ناس وحكايات تحت الاضواء ..قصة الطباخ الذي اضحك المصريين 45 عاما!

ناس وحكايات تحت الاضواء ..قصة الطباخ الذي اضحك المصريين 45 عاما!

احتفلت اسرة علي الكسار الممثل الهزلي الذي ظل يضحك المصريين خمسة واربعين عاما.. بعيد ميلاده الخامس والستين.. وكانت الحفلة مقصورة على افراد اسرته فقط، التي تتكون من ثلاث زوجات وابنائه واحفاده..

وعلي الكسار الممثل الذي ظهر على مسارح القاهرة لأول مرة في سنة 1907 لم يتقاعد بعد.. فقد انضم منذ سنتين الى المسرح الشعبي ولا يزال يسافر الى القرى والنجوع البعيدة، ليضحك المتفرجين من اهالي الريف ويبادلهم النكات والقافية ان الليلة التي يظهر فيها علي الكسار تمتلئ الساحة التي يقام فيها المسرح الشعبي بمئات المتفرجين الذين يجلسون القرفصاء ويصغون باهتمام الى كل كلمة يلقبها هذا الرجل الاسطورة..
وعلي الكسار قطعة من ايام العز القديم .. وكانت المنافسة بينه وبين نجيب الريحاني في شارع عماد الدين لا تنقطع خلال فصل الشتاء.. فكان لكل منهما فرقة كبيرة تضم لفيفا من كبار الممثلين والممثلات الهزليين.. وظلت المنافسة قائمة بين مسرح الريحاني ومسرح الكسار حتى سنة 1937.. وكان الريحاني لا يعمل اكثر من شهرين فقط في فصل الشتاء، ثم يغلق مسرحه طوال الموسم.. اما علي الكسار فكان يعمل في الشتاء على مسرح ماجستيك بشارع عماد الدين.. وفي الصيف ينتقل بفرقته الى الاسكندرية او روض الفرج..

يلقي النكتة وهو عابس الوجه!
وعلي الكسار يعيش الان في ثلاثة بيوت.. البيت الاول في حي شبرا، ويضم زوجته الاولى التي تزوجها منذ اكثر من ثلاثين عاما.. اما اولاده الكبا فكلهم متزوجون.. ويقيم كل منهم في بيته الخاص.. والبيت الثاني في حي الداودية ويضم زوجته الثانية، وليس له منها اولاد.. والبيت الثالث في حي بولاق ويضم زوجته الثالثة، وله منها وله واحد نال الابتدائية هذا العام..
ان علي الكسار يعتبر بيت زوجته الاولى هو البيت الكبير.. وهو يواظب على زيارة زوجتيه الاخريين مرة كل يوم..
وعلي الكسار الذي اشتهر باضحاك الناس، لا يضحك من النكتة التي يلقيها.. بل انه كثيرا ما يلقي النكتة وهو عابس الوجه!.. واينما يمثل او يذهب او يجيئ.. لايسكت لسانه عن السخرية من كل شيء..
وبيت علي الكسار – البيت الكبير طبعا – يتكون من اربع غرف.. وغرفة الصالون تعطيك صورة صادقة لايام العز القديم .. وعلى الجدران تجد قصيدة كتبها احد الشعراء "تحية لحضرة صاحب الرفعة الوجيه علي افندي الكسار".. وفي الناحية الاخرى تجد شهادة معافاة ابنه حسن – الموظف الان بالترسانة – من القرعة العسكرية.
ان ابناء الاثرياء كانوا يدفعون البدل.. والدخول في سلك الجندية كان فيما مضى وقفا على الاصحاء من فقراء الناس كما كان المصريون يشيعون الشاب الذي يدخل في سلك الجندية بالندب والصراخ والعويل!
ويضم الصالون اربعة تماثيل لعلي الكسار، يرتدي كل منها القفطان الابيض والحزام الاحمر ويحمل في يده طقطوقة السجاير للضيوف!

