان حصنا دفاعيا ومدخلا للمدينة , يضاف الى ذلك تعدد اسماء الباب كما سنبين ذلك:

1- سمي باب كلواذا نسبة الى بلده مهمة فيها جامع خاص بصلاة الجمعة من الدور العباسي عرفت ب(كلواذى) والاسم كما يبدو من لفظه اراميا.

2- عرف الباب ب(باب البصلية) لان الطريق الذي يخرج منه ويؤدي الى قرية كلواذى كان مزروعا بالبصل وفي جوار باب البصلية انشأ الخليفة المقتدي محلة البصلية كما يذكرياقوت الحموي وكان احد قواد المغول قد اتخذ مقر معسكره بأزاء باب كلواذى في اثناء الحصار المغولي لبغداد سنة 656هـ وعندما احتل البريطانيون بغداد في 11 اذار سنة 1917 اتخذوا من باب كلواذاى كنيسة لهم – بعد ترميمها – باسم كنيسة (سنت جورج church of saint George ) وسميت كذلك بالكنيسة الانكليكانية , وكنيسة الحامية البريطانية وعندما توفيت المستشرقة البريطانية –غرترود لوثيان بيل – اي المس بيل (miss bellc.l.)) صيف عام 1926 أقيم لها قداس في هذه الكنيسة ومنها شيعت لتدفن في المقبرة الانكليزية في الباب الشرقي.

3- وفي القرون الاربعة الماضية زار بغداد عدد من الرحالة الاجانب ودونوا مشاهداتهم عن احوالها ووصفوا السور والابواب اوجاءت الابواب باسمائها التركية العثمانية خاصة باب كلواذى مثل قره لغ , قارويغ قابي , قرة او لو ق00الخ

مدحت باشا وباب كلواذا (1868- 1872)

وعندما تولى المصلح الكبير مدحت باشا ولاية بغداد قام باصلاحات كبيرة منها انشاء مصانع , فقد انشأ معملا لدباغة الجلود خاصا بصنع اللوازم العسكرية للجنود كالاحذية والحقائب واحتياجاتهم ولوازمهم الحربية, فقام باصلاح وترميم باب كلواذا وجعله (الدباغخانه) وقد ظهر اسم (الدباغخانه) في عدد من الخرائط لسور بغداد الشرقية. وعن موقع الدبخانة جاء في تاريخ العراق بين احتلالين نقلا عن جريدة الزوراء الصادرة في 26- رمضان – 1334هـ مايلي: فتحت جادة خليل باشا (خليل باشا سي) بعرض 16 م وفي مدة وجيزة وتبتدىء من الدبخانة العسكرية الى باب الاعظمية وجرى افتتاحها يوم اعلان الدستور في 23-7-1916.

الباب الشرقي:اما اسم الباب الشرقي فلم يظهر الا على خارطة الضابط العراقي رشيد الخوجة باسم (شرجي قبو)وذلك سنة 1908

حديقة الملك

كان سور بغداد الشرقية محاطا بخندق عميق ياخذ ماءه من نهر دجلة من نقطة تقع في موضع بداية مدينة الطب ويجري الماء من هذا الخندق وتصب من نقطة عند موقع المطعم التركي وعند دار عبد القادر باشا الخضيري. وبقى هذا الخندق مباءة للاوساخ والنفايات والحيوانات النافقة حتى جاءت امانة العاصمة على عهد امينها المهندس ارشد العمري فحولت الضلع الجنوبي الشرقي من الخندق الى حديقة باسم "حديقة الملك غازي "وذلك في اواسط الثلاثينات من القرن العشرين , وحول الاسم بعد ثورة 14 تموز الى "حديقة الامة " يرتادها اهالي بغداد ويقوم في مدخلها نصب الحرية للفنان الكبير جواد سليم
رب سائل يسال: اين تقع قرية كلواذا؟ ويجيب على هذا السؤال استاذنا العلامة مصطفى جواد , يقول تقع كلواذا في جنوب منطقة الكرادة الشرقية وموضعها في تلول الزوية المعروفة ب(ايشن حاج عبد) – اي تلول الحاج عبد , وقد عثر في هذه التلول على اثار من الفخاريات وغيرها.