يفرض الضريبة على الباعة في سوق الخضر!
وقصة علي الكسار الشهير – بيرري مصر الوحيد – بدأت وعمره 6 سنوات.. عندما الحق هابوه بالكتاب.. فكان يهرب من المدرسة مع بعض زملائه ليتعلم السياحة في الخليج المصري!
وكان ابوه سروجيا تخصص في صناعة سروج الخيول، فاخرجه من الكتاب ليعلمه هذه الصناعة التي كانت تدر عليه في هذا الوقت ربحا لا بأس به.
ولكن علي الكسار سئم هذه الصناعة وهرب من الدكان الى بيت خاله.. وكان خاله طباخا يعمل لحسابه في الافراح والمآتم.. فعلمه هذه الصناعة .. ووجد علي الكسار الحرية في بيت خاله.. فاقام معه.. وظل يطوف مع خاله بالقصور والسرايات.. ويختلط بمختلف الطبقات.. وعاشر طبقة السفرجية والطباخين.. وظل يصعد السلم خطوة خطوة.. وعندما بلغ من العمر 20 عاما كان يعمل في دائرة عبد الحميد البكري بمرتب 14 جنيها في الشهر، خلاف الضريبة التي كان يفرضها على القصابين والبقالين وبائعي الخضر في السوق!
واندمج الطباخ علي الكسار مع السفرجية والبوابين والطباخين.. فعاش معهم.. وكان يرقب حركاتهم وسكناتهم ويقلدهم في كل شيء..
وفي تلك الايام كان المصريون يقيمون في افراحهم سرادقا كبيرا، يضم المدعوين وغير المدعوين من اهالي الحي. وفي هذا السرادق يقام المسرح الذي يتولى فيه الممثلون تمثيل الفصول المضحكة حتى يجيء موعد الغناء او الزفة!
وكان علي الكسار يشاهد الممثلين وينظر اليهم باعجاب.. وتمنى في احد الايام ان يكون واحدا منهم!

بربري مصر الوحيد!
وفي احد الايام كان يمر بشارع المواردي بحي المنيرة فرأى مسرحا يتزاحم على بابه الناس.. وكان هذا المسرح هو دار التمثيل الزينبي! فتسلل من باب الممثلين.. وقدم نفسه الى صاحب النياترو.. فاتاح له العمل ثلاثة ايام تحت التجربة.. ثم عرض عليه اجرا قدره ثلاثون قرشا في اليوم.. وفي اليوم الثاني خلع علي الكسار ملابس المطبخ واعلن دائرة عبد الحميد البكري ان تبحث لها عن طباخ.. لانه طلق هذه المهنة!

في شارع عماد الدين!
وعندما انتقل الى شارع عماد الدين – في سنة 1916 – بدأ يفكر في الشخصية التي يتقمصها على المسرح.. فان التمثيل في شارع عماد الدين يختلف كثيرا عن التمثيل في المسارح المتنقلة. واخيرا وفق الى شخصية "عثمان" البربري الساذج الطيب القلب، فكلف احد المؤلفين بكتابة اول مسرحية يتولى فيها علي الكسار دور "عثمان عبد الباسط"، وقدم هذه المسرحية بعنوان "اضرار الحشيش"!
ثم استأجر مسرح كازينو دي بارى - مكان سينما ستوديو مصر الان – وقدم على هذا المسرح المسرحية التي جذبت اليه الزبائن من جميع الطبقات وكان عنوانها "حسن ابو علي سرق المعزة"!

مع حامد مرسي وعقيلة راتب!
ولمع اسم الطباخ علي الكسار في شارع عماد الدين.. وفي سنة 1919 انضم اليه المرحوم امين صدقي.. ثم تولى سيد درويش تلحين المسرحيات.. وفي سنة 1921 ظهر الشيخ حامد مرسي على المسرح مع علي الكسار.. ولم يكن ينقص فرقة الكسار سوى المطربة التي تتولى ادوار البطولة امام فتى الفرقة الاول حامد مرسي.. حتى ظهر عقيلة راتب وانضمت الىالفرقة في سنة 1927.. ونشأت علاقة غرامية بين بطل وبطلة الفرقة.. فلم يسع علي الكسار الا ان يوفق بين رأسيهما في الحلال!
وبلغت هذه الفرقة مجدا عظيما.. وكان مسرح الكسار يستقبل في كل ليلة لفيفا من الاعيان والعمد الذين يجيثون من اقاصي الريف لمشاهدة هذه الفرقة العظيمة التي لم يكتب لها من العمر سوى عشر سنوات فقط.. ثم اسدل الستار على قصة المسرح المصري.. ففشلت كل المحاولات التي بذلها يوسف وهبي وفاطمة رشدي وعزيز عبد والريحاني وعلي الكسار.. وظهرت السينما.. فاتجهوا اليها جميعا.. فنجح بعضهم وفشل البعض الاخر .. ثم قامت الحرب الثانية .. فطوحت بالمسرح المصري في زوايا النسيان..
مجلة المصور-1953